Explanation of the Ethiopean on Alfiya Al-Suyuti in Hadith
شرح الأثيوبي على ألفية السيوطي في الحديث = إسعاف ذوي الوطر بشرح نظم الدرر في علم الأثر
خپرندوی
مكتبة الغرباء الأثرية
د ایډیشن شمېره
الأولى
د چاپ کال
١٤١٤ هـ - ١٩٩٣ م
د خپرونکي ځای
المدينة المنورة - المملكة العربية السعودية
ژانرونه
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ـ[شرح الأثيوبي على أَلْفِيَّةِ السُّيوطي في الحديث]ـ
الكتاب: شرح الأثيوبي على أَلْفِيَّةِ السُّيوطي في الحديث = إسعاف ذوي الوَطَر بشرح نظم الدُّرَر في علم الأثر
المؤلف: محمد بن علي بن آدم بن موسى الأثيوبي الولوي
الناشر: مكتبة الغرباء الأثرية - المدينة المنورة، المملكة العربية السعودية
الطبعة: الأولى، ١٤١٤ هـ - ١٩٩٣ م
عدد الأجزاء: ٢
أعده للشاملة/ أبو إبراهيم حسانين
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
ناپیژندل شوی مخ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(مقدمة)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد للَّه الذي رفع من وقف تحت أمره ونهيه إلى أوج الكمال، ووصل من انقطع إليه بصلة فاخرة في الحال والمآل، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المرسل بصحيح الأقوال والأفعال، الذي بلغ حسن حديثه مبلغ الإعجاز والكمال، وعلى آله المدرجين في سلسلة هديه التي لا انفصام لها ولا انفصال، وعلى أصحابه الذين بذلوا نفوسهم وأموالهم في مرضاته تعالى، من غير ضعف ولا اعتلال، وعلى التابعين لهم السالكين طريقهم بلا قلب ولا اضطراب بل ساروا باعتدال.
أما بعد فقد كنت شرعت في شرح المنظومة المسماة نظم الدرر في علم الأثر للحافظ جلال الدين عبد الرحمن بن الكمال أبي بكر بن محمد بن سابق الخضيري (١)، السيوطي الشافعي، المولود ليلة الأحد مستهل رجب سنة ٨٤٩ هجرية والمتوفي سحر ليلة الجمعة ١٩ جمادى الأولى سنة ٩١١ هجرية وعمره ٦١ سنة و١٠ أشهر و١٨ يومًا.
شرحًا وسطًا، غير أن الاشتغال بأشغال تعوقني (٢) عن مواصلة السير على منهجه أحوجني (٣) لصرف عنان العزم نحو اختصاره، مُسَدِّدًا الأنظار
_________
(١) بصيغة التصغير.
(٢) صفة جملة في محل جر صفة أشغال.
(٣) خبر أن.
1 / 5
في ترصيف اقتصاره، تعجيلًا للمنفعة الهامة، وتحقيقًا للمسرة العامة، والله أرجو في تسهيل ما أملته من الشرحين، من غير فتور ولا شين، إنه ولى ذلك، وهادي السالك، وما توفيقي إلا باللَّهِ، عليه توكلت وإليه أنيب، وحسبي الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا باللَّهِ العلي العظيم.
(وسميته إسعافَ ذوي الوطر، بشرح نظم الدرر، في علم الأثر)
واللَّهَ أسأل القبول، وحسن الختام؛ إذ هما غاية ما يطلب من الهمام.
(تنبيهٌ): وإرشادٌ إلى بعض المصطلحات في هذا الشرح:
(ت): إشارة إلى تقريب التهذيب للحافظ ابن حجرٍ. المتوفي سنة ٨٥٢.
(ق): إشارة: إلى القاموس المحيط، لمجد الدين، محمد بن يعقوب، الفيروز آبادي، اللغوي، ت ٨١٧ هـ.
(تاج): إشارة إلى تاج العروس، شرحه، للعلامة السيد محمد مرتضى الزبيدي، ت ١٣٠٥ هـ.
(المصباح): هو المصباح المنير، للعلامة أحمد بن محمد بن علي المقري، ت ٧٧٠ هـ.
(لسان): هو لسان العرب، للعلامة اللغوي، أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرَم بن منظور، الإفريقي، المصري، ت ٧١١ هـ.
(اهـ): إشارة إلى أنه انتهى الكلام المنقول.
وإذا قلت قاله فلان، أو انتهى كلام فلان، أو قال فلان: كذا، ثم كتبت في آخره (اهـ) فالكلام منقول بنص لفظه غالبًا، وإذا قلت أفاده فلان فهو مما نقل بالمعنى واللَّه أعلم.
1 / 6
قال رحمه اللَّه تعالى:
بسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
اقتداء بالكتاب العزيز، واقتفاء لآثار نبيه الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، حيث بدأ بها كتبه إلى الآفاق، كما بُين ذلك في الصَّحِيحين، وغيرهما، وعملًا بخبر أبي هريرة ﵁ مرفوعًا: " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بـ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فهو أقطع، قال النووي ﵀: هذا الحديث حسن اهـ. وصححه ابن حبان وأبو عوانة قاله البدر العيني وضعفه الحافظ ابن حجرٍ، وقد أطال الكلام عليه تاج الدين السبكي في أول طبقات الشافعية. والكلام على البسملة طويل قد أفرده بعض العلماء بتأليف مستقل.
