Faith in the Hereafter and Its Impact on the Individual and Society
الإيمان باليوم الآخر وأثره على الفرد والمجتمع
ژانرونه
جمهورية السودان
وزارة التعليم العالي والبحث العلمي
جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية
كلية الدراسات العليا
دائرة: القرآن الكريم والدراسات الإسلامية
قسم: العقيدة
عنوان البحث:
(الإيمان باليوم الآخر، وأثره على الفرد والمجتمع)
بحث مقدم لنيل درجة الماجستير في العقيدة الإسلامية
من جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية
وأجيزت بتقدير ممتاز
إعداد الطالب
مازن بن محمد بن عيسى
إشراف الأستاذ الدكتور
صلاح إبراهيم عيسى
١٤٣٣ هـ - ٢٠١٢ م
1 / 1
مقدمة الأستاذ الدكتور صلاح إبراهيم عيسى
بعض الناس ينكرون الكثير من الحقائق الدينية التي جاء بها الرسل وعلى رأسها الإيمان باليوم الآخر، إلا أنهم يجدون أنفسهم مضطرين للإيمان بحقيقة الموت. فلو أنهم فكروا قليلا لعرفوا أن الموت تعقبه حياة ثانية كما كانت الأولى؛ لأن الموت أول منازل الآخرة.
وقد بين الكاتب مازن بن عيسى في كتابه هذا أن كل أهل الديانات السماوية يقرون بحقيقة اليوم الآخر .. إلا من جحد منهم، فصارت حياتهم عبئا عليهم قبل أن تكون عبئا على غيرهم .. وهذا ما أوضحه الكاتب. إذ أن للإيمان باليوم الآخر أثر عظيم في حياة الفرد، ومن ثم في المجتمع لذا فإن هذا الكتاب من أهم الكتب التي تستحق القراءة لأكثر من مرة؛ حتى يقر المنكر، وينتبه الغافل .. فقد حوى الكثير من الحقائق التي تفيد عامة المؤمنين .. وبخاصة الطلاب والباحثين.
لله درك يا مازن. ومزيدا من الانتاج الفكري.
د. صلاح إبراهيم:
أستاذ العقيدة بجامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية - السودان.
أستاذ العقيدة بكلية الدراسات الإسلامية والعربية- دبي
﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [البقرة ٢٨١]
1 / 2
الإهداء
أهدي هذا البحث المتواضع
إلى كل من له الفضل عليَّ بعد الله تعالى
إلى والدي الكريمين
أعظم القامات التي أشعرتني بالأمان والاطمئنان بعد الله تعالى
وأعلى الهامات التي شجعتني على البذل والعطاء
إلى والدي العزيز أسأل الله تعالى أن يجعل هذا العمل المبارك
نورا وضياء لك في قبرك
وأن ينزل عليك شآبيب الرحمات وعظيم المكرمات
إلى والدتي العزيزة الغالية
أمد الله تعالى في عمرك بالصحة والخير والطاعة ومتعنا بكِ
إلى زوجتي التي وقفت معي وشجعتني
إلى أساتذتي ومشايخي الكرام الأفاضل
جزاكم الله تعالى عني وعن المسلمين خير الجزاء وأعظم لكم المثوبة وأجزل لكم النوال
1 / 3
شكر
الشكر لله تعالى أولا وآخرا، وظاهرا وباطنا
فله الحمد والشكر حمدا يوافي نعمه ويكافي مزيده
أحمده على تمام نعمته ومنته وفضله، أبلغ حمد وأكمله، حمدا بالغا من التمام منتهاه
ثم
أُقدِّم خالص شكري وامتناني لكل من ساهم معي بنصح أو توجيه او إرشاد
حتى خرج البحث في صورته التي ارتضيتها واطمئننت إليها
وأخص منهم
فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور
صلاح إبراهيم
صاحب الخلق الجم
الذي غمرني بلطفه، وسددني بغزير علمه، وأتحفني بحسن توجيهاته
فله من الدعاء أخلصه ومن الثناء أعطره ومن الشكر أبلغه
وأشكر الجامعة الموقرة، جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية بأم درمان بجميع إدارييها ومنسوبيها، التي يسرت لي ولطلاب العلم، كسب المعارف، والارتقاء في سماء العلوم.
فهي منار للسالكين، وواسطة عقد للراغبين، ينهل من معينها الصافي كل منهوم، ويغرف من بحر جودها كل محروم جعلها الله تعالى ذخرا للإسلام والمسلمين.
1 / 4
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، أحمده سبحانه له الحمد كله وإليه يرجع الأمر كله، خلق الخلق فأحصاهم عددًا، إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدًا، لقد أحصاهم وعدهم عدًا وكلهم آتيه يوم القيامة فردًا.
له الحمد سبحانه خلق فسوّى، وقدّر فهدى، له الآخرة والأولى، جعل الأولى دار ممر، والآخرة دار مقر، ﴿خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ ... [الملك: ٢]، وفضّل ﷾ الآخرة على الأولى فقال: ﴿وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (٤)﴾ [الضحى: ٤]، وجعلها خيرًا للمتقين فقال: ﴿وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (١٦٩)﴾ [الأعراف ١٦٩]، وجعل ﷾ الحياة الحقيقية في الدار الآخرة فقال: ﴿وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (٦٤)﴾ ... (^١) [العنكبوت ٦٤]
_________
(^١) يقول الإمام ابن القيم: " ويحتمل قوله: " وإن الدار الآخرة لهي الحيوان " معنيين:
أحدهما: أن الحياة الآخرة هي الحياة؛ لأنها لا تنغيص فيها ولا نفاذ لها، أي: لا يشوبها ما يشوب الحياة في هذه الدار، فيكون الحيوان مصدرًا على هذا.
