Facilitation of Menstruation Rules
تيسير أحكام الحيض
ژانرونه
رسالة إلى كل امرأة تيسير أحكام الحيض - تعريف الحيض وحكم دم الحيض
النساء شقائق الرجال، وقد خصهن الشرع بأحكام مستقلة عن الرجال، ومن هذه الأحكام: أحكام الحيض وما يتعلق به، لذا يلزم المرأة المسلمة أن تتفقه في دينها، وتعرف الأحكام المتعلقة بالحيض، والتي منها: أنواع الدماء الخارجة منها، وعلامات الحيض، وأصناف وأحوال النساء فيه، لأن ذلك يتعلق بقبول عملها عند الله ﷿.
1 / 1
أحكام الحيض
1 / 2
أهمية تعلم أحكام الحيض
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:١٠٢].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:١].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:٧٠ - ٧١].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد: لما كانت الطهارة أساسًا في حياة المسلم وشرطًا لقبول عمله، كان حريًا بكل مسلم ومسلمة أن يتفقه في أحكامها، لا سيما وقد صح عن نبينا ﷺ أنه قال: (طلب العلم فريضة على كل مسلم)، وتدخل المسلمة تحت حكم المسلم؛ لحديث عائشة أن النبي ﷺ قال: (النساء شقائق الرجال) أي: في الأحكام.
وقد اختص الله تعالى النساء بأحكام مستقلة في باب الطهارة تتعلق بالحيض والنفاس، وما تفرع على ذلك من مسائل.
وقد حرصت النساء منذ العهد الأول على التفقه في أمر الدين وما يتعلق بهن من أحكام، ولذلك كانت تقول عائشة ﵂ وأرضاها مادحةً نساء الأنصار: (نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين).
وأشهر قصة تدل على ذلك هي: أن أم سليم دخلت على رسول الله ﷺ فقالت: (يا رسول الله! إن الله لا يستحيي من الحق، ماذا على المرأة إن هي احتلمت؟) هذه الكلمة كانت فجيعة بالنسبة لـ أم سلمة وعائشة، فلم يكن يعرفن ذلك، لكن انظروا إلى أم سليم فقد علمت أنه لا حرج في الدين، والدين كله حياء، ومن قال: لا حياء في الدين فقد أخطأ، والصواب أن يقول: لا حرج في الدين.
فـ أم سليم قالت: (يا رسول الله! إن الله لا يستحيي من الحق، ماذا على المرأة إن هي احتلمت؟ فضربت أم سلمة على فمها وقالت: أو تحتلم النساء؟ فقال لها النبي ﷺ: رحمك الله! فمن أين يأتي الشبه -أي: شبه الولد بأمه- فقالت عائشة: تربت يداك! فضحتِ النساء، فقال لها النبي ﷺ: بل تربت أنت يداك! نعم عليها الغسل إذا رأت الماء)، فالنبي ﷺ لم ينكر عليها السؤال، ولكل امرأة أن تفعل ذلك، وهذه ممدحة في حقها وليست مذمةً، فكن يسألن رسول الله ﷺ عن كل شيء يخصهن، حتى تأتي المرأة بالثوب وتقول: إن إحدانا يصيب ثوبها الحيض، أتصلي به المرأة أم لا؟ فيشرح لها النبي ﷺ ذلك الأمر.
وسنتكلم عن باب أفرد له الإمام النووي قرابة ثلاثمائة صفحة في المجموع يتكلم فيه، وعن مشكلاته ومعضلاته.
ومن العجب العجاب أن أكثر النساء لا يفقهن شيئًا عن حالهن، ولا يعرفن شيئًا عن الأمر الذي يخصهن كالحيض وغيره، لذا يجب وجوبًا عينيًا على كل امرأة أن تتفقه في مسائل الحيض والنفاس، بل ويجب على كل زوج أن يتعلم هذا الفقه لكي يُعلِّم امرأته، حتى لا يأتي الدم وهي لا تعلم أهذا دم حيض أم دم استحاضة أم دم نفاس؟! وحتى لا تأتي لتسأل زوجها فيقول: أنا لا أحيض، فلا أعرف هذه الأحكام؛ لأنها لا تخصني.
لذا فلا بد للمرأة أن تتعلم العلم الذي يترتب عليه صحة العبادة وبطلانها.
1 / 3
تعريف الحيض
الحيض لغةً: مصدر حاض، يقال: حاض الشيء إذا فاض، وحاضت المرأة يعني: سال دمها.
فالله جل وعلا يجعل أعلى الرحم يدفع الدم جبلة؛ وهذا الدم ليس بدم فساد ولا مرض، بل يخرج على سبيل الصحة، والله جل وعلا قد ابتلى به المرأة لحكمة يعلمها جل في علاه، فهو يناسب أنوثتها وجسدها وكينونتها.