ثم أتبع البسملة بالحمدلة لكونها من مطلوبات الابتداء فقال
١ - للهِ حَمْدِي وإلَيهِ أَسْتَنِدْ ... وما يَنوبُ فَعَلَيْهِ أَعْتَمِدْ
(للهِ) ﷾ خبر مقدم لقوله (حمدي) من إضافة المصدر إلى فاعله، أي ثنائي بالجميل الاختياري على وجه التبجيل والتعظيم كائن للَّه تعالى، وقدم الخبر لإفادة الحصر. (وإليه) تعالى متعلق بقوله: (أستند) أي ألتجيء في تسهيل نظم هذه الألفية، أو هو عام، وفيه إشارة إلى براعة الاستهلال: وهو ذكر الشخص في أول كلامه ما يشعر بمقصوده ويُسمَّى براعة المطلع ومقابله يسمى براعة الاختتام وبراعة المقطع (وما) موصولة
1 / 7
مبتدأ أي الذي (ينوب) أي يصيبني من العوائق عن تكميل المقصود وقوله (فعليه) تعالى وحده (أعتمد) أي ألتجئ يقال اعتمدت على الشيء اتكأت عليه، قاله في المصباح. خبر المبتدإ. والمعنى: أن الذي يصيبني من العوائق فاعتمد على الله وحده في دفعه ويحتمل كون (ما) منصوبًا بنزع الخافض أي فيما ينوبني أي في دفعه والفاء على الأول دخلت في الخبر لما في المبتدإ من معنى العموم وعلى الثاني زائدة ثم إن الاستناد والاعتماد إما مترادفان أو الثاني أخص وهو الأنسب لأن الناظم قيده بما ينوبه، ثم ثلث بذكر الصلاة والسلام على النبي ﷺ، لأنها سنة العلماء فقال
٢ - ثمَّ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدِ ... خَيْرُ صَلاةٍ وسَلامٍ سَرْمَدِ
(ثم) للترتيب الرتبي، لأن رتبتها بعد الحمد، (على نبيه) بالهمزِ، وتركه، قراءتان سبعيتان من النَّبَاءِ وهو الخبر أو النَّبْوة (١) وهي الرفعة، فعيل بمعنى فاعل، أو مفعول، لأنه مخبر عن اللَّه، أو مرفوع الرتبة، أو رافع رتبة من تبعه، وهو خبر مقدم، وقوله: (محمد) صفة أو بدل أو عطف بيان ويجوز قطعه (خير صلاة) مبتدإ مؤخر أي أفضل صلاة وهي من اللَّه الرحمة المقرونة بالتعظيم وفضائلها شهيرة في الأحاديث الصحاح، وأما فضل كتابتها فلم يصح، بل قيل بوضعه. (و) خير (سلام) أي تسليم من الآفات المنافية لغاية الكمالات، وأتى به فرارًا من كراهية الإفراد لأحدهما عن الآخر، لأن الآية قرنت بينهما، وأما إفرادها في الصلاة الإبراهيمية فلتقدمه في التشهد، وخص الحافظ ﵀ الكراهة بمن جعله دَيْدَنًا له لوقوع (٢) ذلك في كلام الشافعي ومسلم، والشيخ أبي إسحاق وغيرهم، قاله السخاوي (سرمد) بالجر نعت لسلام حذف مثله من صلاة قال في التاج: السرمد الدائم الذي لا ينقطع، واشتقاقه من السرد، وهو التوالي، والتعاقب، ولما كان الزمان إنما
_________
(١) بفتح فسكون.
(٢) قلت لكن في الاستدلال بفعل هؤلاء نظر، لأن الكراهة وعدمها حكمان والحكم لا يثبت إلا بنص أو إجماع.
1 / 8
يبقى بتعاقب أجزائه، وكان ذلك يسمى بالسرد، أدخلوا عليه الميم الزائدة، ليفيد المبالغة في ذلك، فوزنها فعمل. اهـ. باختصار. ثم تحدث عن منظومته فقال:
٣ - وهذهِ أَلْفيَّةٌ تَحكِى الدُّرَرْ ... منظومةٌ ضَمَّنْتُها عِلْمَ الأَثَرْ
٤ - فائِقةٌ أَلْفيَّةَ العِرَاقِي ... فِي الجَمْعِ والإِيجازِ وَاْتِّسَاقِ
٥ - واللهُ يُجْرِيْ سابِغَ الإِحْسانِ ... لِيْ وَلَهُ ولِذَوِيْ الإِيْمَانِ
(و) بعد ما تقدم فأقول: (هذه) إشارة إلى المعاني الحاضرة في الذهن، تقدمت الخطبة، أو تأخرت، وفيه احتمالات أُخر مذكورة في المطولات، وهو مبتدأ خبره قوله: (ألفية) أي أرجوزة منسوبة إلى ألف إن كانت من كامل الرجز، أو إلى ألفين إن كانت من مشطوره، ولا يرد عليه ما فيه من اللبس، لأنهم لا يبالون به في النسب قال ابن مالك:
وَعَلَمَ التَّثْنِيَةِ احْذِفْ لِلنَّسَبْ ... وَمْثلُ ذَا فِي جَمْعِ تَصْحِيحٍ وَجَبْ
(تحكى) أي تشابه (الدرر) جميع درة وهي اللؤلؤة العظيمة الكبيرة أي تشابهها في النفاسة وعزة الوجود ورفعة القيمة صفة لألفية. (منظومة) صفة كاشفة بعد صفة، أو حال، (ضمنتها) أي جعلت فيها (علم الأثر) يقال: ضمنت الشيء كذا: أي جعلته محتويًا عليه فتضمنه، أي فاشتمل عليه، واحتوى قاله في المصباح، وهو من باب جعل المدلول في الدال، أو جعل الجزء في الكل، قاله الشارح (١). وقوله: علم الأثر أي مسائله وهو من إضافة العام إلى الخاص كشجر أراك. والأثر بفتح الهمزة والثاء لغة بقية الشيء واصطلاحًا الأحاديث مرفوعة كانت أو موقوفة على المعتمد، ومنه شرح معاني الآثار للإمام الطحاوي، لاشتماله عليهما وإن قصره بعض الفقهاء على الموقوف كما سيأتي قاله السخاوي.
