فهم فهم
فهم الفهم: مدخل إلى الهرمنيوطيقا: نظرية التأويل من أفلاطون إلى جادامر
ژانرونه
مع ظهور حركة الإصلاح البروتستانتي ظهرت الحاجة إلى تفسير الكتاب المقدس دون عون من سلطة الكنيسة، كان على الكهنة البروتستنت، وقد قطعوا صلتهم بسلطة الكنيسة الكاثوليكية، أن يتكئوا على أنفسهم في تفسير الكتاب المقدس تفسيرا لا يستند إلى سلطة الكنيسة، وبالنظر إلى تعدد التفسيرات الممكنة لأي نص إنجيلي فقد ألحت الحاجة إلى تأسيس مبادئ أو معايير للتفسير الصحيح، وبينما جرت مياه كثيرة منذ ذلك الحين واعترت المشروع الهرمنيوطيقي تبدلات واسعة من حيث المجال ومن حيث المحتوى، فقد بقي مفهوم الهرمنيوطيقا محتفظا بإشارته الأولى بوصفه فن التأويل وعلمه، و«حيثما نشأت قواعد وتفتقت أحكام واستوت أنظمة لشرح النصوص أو فهمها أو فك رموزها - فثم علم التأويل، أو «الهرمنيوطيقا»، وفيما بين عام 1720م وعام 1820م لم يكن يمضي عام دون أن يظهر دليل تأويلي جديد ليعين الكهنة البروتستنت في مهمتهم الملحة الجديدة». (2) الهرمنيوطيقا بوصفها المنهاج الفقهي اللغوي (الفيلولوجي)
كان لنشأة «المذهب العقلي»
Rationalism ، متزامنا معه ظهور فقه اللغة الكلاسيكي في القرن الثامن عشر، أثر عميق على تأويل الكتاب المقدس، حيث نشأ المنهج التاريخي النقدي في اللاهوت، وأكدت المدرسة اللغوية والمدرسة التاريخية في التفسير أن المناهج التأويلية السارية على الكتاب المقدس هي بعينها المناهج السارية على سواه من الكتب، وأن المعنى اللفظي في الكتاب المقدس يجب أن يتحدد بنفس الطريقة التي يتحدد بها في بقية الكتب، ومع ظهور المذهب العقلي أحس المفسرون أن من واجبهم بذل ما في وسعهم للتغلب على الأحكام المسبقة، يقول سبينوزا في «رسالة في اللاهوت والسياسة»: «ليس لتفسير الكتاب المقدس معيار آخر غير ضياء العقل الذي يعم كل شيء.» ويقول لسنج: «إن الحقائق العرضية للتاريخ لا يمكن أن تصبح براهين على الحقائق الضرورية للعقل.» هكذا يكون التحدي الذي يواجه التأويل هو أن يجعل الكتاب المقدس ذا صلة بالإنسان العقلاني المستنير.
أدى هذا التحدي، كما لاحظ البعض، إلى «عقلنة المقولات الإنجيلية»، وحيث إن حقائق التاريخ العرضية كانت تعد أدنى من «حقائق العقل»، فقد ذهب مفسرو الكتاب المقدس إلى أن حقائق الكتاب هي فوق الزمن وفوق التاريخ، وأن الإنجيل لا ينبئ الإنسان بأي حقيقة لن يسعه في نهاية المطاف أن يدركها من خلال استعمال العقل، كل ما في الأمر أنها حقيقة أخلاقية عقلية كشف عنها قبل أوانها، مهمة التفسير إذن هي أن يمضي عميقا في النص، مستخدما أدوات العقل الطبيعي، ويقف على تلك الحقائق الأخلاقية الكبرى التي كان كتاب العهد الجديد يقصدونها غير أنها متوارية داخل ألفاظ تاريخية مختلفة، ذهب هؤلاء المفسرون إلى ضرورة تأسيس فهم تاريخي يمكنه أن يدرك روح العمل ويترجمها إلى ألفاظ يقبلها العقل الحديث المستنير، ولنا أن نسمي ذلك شكلا تنويريا من «نزع الأسطورية»
Demythologizing
وإن كانت هذه اللفظة في القرن العشرين تعني تأويل العناصر الأسطورية في العهد الجديد لا مجرد إزاحتها والتخلص منها.
وعلى الرغم من اعتقاد «التنوير» في «الحقائق الأخلاقية» الذي أدى إلى ما يبدو الآن تحريفا لرسالة الإنجيل، فإن تأثير ذلك على الهرمنيوطيقا وعلى البحث الإنجيلي بصفة عامة كان صحيا، فقد طور التأويل الإنجيلي تقنيات للتحليل اللغوي بلغت مستوى رفيعا للغاية، وألزم المفسرون أنفسهم أكثر من أي وقت مضى بمعرفة السياق التاريخي لروايات الإنجيل، أصبح على المفسر أن يكون قادرا على الحديث عن موضوعات الكتاب المقدس الآن وفقا لمقتضيات التغير الزمني وبالطريقة التي تلائم أشخاصا غيرهم مختلفين في الأحوال وظروف المعيشة، لقد أصبحت المهمة الحقيقية للتأويل مهمة تاريخية.
مع هذه التطورات والمستجدات أصبحت مناهج تأويل الكتاب المقدس مرادفة جوهريا لنظرية دنيوية في التأويل - أي فقه اللغة الكلاسيكي - ومنذ عصر التنوير حتى العصر الحاضر أصبحت مناهج البحث في الكتاب المقدس متصلة بفقه اللغة ومرتبطة به بعرى لا تنفصم، وهكذا حل مصطلح «هرمنيوطيقا الكتاب المقدس» محل «الهرمنيوطيقا» في الإشارة إلى نظرية تفسير النص المقدس، أما «الهرمنيوطيقا» حين تقال مطلقة غير مقيدة فكانت مرادفة تقريبا للمنهج الفقهي اللغوي، وصفوة القول أن تصور الهرمنيوطيقا بوصفها إنجيلية تحديدا قد تحول تدريجيا إلى الهرمنيوطيقا بوصفها القواعد العامة للتفسير الفيلولوجي (الفقهي اللغوي) شاملة الكتاب المقدس كموضوع واحد بين موضوعات أخرى يمكن أن تظلها هذه القواعد. (3) الهرمنيوطيقا بوصفها علم الفهم اللغوي
يعزى إلى أشلايرماخر
Schleirmacher (1768-1834م) أنه أعاد تصور الهرمنيوطيقا على أنها «علم» الفهم أو «فن» الفهم، يتضمن مثل هذا المفهوم نقدا جذريا لوجهة النظر الفيلولوجية (الفقهية اللغوية)؛ لأنه يسعى إلى تجاوز مفهوم الهرمنيوطيقا على أنها مجموع قواعد وجعلها مترابطة نسقيا، أي جعلها علما يصف الشروط اللازمة للفهم في أي حوار كان، كانت ثمرة هذا السعي لا مجرد هرمنيوطيقا فيلولوجية بل «هرمنيوطيقا عامة» يمكن لمبادئها أن تقدم أساسا لتأويل النصوص بجميع أنواعها.
ناپیژندل شوی مخ