والمرَّةُ يطلق عليها حيضة، والجمع: حِيَض، والمحايض هي: الخرق التي تستثفر بها المرأة فتمص دم الحيض، كما في الحديث عن النبي ﷺ: (قالوا: يا رسول الله! بئر بضاعة يلقى فيه الكلاب والنتن ويلقى فيه المحايض -يعني الخرق التي تمص الحيض- فقال النبي ﷺ: الماء طهور لا ينجسه شيء)، ويقال للمرأة: حائض، مع أن كلمة: (حائض) مذكر، لكن ينسب للمرأة؛ لأنه خاص بها، ولا يمكن الاشتباه فيه مع الرجل.
وفي الاصطلاح: هو دم جبلة يخرج من أقصى الرحم للمرأة بعد بلوغها على سبيل الصحة، في أوقات معلومة بحسب أصناف النساء واختلاف أحوالهن.
1 / 4
أسماء الحيض
للحيض أسماء كثيرة منها: الطمث، والعراك، والنفاس، والضحك وغيرها، وهذه الأسماء مستنبطة من الأدلة، كما في الصحيحين: (أن عائشة أم المؤمنين ﵂ وأرضاها كانت قد أهلت بالحج مع رسول الله، فدخل عليها وهي تبكي، فقال: ما يبكيك! أنفست؟) أي: أحضت؟
1 / 5
حكم دم الحيض
دم الحيض أذى، وهو نجس بالإجماع، قال تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى﴾ [البقرة:٢٢٢]، وفي الصحيحين عن أسماء ﵂ وأرضاها قالت: (جاءت امرأة إلى النبي ﷺ فقالت: أرأيت إحدانا تحيض في الثوب كيف تصنع؟ فقال: تحكه ثم تقرصه ثم تنضحه بالماء وتصلي فيه)، أي: تحكه بحجر أو بعود فتدلك به جرم الدم حتى يضيع الجرم، ثم تصب عليه الماء فتدلكه به أو تقرصه فيضيع الأثر.
قوله: (ثم تصلي فيه) هذا فيه دلالة على أن دم الحيض نجس؛ لأن النبي ﷺ منع من الصلاة في الثوب الذي أصابه دم الحيض، واستدل الفقهاء بهذا على وجوب طهارة الثوب للصلاة، وأن ذلك شرط من شروط الصلاة، ووجه الدلالة هو مفهوم المخالفة: أي أنها إن لم تقرصه حتى يضيع الأثر والجرم فلا تصلي فيه؛ لأنه نجس.
وقد نقل النووي ﵀ الإجماع على نجاسة دم الحيض، استنادًا إلى حديث أسماء ﵂ وأرضاها.
وأيضًا في البخاري عن عائشة ﵂ وأرضاها قالت: (كانت إحدانا تحيض ثم تقرص الدم -أي تدلكه- من ثوبها، فتغسله وتنضح على سائره، ثم تصلي فيه).
1 / 6
أقسام الدماء الخارجة من فرج المرأة
تنقسم الدماء الخارجة من فرج المرأة إلى ثلاثة أقسام، وهي: القسم الأول: دم الحيض.
ويخرج من أعلى الرحم.
القسم الثاني: دم النفاس.
وهو متعلق بالولادة.
وأما الدماء التي تنزل من الحامل قبل أن تلد بيومين تستقبل به الولادة، ففيه خلاف بين الفقها، فلو قلنا: إن الدم الذي ينزل من الحامل قبل أن تلد بيومين هو دم نفاس فالحكم أنها لا تصلي ولا تصوم، ولو قلنا: إنه دم فساد وعلة فالحكم أنها تصلي وتصوم حتى تلد، والراجح من أقوال أهل العلم أنه ليس بدم نفاس.
القسم الثالث: دم الاستحاضة.
وهو دم مرض وعلة، فقد تأتي طبيبة مختصة فتقول: إن هناك عرقًا هو الذي يسيل منه هذا الدم، كما قال النبي ﷺ: (إنما هو عرق)، وقال: (هو ركضة من الشيطان).
1 / 7
علامات دم الحيض
هناك علامات لدم الحيض التي بواسطتها تعرف المرأة أن هذا الدم هو دم الحيض، وهي أربع علامات: الأولى: اللون.
الثانية: الوصف.
الثالثة: الرائحة.
ومعرفة هذه الأمور من العلم والدين.
