بدأت الفتوح زمن أبي بكر، وبلغت أوجها زمن عمر، وحدَّها (في الموجة الأولى) زمن عثمان. وكان لعمر الدور الرئيسي في تنظيم معاملة البلاد المفتوحة" (١).
وتقتضي السياسة الشرعية المستمدة من السيرة النبوية استعمال الأصلح في الولايات وإن كان في الرعية من هو أفضل منه في العلم والإيمان (٢)، وقد وضح القرآن أهم صفتين لتولي الأعمال (إنَّ خير من استأجرت القوي الأمين) (٣). والقوة تختلف بحسب تنوع الولاية، فحاجة الولاية العسكرية إلى الشجاعة والخبرة بالحرب وحاجة الولاية السياسية إلى العلم بالعدل ومعرفة أحكام الشرع والقدرة على تنفذها (٤) واجتماع القوة والأمانة في الناس قليل، لذلك يحتاج الخليفة إلى الاستقصاء عنهم، وهو مكلف بتعيين الأمثل فالأمثل إن لم يجد من تتوافر فيه الصفتان (٥).
ويلاحظ أن معظم الولاة في عصر الخلافة الراشدة كانوا من الصحابة، وذلك لتحليهم بصفات ومؤهلات من ناحية، ولثقة الخليفة بهم، واحترام الناس لهم
(١) الدوري: الجزيرة العربية في عصر الخلفاء الراشدين ص ١٩٢ (بحث ضمن بحوث ندوة الجزيرة العربية بجامعه الملك سعود).
(٢) ابن تيمية: السياسة الشرعية ٦، فقد عيَّن النبي ﷺ عثمان بن أبي العاص واليًا على ثقيف لأنه وجده حريصًا على التفقه في الدين وتعلم القرآن، وعين أسامة بن زيد قائدًا لجيش كبير فيه أبو بكر وعمر وصحابة كبار آخرون، وعين خالد بن الوليد قائدًا لجيش فيه قدامى الصحابة عند فتح مكة ... وكل ذلك يدل على تقديم الأصلح للعمل والأقدر عليه وإن كان في الرعية من هو أفضل منه ورعًا وعلمًا وإيمانًا.
(٣) القصص ٢٦.
(٤) ابن تيمية: السياسة الشرعية ١٤، ١٥.
(٥) ابن تيمية: السياسة الشرعية ١٨.