Evolution of Egyptian Journalism 1798-1981
تطور الصحافة المصرية ١٧٩٨ - ١٩٨١
خپرندوی
مؤسسة سجل العرب
د ایډیشن شمېره
الرابعة
ژانرونه
بسم الله الرحمن الرحيم
فصل في مراجع البحث:
توافرت علي دراسة تاريخ الصحافة المصرية منذ خمسة وأربعين عامًا، وكلما نشرت كتابًا في جانب من هذا التاريخ، شجعتني نتيجة البحث المنشور على كشف المستور في جانب آخر، وقد كان هذا الكتاب الذي أقدم طبعته الرابعة اليوم لقراء العربية والمعينين بشئون الصحافة جامعًا لكل جوانب تاريخ الصحافة في مصر، وهو -في طبعته هذه- مستكمل كثيرًا مما فاتني في طبعاته الأولى، وجدير بأن يكون في مكتبة طلاب هذه الناحية من التاريخ.
وسوف يجد فيه قراءه تاريخًا للصحافة المصرية منذ نزل بونابرت وادي النيل في سنة ١٧٩٨ إلى تاريخ نشره في سنة ١٩٨٢، وقد استعرضت في هذه الفترة الطويلة ما أصاب الصحافة المصرية من تطور ملحوظ في موضوعها وشكلها، وراعيت في تفاصيل الكتاب الدقة المستندة إلى الوثائق والأسانيد التي بدونها يفقد كل كتاب قيمته العلمية، وأشرت إلى ذلك كله في هوامش المتن.
وإن التعرض لتاريخ الصحافة يقتضي في بعض الأبواب أن نفصل في تاريخ صحيفة على اعتبار أنها مثل لمئات أو عشرات من نظيراتها، سواء كانت صحيفة شعبية أو رسمية، وسواء كانت صحيفة للسياسة أو الآداب أو الفنون أو التجارة أو الزراعة أو ما إلى ذلك من جوانب النشاط الفكري الذي قطعته مصر في أكثر من مائة وثمانين عامًا.
وقد شهدت مصر في هذه الحقبة الطويلة مئات الصحف التي عالجت كل موضوع يدور بخلد إنسان، سواء كان صحفًا عربية أو فرنجية، وقد رأيت زيادة للفائدة المرجوة من نشر هذا الكتاب أو أضمنه ثبتًا بأسماء الصحف
1 / 3
التي صدرت في مصر، منذ عرفت مصر الصحافة إلى اليوم، وذلك ليكون هذا الثبت في خدمة من يريد الرجوع إلى الصحف نفسها سعيًا وراء دراسة تاريخية أو أدبية أو اجتماعية أو غير ذلك من الدراسات.
وسوف يرى القارئ أيضًا أننا تعرضنا بكثير من التفصيل لشخصيات خالدة في تاريخ الصحافة المصرية فشرحنا ما أدته من خدمات للصحافة، وما تركته من آثار لا تزال واضحة في نهج صحافتنا المعاصرة، وهذه أيضًا ناحية من تاريخ الصحافة لم تكن معروفة أو واضحة قبل دراسة هذا البحث وكشف دخائله، وتفسير النصيب الكبير الذي كان لهؤلاء الصحفيين الممتازين.
وتعتبر دراسة هذا التاريخ دراسة لتاريخ مصر الحديث في أوضح صوره، دراسة الرأي وتطوره، والفكرة وتعددها، والمزاج وتباينه، والغرض والاختلاف من أجله، أى بمعنى أوضح مصاحبة الكيان المصري ممثلًا في نظام الحكم والحكومات المتعاقبة والجماعات الظاهرة، والأفراد المتفوقين، منذ نشأ هذا الكيان على عهد الفرنسيين وحملتهم إلى أيامنا الحاضرة؛ وهذا وضع من شأنه أن يفرض علينا الرجوع إلى مطولات الكتب والمحفوظات العربية والفرنجية، والبحث فيما خلفته لنا الأجيال من الوثائق الرسمية والفردية، سواء كانت عربية أو تركية أو فرنجية، ثم تطبيق ذلك كله على ما جاء في الصحف جيلًا بعد جيل، ومن هذا المزاج خلصنا إلى تاريخ الصحافة المصرية قسمناه إلى فصول وعرضناه هذا العرض الذي أرجو أن أكون قد وفقت إليه.
أم الكتب العربية التي رجعنا إليها في هذا البحث فليس فيها كتاب يشمله أو ينصب عليه وحده، وإن كانت هناك كتب عنيت بالصحافة المصرية، ككتاب فيليب دي طرازي عن "تاريخ الصحافة العربية" وهو مؤلف عرض فيه صاحبه في أجزائه الأربعة لتاريخ الصحافة عامة في الشرق والغرب وقد نثر في الجزأين الأول والثاني كثيرًا من أخبار الصحافة المصرية ورجالها.
1 / 4
في نشأتها الأولى، فنجح في ذكر بعض الحقائق التي لا تبنى تاريخًا وإن كانت من مواده الأولية، ثم أخطأ في كثير من الحوادث وحمل الصحف أوصافًا لم تكن لها، وميز الصحفيين المصريين الذين عرض لهم بمزايا لم تؤثر عنهم، وهو بذلك يعتمد على نشاطه الشخصي وتقديره الذاتي للحوادث والأخبار، غير أن الجزء الرابع من تاريخ جاء أقرب إلى الكمال من أجزائه الثلاثة الأولى، فقد نشر فيه أسماء الصحف المصرية ومواعيد صدورها منذ عرفت الصحافة في مصر إلى سنة ١٩٢٩ وقد حرص على ذكر الصحف العربية وحدها، كما أنه ظن في مراجعته لوثائق إدارة المطبوعات المصرية أن الأمرب بترخيص الجريدة أو الموافقة على إصدارها معناه ظهور الجريدة في مصر، وهذا غير صحيح؛ لأن كثيرًا من الصحف المرخصة لم تصدر ولم تعرف طريقها إلى المطبعة.