العلامة الأولى: اللون، فالدم الأحمر ليس بحيض، إلا أن تظهر قرائن تثبت أنه دم حيض، وإنما دم الحيض أسود؛ لقوله ﷺ: (دم الحيض أسود يعرف)، أي: تعرفه المرأة، ولكن البنت التي ابتدأها الحيض لا تعرف، فعليها أن تذهب إلى أمها لترى الدم، أهو دم حيض أم ليس بدم حيض؟ العلامة الثانية: الوصف، فدم الحيض غليظ، وأما دم الاستحاضة فهو خفيف رقراق، وهذا هو الفرق بين دم الحيض ودم الاستحاضة.
العلامة الثالثة: دم الحيض له رائحة كريهة منتنة، ودم الاستحاضة ليس كذلك؛ لأن دم الاستحاضة منبثق عن عرق، أما دم الحيض فهو منبثق من أعلى الرحم، فكان أوفق له أن يكون له رائحة منتنة.
العلامة الرابعة: أن دم الحيض بعد الدفع من الرحم لا يتجمد، وغيره يتجمد.
1 / 8
سن الحيض
اختلف العلماء في سن ابتداء الحيض وانتهائه، وهل هناك حد لأقل الحيض أو أكثره أو لا؟ فذهب كثير من أهل العلم إلى أنه لا يمكن الحيض إلا بعد تسع سنين، وهذا كلام الجمهور، والدم الذي يدفعه الرحم بعد تمام خمس سنين أو سبع أو ثمان سنين لا يعتبر حيضًا عندهم.
أما الانتهاء عند الجمهور: فببلوغ المرأة خمسين سنة، وعند ذلك تصبح يائسة؛ لقول الله تعالى: ﴿وَاللَّائِي يَئِسْنَ﴾ [الطلاق:٤]، فإذا بلغت المرأة الخمسين ونزل منها الدم فلا يعتبر دم حيض، وأدلتهم في ذلك العادة الغالبة؛ لأن العادة أن البنت لا تحيض إلا عند سن التسع، وأن المرأة ينقطع حيضها عند سن الخمسين، والقاعدة عند الفقهاء: أن العادة محكمة.
ولهم أدلة من السنة: فعن ابن عمر ﵄ أن النبي ﷺ قال: (إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة)، فهذا دليل على أنها قبل التسع السنين لا تكون امرأة، أي: لا تكون حائضًا.
وذهب ابن حزم، ورجحه ابن المنذر وشيخ الإسلام ابن تيمية وهو الراجح الصحيح: أنه لا يصح تحديد سن للجارية، ولا يصح تحديد سن للمرأة الكبيرة، فلو رأت البنت الجارية عند خمس سنين الدم فهو حيض، ولو رأت عند سبع سنين فهو حيض، والمرأة بعد الخمسين إذا رأت الدم فهو حيض؛ لعموم قول الله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى﴾ [البقرة:٢٢٢]، فالدم الذي نزل وهو أسود، وله رائحة وهو ثخين، فهو دم حيض، سواء في خمس سنوات أو سبع سنوات، أو نزل من المرأة بعد سن الخمسين.
وأيضًا: لأن النبي ﷺ لما سئل عن دم الحيض قال: (دم الحيض أسود يعرف)، ولم يقل: عندما تصل المرأة سن تسع سنين.
والحديث الذي استدل به الجمهور حديث باطل، وقد قال الله تعالى: ﴿وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ﴾ [الطلاق:٤]، أي: انقطع دم الحيض عنهن، ولم يقل: واللائي بلغن الخمسين سنة.
إذًا: العبرة الانقطاع وليس هناك سن محدد لليأس.
وثمرة الخلاف: أننا إذا قلنا بقول الجمهور: بأن الجارية دون التسع سنين إذا نزل منها الدم أنها غير حائض، فهي غير مكلفة، أي: ليس عليها صوم ولا غيره؛ لأنها لم تبلغ سن المحيض، وإذا شتمت أو أخطأت فلا تكتب عليها السيئات؛ للحديث: (رفع القلم عن ثلاثة، وذكر منهم: الصبي حتى يحتلم)، والجارية كذلك، لكن الصحيح الراجح أنه إذا نزل الدم منها ولو كانت بنت ست فهي مكلفة؛ وذلك لحديث عائشة قالت: (عقد عليَّ النبي ﷺ وأنا بنت ست سنين، ودخل بي وأنا بنت تسع سنين) أي: أنها كانت مكلفة وهي بنت ست.
