الإهداء
مقدمة
1 - إبكتيتوس: المختصر «النص الكامل»
2 - إبكتيتوس: دراسة وتعليق
الإهداء
مقدمة
1 - إبكتيتوس: المختصر «النص الكامل»
2 - إبكتيتوس: دراسة وتعليق
المختصر
المختصر
ناپیژندل شوی مخ
تأليف
إبكتيتوس
الإهداء
إلى ملهمنا الأخير وبلسمنا المتبقي لنداوي به البشاعة؛ إلى شوبان العود الأستاذ نصير شمة. طائر من الغيب حط على غصننا الواهن في الوقت الخطأ، فما أجازه لدينا سوى أن الفن الحقيقي لا زمن له.
عادل مصطفى
مقدمة
لم يكن فردريك الأكبر يذهب في حملة عسكرية، إلا وهو يحمل في حقيبته نسخة من «المختصر».
جيمس ستوكدال
في مدرسته الفلسفية في نيقوبوليس يقف هذا الشيخ النحيل بين تلامذته من صفوة الشبيبة الرومانية، مكللا بتواضعه، مدججا بصدقه، مسيجا بحيائه. وجوده كله ينبض في كلماته، كلماته المتوهجة التي تضج بالحياة وتكتنز بالمعنى وتغنى بالجمال عن الزينة. فيتلقفها تلميذه النابه فلافيوس أريانوس وينزلها في الرق كما هي حريصا عليها ضنينا بها. ثم لا يجد بدا من الإشراف على نشرها بنفسه وقد علم أن الشراكة في الحكمة لا تنقصها، وأن تحريك الرياحين يزيدها طيبا.
ذلك هو إبكتيتوس الفيلسوف الرواقي الذي نبه شأنه في النصف الثاني من القرن الأول الميلادي والثلث الأول من القرن الثاني؛ وكانت حياته صورة لفكره، ورفع نفسه من العبودية والبؤس إلى أعلى مدارج الحياة العقلية والروحية: «عبد، أعرج، معوز، ولكن عزيز لدى الآلهة» كما نقش على شاهد قبره.
ناپیژندل شوی مخ
أحبه الإمبراطور هادريان وآثره، وقيل إنه زار مدرسته في نيقوبوليس. واقتبس منه الإمبراطور ماركوس أوريليوس كثيرا في «التأملات»، وكتب فيها: «إنني لمدين لرستيكوس بتعرفي على «محادثات إبكتيتوس» التي تفضل علي بنسخته الخاصة منها» (التأملات، 1-7). ويذكره أوريجين ويقول عنه: إنه عمل خيرا مما عمله أفلاطون! كما أثنى عليه القديس أوغسطين في الفصل الخامس من «مدينة الله». أما بليز بسكال، أحد أمراء البيان في كل العصور، فكان يعد «محادثات إبكتيتوس» أحد أعز كتابين لديه. ويعتبره ماثيو أرنولد واحدا من ثلاث شخصيات تاريخية
1
هي الأكثر إلهاما له وعونا في الأوقات العصيبة.
يسأل قارئ «المحادثات» و«المختصر»: من أين لهذا الشيخ الواهن كل هذه الإمرة، وهذا السلطان على طلبته من علية الرومان؛ حكام العالم في ذلك الزمان؟!
ذلك شيء لا يكون إلا علويا. تلك إمرة العقل وسلطان الحكمة، إنه ليرأم الشاب الفتي ويلقي القول على قلبه فيقلم عتوه ويذهب بشرته، ويعده لدوره، ويشكله بفلسفته، ويؤتي فيه أثره كأن قلبه في يده وقلوب الشباب في ضلاله:
الزم الصمت فثمة خطر كبير بأن تقيء في الحال ما لم تهضمه.
مدرسة الفيلسوف مشفى لا يفترض أن يروح منه الطلاب في لذة بل في ألم.
يظن الكثيرون أن الحر فقط هو من ينبغي أن يتعلم، بينما يرى الفلاسفة أن المتعلم فقط هو الحر.
لكل نوع من الكائنات جماله، وجمال الإنسان في الجانب الإنساني منه: العقل. وفي هذا فلتعمل التطرية والتهذيب. أما شعرك فدعه لمن جبله وفق اختياره.
إننا نتحدث عن أنفسنا كأننا معدات أو أمعاء أو سوءات، فنخاف ونرغب ونتملق الذين يقدرون على مساعدتنا في هذه الأشياء ونخشاهم أيضا.
ناپیژندل شوی مخ
لا أحد يرسم أمامه دريئة من أجل أن يخطئها!
أنت روح ضئيلة تضطرب هنا وهناك حاملة جثة.
لقد فزت بخير من الوليمة التي فاتتك؛ فزت بإعفائك من التزلف.
ليست الأشياء ما يكرب الناس، بل فكرتهم عن الأشياء.
من يرض بالعيش حيثما وضعه الله فإنه على استعداد لمغادرة مسكن الروح إذا كان البيت مليئا بالدخان.
هو إن كان حاذقا فسيعرف جدارتك. أما إن كان غير حاذق فلن يقدرك وإن كتبت إليه مائة توصية.
لا تغضب إذا باح لك المعلم بحقيقة جهلك. وهل تغضب من الطبيب إذا أخبرك بحقيقة مرضك؟ أو من المرآة إذا عكست لك حقيقة منظرك كما هو؟!
