152

دروب ما بعد الحداثه

دروب ما بعد الحداثة

ژانرونه

وقد اقترح البعض القيام بعملية إزاحة مؤقتة لسلطان المؤلف عن النص، ثم نعيده ضيفا عليه «إن مفهوم الموت لا يعني الإزالة والإفناء، ولكنه يعني ارتحال القراءة موضوعيا من حال الاستقبال إلى التذوق، ثم إلى التفاعل وإنتاج النص، وهذا يتحقق موضوعيا بغياب المؤلف، فإذا ما تم إنتاج النص بواسطة القارئ فإنه من الممكن حينئذ أن يعود المؤلف إلى النص ضيفا عليه.»

82

وهذا المعنى نجده عند بارت في أعماله المتأخرة، يقول في مقالة له بعنوان من الأثر إلى النص: «لا يعني هذا أن المؤلف لا يمكن أن يعاود الظهور مجددا في النص، في نصه، لكنه لو عاد سيكون في صورة مدعو.»

83

أخيرا، إن منح القارئ هذه الأهمية لم يكن يتطلب بالضرورة «تهميش المؤلف» واعتباره «آلة ناسخة للكلمات»؛ فموت المؤلف هو في الأصل تهميش للإنسان، لوجوده وفاعليته. النص أنتج في غير زمان ومكان ومؤلف. تهميش للإنسان ضد الاحتفاء به في الاتجاه الحداثي «فعندما يتم عزل النسق يتم عزل التاريخ أيضا، فتغدو الأبنية كلية لا زمنية، أو هي أجزاء اعتباطية من عملية تغيير غير تاريخية ومتحولة أبدا.»

84 (2) ميشال فوكو: من تحليل فضاءات السلطة إلى تفكيكها

من أشهر فلاسفة النصف الثاني من القرن العشرين، فيلسوف وعالم اجتماع ومؤرخ، بدأ من البنيوية واستطاع أن يتجاوزها في مؤلفاته المتأخرة مقتربا من الإطار النظري لما بعد الحداثة.

85

اشتهر فوكو بدراسته المتعمقة لمفهوم السلطة، وهو مفهوم رئيس في الفكر الفلسفي ما بعد الحداثة. وقد قدم فوكو طرحا مختلفا لهذا المفهوم يختلف عن كافة الأطروحات التي قدمت من قبل، رغم تأثره الواضح بتحليل نيتشه لهذا المفهوم في سياق تحليله لإرادة القوة.

يعارض فوكو بداية، في نظريته في السلطة، التصور الماركسي الكلاسيكي ونظريات الحق الطبيعي. لا وجود لذات أو لفاعل يملك السلطة، مثلما لا وجود لجهاز (الدولة) ينفرد لوحده باستعمال السلطة. يقترح فوكو نموذجا استراتيجيا للسلطة، فلا ينبغي النظر إلى السلطة كملكية قارة ومستقرة في يد ذات فردية أو جماعية، وإنما يجب التفكير في السلطة كإنتاج لاستراتيجيات الصراع بين القوى. يتحدث نيتشه عن تعدد علاقات القوى وكثرتها، بحيث لا تنبع من ذات واحدة ممتلكة للقوة. فالسلطة هي علاقات قوى بحيث إنها تشكل نظاما وتسلسلا، أو انقطاعا وانفصالا. إنها منبثة في كل العلاقات الاجتماعية والرمزية المتصادمة. لا تفرض السلطة من فوق، بل تأتي من تحت، لا تنجلي في العلاقات الثنائية بين الحاكمين والمحكومين بل بالأحرى في علاقات القوة المجسدة في آليات الإنتاج داخل الأسرة، والمجموعات الصغيرة، وداخل المؤسسات، وتسري في الجسد الاجتماعي بأسره: «إن القوة تأتي من تحت، ومن ثم لا ثنائية ولا تعارض بين السائدين والمسودين في جذور علاقات القوة، ولا ثنائية تنطلق من القمة إلى القاعدة.» فالسلطة هي دوما شكل خاص ومؤقت لصراع ما يفتأ يتكرر، والصراع المتكرر بكيفية دائمة لا يسمح باستقرار السلطة؛ فهناك حرب لا هوادة فيها، دائمة ومستمرة من أجل السلطة، وامتلاكها رهين بالشروط المتغيرة، والاستراتيجيات المتقلبة، السلطة علاقة، والعلاقة تتغير باستمرار، لا يمكن الحديث عن مركز السلطة أو سلطة المركز، فهي منبثة ومنتشرة في كل مكان، وفي داخل الجسم الاجتماعي برمته. وبهذا المعنى فالسلطة غير منضبطة لحدود «السياسي»، إنها تتجاوز تخومه.

ناپیژندل شوی مخ