Explanation of the Book of the Virtue of Islam by Muhammad ibn Abd al-Wahhab - Nasir al-Aql
شرح كتاب فضل الإسلام لمحمد بن عبد الوهاب - ناصر العقل
ژانرونه
شرح كتاب فضل الإسلام [١]
لقد امتن الله تعالى علينا أمة الإسلام بهذا الدين العظيم دين الإسلام الذي رضيه لنا دينًا، وفضله على سائر الأديان، وجعله خاتمًا لها ومهيمنًا عليها، واختصه بفضائل عظيمة عما سواه، فقد جعله دينًا كاملًا، وأتم به النعمة على هذه الأمة، وجعله سببًا لمغفرة الذنوب وحصول التقوى والخشية لله، ولن يقبل الله تعالى من أحد دينًا سواه.
1 / 1
باب فضل الإسلام
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى: [بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين.
باب فضل الإسلام، وقول الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا﴾ [المائدة:٣]، وقوله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ﴾ [يونس:١٠٤] الآية، وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الحديد:٢٨]].
قبل أن ننتقل إلى الأحاديث نتأمل المعاني التي أشار إليها وإن لم يذكرها شيخ الإسلام في هذه الآيات، وتندرج تحت فضل الإسلام، وعندما تأملت هذه الآيات تذكرت ما اتسم به هذا الشيخ الإمام الجليل شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب من دقة في الفقه واستنباط المعاني الشرعية من النصوص، سواء ما يتعلق بالعقيدة أو ما يتعلق بالأحكام، ولا يظن الناس أن مؤلفات الشيخ فيها شيء من العموم وعدم العمق، أو قد يقول قائل عن جهل بحقيقة هذا الإمام: إن الشيخ تميّزت مؤلفاته بشيء من السطحية! أقول: لا، إن إيراده للنصوص على هذا النحو يدل على فقه عظيم، ويذكرني فقهه واستنباطه وإشارته إلى المعاني بمنهج البخاري ﵀، فإنه يتميز بالعمق والمنهجية في استنباط المعاني الشرعية والقواعد العظمى من النصوص بأيسر أسلوب، والشيخ هنا لم يذكر الأمور التي استنبطها في فضل الإسلام من هذه النصوص بل تركها للقارئ، ولكن مجرد أن بوّب وجاء بها تحت باب فضل الإسلام فكأنه بذلك وجّه القارئ إلى استنباط فضل الإسلام من هذه النصوص، ولو تأملنا هذه الثلاث الآيات لوجدنا أكثر من ثنتي عشرة مسألة في فضل الإسلام:
1 / 2
فوائد ومعانٍ من آيات في فضل الإسلام
الآية الأولى: استنبط الشيخ معاني كثيرة نأخذ منها ثلاث فوائد في فضل الإسلام: الفائدة الأولى: كمال هذا الدين، بحيث لا يحتاج الناس إلى مصادر أخرى ولا إلى ابتداع أمور ليثبتوها من عند أنفسهم؛ لأن الله ﷿ قال: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة:٣]، وهذا من أبرز خصائص الدين وفضل هذا الدين، والذي هو الكمال المطلق الذي لا يعتريه نقص إلى قيام الساعة، بخلاف الأديان السابقة فقد اعتراها النقص بتقصير أهلها، وبأن الله لم يتكفل بحفظها، فوقع فيها التغيير والتبديل ثم النسخ.
الفائدة الثانية: يستنبط من قوله تعالى: ﴿وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾ [المائدة:٣]، أن الله ﷿ أتم بهذا الدين النعمة على العباد، وهذا من أبرز فضائل الدين، وهو أن الله أنعم على هذه الأمة، وأتم به النعمة، فتحقق بالإسلام تمام النعمة من الله ﷿ على هذه الأمة.
الفائدة الثالثة: أن من فضل الإسلام أنه يحقق رضا الله ﷿، فالله رضيه لعباده، وأي شيء أعظم من دين رضيه الله لعباده؟ قال الله تعالى: ﴿وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا﴾ [المائدة:٣].
هذه ثلاث فوائد في فضل الإسلام في آية واحدة، مع عدم التعمّق والتطويل، ولو طوّلنا لأخذنا فوائد كثيرة، لا شك أن الشيخ يشير إليها؛ لأن كونه أدرج هذه الآية في فضل الإسلام دليل ظاهر على أنه أدرك بفقهه وبعمق فهمه ﵀ هذه المعاني.
وفي الآية الثانية استنبط فوائد في فضل الإسلام: الأولى: أن هذا الدين هو الذي لا يقبل الله من الناس سواه، قال ﷿: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ﴾ [يونس:١٠٤] فقوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي﴾ [يونس:١٠٤] دل على أن هذا الدين هو الذي يقبله الله، وأنه الذي لا شك فيه، ولا يمكن أن يتطرق الشك إلى شيء من هذا الدين.
الثانية: أن من فضل الإسلام أنه يحقق التوحيد الخالص، قال الله تعالى: ﴿فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [يونس:١٠٤] فهو يحقق التوحيد الخالص، وينفي الشرك، ويحقق العبادة الحقة والتوحيد والدين الذي رضيه الله للعباد، وهذا كله من فضائل هذا الدين.
وفي الآية الثالثة ذكر عدة فوائد: الأولى: أن من فضل هذا الإسلام أنه يتحقق به التقوى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ﴾ [الحديد:٢٨]، ويتحقق به الإيمان بالرسول ﷺ، وهذه من غايات الدين ومن أسباب السعادة في الدنيا والفلاح في الآخرة، فهي فضائل لهذا الدين.
الثانية: أن الله ﷿ وعد هذه الأمة بمضاعفة الأجر: ﴿يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ﴾ [الحديد:٢٨].
