Explanation of the Forty Hadiths of Al-Nawawi - Al-Abbad
شرح الأربعين النووية - العباد
ژانرونه
الإيمان بالكتب السماوية
الكتب هي التي تلقاها جبريل عن الله تعالى ونزل بها على رسل الله، ويراد بها كل كتاب أنزله الله على رسول من رسله، وهذه الكتب منها ما سمي لنا ومنها ما لم يسمَّ، والذي سمي لنا القرآن والتوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وموسى، على خلاف في صحف موسى هل هي التوراة أو غير التوراة، فهذا كل ما سمي لنا في القرآن، وأما غير ذلك فلم يسَّم لنا، ونحن نؤمن بالمسمى وغير المسمى.
وقد أخبر الله ﷿ أنه أنزل الكتاب على رسله، فقال كما في سورة الحديد: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ﴾ [الحديد:٢٥]، ومعلوم أن الله لم ينزل كتابًا واحدًاَ فقط على رسله، بل أنزل كتبًا، فـ (أل) هنا للجنس وليست للإفراد، أي أن المقصود الكتب، وليس المقصود بذلك كتابًا واحدًا مفردًا، وإنما يراد بذلك عموم الكتب وجنسها.
وقد جاء في القرآن في مواضع عديدة ذكر الكتاب يراد بها المفرد، وجاء يراد به الجنس، ومن الآيات ما جمعت بين هذا وهذا، ومما جمع بين الاثنين قول الله ﷿ في سورة النساء: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ﴾ [النساء:١٣٦]، فذكر الكتابين: الكتاب الذي أنزل على رسوله وهو القرآن، والكتاب الذي أنزل من قبل، أي: الكتب التي أنزلت من قبل، وفي سورة المائدة: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ﴾ [المائدة:٤٨] وهو القرآن، ﴿مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ﴾ [المائدة:٤٨] أي: الكتب السابقة.
فقد جمع الله ﷿ في هاتين الآيتين بين لفظ الكتاب مرادًا به الكتاب المفرد -وهو القرآن- ومرادًا به الكتب السابقة.
ومثل ذلك قوله تعالى في البقرة: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ﴾ [البقرة:١٧٧]، فقوله: «وَالْكِتَابِ» أي: الكتب.
والألف واللام فيه لاستغراق الجنس.
والمراد بالكتب الكتب المنزلة على الرسل التي منها ما سمي ومنها ما لم يسمَّ، والمراد بالإيمان بها أن نؤمن بأنها حق، وأنها كلام الله، وأنها منزلة غير مخلوقة، وأنها مشتملة على كل ما فيه سعادة من أُنزلت عليهم، وأن من أخذ بها سعد وظفر، ومن أعرض عنها خاب وخسر، وكذلك نؤمن بالكتب السابقة على سبيل الإجمال، أي: من ناحية المحتويات، فنحن لا نعرف عنها شيئًا إلا ما جاء في كتاب ربنا أو سنة نبينا من أخبار عنها، فإننا نؤمن بما جاء مضافًا إلى تلك الكتب المنزلة، وبما أخبرنا عنه القرآن والسنة فيها، سواء أكان ذلك موجودًا في الكتب التي في أيدي اليهود والنصارى الآن، أم ليس بموجود، وقد جاء في القرآن بيان بعض الأحكام الموجودة في التوراة، مثل قوله تعالى: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا﴾ [المائدة:٤٥] أي: في التوراة، ﴿أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ﴾ [المائدة:٤٥]، فهذا موجود في الكتب السابقة وبنص إخبار القرآن الكريم بذلك، وكذلك الرجم في الزنا، فإنه موجود في الكتب السابقة، كما جاء في ذلك الحديث بأنه موجود في التوراة التي كانت موجودة في زمن النبي ﷺ، وقد حصل التحريف والتبديل قبل زمنه ﷺ، إلّا أن هذا الحكم بقي موجودًا فيها في ذلك الوقت، كما جاءت بذلك السنة.
إذًا: فما كان فيها مما جاء في القرآن مضافًا إليها فنحن نؤمن بأنه فيها، ونصدق به، وأما ما هو موجود في كتبهم ولم يضف إليها في القرآن والسنة فإن كان لا يليق بالله ﷿ ولا يليق بالملائكة فهو كذب، وهو مما بّدل وحّرف، وإن كان كلامًا جميلًا حسنًا وعبرًا وعظات فنحن لا نصدق به ولا نكذب به؛ ولأن الرسول ﷺ أرشدنا إلى هذه الطريقة وإلى هذا المنهج بقوله -كما ثبت في صحيح البخاري -: (إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم، ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم)، فهذا القسم لا نصدق به ولا نكذّب به؛ لأننا لو صدقنا به فقد يكون بعضه محرفًا فنصدق بالمحرف، ولو كذبنا به فقد يكون حقًا أو بعضه فنكذب بالحق، ولكن إذا قلنا: ﴿آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ﴾ ولا نصدق ولا نكذب به فإننا نكون قد أخذنا بطريق السلامة وطريق النجاة.
ومما هو موجود في القرآن ولكنه لا يوجد في الكتب التي بأيدي اليهود والنصارى الآن ما ذكره الله في سورة الفتح من أوصاف الصحابة ﵃ وأرضاهم، فإن هذا لا يوجد في الكتب التي بأيدي اليهود والنصارى، ومع ذلك فكل ما جاء في القرآن يجب الإيمان بأنه موجود فيها، وما لم يكن في القرآن ولا في السنة فإن الأمر فيه يكون بالمنهج الذي أرشد إليه الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وذلك بأن لا يكذبوا ولا يصدقوا، وإنما يقال: ﴿آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ﴾.
وأما بالنسبة للقرآن فيجب الإيمان به جملة وتفصيلًا؛ لأنه موجود بين أيدينا من أوله إلى آخره، ومن فاتحته إلى خاتمته، وقد حفظه الله ﷿ من التحريف والتبديل، والقرآن الذي بأيدينا جمعه ذو النورين عثمان بن عفان ﵁ وأرضاه، ولهذا فإن من مناقبه ﵁ أن الله وفقه لجمع القرآن، فحفظ الله به على هذه الأمة كتابها، حيث جمعه وصار بأيدي الناس يتناقلونه ويتوارثونه، وهو باق ومحفوظ بحفظ الله ﷿، فنحن نؤمن بكل ما جاء فيه، فنصدق أخباره، ونمتثل أوامره، وننتهي عن نواهيه، ونعتقد بأنه معجز، وأنه تحدى أهل الفصاحة والبلاغة بأن يأتوا بمثله، ثم نزل في التحدي إلى عشر سور من مثله، ثم إلى سورة، وأقصر سور القرآن سورة العصر، وسورة: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ [الإخلاص:١]، وسورة الكوثر، ولا أحد يستطيع أن يأتي بمثل هذا المقدار كلامًا يماثله، بل لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله ما استطاعوا، كما جاء ذلك في كتاب الله ﷿، مع أن الذي أتى به رجل أمي لم يكن يقرأ ولا يكتب، فهذا دليل على أنه من عند الله.
فنؤمن بالقرآن إجمالًا وتفصيلًا، وأما تفاصيل الكتب السابقة فما جاء ذكره في القرآن مضافًا إليها يؤمن به ويصدق بأنه موجود فيها، وما لم يكن كذلك فإنه يسلك معه الطريقة التي أرشد إليها رسول الله ﷺ.
4 / 5