الثاني: أن يكون المعنى أنها التي لا تفنى ولا تنقطع ولا تبيد، كما يفنى الأحياء في هذه الدنيا، فهي أحق بهذا الاسم من الحيوان الذي يفنى ويموت ". ابن القيم: حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، ص (٨٠)
وقال الأمام القرطبي: " قال بعضهم: الدنيا إن بقيت لك لم تبق لها، وأنشد:
تروح لنا الدنيا بغير الذي غدت ... وتحدث من بعد الأمور أمور
وتجري الليالي باجتماع وفرقة ... وتطلع فيها أنجم وثغور
فمن ظن أن الدهر باق سروره ... فذاك محال لا يدوم سرور
عفا الله عمن صَيّر الهمَّ واحدًا ... وأيقن أن الدائرات تدور
قلت: وهذا كله في أمور الدنيا من المال الجاه والملبس الزائد على الضروري الذي به قوام العيش، والقوى على الطاعة، وأما ما كان منها لله فهو من الآخرة، وهو الذي يبقى " القرطبي: الجامع الأحكام القرآن (١٣/ ٣٦١).
1 / 5
قال مجاهد: " لا موت فيها " (^١) وقال قتادة: " هي الحياة" (^٢) وقال الزجاج: " هي دار الحياة الدائمة" (^٣) وقال الكرماني: " أي الحياة التي لا غاية لأمدها ولا نهاية لأبدها" (^٤).
والدار الآخرة كما يقول ابن زيد: " دار حياة لأهل النار وأهل الجنة، ليس فيها موت لأحد الفريقين" (^٥)، لكن الله ﷿ أكرم عباده المؤمنين الطائعين القائمين بحقه، والملتزمين بشرعه، الحياة السعيدة الطيبة، قال ﷾: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٩٧)﴾ [النحل ٩٧].
" قال ابن عباس ﵄ " الحياة الطيبة: السعادة، وقال مجاهد: يحييهم حياة طيبة في الآخرة، وقال ابن زيد: الحياة الطيبة في الآخرة هي الجنة ألا تراه يقول: ﴿يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (٢٤)﴾ [الفجر:٢٤] قال: هذه آخرته" (^٦) سبحانه جل وعلا في ابتداء الآية إلى الحياة الدنيا فقال: ﴿وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ﴾ [العنكبوت:٦٤] والإشارة بهذه ازدراء للدنيا وتصغير لأمرها وكيف لا؟ وهي لا تزن عند الله جناح بعوضة، أي: ما هي في سرعة زوالها عن أهلها، وموتهم عنها، إلا كما يلعب الصبيان ساعة ثم يتفرقون" (^٧).
_________
(^١) ٢) مجاهد: تفسير مجاهد ص (٥٣٧).
(^٢) ٣) عبدالرزاق: تفسير عبدالرزاق ص (١٢)
(^٣) ٤) الزجاج: معاني القرآن وإعرابه ص (٤/ ١٧٣).
(^٤) ٥) الكرماني: غرائب التفسير ص (١/ ١٩٧).
(^٥) ٦) الطبري: تفسير الطبري ت: أحمد محمد شاكر ص (١٧/ ٢٩١).
(^٦) ٧) الطبري: تفسير الطبري ت: أحمد محمد شاكر ص (١٧/ ٢٩١).
(^٧) أبو حيان: البحر المحيط ت: صدقي جميل ص (٨/ ٣٦٦).
1 / 6
ولذا عقب الله ﷾ بقوله: ﴿وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (٦٤)﴾ أي:" دار الحياة التي لا موت فيها ولا تنغيص يشوبها كما يشوب الحياة في الدنيا: ﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ أي: لو علموا لرغبوا عن الفاني في الباقي، ولكنهم لا يعلمون " (^١) فـ "دار الحيوان: أي الحياة الكاملة التي من لوازمها أن تكون أبدان أهلها في غاية القوة، وقواهم في غاية الشدة لأنها أبدان وقوى خلقت للحياة، وأن يكون موجودًا فيها كل ما تكتمل به الحياة، وتتم به اللذات، من مفرحات القلوب، وشهوات الأبدان، من المآكل والمشارب والمناكح، وغير ذلك مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر" (^٢).
فأحمده ثانيا وآخرًا كما حمدته أولًا، وهو أهل للحمد، أهل الحمد والثناء والمجد ﷾، لا أحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه الكريمة المقدسة، فالحمد لله، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، ملء السموات وملء الأرض، وملء ما شاء ربنا من شيء بعد.
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وقائد الغر المحجلين صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، واللواء المعقود، عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرًا مزيدًا إلى يوم الدين.
أهمية الموضوع:
تبرز أهمية الكتابة في مثل هذا الموضوع الحيوي المهم في:
١ - حاجة الناس الملحة لبيان المعتقد السلفي الصحيح في باب الإيمان باليوم الآخر، والمنهج الذي ساروا عليه لبيان دلائله ومسائله وأحكامه.