صحبة الفلاسفة خير من صحبة الأغنياء. لن يلحق بك خزي إذا أنت شوهدت على أبواب الفلاسفة، ولن تعود أدراجك خاوي الوفاض.
الخائن منبوذ يفر منه الجميع فرارهم من الزنابير.
لا تقل «فقدته» ... قل «رددته».
ناپیژندل شوی مخ
فهل يهمك بوساطة من استرد منك الواهب ما أعطى؟!
محصن بالفلسفة ... لا حد بعد الحد ... التعفف امتلاك مضاعف ...
يسري القول في مسمع الفتى من هؤلاء مسرى النسغ في النبتة ، فيشيع فيه ويمس ضميره، ويتحول إلى كيان عضوي، إلى حياة. (1) عدتك في المحن
يقول برتراند رسل في «تاريخ الفلسفة الغربية»: ثمة صدق وبساطة عظيمان في الكتابات التي تسجل تعليم إبكتيتوس. وإن أخلاقه لرفيعة وعلوية. وقلما يجد المرء أي تعاليم تفوقها إسعافا له حين يكون في موقف يقتضيه في المقام الأول أن يقاوم سلطة مستبدة.
2
يعلم إبكتيتوس أن ليس ثمة من أذى حقيقي يمكن أن يلحق بالمرء إلا ما يجره العقل على نفسه (حين يخطئ في أحكامه على الأشياء). الضرر لا يكون إلا ذاتيا.
3
ليس ثمة معنى لأن يكون المرء ضحية لغيره؛ فالمرء لا يمكن أن يكون ضحية إلا لنفسه! إذا مثلت أمام جبار الأرض فتذكر أن هناك من يرنو من الأعالي إلى ما يجري وأن عليك أن ترضيه لا أن ترضي هذا الإنسان. وتذكر قول سقراط: «بوسع أنيتوس وميليتوس بالتأكيد أن يقتلاني. أما أن يؤذياني فذاك ما ليس في وسعهما.» واختم مرافعتك بقولك: «أنا لن أتضرع إليك، ولن أبالي بالحكم الذي ستتخذه (فأنت الذي على المحك الآن!) إنما أنت من يحاكم الآن وليس أنا» (المحادثات، 2-2).
كن على يقين من الموت؛ فذلك أمر لا حيلة فيه. ولكن احترس من «الخوف من الموت»؛ فذلك أمر في قدرتك. «من التعس أن تنضج أكواز الذرة ثم لا تحصد، ومن التعس أن يكبر الإنسان ثم لا يموت» (المحادثات، 2-6). «جميع الطرق الموصلة إلى هاديس
4
ناپیژندل شوی مخ
متساوية. ولكن إن شئت الحقيقة فإن طريق الطاغية مختصرة. الطاغية الذي يحكم عليك بالقتل؛ فلم نعرف طاغية قتل إنسانا في ستة أشهر، أما الحمى فكثيرا ما تستغرق عاما لكي تقتل. كل هذه الأشياء مجرد لغط وضجة أسماء فارغة» (المحادثات، 2-6). (2) مهرجان الوجود «ماذا بوسعي أن أفعل، أنا الرجل المسن الأعرج، سوى أن أكبر الله. لو كنت عندليبا لقمت بمهنة العندليب. ولو كنت تما لقمت بمهنة التم.
5
ولكني كائن عاقل، فينبغي أن أكبر الله. هذه مهنتي، وأنا مؤديها، ولن أتنحى عنها ما حييت.» وما هو بالهين هذا الدور الذي أؤديه؛ فإذا كان الكون كتابه والخلائق كلماته، فإن القراءة قراءتي والفهم فهمي والتأويل تأويلي. فحمدا لزيوس على أن دعاني إلى مهرجان الوجود، وجعلني مشاهدا للعرض الرائع، بل ومؤولا له. وماذا علي إذا صرفني بعد انقضاء مدتي المقدرة؟ لا شيء. سأغادر مرضيا، وأنصرف دون تلكؤ، وما أزال أرضى بقضائه حتى أجعل مقدوره إرادتي، ومحتومه اختياري. (3) عصا هرمس ... الإرادة الخيرة
عاتب أخاك بالإحسان إليه، واردد شره بالإنعام عليه.
الإمام علي
الإرادة الخيرة تحول كل الشرور الخارجية إلى خير صميم ومادة لممارسة الفضيلة. هل تكالبت عليك المتاعب وتعاورتك الخطوب؟ هذه مناسبة لممارسة الصبر والجلد. هل أساء إليك جارك؟ تلك فرصة لتدريب وجدانك على العفو والصفح والإحسان. جرب هذا السلاح الجديد الذي يلقف كل الأسلحة المضادة، ويرد إليك عدو الأمس صديقا مخلصا ووليا حميما.
هذه هي «عصا هرمس» السحرية التي تحول كل شيء تمسه إلى ذهب. «إذا ألم بي أي شيء من هذه الأشياء فما زال بوسعي أن أفيد منه خيرا» (المختصر، 18). هات ما شئت ولسوف أحيله إلى خير: المرض، الموت، الفقر، السب، السجن؛ كل أولئك يصير مادة لعمل الإرادة، تستخلص منه الخير وتصنع منه السعادة!
