153

Explanation of the Book of Tawhid by Ibn Khuzaymah - Muhammad Hassan Abdul Ghaffar

شرح كتاب التوحيد لابن خزيمة - محمد حسن عبد الغفار

ژانرونه

أنواع الاحتجاج بالقدر وقوله ﷺ: (قال: أغويت الناس وأخرجتهم من الجنة، فقال آدم: وأنت موسى الذي اصطفاك الله بكلامه، تلومني على عمل عملته قد كتبه الله علي قبل أن يخلق السماوات والأرض، قال: فحج آدم موسى) فالاحتجاج بالقدر أنواع ثلاثة: الأول: احتجاج بالقدر على المعايب وعلى المعاصي. الثاني: احتجاج بالقدر على المصائب. الثالث: احتجاج بالقدر على المعاصي بعد التوبة منها. أولًا: الاحتجاج بالقدر على المعاصي لا يجوز بحال من الأحوال، فهو محرم، وهذا مذهب الجبرية المبتدعة الذين يبطلون الشرع كلية، فيسوون بين إبليس وبين جبريل، فيقولون: إن إبليس يصنع ما قدره الله عليه، وما أمر الله به كونًا وقدرًا، وجبريل يصنع نفس الأمر، فهو سائر يسير على وفق ما قدره الله عليه، كما قيل: ألقاه في اليم مكتوفًا وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء فالجبرية يحتجون دائمًا بالقدر على المعاصي، فإذا سرق رجل قال: مهلًا، سرقت بقدر الله، وإذا زنى قال: مهلًا زنيت بقدر الله، وإذا اغتاب قال: اغتبت بقدر الله، فهم يحتجون بالقدر على الشر! وعمر بن الخطاب لما قبض على سارق فأمر بقطع يده، فقال السارق: مهلًا يا أمير المؤمنين، والله ما سرقت إلا بقدر الله. فقال: ونحن ما نقطع يدك إلا بقدر الله. فالسارق يريد أن يحتج بالقدر على هذه المعصية، وعمر احتج عليه بالشرع لا بالقدر. فبين له أنه متعبد لله بالشرع، والله أمرنا شرعًا أن من سرق، وإن قدر عليه ذلك وكتب عليه في اللوح المحفوظ، فإنه محاسب على فعله، فإن سرق قطعت يده. والقصة الثانية: المرأة التي زنت -والعياذ بالله- فدخل عليها زوجها الجبري ووجد عليها رجلًا، فاستل سيفه ليقتله، فقالت: مهلًا ما فعل ذلك إلا بقدر الله، قال: نعم أصبت، وتركها. فهذا أساء إساءة منكرة، فلما علمت المرأة أن هذا الجبري يصل بذلك إلى الدياثة، تركت هذا المذهب ولم تنتحله. فنقول: ضرب القدر بالشرع كفر مبين. فالاحتجاج بالقدر على المعاصي لا يجوز في حال من الأحوال، وآدم لم يحتج بحال من الأحوال على المعصية بالقدر أبدًا، ومن فهم ذلك فقد أخطأ. أما الثاني: فهو الاحتجاج بالقدر على المصائب، وهذا جائز، وهو أفضل الاحتجاجات. الثالث: الاحتجاج بالقدر على المعاصي بعد التوبة، وهذا يصح، فإذا عصى العبد ربه ثم تاب من المعصية توبة نصوحًا، فجاء أحد يعيره بهذا الذنب الذي أذنبه، فله أن يقول: قد كتبه الله علي قبل أن يخلقني بخمسين ألف سنة. قال بعض العلماء: إن آدم لما قال: أما رأيت أن الله قد كتب علي هذا الذنب قبل أن يخلق السماوات والأرض؟ قال موسى: بلى، فسكت، فحج آدم موسى. فالله تعالى قبل توبة آدم، قال الله تعالى: ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة:٣٧] والتائب من الذنب كمن لا ذنب له. إذًا: التائب لا يمكن أن يعير، ولا يصح شرعًا أن يعير تائب من ذنب، وآدم ﵇ قد تاب من الذنب ولذلك فقد حج موسى، وهذا تأويل ضعيف، لكنه يعمل به. أقول: الذي يتوب من ذنب إذا عير بالذنب له أن يحتج بالقدر، لكن هذا التأويل في هذا الباب فقط ضعيف؛ لأن موسى أفقه من أن يعير آدم بذنب قد تاب منه، ولا يمكن أن يقال: موسى الذي هو أعلم أهل الأرض في زمانه لا يعلم أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، أو أن يؤاخذ أحدًا قد تاب الله عليه من ذنبه، فهذا يبين ضعف هذا التأويل. والصحيح الراجح في ذلك أن آدم كانت له الحجة حين احتج على المصيبة بالقدر، وهي الخروج من الجنة، وكأن موسى لم يعيره بالذنب، إنما قال له: أخرجتهم من الجنة، فهو لا يعاتبه على الذنب وهو الأكل من الشجرة، إنما يعاتبه على الخروج من الجنة. فلما عاتبه على تلك المصيبة قال آدم: ألم تر أن الله كتب ذلك في اللوح المحفوظ؟! إلى آخر الحديث، فقال النبي ﷺ: (حج آدم موسى) وأقر ذلك. إذًا: الاحتجاج بالقدر على المصائب جائز، والدليل من كتاب الله قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ﴾ [التغابن:١١] قال ابن مسعود: ﴿وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ﴾ [التغابن:١١] يعني: يؤمن بالله ويعلم أن هذه المصيبة من عند الله قد كتبها في اللوح المحفوظ، وأنها لابد أن تقع عليه فوقعت، ﴿يَهْدِ قَلْبَهُ﴾ [التغابن:١١] ومعنى ذلك ما يلي: أولًا: هذا إقرار بأن قلبه مهدي. ثانيًا: أنه يزداد إيمانًا فوق الإيمان. إذًا: الاحتجاج بالقدر على المصائب من أكمل الإيمان، ودليل هذا من الكتاب والسنة، فمن محض الإيمان أن تعلم أن المصيبة مكتوبة عليك في اللوح المحفوظ. وحديث عبادة بن الصامت أنه قال لابنه: وأن تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، فإن مت على غير ذلك دخلت النار، ووجه الشاهد، قوله: فإن مت على غير ذلك دخلت النار. إذًا: محض الإيمان أن تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأنا عرضت هذا الحديث لما فيه من الزيادة. والدليل الثاني الذي يثبت علو الإيمان، وأن المصيبة من عند الله جل وعلا، وأنك إن آمنت بذلك يهد الله قلبك، هو قوله ﷺ: (عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له). أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

18 / 9