"""""" صفحة رقم 229 """"""
- 13 - سمعت الفقيه الحافظ أبا محمد علي بن أحمد يقول ( 1 ) : " مذهبان انتشرا في بدء أمرهما بالرياسة والسلطان : مذهب أبي حنيفة ، فإنه لما ولي قضاء القضاة أبو يوسف كانت القضاة من قبله ، فكان لا يولي قضاء البلاد من أقصى المشرق إلى أقصى أعمال إفريقية إلا أصحابه والمنتمين إلى مذهبه ، ومذهب مالك بن أنس عندنا فإن يحيى بن يحيى ( 2 ) كان مكينا عند السلطان ، مقبول القول في القضاة ، فكان لا يلي قاض في أقطارنا إلا بمشورته واختياره ، ولا يشير إلا بأصحابه ومن كان على مذهبه ، والناس سراع إلى الدنيا والرياسة ، فأقبلوا على ما يرجون بلوغ أغراضهم به . على أن يحيى بن يحيى لم يل قضاء قط ولا أجاب إليه ، وكان ذلك زائدا في جلالته عندهم ، وداعيا إلى قبول رأيه لديهم ، وكذلك جرى الأمر في أفريقية لما ولي القضاء بها سحنون بن سعيد ، ثم نشأ الناس على ما أنشر " . - 14 - قال لنا أبو محمد علي بن أحمد ( 3 ) : توفي أبو عامر ابن شهيد ضحى يوم الجمعة آخر يوم من جمادى الأولى ، سنة ست وعشرين واربعمائة بقرطبة ، ودفن يوم السبت ثاني يوم وفاته في مقبرة أم سلمة ، وصلى عليه جهور بن محمد بن جهور أبو الحزم ، وكان حين وفاته حامل لواء الشعر والبلاغة ، لم يخلف لنفسه نظيرا في هذين العلمين جملة . مولده سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة ، ولم يعقب وانقرض عقب الوزير [ أبيه ] بموته . وكان جوادا لا يليق شيئا ولا يأسى على فائت ، عزيز النفس مائلا إلى الهزل . وكان له من علم الطب نصيب وافر ، وكانت علة أبي عامر ضيق النفس والنفخ ، ومات في ذهنه وهو يدعو الله عز وجل ، ويشهد شهادة التوحيد والإسلام . وكان أوصى أن يصلي عليه أبو عمر الحصار الرجل الصالح ، فتغيب إذ دعي ، وأوصى أن يسن عليه التراب دون لبن ولا خشب فأغفل ذلك .
مخ ۲۲۹