257

فجر د ضمیر

فجر الضمير

ژانرونه

Hugo Gressman ، البحاثة الضليع وصاحب الرأي الثاقب في الأدب العبراني، بلا تردد على المنهل المصري الذي استقى منه «المزمور 104» المذكور الذي انحدر إلى فلسطين على ما يعتقد عن طريق فينيقية، بل قد ذهب الأستاذ «جرسمان» هذا إلى أبعد من ذلك، بأن تعرف على وجود مؤثرات أجنبية في المزامير العبرانية، حيث يقول:

إن أقدم موضوع أسطوري تناولته «الأناشيد العبرانية» هو خلق العالم، وهو وأسطورة الخلق نفسها يحتمل أنهما نشآ في بابل، وأما موضوع العناية الربانية بالعالم فإنها فكرة جاءت فيما بعد، وقد شقت طريقها إلى المزامير الفلسطينية بتأثير مصر القديمة.

وبذلك تكشف لنا أنشودة إخناتون عن المنهل الذي استقى منه مؤلف المزمور العبراني إدراكه لرحمة الله في عون مخلوقاته حتى أصغرها؛ أي إن موقف العبرانيين من جهة الطبيعة بصفتها عالم الكون، وتصورهم لعناية الخالق الرءوف بخلقه، يرجع أصله إلى أنشودة إخناتون وما يشبهها من الأناشيد الدينية بمصر القديمة، ومن المحتمل كذلك أن الشعور بهذه الطيبة والشفقة الإلهية المعبر عنه في الأنشودة الإخناتونية - والذي ظهر فيما بعد على الأخص في عصر التنسك الشخصي في مصر - كان له أيضا تأثير هام في ظهور التدين الشخصي بين العبرانيين.

ومن المهم كذلك أن نعرف ما إذا كانت أنشودة إخناتون بين العوامل التي أدت تدريجا إلى اعتراف العبرانيين بالوحدانية، ولا شك أنه من المحتمل جدا أن يكون لها بعض المكانة بين مثل هذه العوامل؛ ذلك بأنه لما كان إخناتون ملكا على أمة ذات سيطرة عالمية فقد أكسبه ذلك تلك النظرة الأولية الواسعة التي رأينا صورتها من قبل منعكسة في أنشودته العظيمة. والواقع أن أنشودة لها نظرة شاملة كهذه تتردد في أنفاسها الوحدانية الإلهية المطلقة وتنتشر في آسيا الغربية قبل ظهور الأدب العبراني الذي جاء به الأنبياء العبرانيون بعدة قرون، لا يستغرب أن يكون لها بعض التأثير في تكوين النظرة العالمية التي فرضت فيما بعد على الأنبياء العبرانيين بسبب حرج الموقف الذي وجد فيه شعبهم حيث قد صاروا ألعوبة في يد الممالك العظيمة وقتئذ، وقد بقيت حالهم تزداد حرجا إلى أن غيروا نظرتهم إلى «يهوه» الذي كان يوما ما معبودهم المحلي البدوي، فصار في نظرهم إلها مسيطرا على كل الأمم، يدير حركات جميع ملوك الأرض، ويستطيع السيطرة على كل مقاصدهم العدائية وتحويلها لخير بني إسرائيل ثم لخير جميع العالم في النهاية.

على أن وجهة نظر كهذه تؤدي - طبعا - إلى الاعتراف بنظام خلقي عالمي، ولعلنا نذكر أن كلمة «إخناتون» العليا حينما حاول نشر عقيدة التوحيد الشمسية خلال القرن الرابع عشر قبل الميلاد كانت هي «العدالة»، فكانت الحركة التي قام بها هي التطور المنطقي للعقيدة الشمسية القديمة التي اعترفت بسيادة «ماعت»؛ أي «العدالة» بصفة كونها نظاما خلقيا قوميا، فكان مرمى الأنشودة الإخناتونية التوسع في تلك السيادة القومية للعدالة وجعلها نظاما خلقيا عالميا تحت سيطرة إله واحد. على أنه ليس من السهل أن يستدل الباحث على انتقال الأفكار من جهة إلى آخرى، غير أن البحوث الحديثة قد وضعتنا في موقف يمكننا من إثبات الحقيقة الجوهرية في هذا الشأن؛ وهي أن العبرانيين اطلعوا على الأدب الخلقي والديني عند الأمم الأخرى ونقلوا ما عثروا عليه من أفكارهم، بل إنهم كانوا ينقلون هذه الآراء أحيانا بنفس التعابير التي صيغت فيها تلك الأصول الأجنبية.

