فنرى الملك مرة معتليا عرشه في بهاء شرقي مماثل لما كان يحدث في عالم الأرض، ومرة ثانية تجده يهيم في حقول البردي طالبا للقوت؛ ثم يظهر في بعض الجهات فوق مقدمة سفينة الشمس ، وفي مرة أخرى يظهر كأنه أحد النجوم الثوابت قائما في خدمة إله الشمس. ومع أننا لا نجد أية محاولة تنسجم بها تلك الصور المتناقضة، فإننا نخرج منها في الجملة بفكرة عامة؛ هي السعادة الأبدية لملك يشبه الإله: فهو يضع تواريخه (سجل أعماله) بين شعبه وحبه بين الآلهة: «إن الملك يصعد إلى السماء بين الآلهة الساكنين في السماء، ويقف على المنصة العظيمة ويستمع (في جلسة قضائية) لشئون الناس (القضائية) ... إن «رع» يمد لك ذراعه على السلم المؤدي إلى السماء.» وتقول الآلهة: «إن من يعرف مكانه يأتي. يا أيها الواحد الطاهر تربع على عرشك في سفينة «رع» واسبح في السماء ... اسبح أنت مع النجوم الثوابت ... اسبح أنت مع النجوم السيارة (التي لا تغيب) ... عش أنت هذه الحياة اللذيذة التي يحياها رب الأفق» ... «إن هذا الملك «بيبي» يذهب إلى (حقل الحياة) الذي هو مكان ولادة «رع» في السماء، ويجد «قبحت» مقتربة منه ومعها هذه الأواني الأربع التي تنعش بها قلب الإله الأعظم «رع» في اليوم عندما يستيقظ (أو بالنهار عندما يستيقظ)، فتنعش بها قلب هذا الملك «بيبي» ليحيا وهي تطهره وتنظفه، ويتسلم رزقه مما في هري (مخزن غلال) الإله العظيم، وتكسوه النجوم الثوابت.» ثم ينادي الصوت «رع» و«تحوت» (وهما إلها الشمس والقمر): «خذا أنتما هذا الملك «وناس» معكما ليأكل مما تأكلان ويشرب مما تشربان ويعيش على ما تعيشان عليه ويجلس فيما تجلسان فيه، وليصير قويا بما صرتما به قويين ويسبح [في السماء] فيما تسبحان فيه. إن خص الملك «وناس» مجدول (مبني) من الغاب، وبركة الملك «وناس» موجودة في (حقل القرابين) وقرابينه موجودة بينكم أنتم أيها الآلهة، وماء الملك «وناس» خمر مثل خمر «رع». والملك «وناس» يدور في السماء مثل «رع» ويخترق السماء مثل «تحوت».» ثم يطلب الصوت الغذاء الإلهي للملك: «أحضروا لبن «إزيس» للملك «تيتي» وفيضان «نفتيس »، ومنطقة البحيرة وأمواج البحر والحياة والفلاح والعافية والسعادة والخبز والجعة والملابس والطعام ليعيش الملك «تيتي» عليها.» «تأمل! إن الاثنين اللذين على عرش الإله العظيم «رع » يطلبان الملك «بيبي» للحياة والسرور إلى الأبد، وهذان الاثنان هما الفلاح والصحة.» وبهذه الكيفية يجد الملك أن «الحال معه اليوم أحسن مما كانت عليه بالأمس.» ثم نسمع الصوت يناديه: «هيا أيها الملك «بيبي» الواحد الطاهر! إن «رع» يجدك واقفا مع أمك «نوث» [إلهة السماء] وهي تقودك على صراط الأفق حيث تستقر في مكان إقامتك هناك، فما أجمل تلك الإقامة مع روحك «كا» أبد الآبدين!»
وتأتي أمامنا قصة انتقال الملك إلى السماء مرارا وتكرارا في صور مقنعة وتأكيد ملح، مما يجعلنا نعتقد أن المقصود من ذلك هو أن تصير كلمات تلك العبارات ذات قوة وسلطان نافذين. وتعرض أمامنا في كل حين حياة الملك في السماء مختصرة في فقرة واحدة تشتمل على تلميحات قليلة عاجلة كل منها يشبه شعاع الشمس الذي يبدو لحظة على مرتفعات منظر طبيعي على مدى البصر.
ولدينا من تلك الفقرات معرض عظيم تدافع فيه إحداها الأخرى تدافع الأمواج المتلاحقة تريد الغلبة لنفسها فتكتسح كأنها الطوفان الحقيقة «البحتة» القائلة بوجود الموت حتى تقضي عليها قضاء مبرما. ومن الصعب أن ننقل إلى ذهن القارئ الحديث، التأثير الذي تتركه تلك الآلاف من الأسطر المنقوشة وهي تمر أمام أعيننا تستخف عبارتها بمناعة حقيقة الموت استخفاف المنتصر الظافر بأعدائه، ونخص بالذكر تلك المختصرات الخاصة بحياة الملك السماوية، وهي التي نصادفها كثيرا ونعني بها تلك الفقرات التي نبحثها الآن.