أما بالنسبة للكبيرة اليائسة، فالثمرة: أنه إذا بلغت المرأة واحدًا وخمسين سنة، وحدثت المشاحنة والمشاجرة بينها وبين زوجها، فقال زوجها: أنتِ طالق، فإن عدتها تكون بالشهور لا بالحيض؛ لأن المرأة التي تحيض عدتها كما قال الله تعالى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة:٢٢٨]، أي: ثلاث حيض كما سنرجح، وقال تعالى عن المرأة اليائسة التي لا ينزل منها الدم: ﴿وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ﴾ [الطلاق:٤]، لكن القول الراجح والصحيح هو خلاف قول الجمهور.
وأما الجواب على استدلال الجمهور بقولهم: العادة محكمة.
فنقول: هذا إذا لم تعارض الشرع، وقد عارضت هنا عموم قول الله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى﴾ [البقرة:٢٢٢]، وعارضت قول الله تعالى: ﴿وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ﴾ [الطلاق:٤].
وأما الحديث الذي استدلوا به من حديث ابن عمر: (أن الجارية إذا بلغت تسع سنين فهي امرأة) فهو حديث ضعيف لا يحتج به.
1 / 9
أقل الحيض وأكثره
أما بالنسبة لمسألة أقل مدة الحيض وأكثرها، فقد ذهب الأحناف إلى أن أقل الحيض ثلاثة أيام، بمعنى: أن المرأة إذا نزل منها دفعة واحدة من الدم فلا يعتبر عند الأحناف حيضًا، فلا بد أنه يستمر معها ثلاثة أيام، وأكثر أيام الحيض عشرة أيام، فلو زاد على عشرة أيام فهو دم استحاضة.
أما المالكية فقالوا: لا حد لأقله ولا لأكثره، فلو أن الرحم دفع دفعة واحدة من الدم، أو لحظةً واحدة، فهذا الدم دم حيض عند المالكية؛ لأنه لا حد لأقله ولا لأكثره.
أما عند الجمهور -الحنابلة والشافعية- فقالوا: أقل الحيض يوم وليلة؛ لأن الحائض عندهم لا بد أن يستمر معها الدم يومًا كاملًا، وأكثر الحيض خمسة عشر يومًا.
ويستدلون على ذلك بقول علي بن أبي طالب: (وما زاد عن الخمسة عشرة فهي استحاضة).
ودليلهم على أقل الحيض هو: استقراء عادة النساء، فقالوا: وجدناها يومًا وليلة، والعادة محكَّمةٌ، وهذا قول الشافعية والحنابلة.
وكذلك يستدلون بحديث النبي ﷺ: (النساء ناقصات عقل ودين، قيل: وما نقص دينهن؟ قال: تمكث إحداهن شطر عمرها لا تصلي)، فشطر عمرها أي: نصفه، وهو: خمسة عشر يومًا بالنسبة للشهر، ففيه دلالة على أن أقصى مدة هي: خمسة عشر يومًا ليس بصحيح، بل هو ضعيف، والراجح في ذلك والذي دلت عليه الآثار ويدل عليه النظر أن الحيض لا حد لأقله ولا حد لأكثره عند شيخ الإسلام لكن الصحيح أن هناك حدًا لأكثره، فإذا أرخى الرحم دفعة واحدة من الدم فهو حيض، ولو لحظة، ولا بد أن تكون دفعة كبيرة، ليس نقطة أو نقطتين؛ لأن النقطة والنقطتين كما قال علي بن أبي طالب ليست من الحيض، أي: لا تؤثر، فهي معفوٌ عنها، ودليل ذلك أن الله علَّق الحكم على وجود الدم، فإن وجد الدم فهي حائض، ولو ارتفع الدم فهي غير حائض؛ لأن الله جل وعلا قال: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ﴾ [البقرة:٢٢٢]، أي: إذا نزل فهو حيض، وإن لم ينزل فليس بحيض.
أما لو شعرت المرأة بدم الحيض داخل الفرج ولم يخرج فلا تعتبر حائضًا؛ لأن الحكم يدور مع وجود الدم، هذا هو الصحيح.
أما أكثر أيام الحيض، فالصحيح الراجح أن أكثر أيام الحيض خمسة عشر يومًا، فلو زاد الدم عن خمسة عشر يومًا فهو دم استحاضة، وعند ذلك ننظر في عادتها هل هي ستة أو سبعة أيام؟ والباقي كله نجعله استحاضة؛ لأنه لا يعقل أن تكون أكثر أيام المرأة لا تتعبد لله فيها أبدًا، فهذا مخالف لمقاصد الشريعة والتكليف، ولأن النبي ﷺ قال: (تمكث ليالي لا تصلي)، أي: أنه حدد الأوقات التي لا تصلي فيها، ولو كان أكثر عمرها كذلك لقال النبي ﷺ: تمكث أكثر أيامها لا تصلي.