لقد تعرض إبكتيتوس في مستهل حياته لأبلغ ضروب القسوة والغلظة، ورأى الفساد والطغيان رأي العين، فما استكان لما لاقى ولا جزع، بل استخلص منه حكمة وورعا بسطا ظلهما على عصره وأصبحا مضرب الأمثال في كل العصور: «بم ينبغي على المرء أن يتسلح في مثل هذه الظروف؟ أيكون بشيء آخر غير التمييز بين ما لي وما ليس لي؟ بين ما بوسعي وما ليس بوسعي؟ ينبغي أن أموت، ولكن هل يعني ذلك أنني ينبغي أن أموت نائحا؟ ينبغي أن أصفد بالأغلال، ولكن هل ينبغي أيضا أن أئن وأعول؟ ينبغي أن أنفى، ولكن من ذا الذي يمنعني من أن أذهب إلى المنفى مبتسما منشرحا وادعا؟!» (المحادثات، 1-1). «المرض إعاقة للبدن، ولكن ليس للإرادة، إلا إذا شاءت الإرادة ذلك. العرج إعاقة للأرجل وليس للإرادة. وقل الشيء نفسه عن كل شيء يحدث، فلسوف تجده إعاقة لشيء آخر، ولكن ليس لك أنت» (المختصر، 9). أرني رجلا برغم المرض فهو سعيد، وبرغم الخطر فهو سعيد، وبرغم السجن فهو سعيد، أكن قد رأيت رواقيا.
خلاصك وتلفك كلاهما يقبع داخلك. كلاهما قرارك الخاص. «سدة القضاء عالية وغيابة السجن واطئة. غير أن بوسع الإرادة أن تبقى متكافئة إذا اخترت لها ذلك في الحالين، وستكون سقراطا
6
ناپیژندل شوی مخ
إذا استطعت أن تكتب أناشيد شكر وأنت في السجن» (المحادثات، 2-6). (4) العلاج الفلسفي
نحن مسئولون عن انفعالاتنا.
الانفعالات أحكام (أو تضمر أحكاما) قبلناها بإرادتنا وصدقنا عليها باختيارنا.
الانفعالات تقييمات، تقديرات، طرائق في إدراك العالم والحكم على الأشياء.
والتأمل العقلي يتيح لنا مراجعة الأحكام المبتسرة حول ما رأيناه إهانة أو فقدانا، من شأن هذه المراجعات «المعرفية» أن تخلصنا من قبضة «الانفعالات» السلبية. «الموت ليس مريعا ... وإنما المريع هو الحكم بأن الموت مريع» (المختصر، 5). «من شتمك أو ضربك لم يهنك، وإنما الذي أهانك هو حكمك بأن هذه الأشياء إهانة» (المختصر، 20). «لا تحدث نفسك بأن هذه الأشياء ضرورية ولن تعود ضرورية» (المحادثات، 4-1). «ليس لزاما أن نتخلص من الفقر، بل أن نتخلص من فكرتنا عن الفقر، ولسوف نكون بخير حال» (المحادثات، 3-17).
صحح الفكر يصح الانفعال.
فكرة رواقية بسيطة تلقفها السيكولوجيون المعاصرون فجعلوا منها مدارس علاجية وطيدة وصيحات سيكوباثولوجية رائجة، تقوم على تغيير الانفعالات المرضية (الاكتئاب، القلق، الخوف، الهلع ...) بتغيير الفكر، عملا بقول شيشرون «أعمل مجاذيف الفكر إذا شئت أن تحول النفس.»
7 (5) الاكتفاء بالفضيلة
كفى بالقناعة ملكا، وبحسن الخلق نعيما.
الإمام علي
ناپیژندل شوی مخ
الاكتفاء بالذات، السيادة على الذات: هذا هو الدرس الرواقي الأول، وهذا هو الترياق الناجع ضد الروح المادية الاستهلاكية البائسة التي تسود المشهد المعاصر. «أما أن تفغر فمك وما تنفك تلهث وراء الأشياء الخارجية فلا مناص لك من أن تهرول هنا وهناك وفقا لإرادة سيدك، من هو سيدك؟ هو من يملك أن يمنح تلك الأشياء أو يمنعها» (المحادثات، 2-2).
اللذة، والمال، والمجد، أشياء رواغة وغير مضمونة، والمراهن عليها خاسر وإن ربح. إننا نعيش في عالم «هيراقليطي» دائب التدفق، لا ثابت فيه إلا التغير. ولكي نظفر بالسعادة فإن علينا ألا نتشبث بما هو بطبيعته عابر وصائر ومفلت، علينا ألا نهدهد رغباتنا بل نقتلها، ألا نغنى بالأشياء بل عنها. «أشرف الغنى ترك المنى.»
8
والنفس تكلف بالدنيا وقد علمت
أن السلامة منها ترك ما فيها
الفضيلة هي الخير الوحيد. الفضيلة غاية في ذاتها، وليست وسيلة إلى أي شيء آخر. الفضيلة ثواب ذاتها، لست مضحيا بشيء حين تترك كل شيء من أجل الفضيلة.
لا تدعه سعيدا من اكتسب شيئا بطريقة ممقوتة ومغثية لك. وماذا ارتكبت العناية إذ تعطي ما هو أفضل لمن هو أفضل؟ ألا تفضل أن تكون شريفا على أن تكون غنيا؟ لماذا تغضب إذن ما دمت تحظى بالأفضل؟ للأعلى دائما ميزة على سواه في الشيء الذي فيه علا، إنما العبرة في أن يصح العزم على أمر صائب (المحادثات، 2-15):
كم حكمة هي جهل
وغفلة هي فخر
9
ناپیژندل شوی مخ
الشخص الذي سرق مصباح إبكتيتوس كان أكثر منه يقظة، ولكنه اشترى المصباح بثمن باهظ؛ بالصيرورة لصا!