الثالثة: أن الله ينوّر به للعبد الطريق المستقيم، فينوّر به القلوب وينوّر به أحوال العبد في الدنيا والآخرة، حتى يمشي على مثل البيضاء في الوضوح والبيان لما تكفّل الله به من حفظه لهذا الدين وبيانه، وإقامة الحجة فيه، فلذلك فُضل هذا الدين بكونه نورًا يمشي به العباد ﴿وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ﴾ [الحديد:٢٨]، وهو هذا الدين.
الرابعة: أن الله ﷿ يحقق لمن أسلم وحقق إسلامه المغفرة لذنوبه ﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الحديد:٢٨].
هذه معان عظيمة مما يُستنبط من هذه الآيات في فضل الإسلام، ومسألة فضل الإسلام لها عدة اعتبارات، فضل الإسلام من حيث ذاته فالإسلام بذاته فاضل؛ لأن الله ﷿ جعله خيار الأديان وخاتم الأديان وأفضل الأديان، وناسخًا للأديان ومهيمنًا عليها، ثم فضل الإسلام بفضائل هذه الأمة بما منحه الله ﷿ لهذه الأمة من الفضائل، ثم فضل الإسلام على الأفراد أيضًا، فالإسلام هو طريق النجاة، وهو طريق السعادة في الدنيا والنجاة في الآخرة، وليس المقصود بفضل الإسلام خصائصه فقط، بل المقصود الخصائص والسمات والميزات التي تميزه عن غيره، ثم الفضائل والأجور والخصائص التي يتميز بها أتباعه، ثم النتائج التي وعدها الله للمستمسكين بالإسلام في الدنيا والآخرة، ففضله في نفسه، وفضله على غيره، والفضل الذي يحصل به للعباد كل ذلك يدخل في معنى فضل الإسلام.
1 / 3
أحاديث في فضل الإسلام
قال رحمه الله تعالى: [وفي الصحيح عن ابن عمر ﵄ أن رسول الله ﷺ قال: (مثلكم ومثل أهل الكتابين كمثل رجل استأجر أجراء، فقال: من يعمل لي من غدوة إلى نصف النهار على قيراط؟ فعملت اليهود، ثم قال: من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط؟ فعملت النصارى، ثم قال: من يعمل من صلاة العصر إلى أن تغيب الشمس على قيراطين؟ فأنتم هم، فغضبت اليهود والنصارى، وقالوا: ما لنا أكثر عملًا وأقل أجرًا؟ قال: هل نقصتكم من حقكم شيئًا؟ قالوا: لا، قال: ذلك فضلي أوتيه من أشاء).
وفيه أيضًا عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وللنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا فهدانا ليوم الجمعة، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة، نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة)، وفيه تعليقًا عن النبي ﷺ أنه قال: (أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة) انتهى].
في هذه الأحاديث أشار الشيخ إلى بعض ما ورد في الآيات، وإلى زيادة وردت في الأحاديث.
ففي الحديث الأول: إشارة إلى أن من فضائل الإسلام مضاعفة الأجور، وهذا خاص لهذه الأمة في جميع أعمالها الصالحة، وهذا لم يكن موجودًا في الأمم الأخرى، ولذلك فإن اليهود والنصارى اعترضت، فبيّن الله ﷿ أن ذلك من فضله، وفضل الله يؤتيه من يشاء.
وفي الحديث الثاني: أشار إلى فضل الأجور وإلى أمر آخر وهو تقدم هذه الأمة على الأمم الأخرى، سبقًا في الفضل والهبات من الله ﷿، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
كما أن الإسلام تميز بفضائل أخرى ذكرها في الحديث الآخر المعلّق، وهي سماحة الإسلام ويسر الدين، فالإسلام أسمح الأديان في دفع المشقة عن العباد، وفي مضاعفة الأجور لهم، ومغفرة الذنوب، وفي جلب التيسير لجميع أحكام الدين، حتى عند غير الضرورات والحاجات، وحتى عند وجود مجرد المشقة، فإن الدين يسر، وهذا من فضل الإسلام كما أشار إليه الشيخ.
1 / 4
آثار في فضل الإسلام
قال رحمه الله تعالى: [وعن أبي بن كعب ﵁ قال: عليكم بالسبيل والسنة، فإنه ليس من عبد على سبيل وسنة ذكر الرحمن ففاضت عيناه من خشية الله فتمسه النار، وليس من عبد على سبيل وسنة ذكر الرحمن فاقشعر جلده من خشية الله إلا كان كمثل شجرة يبس ورقها، فبينما هي كذلك إذ أصابتها الريح فتحات عنها ورقها، إلا تحاتت عنه ذنوبه كما تحات عن هذه الشجرة ورقها، وإن اقتصادًا في سبيل وسنة خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنة، وعن أبي الدرداء ﵁ قال: يا حبذا نوم الأكياس وإفطارهم، كيف يغبنون سهر الحمقى وصومهم، مثقال ذرة من بر مع تقوى ويقين أعظم وأفضل وأرجح من عبادة المغترين].
تضمنت هذه الآثار المعاني السابقة التي منها مضاعفة الأجور وزيادة تكفير الخطايا والذنوب لهذه الأمة، وكذلك تضمنت هذه الآثار معانٍ أخرى وهي أن هذه الأمة يكثر فيها أهل الحزم ورجاحة العقل، كما قال: يا حبذا نوم الأكياس وإفطارهم كيف يغبنون سهر الحمقى وصومهم، بمعنى أن هذه الأمة فيها طوائف من العُبّاد الذين هم على السنة، وأهل السنة هم الظاهرون من العلماء والعُبّاد والقائمون بأمر الله ﷿ وهؤلاء تميّزوا بالحزم والعقل -وهو الكيس- في أخذ هذا الدين والتوجه إلى الله ﷿ بالعبادة والخشية والإنابة والزهد، فلذلك فُضّلت هذه الأمة بمضاعفة الأجور لوجود أمثال هؤلاء القدوة فيهم، وهذا من فضل الإسلام، ولذلك كان من وسائل حفظ هذا الدين الذي جعله الله ﷿ من أسباب فضله وتميزه على الأديان الأخرى بقاء هذه الطائفة أهل الكيس والعقل والدين والقدوة، كما أنهم معتزون بهذا الدين وهم ظاهرون لا يضرهم من خذلهم ولا من عاداهم إلى أن تقوم الساعة، كل هذا من وسائل حفظ الدين وهو آخر الأديان وأفضلها وأبقاها حتى ولم يبق على الأرض أحد من البشر.