1 / 10
أصناف النساء في الحيض
للنساء أصناف وأحوال ثلاثة في الحيض: الصنف الأول: مبتدئة: وهي التي لم تحض قبل ذلك.
الصنف الثاني: مميزة: وهي التي تستطيع أن تميز بين دم الحيض ودم الاستحاضة.
الصنف الثالث: معتادة: وهي التي اعتادت على مجيء الحيض في وقت معين من الشهر، سواء في بدايته أو نهايته، ويمكث معها مدة معينة اعتادتها، فهي لا تميزه إلا بعادتها، فإذا زاد عن عادتها بسبب اضطرابات نفسية، أو بسبب استخدام دواء منع الحمل، فيعتبر الزائد استحاضة.
1 / 11
رسالة إلى كل امرأة تيسير أحكام الحيض - أصناف النساء في الحيض
النساء في الحيض على ثلاثة أصناف: مبتدئة، ومعتادة، ومميزة، وكل واحدة لا تخلو من أن تكون أحد هذه الأصناف الثلاثة، وكل صنف يختلف عن الآخر في تعيين زمن الحيض، وفي تمييزه عن غيره.
2 / 1
أصناف وأحوال النساء في الحيض
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:١٠٢].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:١].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:٧٠ - ٧١].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد: وصلنا في الكلام عن الحيض إلى أصناف النساء في الحيض، أو أحوال الحائض، وقلنا: إن أصناف النساء في الحيض ثلاثة: الصنف الأول: المبتدئة.
الصنف الثاني: المعتادة.
الصنف الثالث: المميزة.
2 / 2
المبتدئة
المبتدئة: هي التي لم يأتها الدم قبل ذلك، كأن تكون جارية عمرها تسع سنوات فنزل منها الدم، فتسمى: امرأة مبتدئة، أي: في أول حيضها، وأحوال المبتدئة بالنسبة لاستمرار الدم وانقطاعه ثلاثة أحوال: فإما أن يستمر الدم معها إلى أكثر أيام الحيض، وإما أن يستمر معها الدم أقل من أكثر أيام الحيض، وإما ألا يستمر معها.
وقد اختلف العلماء في تعيين أكثر أيام الحيض على قولين، والصحيح: أن أكثر أيام الحيض خمسة عشر يومًا، بدليل قوله ﷺ: (تمكث الليالي لا تصلي ولا تصوم)، ولم يقل: أكثر الشهر أو نصفه، وإنما قال: (ليالي)، ففيه دلالة على التقليل.
وهناك دليل من النظر: وهو أن الله جل وعلا لم يخلق المرأة إلا لتتعبد له، كما قال: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات:٥٦]، فلا يعقل أن الله خلقها للعبادة، ثم تمكث أكثر دهرها لا نتعبد لله جل في علاه.
وثمرة معرفة أكثر أيام الحيض هي: أن الدم لو زاد عن خمسة عشر يومًا فلابد أن تقف وتنظر في نفسها كما سنبين؛ لأنها ستعتقد أن هذا الدم ليس بدم حيض، بل هو دم فساد أو علة أو استحاضة.
فالحاصل: أن للمرأة المبتدئة ثلاثة أحوال: الحالة الأولى: أنها إذا رأت الدم خمسة أيام إلى ثلاثة عشر أو أربعة عشر يومًا، فإن هذا الدم يسمى: دم حيض، ما دام أنه لم يعبر أكثر أيام الحيض، فعليها ألا تصلي أو تصوم، ويجب عليها إذا طهرت أن تقضي الصوم دون الصلاة، وهذا الحكم مستمر معها إذا نزل الدم منها بهذه الصورة دائمًا، وسيأتي معنا الحديث عن علامات الطهر للمرأة الحائض.
الحالة الثانية: أن يستمر الدم معها إلى أن يعبر أكثر مدة الحيض -أي: خمسة عشر يومًا- فعندها إن استطاعت أن تميز بين دم الحيض والاستحاضة، بأن رأت دم الحيض أسود منتنًا ودم الاستحاضة غير ذلك، فالمعتبر في هذه الحالة هو: التمييز، فإذا نزل منها الدم عشرين يومًا مثلًا، وكانت مدة حيضها خمسة أيام وقدرت على التمييز، فإنها تتحيض خمسة أيام فقط وتعتبر الباقي استحاضة، فتقضي الصلاة خمسة عشر يومًا، وتقضي الصوم عشرين يومًا باعتبار زمن الحيض والاستحاضة معًا، ولابد في زمن الاستحاضة أن تتوضأ لكل صلاة، وأن تطهر المحل وأن تتحفظ، وأما في حالة الحيض فإنها تكتفي بالغسل إذا طهرت وقضاء الصوم فقط، والله أعلم.
