232

فجر د ضمیر

فجر الضمير

ژانرونه

ولا تجعلن من لسانك سكانا

فإن كان لسان الإنسان كسكان السفينة

فإن رب الجميع هو ربانها.

فهل كان هناك عندما نصح السيد المسيح - عليه السلام - تلاميذه بقوله: «لا تفكروا في الغد»؟ أي صدى لتلك الحكمة المصرية القديمة في تلك الكلمات؟ إنه من المحتمل ألا يكون في مقدورنا قط الإجابة على هذا السؤال، غير أن حكم «أمينموبي» قد قدمت لنا مساعدة جوهرية في الكشف عن مدى انتشار التعاليم الخلقية المصرية القديمة فيما وراء شواطئ النيل وبخاصة في فلسطين. على أن أعظم الأجزاء انتشارا من حكم «أمينموبي» قد تجاوزت فلسطين إلى مدى شاسع ولا تزال مستعملة بين ظهرانينا.

وقد أوضح الأستاذ «زيته» أن السطرين الغامضين في ظاهرهما، وهما الخاصان باختلاف اتجاه كلمات الناس وأعمال الله، لا يمكن أن يكون المقصود منهما سوى الفرق الشاسع بين كلمات الناس (أي مقاصدهم) وما يتلوها من أفعال الله - سبحانه وتعالى. وعلى ذلك تكون الترجمة ببعض التصرف هكذا: «الكلمات التي يتكلمها الناس تختلف في اتجاهها وأعمال الله تختلف في اتجاهها.» وتكون المقابلة هنا على البديهة هي بين «كلمات الناس» و«أعمال الإله». وعندما يذكر أنهما «يختلفان» فإن المعنى المقصود يكون بداهة «أنهما يختلفان عن بعضهما». وعلى ذلك يكون لدينا هنا المثل العالمي في أقدم صورة له: «الإنسان يريد والله يفعل ما يريد.»

وإن مثل ذلك الانتشار الواسع للرأي المصري القديم عن علاقة الله بالإنسان يفتح لنا ذلك الموضوع الواسع، وهو تأثير التطور الخلقي المصري القديم لا في تاريخ الإنسان القديم فحسب، بل في تاريخ المدنية الغربية أيضا. ولما كان بحث ذلك الموضوع يجب أن تتألف منه خاتمة هذا الكتاب، فيجب قبل أن نتناوله بالبحث أن نلقي نظرة قصيرة على المراحل الأخيرة من ذلك التفكير الخلقي المصري القديم قبل أن يحشر سكان وادي النيل إلى معمعة عاهليات البحر الأبيض المتوسط الآسيوية.

ذلك بأنه بعد سقوط العاهلية المصرية في القرن الثاني عشر قبل المسيح كانت قوى حياة البلاد الداخلية والخارجية قد اضمحلت وفقدت كل تأثير لها في إزكاء نار التفكير الخلقي مرة أخرى حتى يقوم بأي نشاط حيوي يسمو به إلى أكثر مما وصل إليه، بل قد حل مكان ذلك ركود وجمود قاتلان لا يأبهان لشيء من عوامل النمو والنشاط، وكأنما اعترى حياة تلك الأمة التي كانت ممتلئة نشاطا وحيوية ذهول خامد؛ ولذلك نجد أن التطور الذي أعقب ذلك الأوان كان مجرد ظواهر رسمية آلية لا تتناول أي تقدم في التفكير والإنتاج العقلي، وكانت قوة الكهانة بصفتها ذات نفوذ سياسي قد جعلت الملك «تحتمس الثالث» في القرن الخامس عشر ق.م ينصب رئيس كهنة «آمون» رئيسا لجميع كهنة مصر في ذلك الزمان؛ أي إنه صار الرئيس الديني للدولة.

ومع أن هذه «البابوية الآمونية» قد قاست عنفا شديدا على يد «إخناتون» فإنها قد استردت فيما بعد كل ما فقدته، بل زادت عليه كثيرا حتى إن «رعمسيس الثاني» سمح لوحي «آمون» أن يرشده في تعيين الكاهن الأعظم للإله؛ ولذلك كان من السهل في تلك الأحوال على الكاهن الأعظم لآمون أن يجعل منصبه هذا وراثيا.

ولما لم يكن في مقدور البلاد أن تقاوم تلك القوة السياسية الكهنية، التي كانت بمثابة دولة داخل الدولة، وكانت البلاد دائما فريسة لتعديها الاقتصادي، فإن مصر هوت بذلك إلى الانحطاط بسرعة، إلى أن صارت حكومة كهانة فقط، حتى إنه حوالي سنة 1100ق.م سلم الفرعون صولجانه إلى رئيس القوة الحاكمة التي صارت وقتئذ هي حكومة المعبد.

وفي خلال التطور الطويل، الذي كان من جرائه استيلاء طائفة الكهنة على إدارة شئون العرش، لبست المظاهر الخارجية والرسمية للتدين من حلل الفخامة والأبهة ما لم تصل إليه من قبل أي قوة دينية في تاريخ التدين القديم؛ ولذلك فإن معابد ذلك العصر ستبقى دائما من أروع الآثار الباقية من العالم القديم.

ناپیژندل شوی مخ