1 / 5
شرح كتاب فضل الإسلام [٢]
لقد أوجب الله تعالى على الإنس والجن جميعًا أن يدخلوا في دين الإسلام، وذكر أن من ابتغى غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين، والإسلام هو مجموع الشرائع والأحكام التي ذكرها الله تعالى في كتابه ونبيه ﷺ في سنته، ولذلك فاتباع الكتاب والسنة هو الالتزام الصحيح بالإسلام الذي أراده الله تعالى وأوجبه على عباده، ومن عدل عن ذلك إلى البدع والشبهات فقد ترك من الإسلام بقدر ما أخذ من بدعة وشبهة.
2 / 1
باب وجوب الإسلام
قال رحمه الله تعالى: [باب وجوب الإسلام.
وقول الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران:٨٥]، وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ﴾ [آل عمران:١٩]، وقول الله تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام:١٥٣] الآية.
قال مجاهد: السبل: البدع والشبهات.
وعن عائشة ﵂، أن رسول الله ﷺ قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) أخرجاه، وفي لفظ: (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد).
وللبخاري عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل: ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى).
وفي الصحيح عن ابن عباس ﵄ أن رسول الله ﷺ قال: (أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم، ومبتغٍ في الإسلام سنة جاهلية، ومطّلب دم امرئ مسلم بغير حق ليهريق دمه) رواه البخاري.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: قوله: (سنة جاهلية) يندرج فيها كل جاهلية مطلقة أو مقيدة، أي: في شخص دون شخص، كتابية أو وثنية أو غيرهما، من كل مخالفة لما جاء به المرسلون.
وفي الصحيح عن حذيفة ﵁ قال: يا معشر القراء! استقيموا، فإن استقمتم فقد سبقتم سبقًا بعيدًا، فإن أخذتم يمينًا وشمالًا فقد ضللتم ضلالًا بعيدًا.
وعن محمد بن وضاح أنه كان يدخل المسجد، فيقف على الحلق فيقول: فذكره، وقال: أنبأنا سفيان بن عيينة عن مجالد عن الشعبي عن مسروق قال: قال عبد الله يعني ابن مسعود ﵁: ليس عام إلا والذي بعده شر منه، لا أقول: عام أمطر من عام، ولا عام أخصب من عام، ولا أمير خير من أمير، لكن ذهاب علمائكم وخياركم، ثم يحدث أقوام يقيسون الأمور بآرائهم، فيُهدم الإسلام ويثلم].
2 / 2
بيان أن الإسلام الذي أوجبه الله تعالى هو السنة وأدلة ذلك
أراد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ﵀ أن يبيّن أن الإسلام الذي أوجبه الله ﷿ هو السنة كما سترون.
فقوله: (باب وجوب الإسلام) أدرج تحته من النصوص والآثار ما يدل على أنه جعل الإسلام يتمثل بالسنة بعد ظهور البدع، وهذا حق، ولا يعني ذلك خروج المبتدعة والمبدّلين الذين لم يخرجوا من الملة، لا يعني خروجهم من الإسلام، لكن يعني بذلك أن الله ﷿ كما أوجب الإسلام بالعموم فقد أوجب الاستمساك بحقيقة الإسلام عند اختلاف الناس وعند ظهور الأهواء والبدع، ولذلك فسّر الإسلام في النصوص التالية بالسنة، وهذا من عظيم فقهه؛ لأنه في جميع مؤلفاته كان يترسّم مناهج السلف بدقّة ويزن بها الواقع الذي كان عليه الناس، ولذلك أورد في الآية الأولى قوله ﷿: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران:٨٥]، وهنا قصد الإسلام العام والإسلام الخاص، والإسلام بمعناه العام هو الذي بعث الله به جميع المرسلين، فإن الآية لها عموم، ولها مفهوم خاص، أما الآية في عمومها فإنها تعني أن الله ﷿ لا يقبل من أمة من الأمم إلا الإسلام الذي جاء به النبيون والمرسلون؛ ثم الآية خاصة بهذا الدين؛ لأن الأديان السابقة غُيّرت وبُدّلت ونسخت، فكان بالضرورة أن الآية أصبحت تتوجه إلى هذا الدين الذي جاء به النبي ﷺ، فمنذ أن بُعث النبي ﷺ ومن بلغه الإسلام فإنه إن ابتغى غير الإسلام فلن يُقبل منه، وهو في الآخرة من الخاسرين، والإسلام الذي هو هذا الدين الخاتم، وهذا ما قصد به الشيخ من وجوب الإسلام، وأن الإسلام واجب على جميع العباد، وأن الله لا يقبل غيره.
ثم في الآية التالية كذلك قوله ﷿: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ﴾ [آل عمران:١٩] أي: أن الدين المقبول والدين الحق هو الإسلام، وهذه الآية لها عموم وخصوص، فهي عامة في جميع الديانات الشرعية التي أنزلها الله على رسله، فإن الله لا يقبل من جميع الأمم إلا الإسلام، وأنه لا يمكن أن يكون الدين بالمفهوم الشرعي المقبول عند الله ﷿ حق إلا ما جاءت به الرسل، ثم الآية خاصة بهذا الدين بعد أن نسخ الله الأديان السابقة وختم الله الديانات بهذا الدين وبمحمد ﷺ، فإن الدين عند الله هو الإسلام الذي هو السنة وما تستلزمه.
