120

Explanation of Sahih al-Bukhari by Al-Huwaini

شرح صحيح البخاري للحويني

ژانرونه

الحياء من الإيمان
في الحديث السابق عبد الله بن عمر ﵄ برغم صغر سنة، يقول: كنت عاشر عشرة فيهم أبو بكر وعمر.
فلما سأل النبي ﷺ السؤال؛ قال: فنظرت فإذا أنا أصغر القوم.
أي: هاب أن يتكلم وفي القوم أبو بكر وعمر، وهذا الحياء أصله محمود، وأصل الحياء محمود: لأن الحياء غريزة تمنع صاحبها من مقارفة القبائح، وفي الصحيحين من حديث ابن عمر: أن النبي ﷺ رأى رجلًا يعاتب أخاه في الحياء حتى كأنه قال له: إنه أضر بك.
لماذا؟ من شدة حيائه.
يمنعه ذلك أن يستوفي حقه من الناس، وبعض الناس عنده جرأة، يقول: يا أخي! المبلغ الذي علي لك دعه لي، أنت تملك مالًا كثيرًا فدع لي المبلغ هذا، اعتبره هدية، فيُحرِجه، فيسكت ولا يستطيع أن يتكلم، فمن كثرة الناس الذين يتعاملون بهذه الطريقة ضاعت الحقوق، وبعض الناس يقول لك: قال ﷺ: (ما أخذ بوجه الحياء فهو حرام)، والحرام أن يروي هذا الحديث؛ لأنه كذب ولا يصح عن النبي ﵊، فهذا الرجل من كثرة حيائه ضاعت حقوقه، فصاحبه يعاتبه، يقول له: لا تستحي؛ لأنه أضر بك، فقال النبي ﷺ: (دعه فإن الحياء من الإيمان)، أي: دعه على هذا الخلق الحسن المحمود؛ فإن الحياء من الإيمان، لماذا من الإيمان؟ لأن النبي ﵊ قال: (الإيمان بضع وسبعون شعبة)، -وفي رواية البخاري -: (بضع وستون)، وبضعٌ وسبعون أقوى وأصح، بضع وسبعون شبعة، أعلاها: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان)، أي ما بين أعلى وأدنى، فنص على الحياء للدلالة على أهميته وخطورته، وإنما اختصّه بالذكر دون سائر الشعب لأهميته البالغة.
والإنسان إذا استحيا حتى ضاع حقه من كثرة الحياء؛ لا يمكن أن يقارف حدود الله أبدًا، إذا وصل حياءه إلى هذا الحد، الذي يضر به، ويمنعه من استيفاء حقوقه، فهذا لا يجرؤ على مقارفة ما حرم الله ﷾ فاتركه.
وأنا أعرف شخصًا كان شديد الحياء، وكان رجلًا عنده أرض كثيرة، وكان يزرع قطنًا، فوجد شخصًا يسرق القطن، ويجمعه في كيس، وصاحب القطن هذا كان يمشي في مصرف في الأرض، والآخر ما زال يسرق من أرضه، فلما رآه، جلس في المصرف حتى ينتهي السارق من تعبئة الكيس ويذهب، يعني: أنه استحيا منه بالرغم أنه سارق، لماذا؟ لا يريد أن يوقعه في الحرج.
هذه فضيلة، الرجل سُرِق القطن من أرضه ومع ذلك استحيا، لكن هذه فضيلة برغم ضياع هذا القطن.
كلما تدرب شخصًا على أنه يكون قليل الحياء، شيئًا فشيئًا فشيئًا يعتدى على حقوق الناس، ويكون بلا حياء مثل الذي يقول: المال الذي عندي لك اجعله لي هدية.
فلا يزال يقل حياؤه حتى يتجرأ على حدود الله.
أما صاحب الحياء فاتركه؛ لأنه في هذه الحالة سيكون بينه وبين حدود الله ﷿ مسافةٌ طويلة، فأصل الحياء محمود.
وجاء في حديث أبي سعيد في الصحيحين: (كان النبي أشد حياءً من العذراء في خدرها)، وما قال قط: لا.
أبدًا، يعني في حياته المباركة هذه ما قال: لا.
أبدًا، لأي واحد يطلب منه أي طلب، حتى إنه ذات مرة أعطى رجل النبي ﷺ بُردة، فآخر أول ما رأى البردة قال: أعطنيها يا رسول الله؟! فأعطاها إياه فلاموه، قالوا: أنت تعلم أنه لا يقول: لا، أبدًا، وأنت تعلم حاجته إليها، فكيف طابت نفسك أن تأخذ منه ما هو محتاج إليه، وأنت تعلم أنه لا يقول: لا؟ فقال: والله ما رغبت فيها لألبسها، ولكن أردت أن أُكفَّن فيها.
فهذا أيضًا يلتقي مع حديث ابن عمر الذي يُعَاتب فيه صاحبه فيقول له: إنه أضر بك الحياء.
كذلك النبي ﷺ كان محتاجًا إلى البردة، ومع ذلك لما قال: أعطنيها يا رسول الله: فأعطاها إياه.
إذًا: الحياء أصله محمود؛ لكن هناك نوعٌ من الحياء لا يُحمد، وهو: الحياء في العلم وفي الفقه؛ بحيث يفوت عليك الحكم الشرعي، فأنت عندما تسأل إنما تسأل عن مراد الله تعالى، وكلما فعلت مراد الله فعلت محبوبًا إلى الله ﷾، وكلما استحييت ضيعت على نفسك أن تتقرب إلى ربك، فالذنب إنما هو بسبب تفويت محبوب الله ﵎؛ فهذا النوع من الحياء لا يُحمد، ولذلك صح عن مجاهد بن جبر ﵀، أنه قال: لا يتعلم اثنان، مستحيٍ ومتكبر.
فالمستحيي لا يريد أن يظهر بين إخوانه أنه قليل الفهم، يقال لهم وهو معهم هل أنتم فاهمين؟ فيقولون: فاهمون جدًا، وتراه يهز رأسه للدلالة على أنه فاهم ومنشرح مع أنه قد يكون غير فاهم، فهذا ضيع على نفسه فرصة الفهم، لماذا؟ بسبب الحياء، والمستكبر أيضًا لا يتعلم، يقول لك: ابن من هذا الذي يريد أن آتي إليه؟ أنا ابن فلان، وأبي فلان، وعندي المال الفلاني، وعندي العمارة الفلانية، وجد جدي كان المفتي، فيزدري أهل العلم.
وكم في الزوايا خبايا! وكم في الناس بقايا! كم من ضعيف متضعِّف أعزه الله بالعلم! فأنت لا تعرف أقدار الناس، فسبحان من لا يعلم أقدار خلقه إلا هو!!

9 / 3