_________
(١) هو العلامة محمد بن عبد الله الترمسي رحمه الله تعالى.
1 / 9
وعلم الأثر: أي الحديث يطلق على معنيين: علم الحديث دراية، وعلم الحديث رواية، والأول هو المقصود هنا، ويُسمَّى علم مصطلح الحديث، وعلم مصطلح الأثر، وهو علم يبحث فيه عن كيفية اتصال الأحاديث برسول الله ﷺ، من حيث أحوالُ نقلتِها ضبطًا وعدالة، ومن حيث كيفية السَّند اتصالًا وانقطاعًا، وغير ذلك. والجملة صفة بعد صفة لألفية أو حال منها.
(تنبيه): اشتهرت هذه الألفية باسم ألفية السيوطي في علم الحديث، وسماها الشارح الترمسي - وهو المراد عند إطلاق اسم الشارح في هذا الشرح - بمنظومة علم الأثر، والذي رأيته عن بعض المحققين نقلًا عن حسن المحاضرة للناظم أنه سماها نظم الدرر، في علم الأثر، وهذا هو الذي ينبغي اعتماده لكونه منقولًا عن المؤلف فتنبه.
(فائقة) بالرفيع أو بالنصب كمنظومة من فاق الرجل أصحابه يفوقهم فَضَلَهُم ورجَحَهُم أو غَلَبَهم قاله في المصباح. (ألفية) العراقي بالنصب مفعول به لفائقة والعراقي: هو الإمام الحافظ الأثري زين الدين عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن العراقي، نسبةً إلى عراق العرب، وهو القطر الأعم، المتوفي سنة ست وثمانمائة، عن أزيد من إحدى وثمانين سنة، (في الجمع) للأنواع متعلق بفائقة. (والإيجاز) للألفاظ مع كثرة المعاني. (واتساق) أي انتظام بعضها مع بعض على وجه المناسبة، وإنما لم يفعل العراقي ذلك مسايرة لأصله مقدمةِ ابن الصلاح، فإنه أملاها شيئًا فشيئًا، ورأى إلقاءها كذلك خيرًا من طلب حسن الترتيب، لأنه يحتاج إلى فراغ كثير، لجمعه ذلك من متفرقات كتب من تقدمه كتصانيف الخطيب.
(واللهُ) ﷿ مبتدأ خبره قوله: (يُجري) من الإجراء بالراء، وجوز الشارح كونه من الجزاء، لكن يحتاج إلى إثبات نقله من الناظم، (سابغ الإحسان) بالنصب مفعولٌ به ليُجرِي وهو من إضافة الصفة إلى الموصوف، أي الإحسان السابغ، أي التام المتسع، يقال: سبغت النعمة سبوغا
1 / 10
اتسعت، وأسبغها الله أفاضها، وأتمها، قاله في المصباح، والمراد به الجنة، (لي) متعلق بيُجْرِي، بدأ بنفسه لأنه السنة. (وله) أي للعراقي دعا له لأنه مُرشِدُه إلى هذا التأليف حيث اقتدى به (ولذوي) أي أصحاب (الإيمان) أي التصديق الجازم بكل ما عُلم مجيئه ﷺ به بالضرورة إجمالًا في الإجمالي، وتفصيلًا في التفصيلي، وعَمَّمَ بالدعاء لهم لأنه من أسباب الإجابة كما جاء في الحديث.
1 / 11
(حد الحديث وأقسامه)
أي هذا مبحث حد الحديث، ومبحث أقسامه، والحدُّ لغة المنع، واصطلاحًا ما يميز الشيءَ عما عداه، وقدَّمَ البحث عنه ليكون الشارع في الفن على بصيرة، لئلا يضل سعيه، إذ لو اندفع إليه قبل ذلك لم يَأمَنْ فواتَ المطلوب، وَضَيَاعَ الوقت في غير مرغوب، وهو ترجم لشيئين، وذكر معهما، غيرهما زيادةً في الإفادة، لأنه ذكر الموضوع والفائدة وتعريف السَّند والمتن، وغير ذلك ... وذلك واقع في كلام البلغاء نَظِيرَ حديثِ: هو " الطَّهُور ماؤه الحِل ميتته ". قال ﵀:
٦ - عِلمُ الحديثِ: ذُو قوانِينْ تُحَدْ ... يُدْرَى بِها أَحْوَالْ مَتْنٍ وَسَنَدْ
٧ - فَذَانِكَ الموضوعُ، والمقصودُ ... أَنْ يُعرَفَ المقبُولُ والمَردُودُ
(علم) مصطلح أهل (الحديث) مبتدأ خبره قوله (ذو) أي صاحب (قوانين) جمع قانون وهو القاعدة. (تُحَدْ) أي تُعَرَّف تلك القوانين بأنها (يدرى) أي يعرف (بها) أي بتلك القوانين (أحوال متن) للحديث من صحة، وحسن، وضعف، ورفع، ووقف، وغير ذلك، مما يأتي. (و) أحوالُ (سند) له من صفات رجاله، وكيفية التحمل، والأداء، وغير ذلك مما سيأتي أيضًا. والجملة صفة قوانين، (فذانك) أي المتن والسَّند تثنية ذا وعود الإشارة إلى المضاف إليه قليل كما عاد الضمير إليه في قوله تعالى ﴿ادْخُلُوا
1 / 12
أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا﴾ أفاده بعض (١) المحققين الأعلام. وهو مبتدأ خبره قوله (الموضوع) أي موضوع علم الحديث دراية، وهو مصطلح الحديث، وموضوعُ كُل علم ما يبحثُ فيه عن عوارضه الذاتية، فموضوع علم مصطلح أهل الحديث المتن والسَّند، وأما موضوع الحديث رواية فهو ذات رسول الله ﷺ من حيث إنه رسول الله ﷺ كما قاله بعضهم.
