Explanation of Sahih al-Bukhari by Al-Huwaini
شرح صحيح البخاري للحويني
ژانرونه
دور علماء السلف في كشف الأحاديث الموضوعة
قيل لـ عبد الله بن المبارك: الأحاديث الموضوعة ماذا نفعل فيها؟ قال: تعيش لها الجهابذة.
وكان العلماء يعدون العدة لأمثال هؤلاء الذين كذبوا في الأسانيد وألفوا أسانيد من عندهم، فالله ﵎ يوجد من العلماء من يكشف مثل هذا الخطل؛ لأن فيه جناية عظيمة على السنة.
يحيى بن معين ﵀ ذات يوم في ركن يكتب صحيفة أبان بن أبي عياش، عن أنس، فرآه أحمد بن حنبل، وكان يحيى إذا اقترب منه شخص وهو يكتب الصحيفة طواها، فلما جاء أحمد بن حنبل -وكان صديقًا لـ يحيى بن معين - قال: ماذا تكتب يا أبا زكريا؟ قال: أكتب صحيفة أبان عن أنس.
كان لبعض الرواة صحف بإسناد واحد للكذابين وغيرهم، أبان مثلًا عن أنس بن مالك وغيره، يروي أربعين حديثًا، أو خمسين حديثًا، أو مائة حديث، وتظل هذه اسمها صحيفة فلان، وتروى بإسناد واحد، مثل صحيفة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، فكل واحد يأخذها عن عمرو هي صحيفة عمرو، فإسناد كل صحيفة لا يتغير.
فقال: هذه صحيفة أبان بن أبي عياش عن أنس.
وأبان بن أبي عياش متروك في الحديث، وكان شعبة شديد الحمل عليه، وكان يكذبه، حتى إن أبان وسَّط حماد بن زيد وآخرين كـ سليمان بن حرب في أن يكلموا شعبة بن الحجاج أن يكف عنه؛ لأن العالم مثل شعبة مثلًا إذا جرح شخصًا فقد يقضي عليه، لأن كلامه كان له قيمة كبيرة، وكذلك غيره من علماء ذلك الزمان.
فيقول يحيى بن معين: هذه صحيفة أبان عن أنس، أكتبها ثم أحفظها، فإذا جاء كذاب فجعلها ثابتًا عن أنس، أقول: كذبت، بل هي أبان، عن أنس.
تأمل في الكتابة (ثابت وأبان) قريبة من بعضها، فيمكن أن يحصل فيها تصحيف، فربما أن واحدًا من لصوص الأسانيد، قد يسرق حديثًا ويركب له أسانيد متعددة، فيأتي فيضع ثابتًا بدلًا عن أبان، مع أن ثابت بن أسلم البناني من أوثق الناس عن أنس، فقد لازم أنس بن مالك أربعين سنة، وهو من أثبت الناس في أنس.
فلما تضع ثابتًا مكان أبان، إذًا الحديث صار صحيحًا من حيث السند، هذا في الظاهر، فمن عناية يحيى بن معين أن يحفظ الكذب، حتى إذا جاء سارق أو مصحِّف فجعل بدل أبان ثابتًا، يقول له: كذبت، بل هذا أبان عن أنس، وليس ثابت عن أنس هذا كله لصيانة حديث النبي ﵌.
فكان الإسناد له قيمة كبيرة، والإسناد كما قلت: هو المستند الذي تقدمه، الذي يدل على صحة الكلام من ضعفه، ونحن الآن نحكم على الأحاديث أنها صحيحة أو ضعيفة أو حسنة.
إلخ بالأسانيد، نجمع الأسانيد ونجمع الطرق وننظر في المتابعات والمخالفات.
إلخ، ونستضيء بكلام العلماء المتقدمين، وكلام العلماء المتأخرين، ونخرج في النهاية بنتيجة أن هذا الحديث صحيح، أو أن هذا الحديث ضعيف كل هذا بسبب الإسناد، وإلا لو ذهب الإسناد فإننا لن نستطيع أن نحكم على الكلام، حتى نعرف نقلة هذا الكلام.