فيم غضبك على البعض؟ لأنهم يغشون وينهبون وينافقون؟ لقد ارتكبوا خطأ في فهم طبيعة الخير والشر. ذلك أدنى أن ترثي لهم وتشفق عليهم وتظهرهم على خطئهم، لا أن تبغضهم وتلعنهم وتهجرهم. فإذا فشلت في ذلك فتحمل ضريبة فشلك: السماح والعفو!
كل إثم تناقض؛ لأن أولئك الذين يأثمون لا يرغبون في ذلك. إنهم يريدون تحقيق مصلحتهم (خيرهم)، ولكن هل هم يحققونها؟ كلا؛ فالخير الوحيد هو الفضيلة. لقد ارتكبوا تناقضا، الملكة العاقلة تبغض التناقض. اكشف لها تناقضا ولسوف تقلع عنه. فإذا فشلت فاعتب على نفسك لا على من فشلت في إقناعه. (6) الواجب المدرسي الرواقي
لسانك يقتضيك ما عودته.
10
السجايا والسمات ترسخ ذاتها بمعنى ما: التوقح يرسخ الوقاحة، والغدر يوطد الغدر، والتطفيف في الأخذ والعطاء يجعل الجشع أكثر جشعا. من هنا تأتي أهمية التدريب والاعتياد. يوصينا الفلاسفة بألا نكتفي بالتحصيل والدرس بل نقرنهما بالفعل والممارسة. لقد طال اعتيادنا للأفعال والاستجابات السلبية حتى تحولت إلى عادة تزداد صلابة بالتكرار والتواتر. وطال اعتيادنا للانفعالات العنيفة حتى أصبحت طبيعة ثانية: «إن الحديد بالحديد يفلح.»
11
ولا يفل العادة إلا العادة المضادة: التدريب، هذا هو الواجب المدرسي الرواقي. إذا كنت غضوبا نكدا فإن علي أن آخذ نفسي بالتدريب على التسامح والعفو، وأن أفرح بكل يوم يمر وقد أمكنني أن أقابل الإساءة بالإحسان والإهانة بالصفح. فإذا مر شهر وصفحتي نقية من النزق والغل أكون قد أحرزت تقدما على الدرب وآتيت برا بنفسي. (7) المواجدة ومواطنة العالم
لا وطن إلا للكراهية والأنانية. الأخوة لا وطن لها.
لامارتين
ناپیژندل شوی مخ
ليس بلد أحق بك من بلد، خير البلاد ما حملك.
الإمام علي
لماذا تضيق على ذاتك دائرة الانتساب حتى تختنق بنفسك وتشرق بريقك؟! كن «مواطن العالم». مواطنة العالم لا تنفي ولاءك لوطنك المحلي بل تطهر هذا الولاء وتنقذه من التعنت والتزمت والشوفينية البلهاء.
12
تعلم كيف تضع نفسك موضع هذا الآخر المغاير ... كيف «تضع قدمك في حذائه» ... كيف تغمد نفسك، تقمصا وخيالا، في ظروفه وأوضاعه وطباعه، وترى الوجود في زاويته. تعلم «مقايضة المواقع في المخيلة» بتعبير آدم سميث. تلك هي «المواجدة»
empathy ، ملاك الذكاء الانفعالي، وقوام الكوزموبوليتانية الرواقية، وشرط الاندماج في عصر العولمة؛ فالعالمية ليست وقفا على الاقتصاد، بل تشمل مجتمعنا الأخلاقي أيضا.
13
ولسوف تطرفك هذه المواطنة الرحبة بهداياها: أشقاء جدد، بيض وسود، رجال ونساء، أحرار وعبيد، إخوتك الذين لا تعرفهم، أحبائك الذين حجبتهم عنك غمامة القبيلة. عانق، إن كان عطفك قد جف فلسوف يدر مرة ثانية ويغمرك بالدفء والغبطة، بل تعرف على نفسك فيهم فأنت لن تعرف ذاتك إلا عبرهم!
بالصفاء والانفتاح؛ صفاء الرؤية وانفتاح الروح، يتمدد نطاقي الخاص، ويضيف إليه أصقاعا ويضم ممالك. (8) المختصر «المختصر»
14
ناپیژندل شوی مخ
Manual (Enchiridion)
هو لمع من «المحادثات» اقتبسها أريان ودونها بصياغة محكمة فصارت، شأن «المحادثات»، من عيون التراث الغربي وروائعه الخوالد.
لا يغني «المختصر» عن قراءة «المحادثات».
15
غير أنه يسعف القارئ المعاصر، المتعجل المقل، و«ما لا يدرك كله لا يترك كله.» كما أن «المختصر» قد حفظ لنا نتفا من «المحادثات المفقودة»؛ أي من الأبواب الأربعة التي قيل: إنها فقدت من الأبواب الثمانية الأصيلة للمحادثات، ولسنا نجدها حقا في المحادثات المتوافرة لدينا. وبهذا الاعتبار يمكن القول أيضا بأن قراءة «المحادثات» لا تغني عن قراءة «المختصر».
كان «المختصر» كتابا مفضلا لدى بعض المسيحيين الأوائل، وقد صار، مع تغيير طفيف لبعض الكلمات، ضربا من الدليل المرشد عند القديس نيلوس وعند نساك جبل سيناء.
