Explanation of Al-Hamawiyyah - Yusuf Al-Ghafis
شرح الحموية - يوسف الغفيص
ژانرونه
تبيين الرسول ﷺ لأصحابه مسائل أصول الدين
[فكيف يكون ذلك الكتاب وذلك الرسول هو أفضل خلق الله بعد النبيين لم يحكموا هذا الباب اعتقادًا وقولًا؟! ومن المحال أيضًا أن يكون النبي ﷺ قد علم أمته كل شيء حتى الخراءة وقال: (تركتكم على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك).
فبما أنه ﷺ قد علم أمته حتى الأشياء التي هي ليست من أصول الديانة فيمتنع في العقل والشرع أنه ﷺ يقصد إلى تعليم المسائل اليسيرة التي الجهل بها لا يضر -حيث إن بعض المسلمين يجهلون مثل هذه المسائل ومع ذلك يستقيم دينهم في الجملة، وإن كان فيه شيء من التقصير والنقص- ويدع ﷺ بيان أصول الدين أو أنه لم يحكم بيانها! هذا يعلم امتناعه ضرورةً.
[وقال فيما صح عنه أيضًا: (ما بعث الله من نبي إلا كان حقًا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينهاهم عن شر ما يعلمه لهم).
المعتبر عند كثير من متأخري الحفاظ: أن الحديث إذا كان في الصحيحين أو أحدهما قالوا: وفي صحيح البخاري أو في صحيح مسلم.
أو يعبرون بعبارة: وفي الصحيح.
وإذا كان الحديث صحيحًا وليس في البخاري أو في مسلم قالوا: وقد صح عن النبي، وثبت عن النبي
إلخ.
لكن المصنف -أحيانًا- لا يلتزم هذا الاعتبار، وإن كان كثيرًا في كتبه عليه، بمعنى أنه تارةً يقول: وقد صح عن النبي، وفيما صح عن النبي، وثبت عن النبي، ومع ذلك يكون الحديث في الصحيحين أو في أحدهما، وتارةً يقول: وفي الصحيح.
ومع ذلك لا يكون الحديث لا في البخاري ولا في مسلم.
ومن الأمثلة على هذا ما قاله هنا، حيث قال: وقال فيما صح عنه، ولم يقل: وقال كما في الصحيح أو في صحيح مسلم، مع أن الحديث في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو في سياق طويل، قال: (كنا مع النبي ﵌ في سفر فنزلنا منزلًا، فمنا من يصلح خباءه، ومنا من ينتصل، ومنا من هو في جشره، إذ نادى منادي رسول الله ﷺ: الصلاة جامعة.
قال: فقام رسول الله ﷺ فقال: إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقًا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم، وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها) إلى آخر ما ذكره ﷺ في هذا الحديث.
الشاهد منه: هذا الحرف الذي أشار إليه المصنف: (أنه لم يكن نبي إلا كان حقًا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم) فهذا يدل ضرورةً على أن جميع الأنبياء وأخصهم نبينا ﵌ قد بينوا مسألة أصول الدين.
[وقال أبو ذر: (لقد توفي رسول الله ﷺ وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علمًا).
وقال عمر بن الخطاب: (قام فينا رسول الله ﷺ مقامًا، فذكر بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم، حفظ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه) رواه البخاري.
ومحال مع تعليمهم كل شيء لهم فيه منفعة في الدين -وإن دقت- أن يترك تعليمهم ما يقولونه بألسنتهم، ويعتقدونه في قلوبهم في ربهم ومعبودهم رب العالمين، الذي معرفته غاية المعارف، وعبادته أشرف المقاصد، والوصول إليه غاية المطالب، بل هذا خلاصة الدعوة النبوية، وزبدة الرسالة الإلهية، فكيف يتوهم من في قلبه أدنى مسكة من إيمان وحكمة ألا يكون بيان هذا الباب قد وقع من الرسول على غاية التمام؟!].
قوله هنا على غاية التمام ليبين به غلط من زعم أن النبي ﷺ لم يبين هذا للأمة كما يقرر ذلك المتفلسفة الذين انتسبوا للإسلام، وليبين به غلط من زعم بأنه لم يقع ذلك منه على جهة التمام، وإنما في القرآن أحرف مجملة والتفصيل يتلقى من الدلائل العقلية كما هو حال جمهور متقدمي المتكلمين من الجهمية والمعتزلة.
وكذلك غلط من يسلم بأن القرآن تضمن هذا الباب على جهة التمام، لكنه لا يلتزم هذا القول الذي قاله، فتجده يستعمل التأويل أو يستعمل الدلائل الكلامية في ذلك، كما هو شأن الأشعرية وأمثالهم الذين سلموا أن القرآن -في الجملة- بين هذا الباب، لكنهم عند التطبيق والتحقيق يخرجون عن هذا، ولا سيما المتأخرون منهم.
وبهذا ينتهي المصنف من المقدمة الأولى، وهي مقدمة ضرورية ظاهرة: وهي أن النبي ﷺ علم هذا الباب على التفصيل وأنه بينه لأصحابه.
2 / 11