حتى الذين كانوا يتسولون في القديم، كانوا يتسولون الأسانيد أيضًا، مثل ما ذكر ابن الجوزي: أن رجلًا متسولًا كان يستجدي العطاء من الناس، فأبوا أن يعطوه، فقال لهم: ما أعطيتموني! لأخزينكم سائر اليوم، ثم أخذ من كيسه إسنادًا عن يزيد بن هارون بإسناده النظيف عن فلان عن جمع من الصحابة أن النبي ﷺ قال: (إذا سأل السائل فلم يعطه الناس فكبر عليهم أربعًا)، فلما سمع الناس منه هذا الحديث خافوا، فسارعوا إلى إعطائه، فأخذ المال ومضى، وجاء يزيد بن هارون فسألوه: هل حدثت بالحديث الفلاني؟ قال: كذب عدو الله، ما سمعت به إلا الساعة.
إذًا هو يعرف أن الإسناد له وقع عند الناس فألف هذا الإسناد.
حتى في الخلافات المذهبية والخلافات الفقهية، كل طائفة كانت تفتري من الكذب على النبي ﵊ المتون التي تؤيد ظاهر ما تذهب إليه.
مثلًا: كان هناك خلاف بين الحنفية والشافعية في كثير من العصور، وكان خلافًا شديدًا وحادًا، حتى وصل الأمر ببعض المتأخرين من الأحناف أنه أفتى بأنه لا يجوز للحنفي أن يتزوج بشافعية.
لماذا؟ قال: لأن الشافعي يستثني في إيمانه، والاستثناء في الإيمان شك، والشك في الإيمان كفر.
أي أن الشافعي يجوز أن يقول الرجل: أنا مؤمن إن شاء الله، والإيمان عند الحنفية تصديق، والتصديق لا يتصور فيه استثناء، فلابد أن يكون التصديق جازمًا، فقال الحنفي: إن هذا شك في الإيمان فيصير كفرًا وقد حدثت بسبب هذه المسألة مشاكل كثيرة.
فجاء أحد متأخري الحنفية، وكان يسمى: بمفتي الثقلين -مفتي الإنس والجن- فقال: أنزلوها منزلة نساء أهل الكتاب! أي أنزلوا المرأة التي تتمذهب بالمذهب الشافعي منزلة النصرانية أو اليهودية، فكما أنه يجوز لك أن تتزوج بنصرانية أو يهودية؛ يجوز لك أن تتزوج شافعية.
إذًا: كان الخلاف شديدًا، وقد ألف بعض الناس -انتصارًا لـ أبي حنيفة ﵀ حديثًا، يقول بلسانه عن النبي ﷺ: (أبو حنيفة سراج أمتي، ويكون في أمتي رجل يقال له: محمد بن إدريس، أضر على أمتي من إبليس)، ومحمد بن إدريس هذا هو الشافعي ﵀.
العجيب في المسألة: أن البدر العيني ﵀ في تاريخه، يميل إلى أن لهذا الحديث أصلًا عن النبي ﵊، مع أنه كذب محض، لا ينبغي للمرء أن يتردد في تكذيب هذا الراوي، وفي الحكم ببطلان هذا المتن بشقيه: بالبشارة بـ أبي حنيفة، وبالافتراء على الشافعي،كلاهما كذب على النبي ﵊.
ومما يذكر في باب وضع الأحاديث: أنه كان هناك شخص كان له ابن في الكتَّاب، فضربه المعلم، فجاء الولد إلى أبيه وهو يبكي، وأبوه كان متخصصًا في الكذب، فقال لولده: لماذا تبكي يا ولدي؟ قال: ضربني المعلم.
قال: لأخزينه، ثم اختلق حديثًا قال فيه: حدثني عكرمة عن ابن عباس أن النبي ﷺ قال: (شراركم معلموكم)، ولكن مع ذلك فإن العلماء الكبار الجهابذة كانوا لهذه الأسانيد المكذوبة بالمرصاد، فقلما يكذب رجل على النبي ﵊ إلا ويكشف ذلك أهل الحديث.
قال عبد الله بن المبارك ﵀: ما هم رجل أن يكذب على النبي ﷺ في البحر إلا فضحه الله في البر.
ونحن نقول هذا الكلام لأن له علاقة وثيقة بالمتن الآن.
4 / 3