16
ويقول جيمس ستوكدال في محاضرته «شجاعة تحت النيران - اختبار مبادئ إبكتيتوس في مختبر للسلوك البشري»: «أنبأني رينلاندر أن فردريك الأكبر لم يكن يذهب في حملة عسكرية إلا وهو يحمل في حقيبته نسخة من «المختصر».»
17 (9) الدرس الأخير: تملك الأفكار
بحسبك من حديث عما يكونه الرجل الصالح؛ كن رجلا صالحا.
ناپیژندل شوی مخ
ماركوس أوريليوس
ولست أعتد للفتى حسبا
حتى يرى في فعاله حسبه
البحتري
آية الهضم التام أن يتحول المهضوم إلى الهاضم. فأنت، كما يقول بياجيه، حين تهضم الملفوف فإنك تحوله إلى أنسجتك وبنائك العضوي ولا تتحول أنت إلى ملفوف!
وكذا أيضا يقول إبكتيتوس. إنه يهيب بالطالب ألا يتعجل ادعاء العلم والتصدي لوعظ الناس قبل أن «يتملك»
appropriate
أفكاره تملكا حقيقيا و«يتمثلها»
assimilate
تمثلا تاما: «لا تقل أبدا إني فيلسوف، ولا تكثر الحديث بين الجهال عن نظرياتك، بل بينها بالأفعال. فإذا كنت في وليمة فلا تقل كيف ينبغي الأكل بل كل كما ينبغي ... وإذا دار أي حديث بين الجهال حول أي نظريات فلسفية فالزم الصمت دائما؛ فثمة خطر كبير بأن تقيء في الحال ما لم تهضمه. وعندما يأتي اليوم الذي يقال لك فيه: إنك لا تعرف شيئا، فلا يثير ذلك غضبك ولا سخطك - فثق عندئذ أنك قد وضعت قدمك على بداية طريق الحكمة.
ناپیژندل شوی مخ
ذلك أنه حتى الخراف لا تقيء عشبها لكي تري الرعاة كم أكلت، بل عندما تهضم الكلأ داخلها فإنها تخرجه صوفا ولبنا. أنت أيضا لا تظهر النظريات للجهال بل الأفعال الناتجة عن النظريات بعد أن يتم هضمها» (المختصر، 36). «لا تلق على الناس مواعظ فلسفية، بل أرهم في نموذجك الخاص أي صنف من البشر تصنع الفلسفة، وكف عن العبث» (المحادثات، 3-13).
من شأن الفكر الذي تتملكه حقا أن يتحول من جلبة مسموعة إلى مشهد مرئي.
أن يتجلى في أفعالك.
ويذوب في كيانك.
ويغيب فيك.
عادل مصطفى
الفصل الأول
إبكتيتوس: المختصر «النص الكامل»
(1) ما في قدرتنا وما ليس في قدرتنا
من الأشياء ما هو في قدرتنا وطوقنا، ومنها ما ليس في قدرتنا وليس لنا به يد؛ فمما يتعلق بقدرتنا: أفكارنا ونوازعنا ورغبتنا ونفورنا، وبالجملة كل ما هو من عملنا وصنيعنا، ومما لا يتعلق بقدرتنا أبداننا وأملاكنا وسمعتنا ومناصبنا، وبالجملة كل ما ليس من عملنا وصنيعنا.
ناپیژندل شوی مخ
أما الأشياء التي في قدرتنا فنحن بطبيعتنا أحرار فيها، لا حائل بيننا وبينها ولا عائق، وأما الأشياء التي ليست في قدرتنا فهي أشياء هشة وعبودية وعرضة للمنع وأمرها موكول لغيرنا.
تذكر إذن أنك حين تأخذ ما هو بطبيعته مملوك على أنه حر، وما هو موكول لغيرك على أنه لك، فلسوف تخيب وتأسى وتنخذل، ولسوف تلوم الآلهة والبشر. أما حين لا تأخذ إلا ما هو لك على أنه لك، وحين تدع ما هو لغيرك على أنه، حقا، لغيرك، فلن يكون لأحد سلطان عليك، ولن يصدك أحد عن سبيلك، ولن تلوم إنسانا ولن تتهم أحدا، ولن تفعل أي شيء غصبا، ولن يضرك أحد، ولن يكون لك عدو إذ لا يمكن أن يمسك أذى.
إذا كنت تصبو إذن إلى مثل هذه الأشياء العظيمة فتذكر أنك لن تشتريها بثمن قليل، إنما سيتعين عليك أن تتخلى عن بعض الأشياء كل التخلي، وأن ترجئ الأخرى في الوقت الحاضر. أما إذا كنت تريدها وتريد معها النفوذ والثروة أيضا، فلربما تخسر حتى هذه الأشياء نفسها (النفوذ والثروة) لأنك صبوت أيضا إلى تلك (الأشياء العظيمة). يقينا سوف تفوتك تلك الأشياء التي بها وحدها تتحقق السعادة والحرية.
فليكن دأبك إذن منذ البداية أن تقول لكل «انطباع» مزعج: «أنت مجرد انطباع، ولست بأي حال ذلك الشيء الحقيقي الذي تمثله.» ثم افحصه وقدره بتلك المعايير التي لديك، وأولها هذا: أيتعلق هو بالأشياء التي في قلوبنا أم بالأشياء الخارجة عن إرادتنا؟ فإذا كانت الأخيرة فكن على استعداد لأن تقول بأن هذا الانطباع لا يعنيك في شيء.