ولأن ما تدين تلك الفقرات في سلطانها هو لمجرد حجمها الذي قد أقيم أمام وجه الموت كأنه السد المنيع، فإننا لا يمكننا فهم هذا السلطان إلا إذا قرأنا المجموعة «متون الأهرام» جميعها.
ولعل أدق قطعة أدبية حفظت لنا في متون الأهرام هي أنشودة الشمس التي تجد فيها الملك وإله الشمس نفسا واحدة، وهذه الأنشودة تخاطب مصر بإسهاب معددة لها المنافع التي تتمتع بها كنف حماية إله الشمس وسيادته، ومن ثم تقدم مصر «لرع» ثروتها ومحصولها. ولما كان فرعون وإله الشمس نفسا واحدة كان فرعون يهب تلك المنافع لمصر، وهي من جانبها تقدم له نفس العطايا التي تقدمها لإله الشمس، ولهذا السبب نجد أن الأنشودة بأكملها معادة مع ذكر اسم فرعون مكان اسم «رع» أو «حور» حيثما وجدا في الأنشودة الأصيلة، وبتلك الكيفية كان الملك يستحوذ لنفسه على كل الاحترام، وعلى كل القرابين التي كان يتسلمها إله الشمس من مصر.
غير أن خيال الكهنة لم يقف عند هذا الحد؛ إذ لم يكن كافيا في نظرهم مساواة الفرعون برع واتحادهما، بل نرى الفرعون المنتقل إلى السماء يصور بصورة مشعة شاسعة الأرجاء تفوق أهمية إله الشمس في الظلمة الأزلية. لهذا نسمع ذلك الصوت الخفي يناديه: «يا والد الملك «تيتي»! يا والد الملك «تيتي» في الظلمة! يا والد الملك «تيتي»، يا «آتوم» في الظلمة! أحضر الملك «تيتي» إلى جانبك حتى يشعل لك النور وليحميك كما حمى «نون» (المحيط الأزلي) هذه الإلهات الأربع في اليوم الذي حمت فيه العرش وهي: «إزيس» و«نفتيس» و«نيت» و«سركت».» ويجتاز الملك المتوفى السماء في شكل نار ملتهمة على أثر صعود الملك «وناس» على ذراع أشعة الشمس؛ كذلك نرى الملك يحتل مكانة سامية واصلة بين الأرض والسماء: «هذه ذراعه اليمنى تحمل السماء في رضا، وهذه ذراعه اليسرى تحمل الأرض في سرور.»
وكذلك نجد خيال القوم يبالغ في تصور صور ذات قوة كونية فيصير الملك «نتيجة المطر؛ أي إنه خرج من منبع الماء»، أو نجده يفوز بسر الأشياء وقوتها بصفته «مدون كتابة الإله الذي يقول ما هو كائن ويسبب خلق ما لم يكن.» وقد ولد قبل أن توجد الدنيا أو الموت: «إن أم الملك «بيبي» أصبحت حاملا فيه أنتم يا سكان «السماء السفلى»، إن هذا الملك «بيبي» قد ولد من أبيه «آتوم» قبل أن توجد السماء وقبل أن توجد الأرض، وقبل أن توجد الناس وقبل أن توجد الآلهة، وقبل أن يوجد الموت. إن هذا الملك «بيبي» يفر من يوم الموت كما فر «ست» من يوم الموت. إن هذا الملك من زمرتكم أنتم يا آلهة السماء السفلي الذين لا يمكنهم أن يموتوا بيد أعدائهم. إن هذا الملك «بيبي» لا يموت بيد أعدائه وأنتم لا تموتون بيد ملك، هذا الملك «بيبي» لن يموت بيد ملك وأنتم يا من لا تموتون بأي ميت،
1
هذا الملك «بيبي» لن يموت بأي ميت، ولذلك كان الملك حاضرا وقت ولادة الآلهة حينما كانوا يولدون في خلال سير الزمان.»
على أن حلول الملك في نفس جسم «رع» واتحادهما في نفس واحدة يشبه امتزاجه بكل الآلهة كمجموعة. ومن أهم فقرات متون الأهرام الفقرة التي تتلى عند الاحتفال بحرق البخور، وما يقوم به هذا البخور باعتباره عاملا مسيطرا له جاذبية متبادلة تحمل غالبا شذى الملك العطر حينما يصعد البخور العميق من الأرض إلى الآلهة ليختلط بشذاهم؛ ولذلك كان يجذبهم ذلك الشذى إليه بتوثيق عرى الروابط الصادقة والاتحاد بينه وبينهم.
ناپیژندل شوی مخ