ثم إنه أراد أن يكمل نقص إدارة المطبوعات فعاد إلى دار الكتب المصرية وهنا اعتمد على البيان الذي قدم إليه من الدار المذكورة؛ وهو بيان ناقص؛ لأن بعض الصحف القديمة التي اشترتها الدار لم يكن قد رصد بعد في سجلاتها، كما أنني وجدت صحفًا في دار الكتب بالمصادفة أو بإيحاء من أصحاب التجارب القدماء، وقد اكتفى طرازي بهذا الجهد، وأغفل مكتبة طلعت حرب باشا المحفوظة في بنك مصر بالقاهرة، ومكتبة المجمع العلمى، حيث تحفظ بعض الصحف القديمة التي خلت من نظير لها في دار الكتب وأغفلتها سجلات إدارة المطبوعات.
وقد حاور غير فيليب دي طرازي التخصص في بحث هذا التاريخ أو علاج أمره فكتب إلياس عطارة الحبي كتابين أحدهما "تكوين الصحف في العالم" سنة ١٩٢٦، والثاني "تاريخ تكوين الصحف المصرية" سنة١٩٢٨ فأما الكتاب الأول فقد احتفل بأقوال العظماء وأحاديثهم عن الصحافة وقدرها في حياة الشعوب، وعنى الثانى بالصحافة المصرية عناية تشبه في الإيجاز
1 / 5
والتفصيل ما كتبه طرازي في جزأيه الأولين، غير أن عطارة الحلبي أرخ للصحافة المصرية المعاصرة لزمنه تاريخًا لحمته الغرض وسداه الإيحاء.
ثم نشر كاتبان مؤلفًا "في الصحافة" هما يوسف محمد دسوقي "من حملة شهادات التربية العالية"، ومحمد كامل دسوقي من المحامين، وقد عرضا لمعاونات الصحافة عامة ومعاوناتها في مصر خاصة: كالمطبعة ومكتبة الصحيفة ثم ذكرًا موجزًا لنشاطها والمحاولات التي بذلت في سبيل النقابات الصحفية، وأشارا إلى بعض الصحفيين المعاصرين والصحف التي عالجوا فيها سياستهم وقد اعتمدا على الاجتهاد والملاحظات الشخصية.
ثم إذا فرغنا من المؤلفات التي اتصلت بالصحافة اتصالًا مباشرًا على الصورة التي شرحناها رجعنا إلى الكتب الكثيرة المتباينة التي كتبت باللغة العربية أو عربت عن مصر وتطور حياتها السياسية والفكرية، وقد نشرت في آخر البحث ثبتًا لبعض منها، وهي كتب إن صدقت في تقرير الوقائع والحوادث فقلما كانت تعرض للصحافة المصرية عرضًا عميقًا أو تمسها مسًّا أصيلًا، وإنما كانت تذكرها عابرة ولا تقف عندها أو تعني بتفصيل لها.
ومن خير الكتب التي رجعنا إليها من وجهة نظر وطنية كتب عبد الرحمن الرافعي بك فقد حرص المؤلف في تاريخه عن الحركة القومية على الإشارة إلى الصحافة في كل جزء من هذا التاريخ، وهي وإن كانت إشارات خفيفة لم يقف الرافعي عندها طويلًا إلا أن فيها تقريرًا صادقًا لبعض حوادثها، وقد اعتمد الكاتب على الصحف نفسها في تقرير وشرح هذه الحوادث، وقد لاحظنا لأن عنايته بالصحافة المصرية أخذت في الوضوح منذ عالج التاريخ السياسي لمصر في عهد إسماعيل إلى أيام مصطفى كامل ومحمد فريد وسعد زغلول ومصطفى النحاس والأيام الأولى لثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢.
أما الكتب العربية الأخرى التي رجعنا إليها فقد كانت عنايتها بالصحافة
1 / 6
دون عناية الرافعي بها وإن كان بينها كتاب سليم خليل نقاش "مصر للمصريين" الذي عنى بحوادثها ومحاكماتها خلال الثورة العرابية وبعدها، وكتاب محمود رشيد رضا عن تاريخ الأستاذ الإمام الشيخ "محمد عبده" في ثلاثة أجزاء حفلت بكثير من الوقائع التي تمس الصحافة المصرية من قريب كلما عرض المؤلف للأستاذ الإمام في المطبوعات أو في صحيفة الوقائع المصرية أو في المنفى في باريس، هذا إلى الكتب القليلة التي ذكرت بعض الفصول عن شئون الصحافة وهي تعرض للقوانين واللوائح ككتاب أحمد محمد حسن بك وإيزيدور عن "مجموعة القوانين واللوائح المعمول بها في مصر".
وقد رجعنا إلى ما كتب المعاصرون أو المعنيون بهذه الشئون في الصحف والمجلات المصرية وتاريخها، ومن أهم هذه الدوريات مجلة الهلال التي عنيت في سنواتها الأولى بتأريخ بعض جوانب الصحافة المصرية في أعدادها الأولى، كذلك نشرت مجلة الأجيال لميخائيل بن أنطون بحثًا في سنة ١٨٩٧ عن "الصحافة في القطر المصري" وهو بحث ناقص ويشوبه كثير من الأخطاء التاريخية، ثم أرخت مجلة الشباب سنة ١٩٣٦ في مقالات متتابعة للأستاذ أمين عبده المحامى حوادث الصحف والصحفيين المصريين منذ بدأ الاحتلال البريطاني لمصر، وهي من أهم المقالات التي صورت صحافة ذلك الوقت من الناحيتين السياسية والاجتماعية.
أما الكتب الفرنجية التي بحثت موضوعنا في شيء من التفصيل فمن أهمها كتاب عن Le Journal Origines Evolution et Role La Presse Periodique لمؤلفه " G. Weill"، وهو من أحسن المؤلفات التي بحثت نشأة الصحافة الأجنبية وتطورها، وأفادتنا في المقدمة التي صدرنا بها هذا البحث، ثم عرض " Munier" في كتاب " La Presse En Egypte ١٧٩٨ -١٩٠٠" صورة حية للصحافة الفرنجية المصرية في الفترة التي بحثها الكتب؛ لأن مؤلفه عاش أهم عهود هذه الصحفة وخبرها بنفسه وعمل في
1 / 7
بعضها وإن لم يعالج الصحف العربية إلا بإيجاز لا يغني الباحث في هذه الناحية.
