208

Excellence of the Lord of Creation in Explaining the Brilliant Pearls

فضل رب البرية في شرح الدرر البهية

ژانرونه

فلما أهلّ العام الثاني أمر الناس بصيامه، وهل كان أمر إيجاب أم أمر استحباب؟ على قولين لأصحابنا - أي الحنابلة - وغيرهم، والصحيح أنه كان أمر إيجاب، ابتُدئ في أثناء النهار، لم يؤمروا به من الليل - يعني فرض صيامه في أثناء النهار، أي أنهم لم يؤمروا به من الليل ويبيتوا الصيام ثم بعد ذلك صاموا في النهار، بل جاءهم فرضه في أثناء النهار -، فلما كان في أثناء الحول - في أثناء السنة - رجب أو غيره فرض شهر رمضان» (١).
أول ما فُرض صيام شهر رمضان كان الناس مخيرين بين أن يصوموا أو أن يطعموا، ثم نُسخ هذا الحكم وصار صيام رمضان واجبًا على القادر.
قال سلمة بن الأكوع: «كنا في رمضان على عهد رسول الله ﷺ من شاء صام ومن شاء أفطر فافتدى بطعام مسكين، حتى أنزلت هذه الآية: ﴿فمن شهد منكم الشهر فليصمه﴾ (٢) [البقرة: ١٨٥]، وفي رواية: «لما نزلت: ﴿وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين﴾، كان من أراد منا أن يُفطر ويفتدي حتى نزلت هذه الآية التي بعدها فنسختها» (٣).
فكانوا في البداية مخيرين، من أراد أن يصوم صام، ومن أراد أن يترك فله ذلك بشرط أن يفتدي ويُطعم مسكينًا عن كل يوم يفطره، ثم بعد ذلك أنزل الله ﵎: ﴿فمن شهد منكم الشهر فليصمه﴾، فصار صيام رمضان واجبًا على الجميع وليس لأحد أن يفتدي ويتركه لغير عذر.
قال المؤلف ﵀: - (لرؤية هلاله من عدل)
أي أن وقت بدء صيام رمضان دخول الشهر، والشهر يدخل برؤية هلاله لقوله ﷺ: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» (٤).
أي، صوموا لرؤية الهلال وأفطروا لرؤية الهلال.
والرؤية المقصودة هنا الرؤية العينية، يقدر عليها أي أحد من المسلمين، فإن خطابه ﷺ لم يكن للمتعلمين والمثقفين، بل كان يُخاطب كل أحد، البدوي والحضري، المتعلم والجاهل، الرجل والمرأة، وليس الخطاب لمن يدرس الحسابات الفلكية، فإنها غير معتبرة، فإن الله ﵎ إذا وضع علامة من العلامات على وجوب عبادة من العبادات يضع علامة

(١) «مجموع الفتاوى» (٢٥/ ٢٩٥).
(٢) أخرجه مسلم (١١٤٥).
(٣) أخرجه البخاري (٤٥٠٧)، ومسلم (١١٤٥).
(٤) أخرجه البخاري (١٩٠٩)، ومسلم (١٠٨١).

1 / 208