٢ - وأنه لما كانت أخبار اليوم الآخر ونصوصه مما لا يدخله النسخ كما نص عليه العلماء، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " فالإخبار عن الله وعن اليوم الآخر وغير ذلك لا نسخ فيه " (^٣)، فلما كانت كذلك كانت الحاجة ماسة لسرد نصوصه، وجمع أخباره، والتوفيق فيما يظهر فيه من التعارض.
_________
(^١) ابن الجوزي: زاد المسير ت: عبدالرزاق المهدي، ص (٦/ ١٤٥).
(^٢) السعدي: تيسير الكريم الرحمن، ت: عبدالرحمن اللويحق، ص (٦٣٥).
(^٣) ابن تيمية: الجواب الصحيح، ص (٢/ ٤٥١).
1 / 7
٣ - أن تذكير الناس بأحوال اليوم الآخر وأهواله سبب لتهذيب أخلاقهم وتقويم لمسيرة حياتهم، إذ في نسيان اليوم الآخر أو تناسيه أو التغافل عنه، تفشو الكثير من المنكرات ويفشو الظلم، والتعدي على الحرمات، أما في ذكره والتذكير به ضبط للسلوك، لذا كان النبي J يقول:» أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَادِمِ «(^١) ...، ويقول ﵊:» كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا، فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمُ الْآخِرَةَ «(^٢) ففي التذكير باليوم الآخر سلامة وخير للأفراد والمجتمعات.
والناظر في كتاب الله تعالى بتأمل وتدبر وتفكر، يظهر له جليًا صدق ما أقول فقد تعددت النصوص، وتكاثرت الآيات، بشتى الأساليب بالترغيب والترهيب، مذكرة باليوم الآخر، وأحواله وأهواله؛ ليكون سببًا يكف به صاحب الشر عن شره، وصاحب الظلم عن ظلمه، وكذا يدعو المصلحين والمحتسبين إلى الصبر على ما ينالهم من أذى في سبيل الدعوة إلى دين الله وشرعه، قال تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (٣)﴾ (العصر ١ - ٣).
_________
(^١) أخرجه الترمذي ح [٢٣٠٧] وقال: حسن غريب، وصححه الإمام عبدالحق الإشبيلي في الأحكام الصغرى ت: أم محمد بنت أحمد الهليس ص (٨٦٧)، وحسن إسناده الهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ت: حسام الدين القدسي (١٠/ ٣١٢)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي [١٠٥٤].
(^٢) أخرجه مسلم في صحيحه ح [١٩٧٧].
1 / 8
٤ - دعوة الناس للاستعداد لهذا اليوم العظيم، الذي يُعرض فيه الجليل والحقير، قال تعالى: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (٤٩)﴾ [الكهف: ٤٩] وقال تعالى ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (٤٧)﴾ [الأنبياء: ٤٧].
٥ - وأن الله ﷾ هو الحق العدل الذي لا يُظلم عنده أحد، قال تعالى: ﴿لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ﴾ [غافر:] فكل من أحسن فله عند ربه الحسنى، قال تعالى: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: ٢٦] فإذا علم المرء ذلك واعتقده، عمل وأحسن الظن بربه، قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (٣١)﴾ [النجم: ٣١] وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (١١٢)﴾ [طه: ١١٢]
٦ - بيان المعتقد الصحيح، والمنهج القويم في الإيمان باليوم الآخر.
٧ - ذكر الأقوال والاعتقادات المخالفة لمسائل الإيمان باليوم الآخر ثم الرد على هذه الشبهات.
1 / 9
أسباب اختيار الموضوع:
كان لاختيار هذا الموضوع جملة من الأسباب منها:
١ - أن الإيمان باليوم الآخر ركن أصيل من أركان الإيمان، لا يتم إسلام العبد وإيمانه إلا به.
٢ - وأن سعادة المرء معقودة على الإيمان بهذا الركن العظيم، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وهذه الأصول الثلاثة وهي الإيمان بالله وباليوم الآخر والعمل الصالح هي الموجبة للسعادة في كل ملة، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢)﴾ [البقرة:٦٢] والشرع ما جاءت به الرسل وهو الأصل الرابع" (^١).
٣ - وأن الحق ﷾ دائما يؤكد على مسألة البعث والقيامة والحساب والجزاء، وشاهد ذلك القرآن العظيم، فإنه مليء بأخبار هذا اليوم العظيم، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " وهكذا القرآن فإنه قرر ما في الكتب المتقدمة من الخبر عن الله وعن اليوم الآخر، وزاد ذلك بيانًا وتفصيلا، وبيّن الأدلة والبراهين على ذلك" (^٢).
وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في موضع آخر الأصول الثلاثة التي عليها مدار الخلق والأمر والسعادة وهي: إثبات الصفات والتوحيد والقدر، وتفصيل الشرائع وبيان ما يحبه الله تعالى ويكرهه، وبيان الجنة والنار والثواب والعقاب، وأخبار اليوم الآخر فقال: " وعلى هذه الأصول الثلاثة مدار الخلق والأمر والسعادة، والفلاح موقوف عليها، ولا سبيل لمعرفتها إلا من جهة الرسل" (^٣).