وقد نشر الدكتور محمد صبري مؤلفًا عن La Genese de L،Esprit National Egyptien، وقد عنى فيه بتاريخ الصحافة المصرية وخاصة في عهد الخديو إسماعيل، وهو لا يصورها أو يشير إليها فقط بل يعتمد اعتمادًا كاملًا في تحقيقه العلمي على ما نشرته هذه الصحف، وهو فيما نعلم أول مؤرخ لناحية من نواحي النشاط المصري يجعل من الصحافة الشعبية مرجعًا له وحجة يعتمد عليها، فقد كان العهد بالاعتماد على الصحف وقفًا على الوقائع المصرية وحدها.
وإذا كان الدكتور صبرى قد نشر ملخصًا لا بأس به عن نشأة الصحافة الشعبية وأقر وجودها في الحياة المصرية سواء من الناحية السياسية أو الاجتماعية فإن " Baignieres" أرخ للصحافة الهزلة المصرية أجمل تأريخ في كتابه:
" L،Egypte Satirique" وهو يكتب صحيفة يعقوب بن صنوع صاحب مجلة "أبو نضارة" في مصر وباريس، وهو خير ما كتب عن يعقوب وخير ما كتب عن الصحافة الهزلية، بل خير ما كتب عن الصحافة المصرية في جانب من أهم جوانبها، ثم يعرض هارتمان في كتابه " The Arabic Press of Egypt" للصحافة العربية متأثرًا الطرق العلمية الصحيحة، غير أن الحقائق في بحثه كانت غير كاملة، كما أنه قرر في غير تحفظ أن النصيب الأوفر في نشأتها يعود إلى الشاميين وليس للمصريين حظ يماثل حظهم من الدأب والاجتهاد في جميع مراحل نشاطها، وقد وقف بنا إلى نهاية القرن التاسع عشر وقفة بدأ التاريخ الصحفي المصري يأخذ بعدها صورة واضحة ملأت نشاط المصريين في جوانب الحياة المصرية جميعًا.
ثم يؤرخ قرياقص ميخائيل في كتابه " Copts and Moslems Under British Control" للصحافة المصرية ونصيبها في الخلاف القبطي الإسلامي، وهو يصور هذا الجانب تصويرًا بديعًا حقًّا وإن كان الغرض فيه ظاهرًا
1 / 8
والغاية منه معروف، فهو شديد الميل إلى الصحافة القبطية من غير تحفظ، يزرى بالصحف المصرية الأخرى سواء كانت صحفًا إسلامية أو صحفًا تميل إلى الجانب الإسلامي، ومن الكتب التي راقني فيها جهد صاحبها كتاب كمال الدين جلال وهو رسالة تقدم بها إلى إحدى جامعات ألمانيا عن:
" Entstehung Und Entwicklung der Tagesqresse in Egypten" ويمتاز هذا الكتاب باعتماد صاحبه على الطرائق العلمية الحديثة، وقد وفق في فصله الأول عن الصحافة خلال الحملة الفرنسية، غير أن اعتماده في تأريخ الصحافة المصرية كان قائمًا على الكتب الغربية والفرنجية التي أشارت إليها إشارات خاطفة، وهنا يخلو تاريخه من حقيقته المنشورة في الصحف نفسها أو في الوثائق المعروضة هنا وهناك.
وتخصص اثنان من المصريين في علاج شئون الصحافة من وجهة النظر القانونية، فتقدم أولهما -محمد فؤاد- إلى جامعة باريس برسالة عن " Le Regime de La Presse En Egypte" وهي بحث سطحي غالب فيه العنصر الذاتي القواعد العلمية الصحيحة، وافتقد فيه كاتبه كثيرًا من الوثائق والقوانين واللوائح التي تمس الصحافة منذ عرفت في مصر إلى سنة ١٩١٢، ولم يعن إلا بعودة قانون المطبوعات في سنة١٩٠٩ ومع ذلك فقد خلت هذه العناية من العمق الذي رأيناه في رسالة زميله عبد المجيد صادق رمضان التي نال بها درجة الدكتوراه من جامعة باريس في سنة ١٩٣٥ عن:
Evolution de Le Legislation Sur La presse En Egypte
وهو هنا أفضل المراجع التي عدنا إليها في دراسة تطور التشريع الخاص بالمطبوعات في مصر، وخاصة الفترة التي بدأت بصدور قانون المطبوعات المصري في سنة ١٨٨١ إلى سنة تقديم رسالته، أما الفترة السابقة على هذا التشريع المصري فيعتورها شيء من النقص مرجعه فيما نعتقد امتناع الوثائق عليه، وهي الوثائق التي كان يحتفظ بها قسم المحفوظات التاريخية بسراي عابدين أيام الملكية، وفيما هذه الكتب التي عرضنا لها عدنا إلى الكتب
1 / 9
الفرنجية المختلفة التي كتبت عن مصر من وجهة نظر أجنبية، وهذه الكتب عرضت عرضًا خفيفًا للصحافة المصرية والتزاماتها ومتاعبها، وتكاد هذه الكتب تجمع -والكتب الإنجليزية بالذات- على نقد الصحافة نقدًا لاذعًا، ويمثل هذه المؤلفات " Cromer" في كتابه " Modern Egypt"، أما المراجع الأجنبية الأخرى فقلما كانت تعنى بهذا التاريخ، ولم تذكر حوادثه إلا عرضًا.
