Explanation of the Book on the Differences Between the Worship Practices of the People of Islam and Faith and the Worship Practices of the People of Polytheism and Hypocrisy by Ibn Taymiyyah - Muhammad Hassan Abdul Ghaffar
شرح كتاب الفرق بين عبادات أهل الإسلام والإيمان وعبادات أهل الشرك والنفاق لابن تيمية - محمد حسن عبد الغفار
ژانرونه
حكم الصلاة في المسجد الذي فيه قبر
مسألة: لقد منع النبي ﷺ من بناء المساجد على القبور، فهل إذا صلى فيها المرء تصح صلاته أو لا تصح، وإن كان هذا الجانب جانبًا فقهيًا أكثر منه عقديًا؛ لكن لزامًا علينا أن نبين هذه المسألة.
فهذه المسألة اختلف فيها العلماء على قولين: القول الأول: أن من صلى في مسجد فيه قبر فصلاته باطلة ويجب عليه إعادة الصلاة، وهذا قول الحنابلة.
واستدلوا على ذلك بقول النبي ﷺ: (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد) يعني: فهو باطل ولا يمكن أن يكون صحيحًا.
وقول النبي ﷺ: (من أحدث في ديننا هذا ما ليس منه فهو رد) أي: باطل.
وقالوا: مطلق النهي يقتضي الفساد، فلما نهى النبي ﷺ عن الصلاة في المسجد الذي فيه قبر، فهذا النهي يدل على أن هذا العمل ليس على سنة النبي، وكل عمل ليس على سنة النبي فهو باطل مردود، وهذا القول الأول.
أما القول الثاني فهو قول جماهير أهل العلم من الشافعية والمالكية والأحناف؛ وهو أن الصلاة صحيحة ويأثم المصلي، والإثم يكون مع العلم، فلو دخل رجل مسجدًا فيه قبر فصلى فيه وهو لا يعلم أن هذا المسجد فيه قبر لا يأثم؛ لقول النبي ﷺ: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه).
وقوله ﷿: ﴿رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة:٢٨٦].
فمن دخل مسجدًا فيه قبر وهو يعلم أن هذا المسجد فيه قبر فلا يصل فيه، فإن صلى فهو آثم؛ لأنه ارتكب نهيًا؛ ولأنه تعدى حدود الله، والنبي ﷺ نهى عن الصلاة في المساجد التي فيها قبور، فقال: (لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها).
وقال النبي ﷺ كما في الصحيح: (صلوا في بيوتكم ولا تجعلوها قبورًا).
ووجه الدلالة من هذا الحديث هو: الأصل أن القبور لا يمكن أن يصلى فيها ولا يجوز أن يصلى فيها، فأنت إن لم تصل في بيتك شبهت بيتك بالقبر، ولذلك كان النبي ﷺ يصلي النوافل في البيت.
وفي مسند أحمد بسند صحيح: أن السنة في البيت تساوي الفرض في المسجد، يعني: النافلة في البيت تضاعف على النافلة في المسجد بسبع وعشرين درجة، فكم ضيعنا من درجات، وكم فرطنا في صلاة النافلة في المسجد، وهذا تصريح من النبي ﷺ أن الصلاة في البيت كصلاة الفرض في المسجد.
فقال الجمهور: يأثم لأنه تعدى حدود الله، وصلاته صحيحة، لأن الجهة منفكة يعني: النهي منفك عن ذات الصلاة، فإن الصلاة لها أركان وشروط، فمن أتى بالأركان وأتى بالشروط تامة فقد صحت صلاته.
يعني: من توضأ، واستقبل القبلة، وستر العورة، وقرأ الفاتحة في كل ركعة وركع، ورفع، وسجد، ورفع من السجود، فقد أتى بالأركان وبالشروط تامة فتصح صلاته بذلك.
إذًا: فصلاته صحيحة لأنه أتم الأركان والشروط قالوا: ويأثم لأنه تعدى النهي وبعض الحنابلة يرون أن الجهة ليست منفكة.
ومعنى قولهم (الجهة منفكة) يتبين من قول النبي ﷺ عندما أخذ الذهب والحرير: (هذان حلال لنساء أمتي حرام على ذكورها).
فلو أن رجلًا لبس قميصًا من حرير ثم قام فصلى الظهر وقع في النهي فهل تبطل صلاته أم لا؟ قال أبو يعلى تبطل؛ لأن النهي عندهم يقتضي الفساد مطلقًا.
والصحيح الراجح أنها لا تبطل لأن لبس الحرير في غير الصلاة لا يجوز، وفي الصلاة لا يجوز أيضًا، فليس له علاقة بذات الصلاة، الصلاة علاقتها أن يكون فيها أركان وشروط متوفرة من استقبال القبلة وغيرها، فمن أتى بالشروط والأركان وأتمها في الصلاة صحت صلاته، وهذا الراجح الصحيح.
وأما الرد على من استدل بقول النبي ﷺ: (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد) يعني: فهو باطل فنقول: قد عمل عملًا عليه أمرنا وهي الصلاة بالأركان والشروط التامة، فصحت صلاته، ثم اتخذ مكانًا ليس عليه أمرنا، وهو المسجد الذي فيه القبر، فأثم في التعدي وصحت صلاته التي تمت فيها الأركان والشروط، وهذا هو الراجح الصحيح، فتصح الصلاة حتى ولو علم أن فيه قبرًا.
هذه آخر مسألة، والمسائل القادمة إن شاء الله ستكون في العقيدة.
5 / 8