1 (2) الرغبة والنفور
تذكر أن الرغبة تتطلب حصولك على ما أنت راغب فيه، وأن النفور يتطلب تجنبك لما أنت نافر منه؛ أن من يفشل في بلوغ الشيء الذي يرغب فيه هو محبط، ومن يحيق به الشيء الذي يتجنبه فهو شقي. إذن لو أنك لا تجتنب إلا تلك الأشياء المكروهة التي في قدرتك اجتنابها فلن يلم بك أي شيء تعافه. أما أن تجتنب المرض أو الموت أو الفقر فسوف تعرض نفسك للشقاء. فلتقض في نفسك إذن على كل رهبة من الأشياء التي ليست في قدرتك، وليكن نفورك فقط من الأشياء المكروهة التي في قدرتك اجتنابها؛ على أن تلجم في نفسك كل رغبة في اللحظة التي أنت فيها؛ ذلك أنك لو رغبت في أي من الأشياء التي ليست في قدرتنا فمن المحتم أن يخيب أملك وأنت لم تنل بعد تلك الأشياء التي في قدرتنا والتي هي جديرة بالرغبة.
2
ولكن استخدم فقط ملكة النزوع المناسب «إلى» الشيء و«عنه»، وحتى هذه استخدمها بقدر وبلطف وتحفظ.
3 (3) تذكر بقية الخصائص
فيما يتصل بأي شيء لك فيه بهجة أو منفعة أو تحبه حبا جما لا تنس أن تضيف هذا إلى مواصفاته: «ما هي طبيعة هذا الشيء؟» بادئا من أدناها شانا. إذا كنت شغوفا بكوب فخاري معين قل لنفسك إنه كوب من الفخار؛ ومن ثم فإذا انحطم لم تأسف لانحطامه. وإذا كنت تقبل ولدك أو زوجك فقل: إنه كائن إنساني هذا الذي تقبله؛ ومن ثم فإذا مات طفلك، أو زوجك، لم تذهب نفسك عليهم حسرات.
ناپیژندل شوی مخ
4 (4) الانسجام مع الطبيعة مطلبي أيضا
إذا كنت معتزما القيام بعمل ما، ذكر نفسك بطبيعة هذا العمل. فإذا كنت ذاهبا لكي تستحم فتمثل في نفسك ما يحدث في الحمامات العامة؛ ثمة من يرشش الماء، والبعض يتدافعون بالمناكب، وآخرون يسب بعضهم بعضا، وهناك من يسرق. وهكذا سوف يتسنى لك الاضطلاع بشأنك على نحو آمن إذا قلت لنفسك: لقد اعتزمت الآن أن أغتسل وأن أحفظ إرادتي في انسجام مع الطبيعة. وليكن هذا دأبك في أي عمل آخر؛ فبذلك إذا ألمت بك في اغتسالك أي عوائق سيمكنك أن تقول: «لم يكن مقصدي الاغتسال فحسب، بل قصدت أيضا أن أحفظ إرادتي في انسجام مع الطبيعة، ولن يكون لي أن أحفظها هكذا إذا أنا تبرمت مما يحدث.» (5) الأحكام هي ما يكرب
5
ليست الأشياء ما يكرب الناس ولكن أحكامهم عن الأشياء. الموت مثلا ليس مريعا، وإلا لكان سقراط أيضا رآه كذلك. وإنما المريع هو الحكم بأن الموت مريع؛ لذا فعندما ينتابنا الإحباط أو الاضطراب أو الحزن فإن علينا ألا نلوم غير أنفسنا؛ أعني غير أحكامنا نحن. أن يلوم المرء الآخرين على ما أصابه ... ذلك من شيمة الجاهل. أما بداية العلم فأن تلوم نفسك، وأما تمام العلم فألا تلوم نفسك ولا غيرك.» (6) استخدام الانطباعات
إياك أن تزدهي بمناقب سواك. إذا قال الفرس في خيلائه: «أنا جميل.» فإن بطوقنا أن نحتمله. أما إذا اخذك العجب فقلت: «عندي فرس جميل.» فاعلم أنك إنما تفتخر بمزية تخص الفرس.
6
ما الذي يخصك إذن؟
استخدامك للانطباعات.
فإذا ما استخدمت الانطباعات بما يوافق الطبيعة ربما يحق لك عندئذ أن تفتخر، ما دام افتخارك هو بشيء يخصك. (7) انتبه إلى القبطان
مثلما يحدث حين ترسو سفينتك في رحلتها بعض حين بأحد الموانئ: إذا ذهبت لكي تشرب فقد يطيب لك في الطريق أن تلتقط قوقعة من هنا أو كمأة من هناك. غير أن فكرك وانتباهك ينبغي أن يكونا ملتفتين دوما إلى السفينة، مرتقبا نداء القبطان للإبحار. هنالك يتعين عليك أن تلقي بكل هذه الأشياء وإلا فسوف تربط ويلقى بك في السفينة كالشاة. كذلك الأمر في الحياة: فإذا وهبت، بدلا من القوقعة أو الكمأة، بزوجة أو ولد، فلا بأس. ولكن إذا ما نادى القبطان فإن عليك أن تهرع إلى السفينة، تاركا إياهما، غير مكترث بأي منهما، أما إذا كنت شيخا طاعنا في السن فإياك أن تبتعد عن السفينة، وإلا فلن تكون قادرا لحظة الاستدعاء على المجيء في الموعد.