وإذا كانت الكتب التي نشرت عن مصر الحديثة باللغات الأجنبية قد أشارت في غير تفصيل وفي غير احتفاء إلى الصحافة المصرية فإن الوثائق الرسمية وخاصة مكاتبات القناصل عنيت بأمور هذه الصحافة وأحداثها، وكان أقل القناصل اعتناء بشئون الصحافة المصرية القنصل الأمريكي وإن اعتمد على لومونيتور إجيبسيان، ونظيراتها من الصحف الشبه رسمية، وكذلك كان شأن القنصلين الإنجليزي والفرنسي في الكتب الزرقاء والصفراء " The Blue Books & Livres Jaunes" غير أن المعتمد البريطاني بعد الاحتلال الإنجليزي أفرد لنا في تقاريره لحكومته فصولًا قصيرة وطويلة، تصور حياتها من وجة نظر إنجليزية، وقد أصاب كاتبها أحيانًا في تقرير بعض مسائلها.
وقد عرض بعض المؤرخين للصحافة المصرية في المجلات العلمية كيعقوب أرتين باشا في مجلة المجمع العلمي سنة ١٩٠٥ حيث نشر بحثًا لا بأس به عنوانه " Etude Statistique Sur Le Presse Egyptienne" غير أن معظم ما كتب في المجلات العلمية عن صحافة مصر كان خاصًّا بالصحف الرسمية وقد أشرنا إلى ذلك في ثبت المراجع.
وأخيرًا رجعنا في تاريخ الصحافة المصرية إلى الوثائق التركية والعربية، وخاصة إذا اتصل البحث بالصحف الرسمية، وبإغفال هذه الوثائق ما كان للبحث أن يستقيم منذ نشأت الصحافة المصرية في كنف الحكومة في عهد محمد علي إلى أيام الخديو إسماعيل، وعن هذه الوثائق وضح لنا شيء كثير
1 / 10
من جهد الحكومة وتقديرها للصحافة والصحفيين، وظهر لنا مدى العلاقة التي تربط الدولة بالمطبوعات والصحف خاصة في عهدي سعيد وإسماعيل وقد أشرنا إلى هذه الوثائق في هوامش المتن كلما أعوزنا البرهان أو الدليل.
عرضت الكتب صورة للعصر وللتاريخ إجمالًا، وحددت الوثائق العربية والفرنجية والتركية جانبًا كبيرًا من البحث، وخاصة ما تصل منه للصحافة الرسمية، ثم عدنا في آخر الأمر إلى الصحف نفسها، عربية وفرنجية، لنستكمل الحقائق من مصادرها الأولى، ولنؤرخ لهذا الموضوع من جدوله الأصيل، ولنزاوج بين الحقائق العلمية المنشورة في الكتب والوثائق الرسمية بين الاتجاهات الصحفية المتباينة، ثم نستخرج من هذا كله الصورة الصادقة لتطور الصحافة المصرية منذ نشأتها إلى اليوم، وقد نشرنا ثبتًا في نهاية هذا البحث يشتمل على أسماء الصحف التي صدرت أو صدر بها الترخيص، واعتمدنا على الصحف المهمة منها في تصوير هذا التاريخ، وأشرنا إلى ذلك في مكانه.
ونختم هذا الفصل القصير يذكر الدور التي قصدناها لتطبيق بحثنا وفي مقدمتها دار المحفوظات بالقلعة والمحفوظات التاريخية بسراى عابدين١ ودار الكتب المصرية والمجمع العلمى المصري ومكتبة جامعة القاهرة ومكتبة وزارة الخارجية وإدارة المطبوعات المصرية٢، ومكتبة طلعت حرب باشا، وكذلك وجب التنويه بالمساعدات القيمة التي تفضل بها المشرفون على هذه الدور فكان حرصهم على إبراز الحقائق لهذا البحث حرص العارف بقدر العلم وهو حرص يشكرون عليه، ويستوجب مني التقدير والاعتراف بالجميل.
_________
١ نقلت هذه الوثائق المهمة بعد سنة ١٩٥٢ إلى مكان ما.
٢ وهي جزء من مصلحة الاستعلامات اليوم.
1 / 11
مقدمة:
لا يستطيع شعب من الشعوب المتحضرة أن يمضي حياته اليومية من غير صحف، هذه ظاهرة اجتماعية حديثة لا يمترى فيها أحد، والصحافة في ذاتها وسيلة لا غاية، اهتمت بها الحكومة الحديثة كما حصرت عليها شعوبها مهما تختلف هذه الحكومات ومهما تتفاوت هذه الشعوب في إدراك حياتها السياسية وتناول شئونها الاجتماعية، فالحكومة النازية أو الفاشية تحرص، كما تحرص الحكومة الديمقراطية على هذه الوسيلة وتعمل على التمكين لها؛ لأن وراءها غايات قد تتشعب ومآرب قد تتباين، أما الوسيلة نفسها فقد فرضت وجودها على المذاهب السياسية والاجتماعية والاقتصادية جميعًا بلا استثناء.
وحظ مصر من هذه الوسيلة كحظ غيرها من الجماعات المتحضرة، وكما دعت الحاجة إلى نشأة الصحف في أوربا منذ عدة قرون، كذلك أملت النظم الجديدة على مصر الحديثة أن تنشئ صحفًا تعددت أغراضها وتباينت أهدافها وإن يكن عمرها أقل من قرنين من الزمان للظروف السياسية والاجتماعية التي حالت دون النشاط الصحفي وأخرته عن أوربا زهاء ثلاثة قرون.
وقد عرفت الصحف في أوربا بعد أن ظهرت الطباعة بفترة طويلة إذ اقتصر فن جوتنبرج خلال قرن على طبع أوراق الدفاتر وكراسات الأعمال التجارية وما إلى ذلك من الأشياء التي تمت إلى الحياة العملية ولا ترتبط بالصحافة والصحف، غير أنه قد لوحظ في تلك الفترة أن من بين الكراسات التي طبعتها المطبعة في صدر عمرها كراسات تحمل الأنباء للناس، والأنباء كما نعلم أهم عناصر الصحيفة، وقد سبقت إذاعة الأنباء فن الطباعة، فكانت تلقى في أول الأمر مشافهة ثم مضى أصحابها بنسخونها، فلما عرفت الطباعة صارت تذاع بعد طبعها في كراسات خاصة١.