٤ - وأن الرسول ﵊ قد بيّن وفصّل عن أخبار اليوم الآخر أكمل مما جاء به سائر الأنبياء، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " فإن مما جاء به محمد من أسماء الله وصفاته ووصف اليوم الآخر، أكمل مما جاء به سائر الأنبياء" (^٤).
_________
(^١) ابن تيمية: جامع الرسائل ت: د محمد رشاد سالم (٢/ ٢٨٨)
(^٢) ابن تيمية: مجموع الفتاوى ت: عبدالرحمن بن قاسم (١٧/ ٤٤).
(^٣) ابن تيمية: مجموع الفتاوى مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف (١٩/ ٩٦).
(^٤) ابن تيمية: مجموع الفتاوى ت: عبدالرحمن بن قاسم (١٢/ ٤٧٥).
1 / 10
ويقول في موضع آخر: "فلا يُذكر في التوراة والإنجيل والزبور نوع من الخبر عن الله وعن ملائكته، وعن اليوم الآخر إلا وقد جاء به على أ كمل وجه، وأخبر بأشياء ليست في الكتب" (^١).
وذكر - يرحمه الله - أن ما عند المسلمين من أخبار اليوم الآخر أعظم وأجل بكثير مما عند غيرهم فقال: " فإن الذي عند المسلمين: من توحيد الله ومعرفة أسمائه وصفاته وملائكته وأنبيائه ورسله، ومعرفة اليوم الآخر، وصفة الجنة والنار، والثواب والعقاب، والوعد والوعيد، أعظم وأجل بكثير مما عند اليهود والنصارى، وهذا بيّن لكل من يبحث عن ذلك" (^٢).
٥ - وأن الإيمان باليوم الآخر من مشتركات الكتب السماوية، فالنصوص السابقة تدل على اشتراك الملل في الإيمان باليوم الآخر، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " فإن المسلمين واليهود والنصارى متفقون على أن في الكتب الإلهية: الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له، وأنه أرسل إلى الخلق رسلًا من البشر، وأنه أوجب العدل وحرّم الظلم والفواحش والشرك وأمثال ذلك من الشرائع الكلية، وأيضا الوعد بالثواب والوعيد بالعقاب، وهم متفقون على الإيمان باليوم الآخر وقد تنازعوا في بعض معانيها واختلفوا في تفسير ذلك" (^٣).
ومع هذا الاشتراك إلا أن الأخبار الواردة في اليوم الآخر وصفاته قد ذكرت مجملة عند أهل الكتابين، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "لهذا ليس في الإنجيل من صفات الله وصفات ملكوته ومن صفات اليوم الآخر، إلا أمور مجمله وكذلك التوراة ليس فيها من ذكر اليوم الآخر إلا أمور مجملة" (^٤)
_________
(^١) ابن تيمية: الجواب الصحيح (٥/ ٤٤١).
(^٢) ابن تيمية: مجموع الفتاوى (٤/ ٢٠٢).
(^٣) ابن تيمية: الجواب الصحيح (٢/ ٤٤١).
(^٤) ابن تيمية: الجواب الصحيح (٥/ ٢٩٤).
1 / 11
وذكرالإمام ابن القيم في معرض حديثه عن الصحابة ومنافحته عنهم، ما اشتمل عليه القرآن الكريم من تفاصيل الأخبار مما لم يُذكر في كتاب قبله فقال: " وذِكرِ اليوم الآخر وتفاصيل أحواله، وذكر الجنة وتفاصيل نعيمها والنار وتفاصيل عذابها، وذكر البرزخ وتفاصيل أحوال الخلق فيه، وذكر أشراط الساعة والإخبار بها مفصلًا بما لم يتضمنه كتاب غيره، من حين قامت الدنيا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها" (^١).
٦ - وكذا فإن "القرآن يحدث المؤمنين عن اليوم الآخر، ويجسمه لهم كأنما يرونه اللحظة أمامهم، ويعيشون مشاهده الحية بوجدانهم بل بلغ من إعجاز القرآن في تصوير مشاهد القيامة أن يحس الإنسان كأنما يوم القيامة هو الحاضر الماثل، وكأنما الدنيا ماض قد انقضى وانطوى من زمان بعيد! " (٤).
٧ - و" كان النبي يحدثهم عن اليوم الآخر وأحوال الحشر، وما ينتظر الكفار من ألوان العذاب البشع، وما ينتظر المؤمنين من ألوان المتاع التي لا تخطر على قلب بشر، ويعلمهم أن طاعة الله ورسوله هي الطريق إلى هذا المتاع الخالد الدائم، وأن الكفر بالله ورسوله هو طريق النار " (^٢).
٨ - ولما كان لهذا اليوم العظيم، والمشهد الرهيب، الذي تحكيه أحداثه وتفاصيله العظيمة، أثر كبير في نفوس البشر، مما يعود نفعه عليهم بتقوية سلوكهم، وتصحيح مساراتهم، وتنقية حياتهم وتصفيتها من الشوائب التي كدرت معيشتهم وعكرت طريقهم، أحببت أن أسهم في بيان حقيقة هذا اليوم العظيم وبيان أخباره وتفاصيل أحداثه، وإظهار مذهب السلف في هذا الباب الذي يُعرف عند المتكلمين بالسمعيات. وكان الاختيار منصبا على ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية وأصّله عن اليوم الآخر في كتابه الموسوم العقيدة الواسطية، التي كُتب لها القبول، واعترف بفضلها القاصي والداني، حتى جرت له لأجلها مناظرات عديدة، أشار إليها شيخ الإسلام وقيّدها، وأبان عن الحقائق والتفاصيل التي جرت له بسببها.
