الاجتماعيون المصريون القدماء كانت كذلك معروفة في فينيقية في ذلك الوقت. هذا إلى أنه قد كشف عن عدد عظيم من المقابر في منحدرات تل بلدة «مجدو» عثر فيها على مقدار كبير من الجعلان «الجعارين» المصرية وغيرها من الرموز المقدسة التي يرجع عهدها إلى أيام حكماء الاجتماع المصريين القدماء.
فمن المحتمل إذن أن العقائد التبشيرية الاجتماعية التي قامت في مصر كانت معروفة في آسيا الغربية منذ عصر مبكر يرجع إلى سنة 2000 قبل الميلاد، وأن الكنعانيين كانوا على علم بها قبل قيام العبرانيين بغزو فلسطين بزمن طويل. وقد صرح «زكر بعل» ملك «ببلوص» (جبيل) الفينيقي في القرن الثاني عشر قبل الميلاد (أي في زمن القضاة العبرانيين) لرسول مصري في بلاطه، رغم امتهانه له، أن المدنية قد جاءت إلى فينيقية عن طريق مصر. فقال ما نصه:
إن آمون يمد كل الأقطار، وهو يمدها بعد أن أمد مصر التي جئت منها؛ إذ إن المهارة في الحرف قد خرجت من مصر لتصل إلى مكان مقامي، والتعليم قد خرج منها ليصل إلى مكان مقامي.
20
ومن الجلي أن هذه الكلمات تكشف لنا عن الاعتراف بأن مصر كانت منبعا لمدنية سامية في ذلك العهد.
ومن المهم أن نشير هنا في هذه المناسبة إلى أن ذلك الرسول المصري قد شاهد بنفسه شابا فينيقيا يقع في غيبوبة نبوة تماثل بالضبط ما كانت تمتاز به صورة النبوءة العبرانية المبكرة بين بني إسرائيل كما حدث مثلا في أمر شاءول، ومنه جاء المثل الذي يقول: «أشاءول أيضا بين الأنبياء.»
21
ولا بد إذن أن تعاليم الحكماء المصريين القدماء الاجتماعية كانت قد كونت جزءا من التقاليد الدينية لدى الفينيقيين والكنعانيين، وبقيت بينهم عدة قرون قبل أن تظهر «المسألة الاجتماعية» وتشحذ عواطف الرجال ذوي الشعور الخلقي الحي من العبرانيين أمثال «عاموس» و«هوشع» في خلال القرن الثامن قبل الميلاد. وكما حصل في مصر من قبل، كانت رسالة أنبياء العبرانيين في أول أمرها أيضا لا تكاد تخرج عن كونها سخطا على سوء حالة العدالة الاجتماعية،
22
كما كان المسرح والإخراج التمثيلي لذلك السخط يقام في غالب الأوقات في البلاط الملكي ، بل كان يواجه به الملك نفسه، كما كان يحدث بالضبط في مصر.
ناپیژندل شوی مخ