ناپیژندل شوی مخ
7 (8) أرد ما يكون
لا تطلب من الأشياء أن تجري مثلما تريد، بل اطلب أن تجري الأشياء مثلما تجري، وبذلك تمضي حياتك في سكينة وسلام.
8 (9) الإعاقة الخارجية
المرض إعاقة للبدن، ولكن ليس للإرادة، إلا إذا اختارت الإرادة ذلك.
العرج إعاقة للأرجل، وليس للإرادة.
وقل الشيء نفسه عن كل شيء يحدث، فلسوف تجده إعاقة لشيء آخر ولكن ليس لك أنت. (10) الملكة المطلوبة
لدى كل شيء يعرض لك فتش في نفسك عن الملكة التي تعينك على استخدامه.
إذا عرض لك شخص مغر أو مليح فستجد أن التعفف هو الملكة المطلوبة.
إذا فرض عليك عمل شاق ستجد الجلد.
إذا نالتك إهانة فستجد الصبر.
ناپیژندل شوی مخ
وهكذا إذا وطنت نفسك على ذلك، فلن تجرفك المظاهر وتغلبك على أمرك. (11) رد الودائع
فلقد استرجعت الوديعة، وأخذت الرهينة.
الإمام علي، عند دفن فاطمة الزهراء
لا تقولن لشيء: «إني فقدته»، بل قل «إني رددته».
هل مات ولدك؟ لقد استرد.
هل ماتت امرأتك؟ لقد استردت.
هل أخذت ممتلكاتك؟ ألم تسترد هذه أيضا؟
9
لعلك تقول: «إن من أخذها مني لشرير.» فهل يهمك بوساطة من استرد منك الواهب ما أعطى؟! فما دام قد أعطاكها فتعهدها كشيء يخص غيرك، تماما مثلما يتعامل عابرو السبيل مع النزل.
10 (12) ثمن الصفاء
ناپیژندل شوی مخ
إذا شئت أن تحرز تقدما فلتقلع عن مثل هذه الاستدلالات: «إذا أهملت شئوني فلن أجد لي سندا.» «ما لم أقوم خادمي فسوف يسوء حاله.»
فلأن تموت جوعا، فتشفى بذلك من الأسى والخوف، خير لك من أن تعيش غنيا معتكر المزاج. ولأن يكون خادمك سيئا خير لك من أن تكون أنت تعيسا.
فلتبدأ من أصغر الأشياء: انسكب شيء من الزيت؟ سرق النبيذ؟ قل: «هذا ثمن خلو البال وصفاء النفس، ولكل شيء ثمن.»
إذا ناديت خادمك، فاذكر أنه قد لا يجيبك. وإذا أجابك فقد لا ينفذ ما تريده. غير أنه ليس من السطوة بحيث يكون بمقدور مثله أن يعكر صفوك. (13) إما الطبيعة وإما الأشياء الخارجية
إذا شئت أن تحرز تقدما فلا تستنكف أن تبدو بليدا ساذجا تجاه الأمور الخارجية. لا ترغب في أن يظنك الناس عليما بأي شيء . وإذا بدا للبعض أنك ذو شأن فلا تثق في نفسك. ولتعلم أنك لا يمكنك أن تبقى منسجما بإرادتك مع الطبيعة، وأن تضمن لنفسك الأشياء الخارجية في الوقت نفسه؛ ذلك أن المرء إذا اهتم بهذه فلا مناص له من أن يهمل تلك. (14) ما السيد؟ وما العبد؟
من السخف أن تطلب لأبنائك وزوجك وأصدقائك البقاء إلى الأبد؛ فذلك يعني أنك تريد أن يكون في قدرتك ما ليس في قدرتك، وأن يكون من ممتلكاتك ما ليس من ممتلكاتك. وهكذا إذا تطلبت من خادمك ألا يخطئ فأنت أحمق؛ لأنك تتطلب من الرذيلة ألا تكون رذيلة بل تكون شيئا آخر.
أما إذا أردت ألا يخيب رجاؤك فبوسعك ذلك: أن تنصرف إلى ما هو بإمكانك. إنما السيد هو من يملك سطوة على المسود فيحدد له ما يريده وما لا يريده، ويعطيه هذا ويمنع عنه ذاك. من يرد أن يكون حرا إذن فليكف عن أن يرغب في أي شيء أو يتجنب أي شيء في قدرة غيره، وإلا فإنه يكون لا محالة عبدا.
11 (15) سلوك المآدب
تذكر أنك ينبغي أن تسلك في الحياة مثلما تسلك في مأدبة، هل دار عليك أي صنف؟ فامدد إليه يدك ونل منه قسطك باعتدال. هل فاتك؟ فلا تستوقفه، ألم يأت بعد؟ فلا تمدد إليه رغبتك بل انتظر حتى يصل إليك.
افعل ذلك فيما يتعلق بالأطفال والزوجة والمناصب العامة والثروة، ولسوف تكون في النهاية جديرا بالمشاركة في ولائم الآلهة.
ناپیژندل شوی مخ
فإذا تعففت حتى عما وضع قبالتك وكنت قادرا على ازدرائه، فلن تكون شريكا فقط في ولائم الآلهة بل في ملكهم.