ثم ذكر قوله ﷿: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ﴾ [الأنعام:١٥٣] معناه: أن اتباع الإسلام واجب، وصراط الله المستقيم هو هذا الدين المتمثل بسنة النبي ﷺ، ﴿وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام:١٥٣] وهذا تأكيد في وجوب التزام الإسلام المتمثّل بالسنة.
ثم ذكر قول مجاهد بأن السبل: البدع والشبهات، وهذا هو ما فسّر به السلف معنى السبل، فالسبل ليست طرائق الناس في الحياة، ولا المناهج الاجتهادية التي يسوغ فيها الخلاف، إنما السبل هي الاختلاف في الأصول، وهي البدع التي يخرج بها الناس عن السنة، جزئية كانت أو كلية فإنها سبل، وأغلب السبل هي أصول الفرق؛ لأنها بدأت من أمور صغيرة ثم انتهت إلى أصول ومناهج، فتمثّلت في سبل نعبّر عنها بالأصول والمناهج والطرائق.
ثم ذكر حديث عائشة ﵂ عن النبي ﷺ أنه قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، ولو نظرنا علاقة هذا الحديث بباب وجوب الإسلام لوجدنا أنها واضحة، لأن الإسلام الذي أمرنا بوجوب التزامه هو التزام السنة؛ لأن النبي ﷺ لما بلّغ الأمانة وأدى الرسالة قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) إذًا: يجب أن نلتزم بما جاء به النبي ﷺ، ويجب أن نبتعد عما يخالفه، ولذلك فمن جاء بما يخالف الإسلام بأي أمر من الأمور وسواء كان صغيرًا أو كبيرًا فهو مردود على صاحبه، فيجب التزام الإسلام الذي هو نهج السنة.
ثم ذكر للبخاري عن أبي هريرة ﵁ أن النبي ﷺ قال: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى)، ثم ذكر أن من عصاه فقد أبى، وأن من أطاعه فقد دخل الجنة وارتباط هذا بوجوب الإسلام هو أن هذا الحديث يحقق فيه التزام طاعة الرسول ﷺ، وأنه يتمثّل بها وجوب الإسلام، فالإسلام لا يتحقق إلا بطاعة النبي ﷺ، فمن تحقيق وجوب الإسلام طاعة الرسول ﷺ.
ثم ذكر الحديث الذي يليه: (أبغض الناس إلى الله ثلاثة)، وذكر منهم: (ومبتغٍ في الإسلام سنة جاهلية) فهنا يؤكد على أن الإسلام الذي يجب التزامه هو الأخذ بالسنة.
وذكر تفسير شيخ الإسلام ابن تيمية في ذلك وهو قوله: (سنة جاهلية) أنه يندرج فيها كل جاهلية
2 / 3
شرح كتاب فضل الإسلام [٣]
الإسلام هو الاستسلام والانقياد لله تعالى بالقلب والأعمال، وتسليم الظاهر والباطن بالتوحيد والطاعة، فهو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك، ويعني ذلك القيام بجميع فرائض وأركان الإسلام والإيمان العلمية والعملية، ومعاملة الناس بالأخلاق الحسنة التي أمر الله تعالى بها، هذا هو الدين الذي لن يقبل الله تعالى من أحد دينًا سواه.
3 / 1
باب تفسير الإسلام
قال رحمه الله تعالى: [باب تفسير الإسلام.
وقول الله تعالى: ﴿فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ﴾ [آل عمران:٢٠] الآية.
وفي الصحيح عن عمر ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: (الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلًا).
وفيه عن أبي هريرة ﵁ مرفوعًا: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده).
وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده: (أنه سأل رسول الله ﷺ عن الإسلام؟ فقال: أن تسلم قلبك لله، وأن تولي وجهك إلى الله، وأن تصلي الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة) رواه أحمد.
وعن أبي قلابة عن رجل من أهل الشام عن أبيه: (أنه سأل رسول الله ﷺ: ما الإسلام؟ قال: أن تسلم قلبك لله، ويسلم المسلمون من لسانك ويدك، قال: أي الإسلام أفضل؟ قال: الإيمان، قال: وما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والبعث بعد الموت)].
تحت هذا العنوان بيّن الشيخ المعنى الشامل للإسلام والمعاني الأخرى المرادفة والتي تتفرع عنه، فمن خلال سياق الآية بيّن التفسير الشامل للإسلام الذي يُفهم من سياق الآية في قوله ﷿: ﴿فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ﴾ [آل عمران:٢٠] فإنه في الآية أشار إلى المعنى الشامل وهو أن الإسلام هنا يعني التسليم لله ﷿ بالقلب والأعمال، وتسليم الظاهر والباطن بالتوحيد والطاعة، وهو التسليم المطلق فهذا المعنى الشامل للإسلام، وهو ما عرّفه بعض السلف: الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك.
وبعض الناس يظن أن هذا التعريف خاص بشيخ الإسلام ابن تيمية، وهذا ليس بعيب، كما أن هذا التعريف قال به بعض السلف في القرون الفاضلة قبل شيخ الإسلام ابن تيمية، فهذا تعريف اصطلاحي أُخذ من معنى اللغة ومن المعنى الشرعي، الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والخلاص من الشرك كما أن هذا التعريف عرّف به شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وغيره من أئمة سلف الإسلام، لأن أول ما يُفسّر به هو هذا المعنى العام، وهو الذي تدل عليه الآية.