_________
(^١) ابن القيم: هداية الحيارى ت: محمد أحمد الحاج (٢/ ٤٤٤).
(٤) محمد قطب: منهج التربية الإسلامية (٢/ ٢٨٩).
(^٢) محمد قطب: منهج التربية الإسلامية (٢/ ٢٩٣).
1 / 12
سبب اختيار العنوان، وما امتازت به العقيدة الواسطية عن غيرها:
كان البحث المقترح للرسالة، هو منهج الإمام ابن القيم في بيان أحوال اليوم الآخر، وقُدّم بمسمى: " الإيمان باليوم الآخر وأثره على الفرد والمجتمع على ضوء كلام الإمام ابن القيم "، ولكن أرتأت اللجنة المشرفة على البحث أن يُعدّل العنوان ليصير:" أثر الإيمان باليوم الآخر على الفرد والمجتمع كما قرره الإمام ابن تيمية في العقيدة الواسطية "، فنزلت عند رغبتهم، وأخذت برأيهم، وسرت على مشورتهم، وشعرت بتمام الارتياح لهذا التعديل؛ لأنه نابع عن اختيار أهل العلم، ومشورة أهل الفضل، الذي لهم السبق، وعليهم آثار الحكمة، قال تعالى: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (٢٦٩)﴾ [البقرة: ٢٦٩]، وهذا من باب إسداء الفضل لأهله.
فرأيت في مشورتهم خير معين لي في إتمام بحثي؛ لأن هذه العقيدة الموسومة بالواسطية امتازت على غيرها:
باختصارها ودقتها وشمولها وسلامتها وسلفيتها، وذلك:
أن هذه العقيدة الواسطية من العقائد التي ألفها شيخ الإسلام بناء على سؤال سائل فذكر فيها منهج السلف الصالح في مسائل الاعتقاد، وأصول الاستدلال ومصادر التلقي، مدعمة بدلائل الكتاب والسنة.
وكما أن الشيخ أودع فيها جملة من المسائل المحكمة البينة الواضحة:
فذكر مسألة الصفات الحسنى، وبيّن منهج السلف فيها القائم على الأخذ عن الله ورسوله، وأنهم يؤمنون بما وصف الله تعالى به نفسه الكريمة، أو وصفه به رسوله j من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل وأقام الدلائل والشواهد على ذلك.
1 / 13
وأفاض - رحمه الله تعالى - بذكر أدلة الصفات من نصوص الوحيين، وعقد فصلا خاصا في سنة الرسول j لبيان قبول السلف الصالح من أهل السنة والجماعة للأحاديث الواردة الثابتة في الصفات دون التفريق بين ما ثبت عن طريق التواتر، أو عن طريق الآحاد، فإنه متى ثبتت النصوص الواردة عن رسول الله j بنقل العدل الضابط، وجب الإيمان بها والعمل بمقتضاها، ولذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " فالسنة تفسر القرآن وتبينه، وتدل عليه وتعبر عنه، وما وصف الرسول به ربه ﷿ من الأحاديث الصحاح التي تلقاها أهل المعرفة بالقبول وجب الإيمان بها كذلك" (^١)
ثم عرّج الشيخ إلى بيان وسطية أهل السنة والجماعة في مسائل الدين والشريعة فهم وسط:
- في باب الصفات بين أهل التعطيل والجهمية، وأهل التمثيل المشبهة.
- ووسط في باب أفعال الله تعالى بين القدرية والجبرية.
- ووسط في باب وعيد الله بين المرجئة والوعيدية من القدرية وغيرهم.
- ووسط في باب الإيمان والدين بين الحرورية والمعتزلة وبين المرجئة والجهمية.
- ووسط في أصحاب رسول الله بين الروافض والخوارج.
وذكر الشيخ في رسالته بعض المسائل الكبار، التي جرى فيها النزاع بين السلف وبين من حاد عن منهجهم، وتنكب طريقهم، كمسألة العلو وكلام الله ﷿، ورؤية الباري جل وعلا في الآخرة، ونحو ذلك.
ثم أشار الشيخ إلى المسائل المتعلقة باليوم الآخر مما يكون بعد الموت إلى دخول الجنة والنار، وذكر قضايا القدر، والإيمان، والواجب تجاه الصحابة ﵃، ثم ختم رسالته بالحديث عن الأصول التي توزن بها أعمال الناس وأقوالهم الظاهرة والباطنة مما له تعلق بالدين، وبيّن المنهج السلفي العملي الذي ينبغي أن يكون عليه المسلم، وهي تشمل جملة من شعب وخصال الإيمان.
وقد نهج شيخ الإسلام في رسالته هذه منهجًا بارعًا، أشار إلى جملة من هذا المنهج، في حكايته للمناظرات التي جرت له بسبب هذه العقيدة المباركة وقد أظهرت هذه المباحثات جوانب من الإمامة والديانة لهذا الإمام العلم.
_________
(^١) ابن تيمية: مجموع الفتاوى (٣/ ١٣٨).