فإن كانت غير مميزة، أي: لا تعرف التمييز، فإنها ترجع في هذه الحالة إلى عادة غالب النساء من أهلها، أو غيرهن إذا كانت بعيدةً من أهلها، فستجد أن الغالبية منهن يتحيضن ستة أو سبعة أيام، وعندها تتحيض سبعة أيام على الغالب، وما بقي فهو استحاضة، فتتوضأ لكل صلاة وتتحفظ كما سبق بيانه، والدليل على ذلك قول النبي ﷺ للمرأة المستحاضة: (تحيضي في علم الله ستة أيام أو سبعة أيام)، فدل على أن هذه المدة هي الغالبة في النساء.
وأما قوله ﷺ: (ستة أيام أو سبعة أيام)، فالصحيح أنه على التخيير، لكن الأحوط لها: تتحيض سبعة أيام.
2 / 3
المعتادة
والمعتادة هي: التي نزل فيها الدم سبعة أيام أو خمسة أيام فاعتادت ذلك في أول كل شهر عربي، وعند ذلك لها عادة مستمرة مطردة تحفظها وتعرفها جيدًا.
فإن قيل: وبم تثبت العادة؟ ف
الجواب
أن الحنابلة يرون أن العادة لا تثبت إلا بعد ثلاث مرات مثلًا، وهذا كلام باطل لا دليل عليه.
أما جمهور أهل العلم من الشافعية والمالكية والأحناف فيرون أن العادة تكون من مرة واحدة، وهذا هو الراجح، الصحيح، وهو ظاهر السنة؛ إذ أن النبي ﷺ لما سئل من قبل المرأة المستحاضة قال: (لتنظر عدد الأيام والليالي التي كانت تحيضهن) فردها للعادة ولم يشترط المرة الثالثة كما يقول الحنابلة، فظاهر السنة تبين أن العادة تثبت من مرة واحدة، فإذا نزل الدم من الجارية خمسة أيام من أول الشهر فإن المدة عادة مطردة مستمرة لها.
وللمرأة المعتادة ثلاثة أحوال: الحالة الأولى: وهي عدم مخالفة الدم للعادة، بمعنى: أن المرأة كانت تحيض في الشهر العربي في المنتصف، فيأتيها الدم في يوم أربعة عشر، ويستمر معها سبعة أيام إلى يوم الواحد والعشرين من كل شهر عربي، ولم يخالف الدم العادة، فهذه المرأة لا غبار عليها؛ لأنها تعتاد نزول الدم والتطهر منه في وقته الذي اعتادت عليه، فالواجب عليها في عادتها: ألا تصلي أو تصوم وقت نزول الدم، ولها أن تذكر الله جل وعلا وتسبح وتستغفر، ولا تقرأ القرآن، ولا تمس المصحف، ولا تدخل المسجد، كما سنبين ذلك تفصيلًا.
الحالة الثانية: وهي أن يعبر الدم أيام عادتها، كأن تكون معتادةً على خمسة أيام زمنًا لحيضتها، فيعبر الدم في إحدى المرات الخمسة الأيام إلى السادس أو العاشر منها، ففي هذه الحالة تتحيض خمسة أيام كما هي عادتها، ثم تغتسل وتعد الدم الزائد عن هذه الأيام دم استحاضة، فتتوضأ لكل صلاة وتتطهر وتتحفظ؛ لأنها معتادة على عادة مستمرة مطردة، والدليل على ذلك: قول النبي ﷺ لـ أم حبيبة بنت جحش ﵂ وأرضاها عندما قالت للنبي ﷺ بأنها تستحاض ولا تطهر، فقال: (امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك)، فردها النبي ﷺ إلى عادتها، فإذا عبر الدم عادتها جعلته دم استحاضة، والله أعلم.
الحالة الثالثة -وهي مهمة جدًا-: وهي انقطاع الدم قبل العادة المطردة، وحكم هذه الحالة: أن المرأة تكون حائضًا عند نزول الدم وطاهرًا عند انقطاعه، فإذا انقطع الدم عن المعتادة قبل خمسة أيام فإنها تطهر، فتغتسل وتصلي وتصوم وتؤدي العبادات، والله أعلم.
إذًا: للمعتادة ثلاث حالات: الحالة الأولى: أن يكون الدم موافقًا للعادة فلا غبار عليها.
الثانية: أن يعبر الدم أيام عادتها، فتحسب ذلك من الاستحاضة.
الثالثة: أن ينقطع الدم قبل العادة المطردة، فإن انقطع قبل العادة فهي طاهر؛ لأن حكم الحيض يدور مع الدم حيث دار وجودًا وعدمًا.