ثم جاء بالمعاني الأخرى التي دلّت عليها الأحاديث، ومنها حديث عمر بن الخطاب أن رسول الله ﷺ فسّر الإسلام بأركان الإسلام الخمسة، وهذا يعني القيام بفرائض الدين فالإسلام بمعناه الظاهر هو القيام بفرائض الدين، وهذا هو الإسلام فيما يظهر للناس، ومع أننا نقول: إن من شرط صحة الإسلام إذعان القلب، لكنه خفي، إذًا: يبقى المعنى الآخر للإسلام وهو تفسير الإسلام بالأعمال الظاهرة، وهذا هو الجانب العملي في الإسلام.
ثم ذكر الشيخ ما هو أخص من ذلك في حديث أبي هريرة، وهو أن الإسلام لا بد أن يتمثل بثمرته في التعامل مع الناس، وأعظم ثمار الإسلام في سلوك المسلم بعد الفرائض هو منهج التعامل مع الآخرين، وقد رسم النبي ﷺ التعامل بمثال، وهو أن الإسلام لا يتحقق ولا يؤتي ثماره ولا يكون كاملًا صحيحًا مثمرًا ينفع في الدنيا والآخرة إلا عندما يتمثّل المسلم بأخلاق الإسلام، ولذلك قال: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)، والنبي ﷺ كان خلقه القرآن، فمقتضى القرآن ومقتضى السنة سلامة منهج التعامل عند المسلم المتمثّل بالأخلاق.
ثم ذكر حديث بهز بن حكيم وهو أن الإسلام يعني تسليم القلب والجوارح وأداء الفرائض جميعًا، استسلام القلب والإذعان لله ﷿، والاستعداد لقبول شرع الله، وتولي الوجهة إلى الله ﷿ بالعبادة فلا تعبد إلا الله ولا تدعو إلا الله، وتخلص دينك وعبادتك لله، فهذا يعبّر عنه بتولية الوجه إلى الله، ثم يظهر ذلك بإقامة الفرائض وأن تصلي الصلاة، ثم يظهر ذلك بإقامة الفرائض التي فيها حقوق العباد، وهي: أن تؤدي الزكاة، وهذا رمز للتعامل، فإن من الحقوق المفروضة للمسلم على المسلم تأدية الزكاة من الغني للفقير، أو لمن يحتاج.
ثم ذكر ما أورده أبو قلابة عن رجل من أهل الشام عن أبيه: (أنه سأل رسول الله ﷺ: ما الإسلام؟ قال: أن تسلم قلبك لله، ويسلم المسلمون من لسانك ويدك) وهذا يعني إذعان القلب وتسليم القلب وتوجه القلب إلى الله ﷿، كما يعني سلامة المنهج في التعامل وسلامة الأخلاق، وهذا هو ثمرة الإسلام؛ ولذلك نفى النبي ﷺ الإيمان ونفى الإسلام عن بعض من يعمل بعظائم الذنوب مثل الغش والزنا والسرقة ونحو ذلك.
(ثم قال: أي الإسلام أفضل؟ قال: الإيمان، قا
3 / 2
باب قول الله: (ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه)
قال رحمه الله تعالى: [باب قول الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ [آل عمران:٨٥].
وعن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (تجيء الأعمال يوم القيامة، فتجيء الصلاة، فتقول: يا رب! أنا الصلاة، فيقول: إنك على خير، ثم تجيء الصدقة، فتقول: يا رب! أنا الصدقة، فيقول: إنك على خير، ثم يجيء الصيام، فيقول: يا رب! أنا الصيام، فيقول: إنك على خير، ثم تجيء الأعمال على ذلك، فيقول: إنك على خير، ثم يجيء الإسلام، فيقول: يا رب! أنت السلام، وأنا الإسلام، فيقول: إنك على خير، بك اليوم آخذ وبك أُعطي، قال الله تعالى في كتابه: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران:٨٥]) رواه أحمد.
وفي الصحيح عن عائشة ﵂: أن رسول الله ﷺ قال: (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد) ورواه أحمد].
هنا قرر الشيخ نتيجة أخرى وهي من لوازم ما سبق، وهذه النتيجة هي أنه لا يصح قبول أعمال العباد ولا رضا الله ﷿ عن أعمال العباد إلا بشرط صحة الإسلام، وليس دعوى الإسلام، وإنما بشرط أن يكون الإسلام صحيحًا، ولذلك جعل النبي ﷺ في الحديث السابق صحة الإسلام شرطًا لصحة جميع الأعمال، فلذلك حينما جاءت الصلاة تريد أن تكون هي المعوّل في القبول عند الله ﷿ والرضا، وكذلك جاء الصيام، وجاءت الصدقة، وجاءت أعمال البر، فجعل الله ﷿ قبول هذه الأعمال وكونها هي الرأس في أعمال الجوارح أو أعمال القلوب أن ذلك راجع كله إلى صحة الإسلام، فهذه الأعمال من أعمال الإسلام، فلا تصح إلا إذا صح أصلها.
وأيضًا فإن المقصود بالإسلام هو المعنى الشرعي لا الإسلام العام بمعناه اللغوي، والمقصود به أيضًا الدين الذي أرسله الله لجميع الرسل، ثم بعد ختم الرسالات برسالة محمد ﷺ صار الدين الذي لا يبتغي الله من العباد غيره هو هذا الإسلام الخاص، فلذلك لا يصح عمل إنسان إلا بصحة إسلامه، ولا يصح دين من الأديان بعد ظهور الإسلام، فالإسلام هو المهيمن، وكذلك قوله ﷺ في الحديث المتواتر: (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد) يرجع إلى أن كل الأعمال مردها إلى أمر الله ﷿ الذي هو شرعه، فما لم تكن الأعمال مرتبطة بما شرعه الله وشرعه رسوله ﷺ فهي مردودة، وهذا يشمل الدين كله من باب الضرورة، فلا بد أن يكون الدين كله بناء على ما أمر الله به وأخبر وشرع، سواء أصول الإيمان أو أصول الإسلام، أو ما يتفرع عنهما من بقية فرائض الدين في العقيدة والأحكام كل ذلك الأصل فيه أن الله ﷿ لا يقبل من أعمال العباد ولا من أفعالهم القلبية ولا أعمال الجوارح إلا ما تدينوا به لله ﷿ على شرع الله الذي هو هذا الدين؛ ولذلك لا بد من استحضار عدة معانٍ في هذا المجال وهي: المعنى الأول: كمال الدين، وعلى هذا فلا يجوز لأحد أن يدّعي أن الناس بحاجة إلى أي أمر يقررونه في العقيدة أو الأحكام دون مصادر الدين الأصلية.
