فهم فهم
فهم الفهم: مدخل إلى الهرمنيوطيقا: نظرية التأويل من أفلاطون إلى جادامر
ژانرونه
Objectification ، مجرد إسقاط لدواخل الذات على الخارج، وها هنا يكون مفهوم الحقيقة، كتطابق، مفهوما ملائما منطقيا لهذا الطرح، وتصبح الحقيقة مجرد «صواب» عبارة أو «صحة» فكرة.
ثمة إذن فرق هائل يمس نظرية التأويل حين يتم النظر إلى التفكير على أنه تناول أفكار؛ لأن التأويل نفسه عندئذ لا يعود تناولا لمادة مجهولة يجب أن تخرج إلى النور بل يصبح توضيحا وتقييما لمعطيات معلومة سلفا، هنالك تنحصر مهمة التأويل لا في «إظهار» الشيء وإماطة اللثام عنه بل في تحقيق الثواب والصحة من بين العديد من التأويلات الممكنة، من شأن هذه الفروض المسبقة أن تبقي المرء دائما في الضوء الواضح لما هو معروف سلفا بدلا من أن تعبر به الفجوة بين الضوء والظلام، واللغة لا يمكن تصورها في هذا الإطار إلا كنسق من العلامات يتم تطبيقها على مجموعة معلومة سلفا من الأشياء.
يرى «هيدجر» أن كل هذه المجموعة من التعريفات - تعريف اللغة، والحقيقة، والتفكير - وتصور الفهم والتأويل القائم عليها، تمثل تجسيدا موضوعيا لمذهب «أفلاطون» في «الحقيقة»، وما الفكر الغربي، وبخاصة الميتافيزيقا، منذ أفلاطون سوى «النص»
Text
الخاص بهذا التجسيد، وقد أخذ «هيدجر» على عاتقه تأويل هذا النص وذلك بأن يذهب فيما وراءه، إنه ليجد في كانت وهيجل ونيتشه إلماعات من الطرح اليوناني القديم للحقيقة كإظهار وكشف ولا تحجب، غير أنها سرعان ما تخفت وتنطفئ ليسود التصور الجديد لها كتوافق وتطابق وصحة أفكار، منذ البداية إذن عرف «هيدجر» مهمته الفلسفية كمهمة تأويلية بالدرجة الأساس، غير أنه تأويل لا يعني مجرد الصحة والتوافق، بل يحمل النبرة العميقة القديمة: جلب معنى خفي مخبوء، إخراج ما هو مجهول إلى النور، وحي وبوح، كشف وإظهار، رفع حجاب وإماطة لثام، بذلك حين يقوم «هيدجر» بتأويل كانت فإنه لا يقول لنا ماذا يقصد كانت فحسب؛ لأن الاكتفاء بما يقوله المؤلف هو بمثابة التوقف عند النقطة عينها التي ينبغي أن يبدأ منها التأويل الحقيقي، إنما هو يسأل: ماذا لم يقله النص؟ إنه يسأل: لماذا قام كانت بمراجعات وتنقيحات معينة فيما بين الطبعة الأولى والطبعة الثانية من «نقد العقل الخالص»؟ ويمضي فيما وراء النص ليسأل: «ماذا لم يقله المؤلف ولم يكن بمقدوره أن يقوله، على أنه جلي في النص بوصفه المحرك الداخلي الصميم؟ ذلك أن النص المنتهي والنهائي ليس هو الموضوع الوحيد للتأويل، بل موضوع التأويل هو ذلك العرام الداخلي والجهاد الباطن الذي كان يعتمل أثناء خلق النص.
يثير هذا الحديث مسألتين مألوفتين في التراث الهرمنيوطيقي: (1)
مسألة التعدي على النص أو التجرؤ عليه. (2)
مسألة فهم الكاتب فهما أفضل من فهمه هو لنفسه.
حين نتصور الحقيقة كشيء ما يبزغ ثم يتوارى بالحجاب، وحين يضع الفعل الهرمنيوطيقي المفسر على حدود الفراغ الخالق الذي ينبثق منه العمل، عندئذ يجب أن يكون التأويل متفتحا لما لم يقل بعد، ذلك أن «العدم»، في مفهوم «هيدجر»، هو الخلفية الخلاقة لكل إبداع إيجابي، إلا أن هذا العدم لا يحمل معنى إلا في سياق الوجود وفي إيجابية الوجود، وحين يتم النظر إلى العمل الفني لا كموضعة أو إسقاط للذاتية الإنسانية بل كانكشاف للوجود أو كنافذة إلى العالم المقدس، تكون مواجهة العمل الفني أقرب إلى استلام هدية أو نيل هبة وليس عملية إدراك ذات لذاتيتها.
إن تأويل العمل العظيم ليس تمرسا بالقديم ولا هو محاولة أخذ حياة الإغريق كنموذج للحياة الحقة كما هو شائع ومألوف عند دعاة المذهب الإنساني، بل التأويل هو إعادة معايشة لحظة الانكشاف الأصلية واستعادتها، إنه يحاول التخلص من رواسب سوء الفهم المتراكمة عبر السنين (شغف «هيدجر» بصقل الكلمات حتى يشع بريقها الأصلي مرة ثانية) ويأخذ موقفا وسطا بين ما قيل وما لم يقل، غير أنه ليس مجرد عودة إلى الماضي بل هو لحظة جديدة من الكشف، فأن تبعث كانت كما كان بالضبط إنما هو استعادة حمقاء، وإنما ينبغي على كل تأويل أن يشن هجوما على الصيغ الظاهرة في النص، فالخوف من المضي فيما وراء ظاهر النص هو ضرب من عبادة الأوثان وضرب من السذاجة التاريخية في الوقت نفسه.»
ناپیژندل شوی مخ