وبعد ذلك يضع الفرعون لوزيره الأعظم التفاصيل التي يجب أن يسير على نهجها في القضايا التي تقدم إليه، ثم يستشهد له في ذلك بقضية حكم فيها خطأ وزير يسمى «خيتي»، وهو وزير قديم ذائع الصيت من عهد الأهرام؛ إذ يقول له: «انظر، لقد كان ما ألقيه عليك مثلا مدونا في مرسوم تعيين الوزير الأعظم في «منف»، وكان ينطق به الملك ليحث به الوزير على الاعتدال ...
احذر ما قد قيل عن الوزير «خيتي»، فإنه يحكى أنه جار في حكمه على بعض عشيرته الأقربين منحازا للغرباء خوفا من أن يتهم بمحاباة أقاربه خيانة منه، وأنه عندما استأنف أحدهم ذلك الحكم الذي أصدره ضدهم أصر على إجحافه. واعلم أن ذلك يعد تخطيا للعدالة (يعني ماعت).
فلا تنس أن تحكم بالعدل؛ لأن التحيز يعد طغيانا على الإله، وهذا هو التعليم (الذي أعلمك إياه) فاعمل وفقا له.
وعامل من تعرفه معاملة من لا تعرفه، والمقرب من الملك كالبعيد عنه. واعلم أن الأمير الذي يعمل بذلك سيستمر هنا في هذا المكان ... ولا تغضبن على رجل لم تتحر الصواب في أمره، بل اغضب على من يجب الغضب عليه. اجعل نفسك مهيبا ودع الناس يهابونك. والأمير لا يكون أميرا إلا إذا هابه الناس ... واعلم أن الخوف من الأمير يأتي من إقامته العدل.
واعلم أن الإنسان إذا جعل الناس يخافونه أكثر مما ينبغي دل ذلك على ناحية نقص فيه في نظر القوم، فلن يقولوا عنه (إنه رجل بمعنى الكلمة). واعلم أن رهبة الأمير تبعث الرعب في نفس الكاذب عندما يعامله (الأمير) بما يفزعه منه.
واعلم أنك ستصل إلى تحقيق الغرض من منصبك إذا جعلت العدل رائدك في عملك. انظر! إن الناس ينتظرون العدل في كل تصرفات الوزير، وهي سنة العدل المعروفة منذ أيام حكم الإله في الأرض. والناس يقولون عن كاتب الوزير «إنه كاتب عادل»، أما الذي يقيم العدل بين جميع الناس فهو الوزير.
انظر! دع الرجل الذي يؤدي وظيفته يعمل حسبما يؤمر به، واعلم أن نجاح الرجل هو أن يعمل حسبما يقال له، ولا تتوان قط في إقامة العدل، وهو القانون الذي تعرفه، واعلم أنه جدير بالملك ألا يميل إلى المستكبر أكثر من المستضعف.
انظر في القانون الملقى على عاتقك (تنفيذه).»
ويلاحظ هنا أن أهم تشديد في كل هذه الوثيقة الحكومية ينصب على العدالة الاجتماعية، فلم يكن الغرض من الوزارة إظهار تفضيل الأمراء والمستشارين على غيرهم أو استعباد أحد من أفراد الشعب، بل إن كل عدالة تجري يجب أن تكون حسب القانون في كل قضية، على ألا ينسى الوزير أن وظيفته بارزة جدا؛ ولذلك كانت كل تصرفاته معروفة ظاهرة بين الناس، حتى إن المياه والرياح كانت تذيع أخباره بين كل الناس. ولا تعني العدالة أن يقع أي ظلم على من لهم مكانة سامية كما حدث في القضية الشهيرة التي ينسب أمرها إلى الوزير القديم «خيتي» المنفي الأصل، وهو الذي حكم فيها ضد أقاربه مع أن الحق كان في جانبهم، وليس هذا من العدل في شيء.
وتعني العدالة من جهة أخرى الحياد المطلق والتسوية بين الناس دون تمييز فرد على فرد، فيكون سواء لديك من تعرفه ومن لا تعرفه، ومن قرب من الملك ومن لا علاقة له بأحد من بيت الملك. إن إدارة الأمور بتلك الكيفية تضمن للوزير الاستمرار الطويل في منصبه، ومع أن الواجب المحتم على الوزير أن يظهر منتهى الحكمة عند الغضب، فيجب عليه أن يجعل من موقفه ما يكسبه احترام الشعب له، بل رهبتهم منه، ولكن هذه الرهبة يجب أن يكون عمادها الوحيد إقامة العدل من غير تمييز؛ لأن «الرهبة الحقيقية من الأمير هي إقامته للعدل.» ومن ثم لا يكون في حاجة إلى تكرار إرهاب الناس بالشدة والغطرسة؛ إذ إن ذلك يولد تأثيرا كاذبا عنه بينهم؛ فإقامة العدل كافية وحدها لأن تكون لهم رادعا. والناس يتطلعون إلى العدالة في ديوان الوزير؛ لأن العدالة كانت قانونه المعتاد منذ أن قام بالحكم إله الشمس فوق الأرض. بذلك كان قدماء المصريين في العهد الإقطاعي ينظرون إلى الوراء خلال ألف السنة التي مكثها الاتحاد الثاني وما قبله إلى عهد الاتحاد الأول الذي كان قائما في «هليوبوليس» مدينة الشمس. ومنذ ذلك العهد كان الوزير هو الشخص الذي يذكر في أمثالهم بأنه «الذي سيقيم العدل بين الناس كلهم.» ونجاح الرجل كان يتوقف على مقدرته في تنفيذ التعليمات واتباعها، وعلى ذلك لا يتوانى في تصريف العدالة، ولا ينسى أن الملك يحب الضعيف ومن لا ناصر له أكثر من المستكبر.
ناپیژندل شوی مخ