المعنى الثاني: أن هذا الدين باقٍ وظاهر إلى قيام الساعة، فلا يجوز لأحد أن يدّعي أن هناك من أمور الدين وأصوله ما اندثر أو يحتاج إلى أن يبدّل، وقد تخفى بعض السنن لكن لا تخفى على عموم الأمة؛ لأنه لا تزال طائفة من الأمة على الحق جملة وتفصيلًا.
المعنى الثالث: أنه لا يسوغ لأحد أن يدّعي أن الدين هو نصوص الكتاب والسنة؛ لأن النصوص لا تصح بدون تفسيرها، وتفسيرها هو عمل النبي ﷺ، وعمل الصحابة وعمل التابعين وأئمة الهدى وذلك سبيل المؤمنين الذي توعد الله من خالفه.
3 / 3
شرح كتاب فضل الإسلام [٤]
دين الله تعالى كامل لا نقص فيه بوجه من الوجوه، ولذلك فإنه يجب الأخذ به كله، والاستغناء به عما سواه من دين أو مذهب أو فكر أو غير ذلك، ولا يجوز الخروج عن دعوى الإسلام والانتساب إليه إلى غيره، فمن انتسب إلى نسب أو بلد أو جنس أو مذهب أو طريقة تدينًا واعتقادًا فهو منتسب إلى الجاهلية، ومتعزٍّ بعزاء الجاهلية، فلا دين لنا إلا الإسلام، ولا انتساب لنا إلا إليه.
4 / 1
باب وجوب الاستغناء بمتابعة الكتاب عن كل ما سواه وما جاء في الخروج عن دعوى الإسلام
قال رحمه الله تعالى: [باب وجوب الاستغناء بمتابعته الكتاب عن كل ما سواه.
وقول الله تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [النحل:٨٩] الآية.
روى النسائي وغيره عن النبي ﷺ: (أنه رأى في يد عمر بن الخطاب ﵁ ورقة من التوراة، فقال: أمتهوكون يا ابن الخطاب؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقية، ولو كان موسى حيًا واتبعتموه وتركتموني ضللتم)، وفي رواية: (لو كان موسى حيًا ما وسعه إلا اتباعي، فقال عمر: رضيت بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد ﷺ نبيًا).
باب ما جاء في الخروج عن دعوى الإسلام.
وقوله تعالى: ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا﴾ [الحج:٧٨].
عن الحارث الأشعري ﵁ عن النبي ﷺ أنه قال: (آمركم بخمس الله أمرني بهن: السمع، والطاعة، والجهاد، والهجرة، والجماعة، فإنه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يراجع، ومن دعا بدعوى الجاهلية فإنه من جثي جهنم، فقال رجل: يا رسول الله وإن صلى وصام؟ قال: وإن صلى وصام، فادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين والمؤمنين عباد الله) رواه أحمد والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
وفي الصحيح: (من فارق الجماعة شبرًا فمات فميتته جاهلية)، وفيه: (أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟).
قال أبو العباس: كل ما خرج عن دعوى الإسلام والقرآن من نسب أو بلد أو جنس أو مذهب أو طريقة فهو من عزاء الجاهلية، بل (لما اختصم مهاجري وأنصاري، فقال المهاجري: يا للمهاجرين! وقال الأنصاري: يا للأنصار! قال ﷺ: أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟) وغضب لذلك غضبًا شديدًا.
انتهى كلامه رحمه الله تعالى].
كلام الشيخ ﵀ واضح، لكن يحسن أن نقف بعض الوقفات لنعرف لماذا ساق هذه النصوص تحت هذه العناوين وتحت العنوان الأصل في فضل الإسلام.
4 / 2
كمال الإسلام ووجوب الاستغناء به عما سواه
يشير الشيخ هنا إلى أن من فضل الإسلام الكمال، وأنه يغني عن أي حاجة أو مبدأ أو مذهب أو ما يتدين به الناس، فكأنه يشير بذلك إلى أن من فضل الإسلام أنه جاء كاملًا لا يمكن أن يحتاج الناس بعده لا إلى شرائع ولا مبادئ ولا مذاهب وانتماءات ولذلك استشهد بالآية وهي قوله ﷿: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [النحل:٨٩]، وهذا فيه إفادة العموم في أن الإسلام جاء كاملًا، ولا يمكن أن يحتاج الناس بعده إلى أي أمر من أمور الدين والتشريع في العقيدة ولا في الأحكام.