(والمقصود) أي الفائدةُ والغاية من علم الحديث هذا، وهو مبتدأ، خبره (أن يعرف المقبول) من الحديث ليعمل به (والمردود) منه ليجتنب، لأنه إن وجدت فيه صفة القبول يؤخذ به، وإلا فلا.
وقد ذكر ﵀ من المبادئ العشرة (٢) هنا ثلاثة الحدَّ والموضوعَ والفائدة، لأنها المهم جدًا. قال ﵀:
٨ - والسَّندُ: اْلإِخْبارُ عنْ طَرِيقِ ... مَتْنٍ كَاْلاِسْنادِ لَدَى فَرِيقِ
(والسَّند) المتقدم ذكره مبتدأ خبره قوله (الإخبار) بكسر الهمزة مصدرًا (عن طريق متن) متعلق بالإخبار، أو بمحذوف حال من الإخبار، أي حال كونه ناشئًا عن طريق متن. والمعنى: أن السَّند هو إخبار المحدث بالحديث ذاكرًا طريقه أخذًا مما ارتفع من سفح الجبل لأن المسند يرفعه إلى قائله، أو من قولهم فلان سَنَدٌ: أي معتمد سُمِّيَ به لاعتماد الحفاظ عليه في صحة الحديث وضعفه. وأما الإسناد فهو وفع الحديث إلى قائله، وهو متقارب مع السَّند في الاعتماد. وقال بعضهم هما شيء واحد وإليه أشار بقوله: (كالإسناد) خبر لمحذوف أي هو - أي السَّند - كائن كالإسناد من حيث
_________
(١) هو العلامة المحقق الشيخ محمد نور إدريس اليجي حفظه الله تعالى.
(٢) والمبادئ العشرة هي المجموعة في قول بعضهم:
إن مبادئ كل فنّ عشرهْ ... الحد والموضوع ثمَّ الثمرهْ
ونسبة وفضله والواضعْ ... والاسمُ الاستمدادُ حكمُ الشارع
مسائل والبعض بالبعض اكتفي ... وَمَنْ دَرَى الجَميعَ حاز الشرفا
1 / 13
المعنى (لدى فريق) بالتنكير، وفي نسخة بالتعريف، أي عند طائفة من علماء الحديث.
٩ - وَالْمَتْنُ: ما انْتَهَى اِلَيْهِ السَّنَدُ ... مِنَ الْكَلامِ، والحديثَ قَيَّدُوا
١٠ - بِما أضيفَ لِلنَّبِيِّ قَوْلًا أوْ ... فِعْلًا وَتَقْرِيرًا وَنَحْوَهَا حَكَوْا
(والمتن) بفتح فسكون مبتدأ خبره قوله (ما انتهى إليه السَّند) أي ما بلغ إليه السَّند من النهاية، يقال: انتهى الأمر إذا بلغ النهاية، وهي أقصى ما يمكن أن يبلغه، قاله في المصباح. (من الكلام) بيان لما وهو مشتق من المماتنة وهي المباعدة في الغاية لأنه غاية السَّند، أو من متنت الكبش إذا شَقَقْتَ جِلدةَ بيضته، واستخرجتها، فَكأنَّ المسِندَ استخرج المتن بسنده، أو من المُتْن بالضم وهو ما صلب وارتفع من الأرض لأن المسند يقويه بالسَّند، ويرفعه إلى قائله، أو من تَمْتِين القوسِ أي شدها بالعَصَبِ لأن المسند يقوي الحديث بسنده، (والحديثَ) مفعول مقدم لقوله: (قيدوا)، وفي نسخة حددوا، أي العلماء بقولهم (ما أضيف للنبي) أي أسند ورفع إلى النبي ﷺ، وهو لغة ضد القديم استعمل في قليل الخبر وكثيره، لأنه يَحْدُثُ شيئًا فشيئًا، واصطلاحًا ما ذكره في النظم بقوله: ما أضيف إلى النبي ﷺ.
