155

دروب ما بعد الحداثه

دروب ما بعد الحداثة

ژانرونه

وقد كان منطلق فوكو في هذا النقاش إبستمولوجيا؛ أي أنه كانت تشغله مسألة التعارض والاختلاف بين نمطي المعرفة، اللغوية والمرئية، وعلاقة ذلك بالوعي.

ينطلق فوكو في فهمه للعلاقة بين اللغة والصورة، من أن لكل منهما عالمه المستقل والمتمايز عن الآخر، وأنه ليس ثمة أولوية لأحدهما على الآخر «إن ما بين الكلام والرؤية، أو ما يرى وما يعبر عنه، ثمة انفصال، فما يرى لا يجد موقعه إطلاقا فيما يقال، والعكس بالعكس.» وثمة سبب مزدوج يمنع وجود اتصال بينهما: «للعبارة موضوعها الملازم الخاص بها، وهي لا تعدو قضية تحيل إلى ظرف ما أو موضوع بعينه، مثلما يقضي بذلك المنطق، لكن المرئي ليس معنى أبكم صامتا، أو مدلولا بالقوة يخرج إلى الفعل متجسدا في اللغة.»

89

ولعل فوكو بهذا الطرح يعبر عن رفضه لأطروحة بارت التي يقول فيها «إن العالم أبكم، وهو في حاجة إلى اللغة حتى ينطق»؛ فهو ينفي إمكانية أن تحل اللغة محل الأشياء، كما أن الصورة لا يمكن أن تحل محل اللغة، وفي السياق ذاته يقول بودريار: «لا أعتقد في وجود علاقة من أي نوع بين الصورة والنص، بين الكتابة وما هو بصري ... فالصورة والنص سجلان متفردان، ينبغي المحافظة على تفردهما.»

90

على أن هذا الاستقلال لا ينفي وجود علاقة بينهما، لكنها ليست علاقة تواؤم وتصالح، كما أنها ليست علاقة خصام وتشاكل، إنها علاقة صراع وعراك، صراع يتم داخل عملية التفكير ذاتها بين المشهد واللغة.

يربط فوكو بين إشكالية النص والصورة وإشكالية المعرفة عموما؛ إذ المعرفة يتجاذبها طرفان: الرؤية واللغة؛ وعملية التفكير في النهاية هي محصلة علاقة المشهد باللغة ... الصور بالكلام «يتشكل التفكير من الرؤية والكلام، غير أنه يتم بينهما، في الفراغ الذي يفصل الرؤية عن الكلام. إن التفكير يعني خلق الاشتباك في كل حين، إنه دوما تراشق بالسهام، تسليط بريق الرؤية على الكلمات، والإصغاء إلى همس الأشياء المرئية ... التفكير هو جعل الرؤية تبلغ حدها الخاص بها، وجعل الكلام يبلغ حده الخاص به. فيصيران معا الحد المشترك الذي يوصل الرؤية بالكلام والكلام بالرؤية؛ وذلك بالفصل بينهما.»

91

عملية التفكير إذا تتم من خلال التوتر الذي ينشأ نتيجة تصارع اللغة والصورة، تتم داخله، في الفجوة التي تفصل الكلام عن الرؤية.

لا يمكن اختزال عملية التفكير في ملكة واحدة، ليس التفكير فطريا ولا مكتسبا. ليس عملا تمارسه ملكة ما من الملكات، وليس بالمقابل اكتسابا يتلقاه المرء نتيجة احتكاكه بالعالم الخارجي. وهنا يعود فوكو إلى أنتونين أرتو

ناپیژندل شوی مخ