والواقع أنه لا يوجد شيء في كل مجال الأدب العبراني كان له من التأثير العميق في الحضارة الغربية أكثر من تأثير نصائحهم في السلوك المستقيم عن طريق الأمثال، وهي التي نسميها «سفر الأمثال»؛ إذ إن ما في هذا الكتاب من التصوير السامي للأخلاق، وما احتواه من الحكمة الخلقية النافذة، قد امتزج بنفس مادة تصوراتنا الحديثة للحياة الفاضلة. ونجد في الترجمة الخلابة التي أقر بها «الملك جيمس»

24

من الأمثال السائرة الحاذقة ما يتمثل به بيننا يوميا.

وقد أدت العبارة الشائعة «أمثال سليمان» إلى اعتقاد القارئ المعتاد أن أمثال ذلك الكتاب هي من عمل «الملك سليمان الحكيم»، وفي الحق أنه يبتدئ بنسبة الكتاب إلى «سليمان» في مطلع الفصل الأول، ثم تكررت تلك التسمية في بداية الفصل العاشر في شكل عنوان لمجموعة أخرى من «أمثال سليمان»، كما أنه توجد به مجموعة ثالثة تحمل اسم «سليمان» وتبتدئ بالفصل الخامس والعشرين، في حين أن الفصلين النهائيين من الكتاب ينسبان إلى مؤلفين آخرين مجهولي الاسم وأحدهما منسوب إلى امرأة، فيتضح من ذلك ومما يشهد به «كتاب العهد القديم» نفسه أن كتاب الأمثال هو مجرد مؤلفة جمعت من مجموعات متفرقة، ويوجد بالكتاب فضلا عن هذه المجاميع الخمس التي كانت يوما ما متفرقة، مجموعة سادسة؛ لأننا نجد في صلب الفصل الرابع والعشرين (حتى في الترجمة الإنجليزية) ما يكشف لنا عن عنوان جديد بهذا النص «هذه أيضا «كلمات» الحكماء»، ويلي ذلك مباشرة جزء قصير يجوز أنه ملحق وضعه مؤلف مجهول، كما نجد مدفونا في قلب الفصل الثاني والعشرين، دون أي إشارة تعليقية من جانب المترجمين حتى في النسخة المنقحة، ما هو بالتأكيد بداية جزء آخر إن لم يكن عنوانا له (22-17) يسمى «كلمات الحكماء» مثل ما وجدناه في الفصل الرابع والعشرين سواء بسواء. فمن هم يا ترى (هؤلاء الحكماء) المعلمون الاجتماعيون - لأن كلمة «حكاميم» العبرية يدل معناها على صيغة الجمع - الذين قاموا بكتابة هذا الجزء الذي يبلغ نحو فصل ونصف فصل؟

الواقع أن هذا السؤال قد عجز عن الإجابة عنه كل الباحثين إلى وقت قريب جدا، غير أنه قد طبعت ورقة بردية كانت قد مكثت مدة طويلة في المتحف البريطاني، فكشفت لنا عن أن مؤلف ذلك الجزء لم يكن سوى صديقنا المصري القديم أمينموبي ! وجميع العلماء بكتاب العهد القديم الذين يعتد بآرائهم وأبحاثهم فيه يجزمون الآن بأن محتويات ذلك الجزء الذي يؤلف نحو فصل ونصف فصل «كتاب الأمثال» قد أخذ معظمه بالنص عن حكم الحكيم المصري القديم أمينموبي؛ أي إن النسخة العبرانية هي تقريبا ترجمة حرفية عن الأصل الهيروغليفي العتيق. وكذلك صار من الواضح أيضا أن حكم «أمينموبي» شائعة في مواضع عدة من كتاب العهد القديم، حيث نراها مصدرا لتلك الأفكار والتشبيهات والمقاييس الخلقية؛ وبخاصة لروح الشفقة الإنسانية الحارة، لا في كتاب الأمثال فحسب بل في القوانين العبرانية وفي سفر «أيوب»، وكما ذكرنا سابقا في سفر شاءول و«إرميا» أيضا. وقد أشرنا آنفا إلى وجود عناصر أجنبية في كتاب الأمثال لم يتردد المصنف القديم في الإشارة إليها في العناوين؛ لأن الحكيم «أجور» الذي تؤلف حكمه الفصل الثلاثين والملك «لمويل» الذي يدين لأمه بحكمه التي تؤلف الفصل الحادي والثلاثين لم يكونا بداهة من أصل عبراني.

ناپیژندل شوی مخ