3

Educational Literacy

محو الأمية التربوية

ژانرونه

اهتمام الإسلام بتربية النشء الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، لاسيما عبده المصطفى، وآله المستكملين الشرفا، أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، ثم أما بعد: فإن الإسلام كالبناء الجميل، من أي النواحي أتيته أعجبت بجماله وبهائه وروعته؛ فسواء نظرت إليه من جهة عقيدة التوحيد التي تميز بها، أو كمال التشريعات التي شرعها، أو النظام الاقتصادي في الإسلام، أو النظام السياسي، أو الإعجاز العلمي، أو بلاغة وآداب القرآن وهكذا. ومن الجهات التي إذا طرقناها بالنظر والتأمل نجد أن هذه الجهة وهذا الموضوع هو موضوع التربية والاهتمام بتنشئة الأطفال والأجيال التي تشكل الحاضر والمستقبل، ويتميز المنهج التربوي الإسلامي بوسائل معينة توصل إلى أهداف محددة. أما الهدف فهو إنقاذ هذه الذرية من النار، وأن يشبوا أبناء صالحين يعملون لدينهم ودنياهم، ويسعدون في الدارين بالصلاح والتقوى والإيمان والتوحيد. وقد وضح الله ﷾ ذلك حينما قال ﷿: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ [التحريم:٦]، قال علي بن أبي طالب: علموهم وأدبوهم. والمعنى: ﴿قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ [التحريم:٦]، بالتربية والتعليم والتأديب والتهذيب، فيكفي في بيان خطر هذه المسئولية: أن الخلل فيها يؤدي إلى عقوبة النار. وحينما كانت امرأة من الأسرى تجد في البحث عن ولدها، فحينما رأته بعد بحث وعناء ألصقته ببطنها في حنان شديد، قال النبي ﵌ لأصحابه: (أترون هذه طارحة ولدها في النار؟ قالوا: لا، قال: لله ﷿ أرحم بعباده من هذه بولدها)، فالله ﷾ وضع الرحمة في قلوب الآباء الأسوياء، ومن ثم لم تكثر النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التي توصي الآباء بالأبناء، وإنما رأينا العكس، فكثير من النصوص توصي الأبناء بالآباء؛ لأن الله ﷿ تكفل بوضع هذه الرحمة الذي تضمن لهم هذا المعين الذي ينبض بالحب والحنان والعطف. وقد جعل الله ﷾ من دعاء الصالحين وعباد الرحمن: ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ [الفرقان:٧٤]، فحينما يراهم صالحين أتقياء فلا شك أنهم يكونون قرة أعين للعبد الصالح. وقد حذر النبي ﷺ من أن يجني الأب على ولده، فقال ﵊: (ألا لا يجن والد على ولده)، رواه الدارقطني. وهناك كثير من النصوص فيما يتعلق بإعطاء الإسلام أهمية كبرى لموضوع التربية، فتربية الإسلام للطفل ليست كأي تربية أخرى، إنما هي تربية لغاية ولمقصد ولمستقبل في الدارين، فيقول النبي ﵊ للأطفال: (ارموا فإن الرمي أنكأ للعدو)، فمن أول طفولتهم يخاطبهم بهذا الخطاب. فحينما رأينا الإسلام العظيم ربط الهدف التربوي بهذه الغاية العظمى، وهي سعادة الدارين، في نفس الوقت وجدنا جميع تعريفات التربية في المفهوم الغربي الذي يلهج به كثير من المسلمين تركز على إعداد الطفل ليكون قادرًا على تحقيق رغباته الدنيوية، بغض النظر عن كون التعريف بالتربية علمانيًا ينفصل تمامًا عن التربية الإسلامية. وقد اهتم المسلمون اهتمامًا شديدًا بموضوع تربية الطفل، والحفاظ على نفسيته من التشويه والإعاقة النفسية، أذكر مثالًا عارضًا لذلك: كان المسلمون الأوائل يوقفون الأموال على الأطفال أو العبيد الذين إذا أرسلهم آباؤهم لشراء شيء معين وضاعت منهم الأموال، فمن أجل حماية هؤلاء الأولاد من العقوبة أو القتل التي قد يتعرضون لها أوقفوا أموالًا ليعوض هؤلاء الأطفال من هذه الأموال، حماية لهم من قسوة الآباء الذين قد يعاقبونهم بشدة بسبب ضياع المال منهم.

1 / 2