1 / 14
وامتازت هذه الرسالة المباركة مما خطته أنامل شيخ الإسلام عن غيرها من رسائله العلمية الفائقة:
١ - أنه قرر فيها اعتقاد السلف الصالح المبني على الكتاب والسنة وما أجمعوا عليه، وذلك أن جملة العقائد لا تؤخذ إلا عن الله تعالى وعن رسوله j وما أجمع عليه سلف الأمة.
٢ - أنها مستقاة من نصوص الوحيين، ومستقرأة لكلام السلف ومعلوم لكل منصف، أن شيخ الإسلام ابن تيمية، له علم دقيق وفهم عميق لكلام السلف، يرد فيه بعض مجمل أقوالهم إلى مفصله، مما يدل على سعة علمه واطلاعه، وبراعة فهمه وإتقانه، ودقة استنباطاته
ومع ذلك فله - رحمه الله تعالى - علم غزير، ومعرفة واسعة بأقوال المخالفين ومناهجهم، تدل على عبقرية فذة لهذا الإمام العلم، توقن حينها أن ما أوتيه محض فضل وتوفيق وتيسير من الباري جل وعلا يمتن به على من يشاء من عباده قال تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة:٢٨٢].
٣ - وأنها رسالة كتبت بعد استقرار مقالات الطوائف في الاعتقاد، فكانت كاشفة ومبينة لمقالات المخالفين في الجملة، مع أن الشيخ لم يسهب ولم يستطرد في ذكر أوجه المخالفة، وذكر بعض الشُبَهِ وغيرها مما هو معهود في بقية رسائله، فجاءت هذه الرسالة على غير العادة في بيان الشُبَهِ وكشف زيفها. إلا أن له جملة من الألفاظ ذكرها في رسالته يحصل بها التمايز بين منهج السلف، وبين منهج من خالفهم وحاد عن طريقهم، حيث أشار إلى وسطية أهل السنة والجماعة بين مجموع الطوائف والفرق في مسائل الدين والشريعة من الصفات وأفعال الله تعالى، والوعد والوعيد، والإيمان ونحو ذلك. وكذا حين ذكر القرآن الكريم فقال: " ولا يجوز إطلاق القول بأنه حكاية عن كلام الله أو عبارة عنه ... " (^١)، ففيه تعريض بالرد على الماتريدية والأشاعرة الذين يصرحون بقول مثل ذلك.
_________
(^١) ابن تيمية: مجموع الفتاوى (٣/ ١٤٤).
1 / 15
٤ - وهذه الرسالة مع كونها جمعت غالب مسائل الاعتقاد على المنهج السلفي، وشملت مسائل أصول الدين، والمسائل التي وقع فيها النزاع بين أهل السنة ومن خالفهم في أصول المعتقد، إلا أن المصنف تحرز في اختيار الألفاظ الشرعية المنيفة، فلم يجاوز نصوص الشرع المطهر، خلافًا لما يذكره في كتبه الأخرى التي يخاطب فيها الطوائف بألفاظهم ولغاتهم الكلامية الفلسفية، وهذا مما أعطى تميزًا خاصًا لهذه الرسالة السلفية بحق.
فهذه النبذ التي سطرتها يراع شيخ الإسلام، تُعد جامعة من جوامع التأصيل العلمي السلفي في العقائد، ينهل منها كل منهوم يبحث عن منهج السلف في المعتقد.
وهذا لا يدل على عدم وجود غير هذه الرسالة من رسائل علماء السلف التي تبين صفاء المعتقد الحق، ولكن لما كان الحديث منصبا على ذكر ميزات هذه العقيدة، بينت أهم المواصفات التي لأجلها اعتلت القمة، فأصبح العلماء ينهلون من معينها، ويؤصلون طلاب العلم على معرفة مقاصدها، وتعلم معانيها.
وهذا يدل على براعةٍ في التصنيف، وتميّزٍ في التأليف عند شيخ الإسلام ابن تيمية.
فشيخ الإسلام ابن تيمية جدير بأن يوصف بما وصف به الأولون بأنه: " كُنَيْفٌ مُلِيء عِلمًا "، أي: وعاء، وهذا الوصف لشيخ الإسلام قد شهد به الصديق والعدو، والقريب والبعيد، وليس منبعه الغلو فيه، وإنما هي إشادة منا لذكر فضل علماء أهل السنة والجماعة، وبيان ما لهم من المآثر الجليلة، والميزات العظيمة لخدمة دين الله وشرعه، وهذا محض فضل من الله تعالى يؤتيه من يشاء من عباده، والله ذو الفضل العظيم.
وفي هذا المقام يُقال: إن هذه العقيدة جمعت بين أصالة المنهج، وقوة المأخذ، وسلامة المنبع، مع اختصار في الألفاظ لطيف، مع ما حوته من سيل جارف من الأدلة منيف. فجمعت مع قلة اللفظ، جودة المبنى، وعمق المعنى، وعرض لقضايا المعتقد بأسلوب سلس فضيل، وتسلسل منطقي جميل.
ولذا أثنى على هذه الرسالة جملة من أهل العلم، فبينوا جمال صياغتها، وقوة عبارتها، وروعة مبناها، ودقة محتواها، مع سهولة العبارة، في اختصار يغني عن الإطالة.