_________
عرض لهذا الموضوع Georges Weill في كتابه
Le Journal. Origines، Evolution et Role De La Prese Periodique
1 / 13
ولم تكن إذاعة الأخبار المخطوطة من وظائف الحكومات بل تخصص بعض الأفراد لنسخ الأخبار المهمة ليقف على مضمونها النبلاء، وكان لهذه الطريقة أهمية خاصة في غضون القرن الخامس عشر في إيطاليا، وقد ساعدت الحياة الفكرية والتجارية والاجتماعية على نشاط هذه الطريقة الإخبارية، فإيطاليا في ذلك الوقت شعب راجت تجارته وزكت علومه ومعارفه وسيطر تفكيره على معظم أرجاء أوربا، فكان طبعيًّا أن يتحسس نبلاؤه وأغنياؤه ومفكروه أخبار دويلات أوربا والبلاد الأجنبية خارج القارة بما يحمله التجار وما تنقله أخبار السفن من أحاديث وروايات، فوجد أشخاص يحققون لهم هذه الرغبة، وكان هؤلاء يدفعون ثمنها بسخاء، وكان البندقية قطب الدائرة، دائرة العلوم والتجارة ودائرة الأخبار المنسوخة أيضًا، ولم يكن نشاط تجار الأخبار المخطوطة يقف عند البندقية بل كان لهم عملاء وحرفاء في المدن الإيطالية والألمانية من التجار ورجال المال، وقلد الألمان وغيرهم الإيطاليين في هذه الصناعة الجديدة.
وفي القرن السادس عشر ظهر الخبر المطبوع فلم يقض على الخبر المنسوخ وذلك لندرة المطابع أولًا وهي في أكثرها محتكرة من الحكومة أو رجال الدين كما أن ناشري الأخبار المخطوطة كانوا قلة قادرة صقلتها المرانة فتمسكت بمستواها العالي في أخبارها وأسلوبها، وتبع ذلك تمسكها بعملائها وحرفائها، ولما انتشرت الطباعة وأصبح الخبر المطبوع سهل النشر يسير التناول هبط مستواه ولم يعد يليق إلا بالعامة، كما أن المطبوعات جميعًا كان موضع رقابة خاصة من السلطات كما كانت موضع شكوكها وتضييقها، ففضل العظماء الأخبار المنسوخة وهي أخبار لا تخضع لرقابة رقيب ولا يعنيها أكان في الحكم سلطة استبدادية أم سلطة عادلة، لذلك كان أخبارها أصدق وأقرب إلى الحقيقة، ولهذه الصحف المخطوطة آثار في المكتبة الأهلية بفيينا وبعضها الآخر في مكتبة الفاتيكان.
ولقد لقي مذيعو الأخبار من البابوات والحكومات المختلفة ضيقًا وحرجًا
1 / 14
شديدين فصودرت أموالهم وبترت أيديهم وقطعت ألسنتهم ونصبت المخانق لكثير منهم، ولم يوهن نشاط مذيعي الأخبار المخطوطة والمطبوعة أو يفتر بالرغم من هذه القسوة التي ذكرنا بعض أمثلتها، واضطرت السلطات آخر الأمر إلى الرجوع عن هذه القسوة، بل جعلت تترضى بعض المخبرين المحترفين وتكلفهم العمل لحسابها فنفقت سوق هذه التجارة في أوربا عامة وروما خاصة.
لكن الخبر المنسوخ لم يعمر طويلًا بل أخذ يتقهقر أمام الخبر المطبوع بانتشار الطباعة واعتدال ثمنه وتساهل الحكومات وتنازلها عن رقابته، فتلونت الأخبار وتباينت، وظهرت شعرًا ونثرًا، ولم تعد الأخبار وقفًا على الحوادث العادية المتواضعة، بل كان للحروب والحوادث الطبيعية والمشاكل الدولية أثر في ترويج هذه الصناعة بما كانت تذيعه المطابع في الأنباء المثيرة، كما عمدت بعض الأوراق الخبرية إلى نشر فيض من الحوادث المنقولة عن أوراق دول أخرى، وقد كبرت أوراق الخبر رويدًا ثم حثيثًا، فإذا هي دوريات تظهر كل ستة أشهر ثم دوريات تظهر كل شهر ثم كل أسبوع ثم كل يوم: وقد شهد القرن السابع عشر مولد هذه الدوريات جميعًا في فرنسا وانجلترا، وفي غيرهما من البلاد الأوربية ومضت هذه النهضة قدمًا وعبرت البحار إلى أمريكا الشمالية، بينما مضى الشرق في عزلته وتزمته، فلم يعرف الطباعة إلا بعد أن عرفت أوربا الكتب المطبوعة والصحف السيارة في المدن والمقاطعات المختلفة.
وكان من الأمور الغريبة حقًّا ألا تشارك مصر دويلات أوربا في تقدير الطباعة وتكريم الصحافة، وألا تمر بها الأدوار الصحفية التي مرت بأوربا، وأن تكون آخر بلاد الشرق الأدنى معرفة بالمطبعة وأقلها احتفالًا بها، ذلك أن مصر أبقت على تراث فكري كاد يندثر بسقوط الدولة العربية وتفرق كلمتها، وقد حملت علم النهضة ولم يقف نشاطها في العلوم والفنون بالرغم من غشاوات الجهل التي أعمت بعض حكامها، وبالرغم من نوبات الفتور التي مست الحياة الفكرية المصرية آنًا بعد آنٍ منذ عهد الفاطميين إلى أيام
1 / 15
المماليك البحرية والبرجية "الشراكسة" وقد ظهر فيها كثير من العلماء الأدباء والمؤرخين كالقلقشندي وابن هشام، وابن خلكان وابن تغري بردي وغيرهم من فطاحل العلم والتاريخ، وقد اتصلت مصر في عصورها الوسطى بممالك البحر المتوسط وجنوب أوربا وجمهورياته المهمة للمتاجرة معها، وكان معها واسطة العقد بين الشرق والغرب، وكان يرجى لها التوفيق إلى كل جايد تعرفه أوربا في ذلك الوقت.