2 / 4
المميزة
والمميزة هي: المرأة التي تميز بين دم الحيض ودم الاستحاضة.
وهناك فروقات بين دم الحيض ودم الاستحاضة: الفرق الأول: من حيث اللون، فدم الحيض أسود يعرف، ودم الاستحاضة أحمر شفاف وردي رقيق، لقوله ﷺ: (دم الحيض أسود يعرف).
الفرق الثاني: أن دم الحيض يكون ثخينًا غليظًا، أما دم الاستحاضة فهو رقيق.
الفرق الثالث: دم الحيض له رائحة نفاذة منتنة، أما دم الاستحاضة فهو دون ذلك.
الفرق الرابع: دم الحيض لا يتجمد كما بينا، أما دم الاستحاضة فمن الممكن أن يتجمد بعد الدفع.
أما حكم هذا الصنف: فهو راجع للتمييز، فإذا كانت الأوصاف تدل على دم الحيض فهو دم حيض، وإلا فهو استحاضة، والله أعلم.
2 / 5
رسالة إلى كل امرأة تيسير أحكام الحيض - هل تحيض الحامل أم لا-علامات الطهر والاستحاضة وأحكامها
اختلف الفقهاء هل تحيض الحامل أم لا؟ فقال الأحناف والحنابلة: لا تحيض، وإذا رأت دمًا فهو دم فساد، وقال المالكية والشافعية: تحيض، وإذا رأت دمًا يوافق عادتها أو يطابق صفات دم الحيض فهو حيض، وللطهر من الحيض علامات تعرفها إما بالجفاف، وإما بسائل أبيض يخرج من فرجها بعد انتهاء الحيض، والمستحاضة التي لم تر الطهر بعد الحيض لها أحكام خاصبة بها بينها أهل العلم.
3 / 1
أقسام النساء بالنسبة للحيض
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:١٠٢].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:١].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:٧١].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد: فإن النساء بالنسبة للحيض ثلاثة أصناف: مبتدئة، ومعتادة، ومميزة.
فالمبتدئة: هي التي نزل الدم أول مرة ولا تعرف عنه شيئًا.
والمعتادة: هي المرأة التي يأتي لها الحيض خمسة أو سبعة أيام من أول الشهر، فيكون لها عادة معينة.
والمميزة: هي التي تميز بين دم الحيض وبين غيره عن طريق علامات ابتداء دم الحيض وعلامات انتهائه، كرؤية القصة البيضاء أو الجفاف.
3 / 2
حكم رؤية دم الحيض أثناء الحمل
امرأة حامل في الشهر الثالث نزل منها الدم واستمر خمسة أيام ثم انقطع، ثم عاود عليها في الشهر الرابع ونزل منها الدم واستمر خمسة أيام، ثم رأت النقاء بعد ذلك، سواء رأت الجفاف أو القصة البيضاء، ثم في الشهر السابع إلى الشهر التاسع وهو ينزل فيها الدم، فهل هذا الدم دم حيض أم دم علة وفساد ومرض؟ كل الأطباء يقولون: هو دم مرض، والقاعدة عندي أني لا آخذ بالطب قبل الشرع؛ إذ إن الطب نظريات تخطئ وتصيب، والشرع وحي من ربنا جل في علاه، ليس فيه محل للخطأ ولا الوهم، والمسألة قد اختلف فيها العلماء على قولين: القول الأول: قول الأحناف والحنابلة: إذا رأت المرأة الدم وهي حامل فإن هذا الدم يعتبر دم علة، أي: دم مرض، فعليها أن تنظف المحل وتتحفظ وتصلي كل صلاة، إذ لا يأخذ هذا الدم أحكام الحيض، قالوا: ولنا في ذلك أدلة: الدليل الأول: ما رواه أبو داود عن أبي سعيد الخدري ﵁ وأرضاه عن النبي ﷺ أنه قال في سبايا أوطاس -والسبايا: هن الإماء، ويحصل عليهن بأن يجاهد المسلمون ويفتحوا بلاد الكفر ويسبوا نساءهم- (لا توطأ -أي: لا تنكح- حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض)، فمنع الشرع الحنيف من وطء الحامل حتى تضع؛ حتى لا تسقي زرع غيرك بمائك، ثم قال: (ولا غير ذات حمل حتى تحيض) فكأن النبي ﷺ قال: إن الحامل لا تحيض؛ لأنه جعل علامة استبراء الرحم في الحامل الوضع، فقال: (لا توطأ حامل حتى تضع)، ثم قال في شأن المرأة الحائل، وهي غير الحامل: (ولا غير ذات حمل حتى تحيض)، فجعل علامة استبراء الرحم فيها أن تحيض، ففيه دلالة على أن الحامل لا تحيض، وإلا لم يفرق النبي ﷺ بين الحامل والحائل، فكأن النبي ﷺ يقول: الحامل لا تحيض، والحائل هي التي تحيض.