1 / 16
يقول الإمام الذهبي في معرض كلامه عن شيخ الإسلام ومحنته التي مر بها بسبب هذه العقيدة: " ثم وقع الاتفاق على أنه معتقد سلفي جيد، وبعضهم قال ذلك كرهًا " (^١)
وكذا حكى ذلك الإمام ابن رجب الحنبلي فقال: " ووقع الاتفاق بعد ذلك على أن هذه عقيدة سنية سلفية، فمنهم من قال ذلك طوعًا، ومنهم من قاله كرهًا " (^٢).
ويقول الشيخ محمد خليل هراس عن هذه العقيدة: " من أجمع ما كُتب في عقيدة أهل السنة والجماعة، مع اختصار في اللفظ، ودقة في العبارة " (^٣).
ويقول الشيخ عبدالرحمن السعدي عنها إنها: " جمعت على اختصارها ووضوحها جميع ما يجب اعتقاده من أصول الإيمان وعقائده الصحيحة " ثم ذكر أن هذه الرسالة: " واضحة المعاني محكمة المباني " (^٤).
وذكر الشيخ محمد العثيمين في أكثر من موضع من شروحاته، ميزات هذه العقيدة فقال: " فَكَتَبَ هذه العقيدة التي تُعد زبدة لعقيدة أهل السنة والجماعة، فيما يتعلق بالأمور التي خاض الناس فيها بالبدع، وكثر فيها الكلام والقيل والقال " (^٥)
ويقول: " وهو كتاب مختصر في عقيدة أهل السنة والجماعة من أحسن ما كتبه شيخ الإسلام في جمعه ووضوحه، وعدم الاستطرادات الكثيرة " (^٦).
ويقول: " وهي عقيدة مختصرة ولكن حجمها كبير جدًا في المعنى " (^٧).
_________
(^١) ابن عبدالهادي: العقود الدرية ت: محمد حامد الفقي، ص (٢١٢).
(^٢) ابن رجب: ذيل طبقات الحنابلة ت: د. عبدالرحمن العثيمين (٤/ ٥١١).
(^٣) محمد هراس: شرح العقيدة الواسطية ت: علوي السقاف، ص (٤٣).
(^٤) السعدي: التنبيهات اللطيفة، ص (١٣).
(^٥) العثيمين: شرح العقيدة الواسطية ت: سعد الصميل (١/ ٢٠).
(^٦) العثيمين: شرح رياض الصالحين (١/ ٤٥٤).
(^٧) العثيمين: شرح رياض الصالحين (٣/ ٦٦٩).
1 / 17
وفي هذه العقيدة يقول الشيخ حماد الأنصاري: " كتاب الواسطية وفِقَ فيه شيخ الإسلام، فقد جمع فيه التوحيد كله، واختَصرتُها في خمس نقاط، كل نقطة تأخذ محاضرة قدرها ساعتان "، ويقول: " العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام كبيرة المعنى، نستطيع أن نضع في شرحها مجلدات" (^١).
ويقول الشيخ عبدالرحمن البراك: " ومن أمتع وأفضل ما أُلّف في الاعتقاد هذه العقيدة " العقيدة الواسطية " التي ذكر أنه كتبها وهو قاعد بعد العصر كتبها في مجلس واحد، وقد نوظر في شأنها وجودل؛ لأنه قرر فيها اعتقاد أهل السنة والجماعة من السلف الصالح من الصحابة والتابعين وأئمة الدين ومن سلك سبيلهم ". ويقول: " أما العقيدة الواسطية فإنها خالصة، فيها تقرير لمعتقد أهل السنة والجماعة، وبيان أصولهم، مع التبرير على ذلك من القرآن ومن السنة، من غير تعرض لشبهات المخالفين، ومن غير تطويل لمناقشتها فلذلك كانت هذه العقيدة جديرة بالحفظ " (^٢).
ومع ما لحق شيخ الإسلام من إساءات إلا أن ساحته برئت منها، يقول الإمام ابن كثير: " .. وفي الكتاب أنا كنا سمعنا بعقد مجلس للشيخ تقي الدين ابن تيمية، وقد بلغنا ما عُقد له عن المجالس، وأنه على مذهب السلف وإنما أردنا براءة ساحته مما نسب إليه ... " (^٣)
الدراسات السابقة:
قد تم بحث هذا الموضوع الهام من قِبل جماعة من أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين، علمًا أن كتب العقائد عقدت فصولًا خاصة تحدثت فيها عن أخبار اليوم الآخر، إلا أن بعض العلماء أفرد رسائل خاصة تحدثت عن هذا اليوم.
- فالإمام القرطبي له كتاب " التذكرة "، أفاض في ذكر الأخبار عن الموت وما بعده.
- وللإمام البيهقي كتاب " البعث والنشور "، وآخر في إثبات عذاب القبر
- وكتاب الأهوال للإمام ابن أبي الدنيا، وللإمام الإشبيلي كتاب" العاقبة في ذكر الموت".
_________
(^١) الأنصاري: المجموع في ترجمة العلامة حماد الأنصاري، لعبد الأول بن حماد الأنصاري ط ١، (٢/ ٧١١).
(^٢) البراك: شرح العقيدة الواسطية ت: عبدالرحمن السديس، ص (٧).
(^٣) ابن كثير: البداية والنهاية ت: علي شيري، (١٤/ ٤٣).