ثم أكد ذلك بقول النبي ﷺ حينما رأى مع عمر ورقة من التوراة، فقال ﷺ: (لقد جئتكم بها بيضاء نقية) يعني: الملة والديانة التي جاء بها النبي ﷺ بيضاء نقية لا يشوبها شائب، ولا تخفى على أحد، فهي بيّنة كاملة نقية من أي شائبة، وهذا وصف للدين وللإسلام إلى قيام الساعة؛ لأن هذا مقتضى ختم النبوة وكمال الدين وحفظه، والنبي ﷺ غضب حينما رأى مع عمر هذه القطعة، إنما أراد سد ذريعة الحاجة إلى غير هذا الدين حتى وإن كان من الأديان التي جاء بها النبيون من قبل؛ لأن الله ﷿ ختم هذه الأديان بهذا الدين وجعله ناسخًا لها، ولأن ما جاءت به الكتب السابقة التوراة والإنجيل قد حُرّف وبُدّل، وحتى لو لم يُحرّف ولم يُبدّل، فإن الله ﷿ ختمها ونسخها بهذا الإسلام، ولذلك بيّن النبي ﷺ أنه لو كان موسى حيًا ما وسعه إلا اتباع النبي ﷺ؛ لأن هذا هو مقتضى أمر الله، ويشهد لهذا أن عيسى ﵇ إذا نزل في آخر الزمان فإنه يحكم بشريعة محمد ﷺ.
4 / 3
حرمة الانتساب إلى غير الإسلام تدينًا واعتقادًا
ثم ذكر ما جاء في الخروج عن دعوى الإسلام ليبين أن الإسلام بكماله لا يحتاج الناس إلى أن ينتسبوا إلى غيره بأي نوع من الانتساب، ولا أن يستمدوا من غيرهم أي نوع من الاستمداد، ولا أن يحدثوا من أنفسهم شيئًا يزعمون أنه من الدين، فإن هذا كله خروج عن دعوى الإسلام، فذكر قول النبي ﷺ: (وأنا آمركم بخمس الله أمرني بهن) ثم ذكر: (السمع والطاعة) أي: لولاة الأمر، ولمن ولاه الله أمر المسلمين، والسمع والطاعة إنما هو في المعروف.
ثم الجهاد وهو ذروة سنام الإسلام، وهو من مباني هذا الدين والجهاد باقٍ وماضٍ إلى يوم القيامة وليس من الشعائر التي انتهت كما يزعم كثير من المفتونين والجاهلين والمنهزمين الذين زعموا أن الجهاد مرحلة لم يعد لها تشريع الآن ولا مبرر، وهذا خلاف مقتضى قطعيات النصوص، فإن النبي ﷺ أخبر بالإجمال والتفصيل أن الجهاد باقٍ إلى قيام الساعة، وأن المسلمين سيجاهدون حتى أثناء قيام أشراط الساعة الكبرى، فيجاهدون الدجال وشيعة الدجال، ويجاهدون أهل الباطل حتى مع قيام علامات الساعة الكبرى، والمؤمنون والمسلمون أهل السنة لا يضرهم ولا يثنيهم قيام علامات الساعة الكبرى عن إقامة شرع الله ودينه ولا الجهاد.
وكذلك الهجرة إذا جاء مقتضاها، وقد اختلف العلماء في الهجرة هل هي باقية أو انتهت؟ والصحيح أن الهجرة باقية إذا وجد مقتضاها بشروطها التي يعرفها الراسخون في العلم.
والجماعة: هي اجتماع المسلمين على الحق والسنة، وهي من ضرورات الإسلام، فلا دين إلا بجماعة، ولا يتحقق الدين الأكمل كما رضيه الله ﷿ للأمة إلا بالجماعة، وهذا لعموم الأمة، ولا يستثنى من ذلك إلا حالات الضرورة للأفراد لا للمجموعة كما ورد في حديث الفتن.
وقوله: (فإنه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يراجع) فهذا من نصوص الوعيد، بمعنى أنه يخرج من مقتضى كمال الإسلام ومتطلبات الإسلام، والخروج عن الجماعة قد يقتضي الردة إذا تضمن أمرًا من الأمور التي فيها ردة علمية أو عملية وأحيانًا لا يقتضي الردة وهو الغالب، فإن مفارقة الجماعة قد تكون بالعصيان، وقد تكون بالتمرد، وقد تكون بالخروج، وقد تكون بتبني آراء خارجة عن آراء الجماعة كالعقيدة ونحوها، أو بالبدع ونحو ذلك كل ذلك يعد خروجًا عن الجماعة، لكن لا يقتضي الخروج من الملة إلا في حالات قليلة.
وقوله: (ومن دعا بدعوى الجاهلية فإنه من جثي جهنم) يعني: من أهلها أو من حطبها (فقال رجل: يا رسول الله! وإن صلى وصام؟ قال: وإن صلى وصام، فادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين والمؤمنين عباد الله) فدعوى المسلم هو أن يدّعي الانتساب لهذا الإسلام ولدين الله ﷿، ويعتز بإيمانه بالله، ولا ينتسب إلا إلى جماعة المسلمين، إلى أهل السنة والجماعة.
ثم ذكر الحديث وهو في الصحيح: (من فارق الجماعة شبرًا فميتته جاهلية)، وهو عندي مختصر ويبدو أن عندي كلمات ساقطة، وفيه: (أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟).
قال أبو العباس بن تيمية: (كل ما خرج عن دعوى الإسلام والقرآن) ويقصد بذلك دعوى السنة والجماعة (من نسب) يعني: من انتسب إلى نسبه أو قبيلته وذويه، وجعل ذلك شعارًا له يتدين به، فهذه دعوى جاهلية، أو انتسب إلى شخص وجعله هو معقد الولاء والبراء كمتعصبة المذاهب، وجعله معقد الولاء والبراء يوالي ويعادي على هذا الشخص، فهذا نوع من الانتساب، فهو من الجاهلية، أو بلد، وهو كذلك وهذا مما بدأ يظهر بين المسلمين، حيث بدأ كثير من المسلمين ينتسب إلى البلد ويعتز به، وإلى الوطن ويعتز به اعتزازًا دينيًا، وهذا خلط عند الناس، لأن هناك فرقًا بين الانتماء للبلد من حيث الانتساب له؛ لأنه من أهله وساكنيه، وبين خدمة البلد خدمة تؤدي إلى نصر دين الله ﷿ والتكافل بين المجتمع كما أمر الله، وبين العصبية التي تؤدي إلى المعاداة والموالاة على هذا البلد، أو التي تؤدي إلى تقديس الوطن فهذا من الجاهلية التي نهى عنها النبي ﷺ.