(قولا) كقوله ﷺ: " إنما الأعمال بالنيات "، ونُصِبَ على الحالية، أو خبرًا لكان المحذوفة أي سواء كان قولا له، أو مفعولا لفعل محذوف، أي أعني قولا. وقولُه: (أو فعلا) عطف عليه، كصلاته ﷺ على الراحلة حيث ما توجهت به، وقوله: (وتقريرا) عطف على قولًا، والواو بمعنى أو، كتقريره ﷺ خالدَ بن الوليدِ في أكله الضبَّ عنده. قوله (ونحوها) عطف على قولا، أو مفعول مقدم لقوله (حكوا) وفي نسخة رووا، أي حكى ذلك العلماء الحفَاظُ، والجملة على الأول مستأنفة أتى بها تتميمًا للقافية. ومثالُ النحوِ أوصافُهُ ﷺ الخَلْقية بالفتح ككونه أبيض ليس بالطويل البائن، ولا بالقصير المُشَذَّب، أي المقطوع والخُلقِيَّة بضمتين ككونه لا يواجه أحدًا بما
1 / 14
يكْرَهُ، ومنه هَمُّه ﷺ كهمه تنكيس ردائه في الاستسقاء، ودخول مكة من الحديبية، ومعاقبة المتخلفين عن الجماعة بالإحراق.
١١ - وَقِيلَ: لا يَخْتَصُّ بِالمَرْفُوعِ ... بَلْ جَاءَ لِلمَوْقُوفِ وَالمَقْطُوعِ
١٢ - فَهْوَ عَلَى هَذَا مُرادِفُ الْخَبَرْ ... وَشَهَّرُوا رَدْفَ الْحَدِيثِ الأَثَرْ
(وقيل) أي قال بعض علماء هذا الفن (لا يختص) الحديث (بالمرفوع) إلى النبي ﷺ (بل) يعمه وغيره، فإنه (جاء) إطلاقه (للموقوف) أي على الموقوف وهو ما أضيف إلى الصحابي قولا له أو نحوه كما يأتي في محله.
(والمقطوعِ) هو ما أضيف إلى التابعي كذلك (فهو) الفاء فصيحية وهو مبتدأ أي الحديث (على هذا) جار ومجرور حال منه أي حال كونه جاريا على هذا القول الثاني، أو متعلق بما بعده وقوله: (مرادف الخبر) خبر المبتدإ أي مترادف معه. وفي القاموس مع شرحه المترادف: أن تكون أسماء لشيء واحد وهي مولدة، ومشتقة من تراكب الأشياء اهـ.
والمعنى أن الحديث والخبَر على هذا القول بمعنى واحد (وشهَّروا) أي عَدَّ العلماءُ مشهورا (ردف) بالفتح، أي ترادف (الحديث والأثر) أي إتيان كل منهما بمعنى الآخر وكذا الخبر، وفي نسخة وشهَّروا شمول هذين الأثر، والمعنى واحد، وهذا القول هو المختار، وقيل: الخبر ما يروى عن النبي ﷺ، والأثر عن الصحابة، قيل: والتابعين، ومن بعدهم، وقيل: غيرُ ذلك. (تنبيه) ما ذكر في هذه الأبيات السبعة من زيادات الناظم على العراقي إلا الشطر الأخير.
١٣ - وَالأَكْثَرُونَ قَسَّمُوا هَذِيْ السُّنَنْ ... إِلَى صَحِيحٍ وَضَعِيفٍ وَحَسَنْ
(والأكثرون) مبتدأ خبره قوله (قسموا) أَي نوعوا (هذي) اسم إشارة للمؤنث أشار به إلى ما هو معلوم حاضر في ذهن كل أحد. (السنن) جمع سنة بالضم فيهما، وهي لغة الطريقة، واصطلاحًا بمعنى الحديث المتقدم
1 / 15
تعريفه (إلى صحيح وضعيف وحسن) متعلق بقسموا، والمعنى: أن أكثر أهل الحديث قسموا الحديث إلى ثلاثة أقسام صحيح، وضعيف، وحسن.
وانما قيد بالأكثر الذي زاده على العراقي تنكيتًا على من أطلقه، لأن فيه خلافًا فإن بعضهم قال: الحديث صحيح وضعيف فقط، والحسن مندرج في أنواع الصَّحِيح.
وأدرج الضَّعِيف في السنن تغليبًا، وإلا فهو لايسمى بسنة، وقدمه على الحسن للضرورة أو لمراعات المقابلة بينه وبين الصَّحِيح، أو لملاحظة صنع الأكثرين. ثم ذكر القسم الأول بقوله:
1 / 16
(الصَّحِيح)
أي هذا مبحثه وهو الأول من أنواع علوم الحديث وهو لغة ضِدُّ السقيم وقدمه لشرفه.
١٤ - حَدُّ الصَّحِيحِ: مُسنَدٌ بِوَصْلِهِ ... بِنَقْلِ عَدْلٍ ضَابِطٍ عَنْ مِثْلِهِ
(حد الصَّحِيح) اصطلاحًا (مسند) أي حديث مرفوع إلى قائله (بوصله) أي مع وصل سنده، أو بسبب وصله، فخرج به المنقطع، والمعضل، والمرسل، والمعلق، على تفصيل يأتي، (بِنَقْلِ عَدْلٍ) أي مع نقل عدل، أو بسبب نقله، وهو: من له مَلَكَة تحمله على ملازمة التقوى، والمرؤة، وخرج به ما في سنده ضعيف، أو مجهول، (ضابط) أي حازم ضَبْطَ صدرٍ، وهو اثبات ما سمعه حتى يتمكن من استحضاره متى شاء حتى يؤديه، وضبط كتاب وهو صونه عن تطرق الخلل إليه من حين سماعه إلى وقت أدائه. والمراد تمامُ الضبط لئلا يدخل في التعريف الحسن لذاته، وخرج به ما في سنده راوٍ مُغَفلٌ كثيرُ الخطأ في روايته، وإن عُرِفَ بالصدق، والعدالة. وقوله: (عن مثله) أي عن العدل الضابط تصريح بما فهم مما قبله توضيحا.
