وكانت أقوال النبي العبراني هي أيضا مثل ما كان يحدث في مصر بالضبط، تنتقل من مجرد السخط إلى تصوير لعصر جديد يحل عندما يتولى الحكم ملك عادل يسود في عهده حكم العدالة، ولعلنا نذكر تلك الصورة التي صورها «نفرروهو» لذلك الحكم حيث قال:
إن العدالة ستعود إلى مكانتها، والظلم سينبذ.
وعند هذه النقطة نجد أن النبي العبراني يرتفع في تصريحاته إلى تصورات سامية تصور لنا أن رسالة قومه الخلقية موجهة لجميع العالم، فهي بذلك تسمو تماما على صورة المستقبل الذهبي الذي رسمه الحكماء المصريون المبشرون القدماء. ومع ذلك يجب ألا يغيب عن أذهاننا أن فكرة التبشير بعصر جديد قد نشأت بحذافيرها من التفكير الاجتماعي الذي قام به رجال الفكر المصري في وقت لم تكن قد أشرقت فيه بعد على روح الإنسان مثل تلك الصور للمثل العليا الإنسانية في أية بقعة من بقاع الأرض، ففي عالم كانت فيه القوة دائما هي الحق، وكانت الكلمة العليا للقوة، قد نظر المفكر المصري الاجتماعي إلى ما وراء الأمور الواقعة، وتجاسر على الاعتقاد بحلول عصر عدالة مثلى. وحينما علق بذهن النبي العبراني بهاء تلك الرؤيا وارتفع إلى أفق أعلى منها فإنه كان في الواقع يقف فوق كتفي المصري القديم. وحري بالعالم الحديث أن يدرك أن تلك الرؤيا التبشيرية كان لها تاريخ يرجع إلى ما قبل وجود الأمة العبرانية بأكثر من ألف سنة.
والواقع أن هذه الرؤيا السامية للمثل العليا الاجتماعية هي تراث ورثناه عن ماضي بني الإنسان بأجمعه، ولم يكن ميراثا عن شعب واحد بذاته.
وكذلك الحال في عالم السلوك، حيث نجد أن العبرانيين قد استقوا كثيرا من مؤلفات أو «أدب» الأمثال والأساطير التي كانت منتشرة إذ ذاك انتشارا عالميا قبل سنة 1000 قبل الميلاد.
وحينما حاول النبي «أشعيا» أن يبرهن على أن «آشور» لم تكن إلا آلة في يد «يهوه» ضرب لذلك مثلا عن الآلات الجامحة، يتضح أنه بلا شك يرجع إلى أصل أجنبي، قال:
هل تفتخر الفأس على القاطع بها، أو يتكبر المنشار على مردده؟ كأن القضيب يحرك رافعه، كأن العصا ترفع من ليس هو عودا.
أشعيا، الإصحاح العاشر: 15
وكان يظن أولا أن مصدر ذلك النوع من القصص أو الأمثلة الخرافية هو بلاد الهند، ولكن الأستاذ «مسبرو» وجد منذ زمن طويل أقدم خرافة معروفة من تلك الخرافات على لوح كتابة مصري بمتحف «تورينو».
وقد تأثر الأنبياء العبرانيون أيما تأثر بالمقابلة بين الرجل المستقيم والرجل الخبيث كما صورتها كتابات ذلك الحكيم المصري القديم؛ فقد اقتبس «أرميا» تلك الصورة الهامة للشجرتين اللتين تصورهما «أمينموبي»، كما يتضح ذلك من المقارنة الآتية:
ناپیژندل شوی مخ