(أو جنس) كذلك الجنس يرجع إلى جنس النسب أو إلى جنس الأفكار أو المذاهب أو الأقوال أو غير ذلك، لكن الغالب أن الجنس يقصد به القبيلة أو العجم أو العرب ونحو ذلك، أو مذاهب سواء كانت فقهية أو عقدية أو فكرية أو سياسية أو غيرها، أو طريقة كالطرق الصوفية، أو المناهج الخاصة للأفراد وللجماعات وللأشخاص، كل ذلك من عزاء الجاهلية، ويدخل في هذا ما يقع فيه كثير من المسلمين من الانتماءات والتحزبات والجماعات التي يكون لها ولاء وبراء وتفضل عليها غيرها من بقية المسلمين أو تحصر السنة بنفسها، أو تحصر الحق بنفسها وللمنتمين إليها، أو يكون للمنتمين إليها خصائص يختصون بها أو يتميزون عن غيرهم، كما هو حاصل في كثير من فئات المنتسبين للدعوات في عصرنا هذا، فإن هذا من عزاء الجاهلية، بل ويدخل في دعاوى الجاهلية والعزاء ا
4 / 4
الأسئلة
4 / 5
حقيقة الفكر الإسلامي
السؤال
هل يعتبر ما يطلقه بعض الكتاب من أنهم مفكرون إسلاميون، أو ما يطلق على بعض الكتابات بأنها فكر إسلامي، هل يعتبر ذلك من دعوى الجاهلية؟
الجواب
إذا انتمى أحد إلى فكر وتعصب له، أو إلى مفكر إسلامي يتعصب له، فهذا يعتبر من الممنوع شرعًا ومن الدعاوى الجاهلية، ولكن كلمة (فكر إسلامي)، من الكلمات المتميعة التي لم تحدد بعد، وأغلب الفكر يدخل في باب المعلومات الشرعية غير المؤصلة على مقتضى الكتاب والسنة، وإنما هي آراء أناس يسمون بالمفكرين في القضايا المطروحة، فهذه الكلمة من الكلمات التي تحتاج إلى إعادة نظر؛ لأنه ليس هناك شيء اسمه فكر إسلامي، وإن كان المسلمون لهم أفكار وآراء، لكن أن تنسب أفكارهم إلى الإسلام، فهذا من الأخطاء التي ينبغي علاجها، وإن كان فيها صواب وفيها خطأ.
4 / 6
وصف بعض أهل السنة أنفسهم بأهل الحديث
السؤال
هناك أناس يتميزون ويصفون أنفسهم بأهل الحديث، فهل في هذا محذور؟
الجواب
إذا كانوا فعلًا من أهل الحديث فلا حرج، ما لم يكن شعارًا يتميزون به عن بقية أهل السنة والجماعة، أما إذا كانت شعارات مؤسسية وعناوين مؤسسية، مثلًا: جمعية أهل الحديث، إذا كان المقصود بذلك المجموعة من الناس يشتغلون بنظم إدارية وعلمية على مفهوم الجمعية عندنا، ويخدمون السنة على وجه معين وتراضوا بينهم ويديرون أنفسهم عبر هذه المؤسسة، فالعمل المؤسسي إذا لم يكن على مناهج ولم يكن فيه ولاء وبراء ولا تميز عن بقية أهل السنة فلا حرج فيه، لأن هذا عمل مؤسسي دعوي، وسواء كان علميًا مثل جماعة أهل الحديث، أو دعويًا مثل مؤسسة أهل السنة أو مؤسسة الحرمين أو نحو ذلك، لأن هذه المؤسسات ليس المقصود بها الاختصاص بمكان أو بزمان أو بفئة، إنما المقصود أنها تكون عنوانًا لنشاط معين يقوم به طائفة من أهل السنة والجماعة، فلا بأس أن يسموا أنفسهم جماعة أهل الحديث أو جمعية أهل الحديث.
كذلك لا بأس أن يسموا أنفسهم جماعة الحديث إذا كانوا يتميزون بالاهتمام بالحديث، لكن لا يكون هذا شعارًا وانتماء يتميزون به عن بقية أهل السنة والجماعة بأي نوع من أنواع التميز.
4 / 7
الوطنية في الإسلام
السؤال
ما صحة مقولة: لا وطنية في الإسلام؟
الجواب
مقولة لا وطنية في الإسلام هذه كلمة مجملة؛ لأن هذا راجع إلى مفهوم الوطنية، فإن كان المقصود بالوطنية بلد المسلمين أو بلدك الإسلامي الذي أنت فيه فلا شك أن بلدك له حقوق شرعية، فالحقوق المشروعة سواء سميت وطنية أو ما سميت وطنية هي سائغة شرعًا، إنما يأتي اللبس في تسميتها وطنية أنها قد تقترن بالوطنية القومية العصبية، فإذا كان المقصود بها: أن المسلم لابد أن يكون لبلده حق عليه بالدفاع عنه وفي نفع البلد وأهل البلد فهذا لا حرج فيه، وإن كان المقصود بالجوانب الممنوعة من العصبية المقيتة، من تفضيل بلد على بلاد المسلمين الأخرى تفضيلًا يؤدي إلى العصبية إلى آخره، فهذا من العصبية الممقوتة ومن دعاوى الجاهلية.
4 / 8
الاستغناء بالكتاب والسنة عما سواهما
السؤال
في كتاب فضل الإسلام: باب وجوب الاستغناء بمتابعته عن كل من سواه، وفي بعض النسخ: بمتابعة الكتاب، فهل هناك فرق بينهما؟
الجواب
لا فرق، النبي ﷺ جاء بالكتاب والسنة.
4 / 9