151

دروب ما بعد الحداثه

دروب ما بعد الحداثة

ژانرونه

77

وبعيدا عن السيميوطيقا نجد بيير بورديو

(1930-2002م) يتخذ موقفا ناقدا من هذا الاتجاه، وهو بصدد تحليله لحقل الإنتاج الفني؛ فقد توصل بورديو في كتابه قوانين الفن إلى صيغة معتدلة لا تنجرف وراء التحليلات النفسية والاجتماعية، وفي الوقت ذاته ترفض القراءات الداخلية للأعمال الفنية التي تتجاوز الظروف التاريخية التي أنتجتها. فالعمل الفني ليس مجرد تعبير عن عبقرية الفنان، ولا هو مجرد انعكاس للظروف الاجتماعية والنفسية له، بل يتم إنتاجه من خلال الطابع الثقافي، الذي يعكس الأصل الاجتماعي والمسار الشخصي للفنان، وهو حقل - فضاء منظم من الاحتمالات - يحوي شتى المذاهب والأساليب المتنافسة كما تتحدد الاحتمالات ذاتها من قبل التطور التاريخي لذلك الحقل، فلا يوجد كاتب (أو فنان) يبتكر ببساطة أسلوبا فنيا من عدم، بل هو يتخذ موقفه بناء على ما هو سائد من أنماط فنية وأساليب متبعة، فإما أن يختار تكرار ما هو موجود، أو أخذ نوع فني قائم ودفعه إلى أقصاه. لذا فإن كل تصريح فني يحمل بداخله موقفا ما من الأعمال القائمة والمواقف الماثلة في الحقل الفني، وتنوع المواقف التي يستطيع أي فنان أن يتخذها في ضوء التاريخ السابق للحقل. وفي رأي بورديو، أن حقل الإنتاج الفني هو عالم من الثورة الدائمة والتمرد على الأساليب القائمة، وأن تفسير هذه الثورة يحتاج إلى فهم الحقل الثقافي بكافة مكوناته، خاصة أن هناك محددات تمارس تأثيرها على العمل الفني وعلى طرق استقباله لا دخل للفنان بها، ومنها الظروف الاجتماعية والتاريخية والاقتصادية.

78

من ناحية أخرى، ومن داخل البنيوية ذاتها نجد لوسيان جولدمان، رغم تأثره بأفكار بارت، كان مدركا لخطورة الموقف الذي يقودهم إليه عزل المؤلف والسياق عن البنية اللغوية المكتفية بذاتها. وقد دعا جولدمان إلى ربط البنية النصية الداخلية بحركة التاريخ الاجتماعي والسياق الثقافي، ودمج بين أقانيم النص الثلاثة؛ الشكل والبنية والسياق، ورأى أن رؤية العالم تشكل مع البنية ذات الدلالة وحدة متكاملة، وذلك يفترض الانتقال من رؤية سكونية يفرضها ثبات البنى اللغوية إلى رؤية دينامية شاملة ومتماسكة حتى نستطيع الإحاطة بالنص من جميع زواياه.

79

إن عزل الخطاب الأدبي عن السياق التاريخي والثقافي للنصوص أدى إلى قصور في النقد البنيوي، ولذلك نظر ميشال فوكو إلى الخطاب الأدبي بوصفه نشاطا إنسانيا إبداعيا مركزيا، ولا يراه نصا عاما يزخر بالدلالات بمعزل عن السياق التاريخي الذي يقتضي تغيرا في الخطاب.

80

ومن منطلق مشابه يشير روبرت هولاب في كتابه نظرية التلقي، إلى أن كلا من المعنى والبناء ينتجان من تفاعل القارئ مع النص، الذي يقارب العمل الفني بتوقعات دلالية مستمدة من المعارف التراكمية المشتركة والسياقات الثقافية والاجتماعية المتداخلة، أو ما يسمى «أفق التوقعات»، هذا الأفق بمثابة القواسم الدلالية المشتركة بين المؤلف والقارئ، وهو الذي يحكم حركة المتناصات «إن التناص كالمؤلف تماما لا يكتسب وجوده إلا مع وعي المتلقي به، لنتصور مثلا ما يحدث على مستوى الأفق الاستبدالي داخل النص من مفردات وصور ليست موجودة داخله، ولكنها بدائل كان من الممكن للمؤلف أن يستخدمها وهي في غيابها حاضرة في تحديدها للوحدات التي استخدمت بالفعل في السياق، وإذا لم يكن القارئ معدا واعيا بهذه البدائل على مستوى الاستبدال فلن يكون للنص داخل العمل قيمة ومعنى.»

81

ناپیژندل شوی مخ