وحاصل معنى البيت أن حد الصَّحِيح هو الحديث الذي اتصل إسناده مع عدالة ناقله وضبطه.
1 / 17
١٥ - ولَمْ يَكُنْ شَذَّ وَلا مُعَلَّلا ... والحُكْمُ بِالصَّحَةِوَالضَّعْفِ عَلَى
١٦ - ظاهِرِهِ، لاالقَطْعِ، إِلاَّ مَاحَوَى ... كِتابُ مُسلِمٍ أَوِ الجُعْفِي سِوَى
١٧ - ما انْتَقَدُوا فَابْنُ الصَّلاحِ رَجَّحَا ... قَطْعًا بِهِ، وَكَمْ إِمَامٍ جَنَحَا
١٨ - والنَّوَوِيْ رَجَّحَ فِي التَّقْرِيبِ ... ظَنًّا بِهِ، وَالقَطْعُ ذُو تَصْوِيبِ
(ولم يكن) الحديث المذكور (شَذَّ) فعل ماض خبر يكن وقوله (ولا معللا) عطف على الخبر، والجملة عطف على خبر المبتدإ والمعنى: أن الحديث المذكور غير شاذ، وهو ما يخالف فيه الثقة من هو أرجح منه، ولا معللٌ، وهو ما ظاهره الصحة، وبعد التفتيش اطلع على علة قادحة فيه فخرج الشَّاذ، والمعلل، والحاصل أن شروط الحديث الصَّحِيح خمسة: اتصال السَّند، وعدالة الناقل، وضبطه، وعدم الشذوذ، وعدم العلة، فإذا حصلت هذه الشروط حكمنا له بالصحة، وها هنا فوائد مهمة ذكرتها في الشرح الكبير ثم إن هذا الحكم على الظاهر لا على نفس الأمر، كما ذكره بقوله (والحكم) مبتدأ (بالصحة) متعلق به أي وكذا بالحسن (والضعف) بالفتح والضم (على ظاهره) جار ومجرور خبر المبتدإ، أي حكم المحدثين على الحديث بالصحة والضعف وكذا الحسن فيما يظهر لهم عملا بظاهر الإسناد، حيث اجتمعت فيه الشروط. (لا القطع) مجرور عطفًا على ظاهِرهِ أي ليس الحكم على القطع في نفس الأمر، لجواز الخطأ والنسيان على الثقة، والصدق والإصابة على الكاذب، ومن هو كثير الخطأ.
وحاصل المعنى: أنه إذا قيل هذا الحديث صحيح فمعناه أنه اتصل سنده مع باقي الشروط المذكورة فيجب العمل به عملًا بظاهر الإسناد وكذا الحسن، وإذا قيل هذا حديث ضعيف فمعناه أنه لم يصح سنده على الشروط المذكورة فلا يعمل به وليس المراد أنه كذلك في نفس الأمر.
وهذا هو الصَّحِيح عند أكثر أهل العلم وقيل: إن خبر الواحد يوجب العلم، ثم ذكر استثناء أحاديث الشيخين أو أحدهما بقوله:
(إلا ما) أي الحديث الذي (حوى) أي جمعه يقال حويت الشيء
1 / 18
أحويه حواية بالفتح، واحتويت عليه إذا ضممته واستوليت عليه اهـ المصباح. (كتاب) بالرفع فاعل حوى الإمامِ الحافظ الحجةِ أبي الحسين (مسلم) بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري، ولد سنة أربع ومائتين، وتوفي في الخامس والعشرين من رجب سنة إحدى وستين ومائتين، وقدم مسلمًا مع أن عادتهم تقديم البخاري لجلالته، للنظم، (أو) بمعنى الواو، أي وكتاب الإمام الحافظ الحجة أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه (الجعفي) بضم الجيم وسكون العين، وخفف الياء هنا للوزن نسبة إلى يمان الجعفي وَالِي بُخَارَى ونسب إليه البخاري لأن المغيرة جده الأعلى أسلم على يديه فنسب إليه نِسبَةَ ولاء، ولد ﵀ يوم الجمعة ثالث عشر شوال سنة أربع وتسعين ومائة، وتوفي يوم السبت غرة شوال سنة ست وخمسين ومائتين، عن اثنتين وستين سنة، إلا ثلاثة عشرة يومًا. وقد جمع بعضهم ميلاده وعمره وموته رامزًا في بيتين فقال من الكامل:
كَانَ البُخَارِيُّ حَافِظًا وَمُحَدِّثًا ... جَمَعَ الصَّحِيحَ مُكَّمِّلَ التَّحْرِيرِ
مِيلاَده (صِدقٌ) (١) وَمُدَّةُ عمرِهِ ... فِيهَا (حَمِيدٌ) (٢) وَانْقَضَى فيِ (نُورِ) (٣)
ثم إن هذا الاستثناء ليس على إطلاقه، بل هو لما لم ينتقد عليهما، وأما ما انتقد عليهما فأشار إليه بقوله:
(سوى ما) أي غيرَ الحديث الذي (انتقدوا) أي اعترض العلماء النُّقَّادُ على هذين الكتابين، كالدارقطني، وأبي مسعود الدمشقي، وأبي علي الغَسَّاني الجَيَّاني، وهي قليلة سيأتي عددها.
