Explanation of Sahih al-Bukhari by Al-Huwaini
شرح صحيح البخاري للحويني
ژانرونه
الحياء وطلب العلم
يقول البخاري ﵀ في الصحيح: (باب ما لا يستحيا منه في الفقه في الدين)، وذكر حديث أم سليم، لما قالت: (يا رسول الله! هل على المرأة من غسل إن هي احتلمت؟ قال:: (نعم إذا رأت الماء)، وفي رواية أخرى: قالت عائشة: (فضحت النساء يا أم سليم، أوتحتلم المرأة؟)، وقد أخذ بعض العلماء من هذا أن أزواج النبي ﷺ كن لا يحتلمن؛ لأنهن تحت النبي ﵊، والاحتلام من الشيطان، قالوا: إنها عندما قالت: (أوتحتلم المرأة؟) دلالة على أنها لا تحتلم، ولا تعرف الاحتلام، وإلا لما أنكرت عليها ولما قالت لها: (فضحت النساء يا أم سليم)، فقالت أم سليم: (حتى أعلم أفي حلال أنا أم في حرام) .
والمرأة التي جاءت إلى النبي ﷺ تسأله عن غسلها من المحيض، قال: (خذي فرصة ممسكةً فتطهري بها)، (الفرصة الممسكة): قطعة من القطن فيها مسك، فقالت: المرأة: كيف أتطهر بها يا رسول الله؟ فقال: (سبحان الله! تطهري بها)، تقول له: كيف أتطهر بها يا رسول الله؟! ففطنت عائشة ﵂ للمسألة، قالت: (فأخذتها فعلمتها) .
المقصود: أن الحياء المذموم هو الذي يصدك عن معرفة أحكام الله ﵎، أما فيما دون ذلك، فإن الحياء محمود وقد حدث عمران بن حصين أن النبي ﷺ قال: (الحياء كله خير)، فقال بشير بن كعب: يا أبا نجيد! إننا نقرأ في الكتب أن منه ضعفًا، فغضب عمران غضبًا شديدًا، وقال: أحدثك عن رسول الله ﷺ وتحدثني عن كتبك، وأبى أن يحدثهم، فما زالوا يقولون: يا أبا نجيد!، إنه طيب الهوى، إنه كذا وكذا، حتى سكن ورضي.
في بعض الروايات فقال: إن منه وقارًا وإن منه حكمة، فغضب عمران.
فإذا كان الحياء منه وقارا ومنه حكمة؛ فما الذي يُغضِب عمران في المسألة؟ القول الذي ورد في الطريق الآخر: إن منه ضعفًا.
والحياء فعلًا منه ضعف، كالرجل الذي يستحيي حتى تضيع حقوقه، فهذا نوع من الضعف، إذًا ما الذي أغضب عمران ﵁؟ أغضبه أن هذا المتكلم جعل هذا معارضةً لكلام النبي ﷺ، هذا هو الذي أغضب عمران ﵁.
النبي ﷺ يقول: (الحياء كله خير،) و(كل) من صيغ العموم، ومن أقوى صيغ العموم، فإذا جاء أحد وقال: إن منه ضعفًا.
فكأنه يستدرك على النبي ﵊، الذي قال: كله.
فقال هذا: ليس كله، بل منه ضعف، فهذا هو الذي أغضب عمران، أنه جعل قول الناس في مقابل قول رسول الله ﷺ، مهما كان كلامه صحيحا.
إذًا: (الحياء كله خير)، أما قوله: وإن منه ضعفًا، فإنه يمكن أن يكون منه ضعف ولكن ليس في مقابل الحديث، فقد يكون منه ضعف في حالة ما إذا كان هناك رجل يستحيي أن يسأل عن حكم الله ﷿ في مسألة من المسائل، حتى يضيع عليه هذا الحكم، فهذا ضعف بلا شك، وهذا هو النوع المذموم من الحياء، فـ عبد الله بن عمر ﵄ لما نظر إلى أسنان الناس استحيا، فقال لأبيه عمر بعد ذلك: (وقع في نفسي أنها النخلة، فلما نظرت إلى أسنان القوم استحييت، قال: أما لو قلتها لكان أحب إلي من كذا وكذا) أو (أحب إلي من حمر النعم)، كما عند ابن حبان.
قول عمر: (أما لو قلتها لكان أحب إلي من كذا وكذا) لأن ابنه عبد الله لو تكلم بهذا مع صغر سنه في مجلس النبي ﷺ، ربما حصّل دعوةً صالحة، وربما قال النبي ﷺ: زادك الله فهمًا، وكانت هذه شهادة من النبي ﵊، وهي شهادة عظيمة.
9 / 7