وكانت جمهورية البندقية وغيرها من البلاد الأوربية لاستقبال النهضة الحديثة، وفي هذه الفترة عرفت الطباعة في مدن إيطاليا والمدن الحرة الآخرة وكان الأمل واسعًا في أن يستفيد أعظم عملاء أوربا من هذا الحديث الجديد لو استمر الاتصال قائمًا وعرف المصريون قدره، غير أن مركز مصر قد تدهور بعد كشف رأس الرجاء وسلوك التجارة سبيلها عن طريقه، فانقطعت الصلة بين مصر وعملائها إلى حد بعيد، وأقفلت الأبواب دون الإحساس بخطر المطبعة زهاء ثلاثة قرون كان مصر قد بلغت فيها التقهقر والاضطراب مبلغًا تقوضت فيه دعائم الحياة السياسية والاقتصادية، وانطفأت الذبالة الباقية من حضارة الأمس، وشغلت بنزوات حكامها وقاست من جهلهم وعسفهم ما قاست حتى انقطع ما بينها وبين كل جديد من أسباب، وأهمل شأن المدارس والتعليم وبيعت الكتب وانتهبت، وتخربت دور الفن وعماراته، وكانت مصر آخر من عرف المطبعة بين دويلات السلطنة المهمة".
وإلى أوربا يرجع الفضل في صناعة الحروف الشرقية والعربية، عنوا في أول الأمر باللغة العبرية وحروفها لأنها لغة الإنجيل والتوراة، وقاموا بنشرهما في إيطاليا، ثم مضوا ينشرون كتبًا دينية مختلفة، ثم اتجهوا إلى العلم فنشروا باللغة العربية بعض كتبه، وفي مستهل القرن السابع عشر احتدمت المنافسة بين روما وباريس وليدن ولندن على طبع الكتب العبرية والعربية، وأحس الشرق هذه المنافسة فجلب إليه الطباعة من الغرب ليقوم هو أو يساهم على الأقل
1 / 16
في نشر آثاره وتعاليمه، وقد أوحت بذلك أيضًا الفكرة الدينية، لذلك بدأت المطبعة في الشرق أول ما بدأ تنشر كتبًا دينية باللغة العبرية ثم كتبًا أخرى باللغة العربية، وتخلصت أخيرًا من الاتجاه الديني، ومضت تذيع المؤلفات والتراجم العلمية والأدبية.
ولقد سبقت الأستانة جميع بلاد الشرق في معرفة الطباعة، وإلى اليهود يعود الفضل في نشر هذه الصناعة، فقد أنشأ أحدهم مطبعة عبرية في عاصمة الخلافة لتنشر كتبهم وتعاليمهم الدينية ولتغنيهم عن المخطوطات التي كانت تكلفهم أجرًا كبيرًا وجهدًا عسيرًا، وكان هذا اليهودي ينشر بين آن وآخر كتبًا في التاريخ والعلوم بجانب كتب الدين اليهودي وتعاليمه، وقد بدأ عمله هذا في أواخر القرن الخامس عشر١ ولم تعرف الأستانة الحروف العربية إلا في أواخر القرن الثامن عشر أي بعد أن قطعت المطبعة العبرية من وجودها في الشرق أكثر من قرنين من الزمان، وقد نشط اليهود في بلدان الشرق الأخرى فأنشئوا المطابع هنا وهناك.
أخذت الطباعة تنتشر في بلاد الشرق الأدنى، وقد بدأت كما رأينا في الأستانة وحروفها عبرية، غير أن هذا الشرق ولغته الفضلى اللغة العربية، عني عناية خاصة بحروفها، فأنشأ أحد البطارقة مطبعة عربية في حلب في أوائل القرن الثامن عشر حوالي سنة ١٧٠٢ وقيل: إن حروفها في بخارست وهي أول مطبعة عربية في الشرق، ثم أنشئت في الأستانة المطبعة العربية الثانية وقد لقي إنشاؤها عنتًا شديدًا من الحكومة ورجال الدين فقد أفتى العلماء بأن المطبعة رجس من عمل الشيطان، إلى أن قيض الله لها بعض المصلحين، واستطاع الصدر الأعظم بمعاضدة بعض هؤلاء العلماء أن يستصدر من السلطان فرمانًا عاليًا موقعًا عليه بالخط الشريف في سنة ١٧١٢ بالإذن لسعيد أفندي "وقد صار صدرًا أعظم فيما بعد" بإنشاء المطبعة وطبع جميع أنواع الكتب.
_________
١ مجلة المشرق، السنة الثالثة، عدد ٤ ص١٧٥ وعدد ٦، ص٢٥٤ - ٢٥٥.
1 / 17
إلا كتب التفسير والحديث والفقه والكلام١. تم عرفت الطباعة العربية في قرية الشوير من أعمال لبنان في دير من أديرتها المعروفة حوالي سنة ١٧٣٢، وقد نافس الأرثوذكس أصحاب الشوير الكاثوليك وأنشئوا ببيروت مطبعة عربية قلدوا فيها حروف مطبعة الشوير سنة ١٧٥٠.
في أصغر القرى عرف بعض أمم الشرق المطبعة على حين جهل المصريون هذا الفن، إلى أن جاءت الحملة الفرنسية سنة ١٧٩٨، فعرضت بين بضاعتها مطابعها العربية واليونانية والفرنسية، وقد ناسب نشاط المطبعة الفرنسة قدر الحملة، فلم تعمل مطابع الفرنسيين على غرار المطابع الشرقية الأخرى بحيث يكون جهدها منصبًا على نشر الكتب والتعاليم الدينية وحدها بل كان الاحتلال الفرنسي يرمي إلى أشياء مهمة من وراء مطابعه، فقد بدأ عملها قبل أن يبدأ الجيش عمله، نشطت وهي في البحر والحملة في طريقها إلى مصر، فأعدت المنشورات العربية وأذاعت أوامر القائد العام، ففيها إذن جزء للدعاية وجزء آخر للأوامر الإدارية والحكومية، حتى إذا استقرت في مصر فتحت صدرها للكتب المؤلفة والمترجمة لعلماء الحملة وأدبائها، ثم أضافت إلى ذلك شيئًا جديدًا لم تعرفه مطابع الشرق الأدنى، وانفردت به مصر أول الأمر، وكانت بمعرفته سباقة لبلاد الشرق جميعًا، ذلك إخراج الصحف، فعن طريق هذه المطابع عرفت مصر الصحيفة، أو الدورية في صورتها الكاملة، ومنذ ذلك الوقت يستطيع المؤرخ أن يحدد نشأة الصحافة في مصر٢.