_________
(١) هذه إشارة إلى الرموز الأبجدية لمدَّة ميلاده فالصاد بتسعين، والدال بأربعة، والقاف بمائة، فتصير (١٩٤).
(٢) إشارة لمدة عمره، فالحاء: بثمانية، والميم بأربعين، والياء بعشرة، والدال بأربعة، فالمجموع (٦٢).
(٣) إشارة لموته، فالنون بخمسين، والواو بستة، والراء بمائتين، فالمجموع (٢٥٦).
1 / 19
(فا) الإمام الحافظ تقى الدين أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن الشهْرَزُوِري، ثم الدمشقي المعروف بابن (الصلاح) لقبُ أبيه صلاح الدين. توفي ابن الصلاح ﵀ سنة إحدى وأربعين وستمائة. (رجحا) بألف الإطلاق من الترجيح يقال رجحت الشيء بالتثقيل فضَّلتُة وَقوَّيتُهُ. اهـ. المصباح. (قطعا) مفعولُ رجَّحَ، أي إفادة قطع (به) أي بما حواه الكتابان، والمعنى: أن الإمام ابن الصلاح ﵀ رجح إفادة ما في هذين الكتابين مما لم ينتقد عليهما العلم اليقيني النظريَّ المقطوع بصدقه. وهذا دون التعليقات والموقوفات والمقاطيع فسيأتي حكمها. (وكم) خبرية بمعنى كثير مبتدأ (إمام) مضاف إليه (جنحا) أي مال إليه، والألف إطلاقية. والجملة خبر (كم)، أي كثير من الأئمة مال إلى رأي ابن الصلاح، فمنهم من سبقه كالإمام محمد بن طاهر المقدسي، وأبي نصر عبد الرحيم بن عبد الخالق بن يوسف، ومنهم من أتى بعده كالإمام ابن كثير، والناظم كما يأتي، وحكى ابن كثير أن الإمام ابن تيمية ﵀ حكى ذلك عن أهل الحديث، وعن السلف وجماعة من الشافعية، والحنابلة، والأشاعرة والحنفية، وغيرهم.
(والنووي) بتخفيف الياء للوزن مبتدأ وهو الإمام محي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف بن مُرِّي الحِزاميُّ الشافعي المولود سنة إحدى وثلاثين وستمائة، والمتوفى ليلة الأربعاء رابع عشر رجب سنة ست وسبعين وستمائة على المشهور، عن خمس وأربعين سنة، رحمه الله تعالى.
(رجح في التقريب) خبر المبتدإ أي قَوَّى في كتابه المسمى بالتقريب، المختصرِ من الإرشاد له المختصرِ من علوم الحديث لابن الصلاح. (ظنًا) مفعول رجح أي إفادَةَ ظنِّ (به) متعلق بظن أي بما حواه الكتابان قال ﵀: خالف ابنَ الصلاح المحققون والأكثرون فقالوا يفيد الظن ما لم يتواتر قال لأن ذلك شأن الآحاد، ولا فرق في ذلك بين الشيخين وغيرهما لكن الصواب ما تقدم لابن الصلاح كما أشار إليه الناظم بقوله: (والقطع ذو تصويب) مبتدأ وخبر، أي القول بإفادة ما في هذين الكتابين القطعَ بصدقه صاحبُ صواب، يقال: صوبت قوله قلت إنه
1 / 20
صواب، والصواب ضد الخطأ أفاده في المصباح، فتصويب بمعنى صواب إطلاقًا للمسبب على السبب.
وحاصل المعنى: أن القول بالقطع وهو قول ابن الصلاح هو الصواب.
قال ابن كثير: وأنا مع ابن الصلاح فيما عَوَّل عليه، وأرشد إليه، وقال الناظم: وهو الذي أختارُه ولا أعتقد سواه. اهـ. تدريب.
ثم إن ما ذكر من الشروط الخمسة للصحيح هو المعول عليه، وزاد عليه بعض من لا يعتد بقوله اشتراط تعدد الرواة وإلى رد ذلك أشار بقوله:
١٩ - وَلَيْسَ شَرْطًا عَدَدٌ، وَمَنْ شَرَطْ ... رِوَايَةَ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا غَلَطَ
(وليس شرطًا) خبر ليس مقدم على اسمها وهو (عدد) أي رواية متعدد أي ليس تعدد الرواة شرطًا في صحة الحديث بل المعتبر فيه هي الشروط الخمسة المتقدمة سواء رواه متعددون، أم لا؟ (ومن) شرطية، أو موصولة مبتدأ (شرط) من بابي ضرب وقتل، في صحة الحديث (روايةَ اثنين) من الرواة (فصاعدًا) أي حال كونه زائدًا على ذلك (غلط) بكسر اللام جواب الشرط، أو خبر المبتدإ يقال: غَلِطَ في منطقه كفَرِح أخطأ وجهَ الصواب، لكن يلزم على هذا عيب السناد، وهو وإن كان جائزًا للمولدين فالأولى جعل غلط بفتح اللام مصدرًا على حذف مضاف خبر مبتدأ محذوف مع الرابط أي فهو ذو غلط، هذا في الشوطية، وأما في الموصولة فهو خبرُ مَن على حذف مضاف أيضًا أي الذي شرط في صحة الحديث رواية راويين فصاعدًا ذو غلط. وهذا القول. محكي عن ابن علية، وبعض المعتزلة.
