بهذا الشاب وعليك به خيرا فرجع عمر وكان في الوفد امرأة من الأنصار ما زالت تلاحظ المقدسي وتنزل بقربه حيث نزل فلما كان في بعض الأيام دنت منه وقالت يا شاب إني أرق لهذا الجسم الناعم المترف كيف يلبس الصوف فقال لها هذا جسم يأكله الدود ومصيره التراب هذا له كثير فقالت إني أغار على هذا الوجه المضيء كيف تشعثه الشمس فقال لها يا هذه اتقي الله وكفي فقد أشغلني كلامك عن عبادة ربي فقالت له لي إليك حاجة فإن قضيتها فلا كلام وإن لم تقضها لي فما أنا بتاركتك حتى تقضيها لي فقال لها ما حاجتك قالت حاجتي أن تواقعني فزجرها وخوفها من الله تعالى فلم يردها ذلك وقالت والله لئن لم تفعل ما أمرتك به لأرمينك بداهية من دواهي النساء ومكرهن لا تنجو منها فلم يلتفت ولم يعبأ بكلامها فلما كان في بعض الليالي وقد سهر أكثر ليلته من عبادة ربه ثم رقد في آخر الليل وغلب عليه النوم فأتته وتحت رأسه مزادة فيها زاده فانتزعتها من تحت رأسه وطرحت فيها كيسا فيه خمسمائة دينار ثم عادت بها إلى تحت رأسه فلما ثور الوفد قامت الملعونة وقالت يا لله ويا للوفد يا وفد الله امرأة مسكينة وقد سرقت نفقتها وما لي إلا الله وأنتم فحبس المتقدم الوفد وأمر رجالا من الأنصار والمهاجرين أن يفتشوا رجال الأنصار والمهاجرين ففتشوا الفريقين فلم يجدوا شيئا ولم يبق من الوفد أحد إلا وفتش رحله ولم يبق إلا المقدسي فأخبروا متقدم الوفد بذلك فقالت المرأة يا مقدم ما ضركم لو فتشتموه فله أسوة بالمهاجرين والأنصار وما يدريكم أن يكون ظاهره مليحا وباطنه قبيحا ولم تزل الامرأة حتى حملتهم على تفتيش رحله فقصده جماعة من الوفد وهو قائم يصلي فلما رآهم أقبل عليهم وقال لهم ما بالكم وما خبركم قالوا هذه الامرأة الأنصارية ذكرت أنها قد سرق لها نفقة كانت معها وقد فتشنا رجال الوفد بأسرها ونحن لا نتقدم إلى رحلك إلا بإذنك لما سبق من وصية عمر بن الخطاب فيما يعود إليك فقال يا قوم ما يضرني ذلك فتشوا ما أحببتم وهو واثق من نفسه فأول ما نفضوا المزادة
مخ ۱۰۸