أنشأ الفرنسيون صحيفتين في مصر، إحداهما يقال لها كورييه دو ليجيبت Courrier De L Epypte والثانية يقال لها لاديكاد إجيبسين La Decade Egyptienne.
فتاريخ إنشاء الصحف في مصر إذن يجب أن يحدد بالحملة الفرنسية.
_________
١ تاريخ جودت: ص٨١ - ٨٤.
٢ راجع تاريخ الطباعة والصحافة في مصر خلال الحملة الفرنسية للمؤلف، القاهرة، سنة ١٩٤١.
1 / 18
ولا يجوز للمؤرخ أن يحدد تاريخ الصحافة المصرية بإنشاء هاتين الصحيفتين؛ لأنهما صحيفتان أجنبيتان وإن ظهرتا في مصر، وإذا كان لكل صحيفة فكرة ولكل جريدة هدف وغاية، فأهداف هاتين الدوريتين تجعلنا نقرر أنهما ليستا من الصحافة المصرية في شيء اللهم إلا المكان الذي صدرتا فيه وهو القاهرة.
صدرت جريدة: "كورييه دون ليجيبت" بعد الاستيلاء على القاهرة مباشرة في ٢٨ أغسطس سنة ١٧٩٨ "فريكتيدور سنة ٦ جمهورية" في حجم كتاب وسط باللغة الفرنسية، وتقطع اللغة التي صدرت بها "لو كورييه" الصلة التي بينها وبين المصريين، فالمصريون في ذلك الوقت لم يكن لهم بهذه اللغة ولا بأصحابها عهد موصول لأسباب لا تغيب عن دارس هذه الحقبة من التاريخ المصري.
وقد حملت هذه الصحيفة أخبار مصر الداخلية وهي الأخبار المحلية في القاهرة والأقاليم، وكان القصد من نشر هذه الأخبار أن يعرف الفرنسيون في القاهرة ما يجري لدى زملائهم في ريف مصر وأقاليمه حيث توزعت فصائل الجيش الفرنسي، وفي ذلك يقول الجبرتي: إن "القوم كان لهم مزيد اعتناء بضبط الحوادث اليومية في جميع دواوينهم وأماكن أحكامهم، ثم يجمعون المتفرق في ملخص يرفع في سجلهم بعد أن يطبعوا منه نسخًا عديدة يوزعونها في جميع الجيش حتى لمن يكون منهم في غير المصر من قرى الأرياف فتجد أخبار الأمس معلومة للجليل والحقير منهم .... "١.
فهدف "كورييه" إذن هو الجنود الفرنسيون أو الجالية الفرنسية التي ينبغي أن تعرف عن طريقها أخبار مصر وشئونها فقد انقطعت الصلة بين فرنسا
_________
١ الجبرتي: عجائب الآثار، ج٣، ص٢٥٤.
1 / 19
وجنودها في مصر، وهذه حقيقة يعلمها قادة الحملة وأعلامها، لذلك هيئوا هذه الصحيفة لجنودهم، على أن تنشر بين آن وآن أخبار فرنسا التي تجيئها خلسة بالرغم من حصار الأسطول الإنجليزي للشواطئ المصرية١. كما أنها لم تغفل أنباء سوريا وفلسطين وأخبار أوربا مطولة أو مختصرة على أنها في هذه الأنباء جميعًا كان تخضع لامتحان من الرقابة الشديدة٢. وأضافت هذه الصحيفة كثيرًا من القصص الغريبة عن مصر ترفيهًا لقرائها وتسلية لهم، وكانت إعلاناتها جميعًا بلا استثناء إعلانات تهم الفرنسيين وحدهم.
وصدرت لاديكاد إجيبسين في أول أكتوبر سنة ١٧٩٨ "فانديمير سنة ٧ جمهورية" وحمل العدد الأول منها افتتاحيته، وهي تقرر اتجاه الصحيفة وهدفها، فهي صحيفة علمية لدراسة شئون مصر، ونشر المسائل الخاصة بالحياة المصرية، واجتماعية وأدبية واقتصادية، وهي صحيفة المجمع العلمي المصري، ويتكون من جماعة من علماء الحملة الفرنسيين ليس بينهم مصري، فهي بمعنى أوضح وثيقة رسمية أو سجل لنشاط الحملة العلمي، تصدر في القاهرة للفرنسيين المقيمين فيها الذين تعنيهم شئون الأدب والاقتصاد أكثر مما تعنيهم شئون الحرب أو أخبار المدن والأقاليم وصور الحياة المصرية العارضة.
ويستطيع المؤرخ للصحافة المصرية أن يحكم في اطمئنان بأن الجريدتين الفرنسيتين اللتين صدرتا في القاهرة خلال الحملة الفرنسية لا تمثلان الصحافة المصرية في شيء ولا تعتبران دعامة لها، وقد شرحنا مبلغًا في تقرير هذه الحقيقة من قوة وصدق، وإنما هما صحيفتان أنشأتهما الظروف وحدها، وهي ظروف بعضها طارئ كما حدث في إصدار "لو كورييه"، وبعضها عرف عن تصميم سابق أدلته هذه الجماعة الضخمة من العلماء والأدباء والشعراء التي صحبت الحملة لتبحث وتنقب وتدرس وتقرر وتثبت هذا كله في مجلة
_________
١ Canivet، Bull. de L lnstitut d Egypte ١٩٠٩ p.١٥، ١٦
٢ Charles- Roux، Bonaparte. Gouverneur d Egyte. Paris
1 / 20
حتى لا يفوت بونابرت فضل غزو الحياة المصرية بدراسة تاريخها وآثارها وأمراضها وإنتاجها كما كان يرجو غزو مصر وتثبيت العلم الفرنسي فيها، وقد نجد في الأولى وأخفق في الثانية.