٢٠ - والوَقْفُ عَنْ حُكْمٍ لِمَتْنٍ أَوْ سَنَدْ ... بِأَنَّهُ أَصَحُّ مُطلَقًا أَسَدْ
(والوقف) مبتدأ أي التوقف (عن حكم) متعلق به (لمتن أو سند) متعلق بحكم (بأنه أصح) من غيره متعلق بحكم أيضًا (مطلقًا) حال من حكم أي حال كون الحكم على سبيل الإطلاق أي من غير تقييد بصحابي
1 / 21
أو بلد مثلا (أسد) خبر المبتدإ، أي أكثر سَدَادًا بالفتح وهو الصواب، ومعنى البيت: أن التوقف عن الحكم لأي متن كان أو أي سند بكونه أصح على الإطلاق هو الصواب والمختار من أقوال المحدثين، وذلك لأن تفاوت مراتب الصحة مرتب على تمكن الإسناد من شروط الصحة. وَيعِزُّ وجود أعلى درجات القبول في كل واحد من رجال الإسناد الكائنين في ترجمة واحدة، ولهذا اضطرب من خاض في ذلك إذ لم يكن عندهم استقراء تام وإنما رجح كل منهم بحسب ما قَوِيَ عنده خصوصًا إسناد بلده لكثرة اعتنائه به، وخلاف الصواب ما ذكره بقوله:
٢١ - وآخَرُونَ حَكَمُوا فاضْطَرَبُوا ... لِفَوقِ عَشْرٍ ضُمِّنَتْهَا الْكُتُبُ
(وآخرون) مبتدأ خبره قوله حكموا أي جماعة من المحدثين غيرُ من توقف عن الحكم (حكموا) بالأصحية على الإطلاق على بعض الأسانيد (فاضطربوا) أي اختلفوا في التعيين لاختلاف أنظارهم لأنه لم يكن عندهم الاستقراء التام وإنما رجح كل منهم بحسب ما قوي عنده وقوله: (لِفَوقِ عَشْرٍ) جار ومجرور متعلق بمحذوف نعتٍ لمصدر محذوف أي اضطرابًا منتهيًا لفوق عشر، أو حالٍ منه أي حال كون الاضطراب منتهيًا إلى فوق عشر، أو متعلق بفعل محذوف معطوف على الفعل أي وانتهت أقوالهم لفوق عشر من الأقوال. وقوله: (ضمنتها الكتب) فعل ونائب فاعل صفة لفوق عشر، أي جُعِلَت الكتب محتوية عليها يقال: ضمنت الشيء كذا جعلته محتويًا عليه فتضمنه، أي فاشتمل عليه، واحتوى.
ثم شرع الناظم يعدد بعض تلك الأقوال بقوله:
٢٢ - فَمَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سَيِّدِهْ ... وَزِيدَ مَا لِلشَّافِعِيْ فَأَحْمَدِهْ
الفاء فصيحية أي إذا أردت أن تعرف بعض تلك الأقوال فأقول لك: أصح الأسانيد مطلقًا (مالك) بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث الأصبحي أبو عبد الله المدني، إمام دار الهجرة، أحد الأئمة
1 / 22
الأربعة، له نحو ألف حديث، ولد سنة ثلاث وتسعين، وتوفي سنة تسع وسبعين ومائة، عن ست وثمانين سنة، ودفن بالبقيع. فمالك: مبتدأ حذف خبره أي أصح الأسانيد، أو خبر لمحذوف أي أصح الأسانيد مالك إلخ.
(عن نافع) متعلق بحال محذوف أي حال كونه راويًا عن نافع العدوي، قيل اسم أبيه هرمز، أبو عبد الله المدني، أحد الأعلام، وهو غير نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم المقريء، يروي عن نافع هذا، مات نافع ﵀ سنة عشرين ومائة، حال كون نافع آخذًا (عن سيده) أي مولاه عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي أبي عبد الرحمن المكي، هاجر مع أبيه، وشهد الخندق، وبيعة الرضوان، له ألف وستمائة وثلاثون حديثًا، اتفقا على مائة وسبعين وانفرد البخاري بأحد وثمانين ومسلم بأحد وثلاثين، مات ﵁ سنة أربع وسبعين عن أربع وثمانين.
وهذا القول للبخاري ﵀، أخرجه الحاكم بسنده عنه، قال في التدريب: وهذا أمر تميل إليه النفوس، وتنجذب القلوب.
روى الخطيب بسنده عن يحيى بن بكير أنه قال لأبي زرعة الرازي: يا أبا زرعة ليس ذا (١) زعزعة عن زوبعة إنما ترفع الستر فتنظر إلى النبي ﷺ والصحابة، حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر اهـ.
(وزيد) على مالك في هذا السَّند (ما) أي الحديث الذي للإمام الأعظم أحد أئمة الأعلام محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف القرشي أبي عبد الله (الشافعي) ﵀، ولد سنة خمسين ومائة وتوفي في آخر يوم من رجب سنة أربع ومائتين عن أربع وخمسين سنة، والمعنى أنه زيد في هذا السَّند المذكور الحديث الذي رواه الشافعي عن مالك الخ.
_________
(١) قوله زعزعة هي تحريك الريح الشجرة ونحوها وكل تحريك شديد.
قوله زوبعة هي الأعصار التي نرفع التراب في الجو وتستدير كأنها عمود. اهـ.
من هامش الشرح.
1 / 23