الدليل الثاني: ما جاء في الصحيح عن النبي ﷺ أنه أمر عمر أن يأمر ابنه أن يطلق زوجته وهي طاهر أو حامل، فطاهر يعني: خالية من الحيض، وحامل؛ لأنها لا تحيض، فجعل الحمل علامة على عدم الحيض.
القول الثاني: قول الشافعية والمالكية: قالوا: الدم الذي تراه المرأة وقد ثبت معها، وترى بعده الطهر هو دم حيض، وإن كانت حاملًا، وقد توافرت علامته، ودم الحيض له علامات ومقدمات تعرفها المرأة، من ألم في الظهر، وألم في البطن، ثم بعد ذلك الصفات المعروفة لدم الحيض، من أنه أسود وثخين إلى غير ذلك من العلامات، ثم بعد ذلك يعقبه الطهر ورؤية القصة البيضاء.
واستدلوا على ذلك بقول النبي ﷺ: (دم الحيض أسود يعرف)، فجعل دم الحيض أسود يعرف، سواء أكانت حاملًا أو حائلًا.
وجاء عن عائشة ﵂ وأرضاها أنها سئلت عن امرأة حامل رأت الدم فقالت: لا تصلي.
فاعتبرت هذا الدم دم حيض، فكأن عائشة تقول: الدم الذي نزل منها هو دم حيض، وانتشرت هذه الفتوى بين ابن عباس وابن عمر وزيد بن ثابت وغيرهم من فحول الصحابة وأساطين أهل العلم، فلو كانت هذه الفتوى خاطئة لخطئوا عائشة، كما خطأ علي بن أبي طالب ابن عباس في تجويزه نكاح المتعة، وقال له علي: إنك رجل تائه، إن رسول الله حرم نكاح المتعة.
وعندما قال ابن عباس: نكاح المتعة حلال، قام ابن الزبير خطيبًا وهو خليفة على مكة فقال: ما لي أرى أناسًا قد أعمى الله بصيرتهم كما أعمى أبصارهم يفتون بجواز المتعة! وكان ابن عباس قد عمي بصره في آخر عمره، فهذه الشدة منه لينصر دين الله، ولينصر سنة النبي، فما العلم إلا قال الله وقال رسوله، وليس قال الشيخ الفلاني وقال الشيخ العلاني.
العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين قول فقيه وعندما قال ابن الزبير: ما لي أرى رجلًا قد أعمى الله بصيرته كما أعمى بصره يفتي بنكاح المتعة! قال له ابن عباس: وما لي أراك أعرابيًا غليظًا؟ فقال له ابن الزبير: تقول ذلك وقد حرم النبي ﷺ نكاح المتعة! والذي نفسي بيده! لو سمعتك تفتي بهذا لأرجمنك حتى الموت.
وكأنه يرى أنها زنا، وهكذا كان الصحابة يحافظون على سنة النبي ﷺ.
فـ عائشة أفتت بذلك أمام محفل من الصحابة، والصحابة سكوت لا يتكلمون ولا ينكرون، فكان سكوتهم هذا إجماعًا سكوتيًا، فكأنهم وافقوا على الفتوى التي أفتت بها عائشة.
هذا من الأثر.
وأما من النظر والعقل: فإن الأصل في النساء الصحة دون المرض، والأصل في الدم الذي يرخيه الرحم أنه دم حيض، ما لم يدل دليل أو تأتي قرينة على أنه دم فساد أو دم علة، فإذا ظهرت القرينة حمل على أنه دم فساد؛ لأن النبي ﷺ قال: (إنما ذاك عرق)، وذلك عندما ظهرت له القرينة بأن الدم هذا دم فساد ودم علة.
فإذا تردد الدم النازل من الفرج بين أن يكون دم حيض أو دم فساد ومرض، وإذا تردد الدم بين الأصل والفرع قدم الأصل على الفرع.
3 / 3
علامات الطهر من الحيض
الطهر عند المرأة له علامتان: العلامة الأولى: الجفاف، فتدخل القطنة في فرجها فتخرج جافة لا شيء فيها.
العلامة الثانية: سائل أبيض يخرج من فرجها بعد أن ينتهي الدم.
وبعض النساء لا يخرج منهن هذا السائل الأبيض عند الطهر، فيكون علامة طهرها الجفاف.
3 / 4