12
فبهذا المسلك صار ديوجين وهيراقليط وأضرابهما إلهيين عن حق، ولقبوا بذلك. (16) لا تنح في داخلك
إذا ما رأيت شخصا يبكي متحسرا، لفراق ولد أو لوفاته، أو لفقدان ممتلكاته، فاحذر أن يأخذك الظاهر بعيدا فتظن أن الأضرار الخارجية هي ما يبكيه، بل اذكر في الحال أن «ما يكرثه ليس الحدث؛ فمثل هذا لا يكرث غيره، بل فكرته عن الحدث.»
لذلك لا تدخر وسعا في أن تواسيه بالكلمات ، بل أن تنوح معه إذا أمكن ذلك، ولكن احذر أن تنوح أيضا في دخيلتك.
13 (17) ممثل في مسرحية
14
تذكر أنك ممثل في مسرحية تمضي مثلما يشاء لها المؤلف؛ قصيرة إذا شاء لها القصر، وطويلة إذا شاء لها أن تطول. إذا راقه أن تلعب فيها دور شحاذ فإن عليك أن تؤديه أداء طبيعيا. وقد يريدك أن تؤدي دور أعرج أو مسئول حكومي أو صاحب عمل خاص. وأيا ما كان دورك، فهذه مهمتك: أن تجيد أداء الشخصية المقيضة لك. أما اختيار الشخصية فليس هذا من شأنك. (18) نذر الشؤم
إذا تصادف أن نعق غراب بالشؤم فلا تدع المظاهر تأخذك بعيدا، بل سارع إلى التمييز وقل لنفسك: «لا شيء من هذه الأشياء يشير إلي، إنما يشير إلى جسدي التافه، أو إلى ممتلكاتي الضئيلة، أو سمعتي أو أبنائي أو زوجتي. أما بالنسبة لي فكل النذر هي نذر خير إذا شئت ذلك. فإذا ما ألم بي أي شيء من هذه الأشياء فما زال بوسعي أن أفيد منه خيرا.»
15 (19) الحرية هي الغنى «عن»
ناپیژندل شوی مخ
بوسعك أن تكون شخصا لا يقهر، إذا أنت أحجمت تماما عن الدخول في صراع ليس في قدرتك الفوز فيه. فاحذر إذا رأيت امرءا يتسنم مكانا رفيعا أو يتقلد سلطة عظيمة أو يحوز مجدا، أن تخلبك المظاهر فتحسبه سعيدا. فإذا كان جوهر الخير يكمن فيما هو في قدرتنا، فلن يكون ثمة مكان للحسد أو الغيرة. فلا تطمح من جانبك إلى أن تكون حاكما أو رئيسا أو قنصلا، بل أن تكون رجلا حرا. وليس ثمة غير طريق واحد إلى الحرية: أن تضرب صفحا عما ليس في قدرتك.
16 (20) ثورة الغضب
تذكر أن من شتمك أو ضربك لم يهنك، وإنما الذي أهانك هو حكمك بأن هذه الأشياء إهانة. فاعلم إذن كلما أغضبك أحد أن فكرتك ذاتها هي ما أغضبك؛ لذا حاول جهدك في المقام الأول ألا تجرفك المظاهر؛ فبمجرد أن تمنح نفسك مهلة وتتريث في الأمر سيكون أيسر عليك أن تتمالك نفسك. (21) فكر في الموت
ضع نصب عينيك، في كل حين، الموت والمنفى وكل ما يبدو مرعبا، ولكن اجعل الموت أولها جميعا. عندئذ لن تفكر أبدا في أي شيء دنيء، ولن تتوق إلى أي شيء توقا زائدا عن الحد. (22) الاستهزاء بالفلسفة
إذا كانت لديك رغبة مخلصة في اكتساب الفلسفة، فلتعد نفسك منذ البداية لتلقي ما لا يحصى من استهزاء الآخرين وسخريتهم، وقولهم: «ها قد عاد إلينا فيلسوفا دفعة واحدة.» وقولهم: «من أين أتى بهذا الخد المصعر؟» أما من جهتك فلا تصعر خدك حقا، وتمسك بتلك الأشياء التي تراها الأفضل، تمسك بذلك المكان الذي قيضك الله له. واعلم أن ثباتك على تلك الحال سوف يجعل من كان يسخر منك بالأمس يعجب بك. أما إذا انخذلت أمامهم فستكون قد جلبت على نفسك ضعفين من السخرية.
17 (23) محصن بالفلسفة
إذا تصادف لك أن التفت إلى الأشياء الخارجية لكي ترضي شخصا ما فثق أنك قد ضللت السبيل. فاقنع إذن، في كل شيء، بكونك فيلسوفا. وإذا أردت أن تبدو أيضا لأي شخص كفيلسوف، فلتبد فيلسوفا لنفسك، وسوف يكفيك هذا. (24) مواطن مخلص ... عون وثروة
لا تدع مثل هذه الأفكار تنغص عيشك: «سوف أقضي العمر خامل الذكر نكرة.» إذا كان خمول الذكر شرا فاعلم أنه ليس بالإمكان أن يلحق بك أحد خمول ذكر أكثر مما يلحقه بك ذلك الذي يورطك في عمل شائن. هل هو شأنك أن تحوز منصبا أو تدعى إلى وليمة؟ كلا. إذن، كيف يمكن أن يكون ذلك خمولا للذكر؟ إن مهمتك أن تكون ذا شأن في تلك الأمور التي هي في قدرتك فحسب، والتي بوسعك فيها أن تبلغ أعظم شأن.
18
لعلك تقول: «ولكني لن أكون قادرا على أن أقدم العون لأصدقائي.»
ناپیژندل شوی مخ