228

Explanation of Al-Hamawiyyah - Yusuf Al-Ghafis

شرح الحموية - يوسف الغفيص

ژانرونه

الكلام عن القتال الذي وقع بين الصحابة [قالوا: فهذه علامة الإرث الصحيح والمتابعة التامة، فإن السنة هي ما كان عليه رسول الله ﷺ وأصحابه، اعتقادًا واقتصادًا وقولًا وعملًا؛ فكما أن المنحرفين عنه يسمونهم بأسماء مذمومة مكذوبة -وإن اعتقدوا صدقها بناءً على عقيدتهم الفاسدة- فكذلك التابعون له على بصيرة الذين هم أولى الناس به في المحيا والممات باطنًا وظاهرًا. وأما الذين وافقوه ببواطنهم وعجزوا عن إقامة الظواهر، والذين وافقوه بظواهرهم وعجزوا عن تحقيق البواطن، والذين وافقوه ظاهرًا وباطنًا بحسب الإمكان، فلابد للمنحرفين عن سنته أن يعتقدوا فيهم نقصًا يذمونهم به، ويسمونهم بأسماء مكذوبة -وإن اعتقدوا صدقها- كقول الرافضي: من لم يبغض أبا بكر وعمر فقد أبغض عليًا؛ لأنه لا ولاية لـ علي إلا بالبراءة منهما. ثم يجعل من أحب أبا بكر وعمر ناصبيًا بناءً على هذه الملازمة الباطلة التي اعتقدها صحيحة أو عاند فيها وهو الغالب]. أي: أن تحصيل إضافة أهل السنة إلى النصب هو من هذا الوجه: أنه من لم يبغض أبا بكر وعمر فإنه لم يوال عليًا ﵃ .. وهذا التلازم ليس صحيحًا، فإن الموالاة ليس من شرطها بغض أبي بكر وعمر ﵄. وننبه هنا إلى أن ما وقع بين الصحابة ﵃ في مسألة القتال، ينبغي أن يؤخذ كما أخذه السلف ﵏، وهو أن الصحابة في اقتتالهم في مسألة الجمل وصفين -وفي صفين على الوجه الخصوص لظهور الفتنة فيه أكثر- كانوا مجتهدين، وقد ثبت في الصحيحين من حديث عمرو بن العاص أن النبي ﵌ قال: (إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر) وباتفاق أهل السنة أن عليًا ﵁ كان أولى بالحق من غيره، وأنه خليفة من الخلفاء الراشدين، وأن خلافته خلافة شرعية. ولكن من عارضه من الصحابة -كـ معاوية وغيره- كانوا مجتهدين أيضًا، واجتهاد هؤلاء لا يقدح في خلافة علي ﵁، كما أن فاطمة ﵂ عندما حصل لها تخلف عن بيعة أبي بكر لم يشكل ذلك على صحة خلافة أبي بكر ﵁ .. وهلم جرا. والواجب: الكف عن الطعن في مقاصدهم، بل يحسن الظن بسائر الصحابة لأنهم عدول خيار، بل هم خير هذه الأمة وأفضلها بعد نبيها، وإذا دخل الطعن فيهم دخل الطعن في دين الإسلام ضرورة؛ لأنهم هم الذين رووا الشريعة، وهم الذين حدثوا بأحاديث الرسول ﵌؛ ولهذا كان من أصول أهل السنة والجماعة كما يذكر المصنف في الرسالة الواسطية: ومن أصولهم سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب النبي ﷺ. ومسألة الترجيح بينهم ليست هي مسألة الطعن، ولهذا كان السلف يقولون بما دلت عليه الدلائل من أن عليًا ﵁ أولى بالحق من غيره. ثم إنه مما يعلم: أن القتال الذي وقع بين الصحابة في صفين جمهور العسكرين -عسكر الشاميين والعسكر الذي كان مع علي - ليسوا من الصحابة، بل كما قال ابن سيرين بإسناد يقول شيخ الإسلام عنه: إنه من أصح الأسانيد على وجه الأرض: أنه لم يدخل في القتال في يوم صفين إلا بضع وثلاثين صحابيًا. فكان جمهور العسكرين من مسلمة الفتوح العمرية من أهل العراق وغيره. وهذا الذي يقرر هنا ينبغي أن يضبط بكلام أهل السنة، ولا يلتفت إلى كثير مما ذكره الإخباريون وأهل التاريخ في كتبهم، وإن كان منهم من عرف بالعلم كـ ابن جرير الطبري مثلًا، فإنه في تاريخه لم يلتزم أن لا يذكر إلا ما صح، بل ذكر ذكرًا مطلقًا ولم يلتزم صحة ما ذكره في سائر كتابه.

19 / 8