373

Explanation of Sahih Muslim - Hasan Abu Al-Ashbal

شرح صحيح مسلم - حسن أبو الأشبال

ژانرونه

شرح حديث ابن مسعود: (إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها)
قال: [وحدثنا عثمان بن أبي شيبة أخو أبي بكر بن أبي شيبة واللفظ له]، أي: هذا سياق الحديث القادم، وهو سياق عثمان بن أبي شيبة لا سياق السابقين.
[حدثنا جرير -وهو ابن عبد الحميد الضبي - عن الأعمش].
إذًا: هما اثنان يرويان هذا الإسناد كله، الأول: هو عيسى بن يونس، والثاني: جرير كلاهما يروي عن الأعمش، والأعمش يروي عن زيد بن وهب وهو الجهني أبو سليمان الكوفي، ثقة إمام جليل مخضرم، ومعنى المخضرم: أنه من سادات التابعين، أسلم في زمن النبي ﵊ ولم يره.
أي: أنه أدرك زمن الجاهلية وزمن النبوة، فأسلم في حياة النبي ﷺ، ولكنه لم ير النبي ﷺ، فيصنّفه العلماء بين التابعي وبين الصحابي.
والتابعي: هو الذي رأى الصحابي أو لزم الصحابي، ووجد بعد موت النبي ﵊.
أما الصحابي كما قلنا من قبل فهو من لقي النبي ﷺ؛ لأن اللقاء يثبت للأعمى وغير الأعمى.
فلو قلنا: الصحابي: هو من رأى لكان لزامًا علينا أن نخرج من لم ير النبي ﷺ لعمى أو لعلة أو غير ذلك، فالصحابي: هو من لقي النبي ﷺ مؤمنًا به ومات على ذلك.
لأن هناك من لقي النبي ﷺ وليس مؤمنًا به، كالكفار والمشركين الذين التقوا بالنبي ﷺ وآذوه، ولم يؤمنوا به ﵊، أو المنافقين الذين أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر.
فهم في حقيقة الأمر ليسوا من الصحابة؛ لأنهم ليسوا مؤمنين بالنبي ﵊؛ حتى لا يقال: إن عبد الله بن أُبي بن سلول كان صحابيًا، بل كان منافقًا، والله ﵎ أعلم نبيه بأسماء المنافقين وأعيانهم، وعلّم النبي ﷺ ذلك حذيفة بن اليمان ﵁.
قال زيد بن وهب: [عن عبد الله].
إذا ورد الصحابي في طبقة الصحابة عبد الله هكذا غير منسوب فالمقصود به: عبد الله بن مسعود، خاصة إذا كان الإسناد كوفيًا؛ لأن زيد بن وهب كان كوفياَّ، فإذا قال كوفي من التابعين: حدثني عبد الله فإنما هو عبد الله بن مسعود ﵁؛ لأنه هو الذي رحل من المدينة إلى الكوفة، ليعلّم الناس الصلاة والعلم.
[قال: قال رسول الله ﷺ: (إنها ستكون بعدي أثرة)] أي: إيثار الحُكّام والأمراء والسلاطين لأنفسهم بالمال وأمور الدنيا، مما يجعلهم ينتهكون الحرمات في سبيل منصب أو كرسي أو وجاهة أو مال أو غير ذلك، فإن الحُكّام يؤثرون أنفسهم دائمًا بملذات الدنيا ومتاعها، فينتهكون العرض ويسفكون الدم لأجل الحصول على ذلك.
فبدلًا من أن يؤثروا الناس على أنفسهم، آثروا أنفسهم على الناس، وهذا فيما يتعلق بالدنيا، والحمد لله أنهم لم يؤثروا أنفسهم بالدين، وإنما يؤثرون أنفسهم بمتاع الدنيا وملذاتها.
[(إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها)] إذا نظر الواحد منكم أو قرأ عن هذا الإيثار ينكر ذلك أشد الإنكار.
[(قالوا: يا رسول الله! كيف تأمر من أدرك منا ذلك؟)] أي: بماذا تنصحنا وماذا نفعل حينئذ؟ والنبي ﵊ هو ملاذ الموحدين إلى يوم الدين قال: [(تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم)] ولم يقل: تسألون الحُكّام أو السلاطين أو الأمراء أو العلماء؛ لأن العلماء في الغالب لا يملكون شيئًا، العالم لا يملك إلا استقامة الفتوى وبيان الحلال والحرام، وبيان المشروع من الممنوع، ويملك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يملك أكثر من ذلك، لكن كثيرًا من الناس يأتي فيقول: يا شيخ! العمل في البنوك حرام؟ يقول الشيخ: نعم حرام.
يقول: إذًا: قدّم لي عملًا.
وليس هذا له، ربما هو نفسه بغير عمل، فأنت تسأله عن الحرام والحلال فقط، ولا علاقة له بتيسير دنياك، وبتيسير حياتك، إنما له أن يوجهك في الحياة، هذا حلال وهذا حرام، هذا ممنوع وهذا مشروع.
هذا دور العالم.
ويأمر السلطان ومن دون السلطان بالمعروف وينهاهم عن المنكر.
هذا دوره.
وإن لم يؤد للرعية هذا الدور كان كالبهائم، بل تكون أفضل منه عند الله ﷿؛ لأنها على الأقل تؤدي ما كان واجبًا في حقها من الحرث والضرع، أما هو فقد خلقه الله تعالى لمهمة وحدد له السبيل، ولكنه لحرصه على الدنيا وعلى الكرسي والمنصب والمال نكس عن الطريق، وصار يجعل الحق باطلًا والباطل حقًا، فإنا لله وإنا إليه راجعون! فقال النبي ﷺ مبينًا ذلك: ستجدون لا محالة من بعدي أثرة وأمورًا تنكرونها.
قالوا: كيف نخرج منها يا رسول الله؟! قال: تؤدون الحق الذي عليكم؛ لأن كل إنسان له حق وعليه واجب.
قال: (أ

21 / 8