1 / 18
- وللإمام ابن الجوزي كتاب "أهوال القبور وأحوال أهلها إلى النشور ".
- وللإمام ابن كثير كتاب "النهاية في الفتن والملاحم"، وكذا للإمام السيوطي كتاب " شرح الصدور بشرح حال الموتى والقبور ".
- وللإمام ابن القيم كتاب يتحدث عن صفة الجنة أسماه " حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح "
- ولابن أبي الدنيا كتاب في صفة الجنة وآخر في صفة النار.
- وللإمام ابن رجب كتاب في "التخويف من النار ".
- وللإمام السفاريني موسوعة في اليوم الآخر أسماها " البحور الزاخرة في أخبار الآخرة "، وغيرها مما كتبه علماء السلف، وبينوه فيما يتعلق بأحكام اليوم الآخر
منهج العلماء في هذه الكتب:
اشتملت كتب السلف التي تحدثت عن اليوم الآخر، على جملة من الآيات والأحاديث والآثار المتعلقة بموضوعات اليوم الآخر، فيذكرون كل ما يتعلق بالموضوع، وبعضهم قد يبين حال الأحاديث والآثار، والبعض الآخر يسردها بأسانيدها، ويترك العهدة على القارئ. فهذه الكتب رافد كبير ... ومنبع غزير يغترف من معينها، وينهل من سلسبيلها، كل مطلع لأخبار اليوم الآخر.
وللمعاصرين جهد مشكور في بيان اليوم الآخر، ومسائله وأحكامه منها:
-" الحياة الآخرة " رسالة دكتوراه للدكتور: غالب عواجي، أفاض في ذكر الأخبار والمسائل والأحكام المتعلقة بهذا اليوم العظيم.
- و" القيامة الكبرى والصغرى " للدكتور: عمر الأشقر، وغيرها رسائل منثورة، بعضها تحدث عن اليوم الآخر في الجملة، وبعضها تحدث عن بعض أحداث اليوم الآخر، كالحوض، أو الصراط، أو الميزان، ونحو ذلك.
ومع وفرة هذه المصنفات إلا أن الجديد في هذه الدراسة، هي بيان المعتقد السلفي على ضوء ما قرره الإمام ابن تيمية في العقيدة الواسطية. فإن شيخ الإسلام ناظر على هذه العقيدة الواسطية وجادل في مقام التحدي، وانظر مخالفيه ثلاث سنوات بأن يأتوا بحرف في هذا المعتقد يخالف ما عليه النصوص الشرعية وكلام السلف. فمع بيان المعتقد السلفي، مضافا إليه تقريرات من سبقه من أهل العلم والفضل، أبين آثار الإيمان باليوم الآخر على الأمة أفرادًا ومجتمعات.
1 / 19
(خطة البحث):
قسمت البحث إلى مقدمة وتمهيد وثلاثة أبواب وخاتمة:
المقدمة: اشتملت على:
-أهمية الموضوع، وأسباب الكتابة فيه، وسبب اختيار العنوان ... والدراسات السابقة، وخطة البحث، ومنهج الكتابة فيه.
الباب الأول: الإيمان باليوم الآخر (حقيقته، وحتميته، وأهميته، وأدلته والرد على منكريه)، واشتمل على ثلاثة فصول:
الفصل الأول: اليوم الآخر، وفيه ستة مباحث:
المبحث الأول: الإيمان باليوم الآخر، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: التعريف باليوم الآخر.
المطلب الثاني: حقيقة اليوم الآخر، والإيمان به.
المطلب الثالث: سبب تسمية اليوم الآخر بهذا الاسم؟.
المبحث الثاني: حكم الإيمان باليوم الآخر؟، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: حكم الإيمان باليوم الآخر، وحكم منكره؟.
المطلب الثاني: اتفاق الشرائع على الإيمان باليوم الآخر.
المطلب الثالث: القدر المجزئ من الإيمان باليوم الآخر؟.
المبحث الثالث: الترتيب بين أركان الإيمان، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: التلازم والترابط بين الأركان.
المطلب الثاني: سر الاقتران بين ركني الإيمان بالله تعالى، والإيمان باليوم الآخر؟.
المبحث الرابع: اختلاف موازين الدنيا وقوانينها، عن موازين الآخرة وقوانينها وفيه مطلبان:
المطلب الأول: اختلاف قوانين الدنيا عن الآخرة.
المطلب الثاني: أمثلة تبين حقيقة الاختلاف في الموازين والقوانين الدنيوية والأخروية.
المبحث الخامس: أقسام الناس في الإيمان باليوم الآخر، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: مذهب أهل السنة والجماعة في اليوم الآخر.
المطلب الثاني: مذهب طوائف أهل الكلام في اليوم الآخر.
المبحث السادس: الأدلة الإجمالية لإثبات اليوم الآخر، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: أدلة القرآن الكريم على إثبات اليوم الآخر.
المطلب الثاني: الأدلة العقلية على إثبات اليوم الآخر.
الفصل الثاني: اليوم الآخر في الكتاب والسنة، وفيه مبحثان:
المبحث الأول: اليوم الآخر في القرآن الكريم، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: المميزات العامة لطريقة القرآن الكريم في البيان.
المطلب الثاني: اليوم الآخر في القرآن الكريم.
المبحث الثاني: اليوم الآخر في السنة النبوية، وفيه مطلبان:
1 / 20