157

د اسلام سپیده

فجر الإسلام

ژانرونه

أورد البخاري في التاريخ: أن يزيد بن أبي سفيان كتب إلى عمر: «قد احتاج أهل الشام إلى من يعلمهم القرآن ويفقههم، فأرسل معاذا وعبادة وأبا الدرداء»، فكان هؤلاء أول مؤسسي المدرسة الدينية بالشام؛ فأما معاذ فقد قرأت طرفا من سيرته العلمية عند الكلام على مدرسة مكة، وقد قضى آخر حياته في الشام معلما؛ وأما عبادة بن الصامت فهو كذلك أنصاري كان ممن جمع القرآن، وولاه أبو عبيدة إمرة حمص وولي قضاء فلسطين، وكان من أفقه الناس في دين الله، كما كان شديدا في الحق، أنكر على معاوية كثيرا من أموره فشكاه إلى عثمان، ومات بالشام، وأما أبو الدرداء فأنصاري، كذلك كان من أفضل الصحابة وفقائهم، وقد ولي القضاء بدمشق وتوفي بها.

وقد تفرق هؤلاء الثلاثة في بلاد الشام يعلمون أهلها، فقد نزلوا جميعا أولا في حمص، ثم خلفوا بها عبادة وخرج أبو الدرداء إلى دمشق ، ومعاذ إلى فلسطين، ثم خرج عبادة بعد إلى فلسطين، وقد بعث عمر بعد هؤلاء عبد الرحمن بن غنم، فتخرج على يديهم جميعا كثير من التابعين كأبي إدريس الخولاني، ثم مكحول الدمشقي، وعمر بن عبد العزيز ورجاء بن حيوة؛ وتخرج في هذه المدرسة إمام أهل الشام عبد الرحمن الأوزاعي الذي يقرن بمالك وأبي حنيفة، وقد ولد ببعلبك وعاش في دمشق وبيروت، ولقب «بإمام أهل الشام» وقلده أهلها، وانتشر مذهبه في المغرب والأندلس، ولكن هزمه مذهبا الشافعي ومالك، فأسرع إليه الفناء.

كانت دمشق مركز الخلافة في عهد الدولة الأموية، فكان طبيعيا أن يقصدها العلماء من كل صقع، ولكن خلفاء بني أمية لم يشجعوا الحركة العلمية - لما بينا قبل - إنما شجعوا الشعر والخطابة وفنون الأدب، فكانت الحركات العلمية الأخرى تنمو من نفسها، وأهم هذه الحركات الحركة الدينية، وكان الباعث على نموها الحماسة الدينية، وحاجة الناس إلى معرفة الحلال والحرام، وخاصة فيما يعرض من الحوادث التي لم تكن تعرض في صدر الإسلام.

وكان بالشام نصارى كثيرون احتفظوا بدينهم، ورضوا بدفع الجزية عن رءوسهم والخراج عن أرضهم، ودخل كثير من نصارى الشام في الإسلام، وكان من هؤلاء وهؤلاء مثقفون بالثقافة النصرانية وقامت المساجد بجانب الكنائس، فسرعان ما كان الاحتكاك بين الإسلام والنصرانية، وكان بينها جدال وحوار وخصومة، يدل عليها ما أثر من كتابة يحيى الدمشقي النصراني كما أسلفنا، وقد سبب هذا الاحتكاك ظهور الكلام في القضاء والقدر أو الجبر والاختيار، والكلام في صفات الله هي عين الذات أو غيرها، ولعل هذا هو الأساس الأول لعلم الكلام في الإسلام.

مصر: فتح المسلمون مصر والثقافة اليونانية الرومانية متشرة فيها، وقد ذكرنا قبل شيئا عن مدرسة الإسكندرانيين ومذاهبهم وتعاليمهم، فلما تم فتحها أقبل العرب عليها لما سمعوا بغناها وخصب أرضها، وخططوا الفسطاط حسب قبائلهم، ونزلوا بالمدن والأرياف واستوطنوها، واتخذوا الزرع معاشا؛ ودخل كثير من القبط في الإسلام، واختلطت أنساب العرب بأنساب المصريين بما كان بينهم من تزاوج

25 .

أصبحت مصر منذ دخول العرب إليها مركزا علميا في المملكة الإسلامية كما هي مركز سياسي، ولكن الحركة العلمية في بدء عهدها لم تكن حركة فلسفية ولا دنيوية، إنما كان شأنها شأن جميع المراكز العقلية إذ ذاك، فأكبر شيء قيمة هو الدين، فكان طبيعيا أن يكون العلم السائد في هذا العصر في جميع الأقطار هو علم الدين وما إليه؛ ولكن ليس معنى هذا أن الثقافة اليونانية الرومانية التي كانت منتشرة في مصر والشام والعراق قد بادت ولم يعد لها من أثر، إنما أصابتها دهشة الفتح وخضعت لقوة الحركة الدينية، فلما هدأت النفوس أخذت هذه الثقافة اليونانية الرومانية تستعيد نشاطها وقوتها بعد أن صبغت بالتعاليم الإسلامية، وعدلت حسب ما يتفق والإسلام، ولكن هذا النشاط لم يظهر إلا آخر الدولة الأموية وصدر الدولة العباسية.

كان من الصحابة الذين نزلوا بمصر علماء علموا بها، وكانوا أساس مدرستها، وأشهرهم عبد الله بن عمرو بن العاص؛ وقد كان عبد الله هذا من أكثر الناس حديثا عن رسول الله

صلى الله عليه وسلم ، وكان يدور ما يسمع، قال مجاهد: «رأيت عند عبد الله بن عمرو صحيفة فسألته عنها، فقال: هذه الصادقة، فيها ما سمعت من رسول الله

صلى الله عليه وسلم

ناپیژندل شوی مخ