ولم يحاول بونابرت إنشاء صحيفة عربية في الوقت الذي أنشأ فيه الصحيفتين الفرنجيتين، وهي أجدى عليه وعلى صحبه من جند ومدنيين وعلى فرنسا نفسها في توجيه المصريين وتعميم الحضارة الجديدة التي حملها معه إلى وادي النيل، وهو يكاد يؤمن بهذه الفكرة، فكرة الصحيفة العربية فقد جعل من المطابع العربية إحدى الوسائل التي تصله بالمصريين بما كان يذيعه من منشورات على الجماهير المصرية تلصق "في مفارق الطرق ورءوس العطف وأبواب المساجد"١.
ولم تساعده المطبعة العربية في الاتصال بالمصريين وحدهم، بل كثيرًا ما طبع لأمراء الحج وزعماء العرب وغيرهم في الشرق الأدنى المنشورات والكتب ليكفوا عن قتاله ويصلوه بالود والمعروف٢ وقد كان يستطيع أن يستغنى عن هذا كله بصحيفة ينشرها في مصر فيقرؤها المصريون ويوزعها في البلاد الشرقية ويضمن بها داعية لا ينكر أثره، وأكبر الظن أن ظروفه الحربية وافتقاده المعاونين من المصريين، حال كل ذلك دون تحقيق هذه الفكرة الجميلة، فلما توالى الجنرال منو مكانه، وكان قد أشهر إسلامه وأذاعه بين المصريين خيل إليه أن أمور مصر قد استقرت له، وأن عليه أن يقارب بين أفكار المصريين والفرنسيين، وقد رأى دعاة السوء يحاولون إفساد ما يعمل له من تمكين الصلة بين الشعبين، فاستوضح من صديقه دجنت " Desgenettes" كبير أطباء الحملة أمر الاضطراب الذي يسود العلاقات المصرية الفرنسية جماعة من الفرنسيين المستشرقين وبعض العلماء المصريين، وتوظف هذه الجريدة في تنوير عقول العامة الذين يعدون الإصلاح الفرنسي في مصر
_________
١ الجبرتي: عجائب الآثار، ج٣، ص٢٠.
٢ الجبرتي: عجائب الآثار، ج٣، ص٤٩.
1 / 21
خرافة من الخرافات، فأمر منو بإصدار جريدة التنبيه " L Avertissement" في ٢٦ نوفمبر سنة ١٨٠٠ "فريمير سنة ٩ جمهورية" على أن توزع في جميع أنحاء القطر المصري وفي بلاد اليمن والشام وداخل إفريقيا، وتقوم المطبعة الأهلية بنشرها، ويجيز أمور النشر فيها علماء الديوان حتى لا ينشر ما قد يفسد الغاية منها أو يسيء إلى التقاليد والعادات المتبعة في مصر، على أن يشرف على تحريرها الشيخ الخشاب أحد أعلام الأدب في ذلك الوقت وسكرتير الديوان، فتكون صحيفة إخبارية تنشر أنباء الحكومة وحوادث الديوان المصري وتذيع بعض الحوادث الأوربية والأسيوية العامة كما تعنى بالأدب والفنون والعلوم، ويكون مراقبها العام رئيس إدارة العدل في مصر.
ويعنينا من أمر هذه الجريدة أنها لو صدرت لكانت بحق أم الصحف المصرية جميعًا غير أن الأمل المعقود بظهورها لم يتحقق؛ لأن الظروف المحيطة بمصر إذ ذاك لم تسمح بإخراجها فبقي مرسوم إنشائها معطلًا ولم يعمل به١.
_________
١ تاريخ الطباعة والصحافة خلال الحملة الفرنسية للمؤلف، ص٩٧ - ١٠٨.
1 / 22
الصحافة الرسمية في مصر:
ولي محمد علي شئون مصر في سنة ١٨٠٥ في جو لم يعرف الولاة العثمانيون له شبيهًا من قبل، فقد كان للشعب المصري دخل في هذه التولية فهو الذي طلبها وألح في طلبها، وأقر السلطان هذه الرغبة الشعبية، فآذنت هذه الحالة الجديدة بكتابة صفحة جديدة في تاريخ مصر، ومضى الوالي الجديد يرتب أموره على هذه الحقيقة التاريخية، أي أنه ربط مستقبله وحياته بمستقبل مصر وحياتها، ولم تستطع أساليب الدس في الآستانة وكل مشاكل الأرناءود في القاهرة أن تحول دون ولاية محمد علي لمصر سنة بعد أخرى، ثم قامت الأزمات بين السلطان وواليه وتدخلت الدول العظمى لتصفية الأزمة التركية المصرية تصفية نهائية في سنة ١٨٤٠ وقررت لمحمد علي على ما أقره المصريون من قبل وجعلت له ملك مصر مدى حياته على أن يليه من بعده أعقابه جيلًا بعد جيل.
شهد مصر قبل ولاية محمد علي احتلالًا أجنبيًا مهما يكن أمره فقد برق في حياة المصريين وشغلهم بجديد لم يكن يعرفه الشعب المصري، سواء في الإدارة العامة أو في تفاصيل الحياة المصرية المتباينة، وأصبحت البلاد في مفترق الطرق بعد هذا الاحتلال، يعوزها الاستقرار حتى تتبين ما كان ينوى الفرنسيون صنعه، لذلك لم تختلف كثيرًا الأساليب التي اتبعها محمد علي عن الأساليب التي فرضها الاحتلال الفرنسي، ومن هنا نشأت حاجته إلى الفرنسيين فاستعان بهم لإنشاء مصر الحديثة.
وقد قطعت الحوادث التاريخية في عهد محمد علي بأنه كان مجددًا لمصر في جميع ما صنع في إدارته لها، وأنه كان يدعم نظامه الجديد بما يمكنه من التقدم ويهيئ له أسباب النضج والاستواء، فقد رأى تنظيم مصر إداريًّا في سنة ١٨١٣ فقسم كل مديرية إلى أقسام وعين لكل قسم ناظرًا ولكل مديرية
1 / 23