إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم .
كان للإسلام أثر كبير في تغيير قيمة الأشياء والأخلاق في نظر العرب، فارتفعت قيمة أشياء، وانخفضت قيمة أخرى، وأصبحت مقومات الحياة في نظرهم غيرها بالأمس، وقد لاقى النبي
صلى الله عليه وسلم
صعوبات كبرى - في نقلهم من عقليتهم الجاهلية إلى عقليتهم الإسلامية - تجدها مبسوطة في كتب السيرة؛ كما احتمل المسلمون السابقون من العذاب كثيرا، فعن ابن عباس: «والله إن كان المشركون ليضربون أحدهم ويجيعونه ويعطشونه حتى ما يقدر على أن يستوي جالسا من شدة الضر الذي نزل به، حتى يعطيهم ما سألوه من الفتنة، وحتى يقولوا له: آللات والعزى إلهك من دون الله؟ فيقول: نعم ... إلخ»، حتى اضطر كثير منهم بعد خمس سنوات من الدعوة أن يهاجروا إلى قطر نصراني، وهو الحبشة يلجئون إليه، فهاجر نحو مئة ممن أسلم، وتركوا النبي
صلى الله عليه وسلم
في مكة مع عدد قليل من أصحابه، ولم ينتشر الإسلام، وبعبارة أخرى لم تنتشر العقلية الجديدة إلا بعد الهجرة إلى المدينة وانهزام قريش حربيا، وحقا أن هذا النزاع بين النبي
صلى الله عليه وسلم
وقريش أولا، ثم بين المدنيين والمكيين ثانيا، ثم بين من دخلوا من العرب في الإسلام ومن لم يدخلوا، إنما هو نزاع بين عقليتين: عقلية وثنية تباح فيها اللذائذ، وتمنح فيها الحرية إلى حد بعيد، وتقدر فيها الأخلاق تقديرا خاصا؛ وعقلية أخرى موحدة تداس فيها الأصنام دوسا، وتمتهن بكل أنواع الامتهان، وتكسر من غير هوادة، ولا تباح فيها اللذائذ إلا بمقدار، وتدفع فيها الضرائب ليصرف منها للفقراء وللصالح العام، وتقيد فيها الحرية بجملة قيود: عبادات في أوقات خاصة، واحترام ملكية، واحترام نفوس، وتقلب فيها قيمة الأخلاق قلبا: فالانتقام والأخذ بالثأر لم يعد خير الخصال، وهلم جرا، وقد عبر خير تعبير عن الفرق بين الحالتين ما روي أن جعفر بن أبي طالب - وكان أحد الذين هاجروا إلى الحبشة - قال للنجاشي، وقد سألهم عن حالهم: «كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان؛ وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء؛ ونهانا عن الفواحش وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة؛ وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام، فصدقناه وآمنا به ... فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله تعالى، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث؛ فلما قهرونا وظلمونا، وضيقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلادكم»
1 .
وهذه القصة وإن كان يغلب على الظن أنها موضوعة، بدليل أن الصيام ورد فيها، وهو لم يشرع إلا بعد الهجرة إلى الحبشة، وبغير ذلك من الأدلة، فهي تمثل النزاع بين العقليتين أصدق تمثيل.
ناپیژندل شوی مخ