يصف بارت في الدرجة صفر للكتابة
Le Degré zéro de l’écriture (1972م) الكتابة بأنها «فوضى تنثال عبر الكلمات وتمنحها هذه الحركة التي لا تظل على حال أبدا ... فهي، أي الكتابة، تتطور ولا تسير أبدا بطريقة خطية، كما لا يمكن توقع ما سينتج عنها.»
43
فهل هذه صيغة أخرى لمفهوم الفوضى الخلاقة الذي انتقل من المجال العلمي إلى المجال الثقافي ومنه إلى المجال السياسي؟ ليس ثمة إجابة بطبيعة الحال عن هذا السؤال، لكن من المؤكد أن العديد من المفاهيم والمقولات التي يتم ترديدها في المجال العام لها أصولها النظرية والعلمية الواضحة.
44
ما هو تصور بارت لطبيعة العمل الأدبي ؟ وهل كان يهدف من تحليله الإجرائي للنصوص القيام بجهد تأويلي يهدف إلى ترسيخ أحد مستويات المعنى داخل النص؟ كان بارت دائم الإشارة في مؤلفاته إلى أن تحليله لا يهدف أبدا لإثبات المعنى «الواحد والوحيد» للنص، بل هو في الأصل لا يحاول إثبات «أحد» معاني النص؛ إنه يختلف أساسا عن التحليلات اللغوية الأخرى التي تروم التحديد والمعنى، إنه تحليل يهدف إلى رسم «الموقع الهندسي»؛ أي موقع المعاني، موقع ممكنات النص. فكما أن لغة من اللغات هي ممكن الأقوال (اللغة هي الموقع الممكن لعدد لا نهائي من الأقوال)، فإن هدف المحلل هو مواقع إمكان المعاني، أو تعدد المعنى أو المعنى باعتباره متعددا «ليس ثمة اختيار هنا أو محاولة الظهور بمظهر الليبرالي في التعامل مع النصوص؛ فالمعنى بالنسبة لي ليس إمكانا، وليس أحد الممكنات، إنه كينونة الممكن ذاتها، كينونة التعدد.»
45
إن العمل على معنى أو معان للنص، وفقا لبارت، لا بد أن ينطلق من قاعدة فينومينولوجية؛ فلا توجد آلة لقراءة المعنى، وليس ثمة خطوات منهجية تفضي إلى نتيجة واحدة. لهذا رفض بارت وصف مقاربته للنص بالمنهج، وفضل استخدام كلمة إجراءات لقراءة النص «فالتحليل البنيوي للسرد ليس فرعا من فروع المعرفة، كالبيولوجيا وعلم الاجتماع؛ فهو لا يمتلك قواعد صارمة تشكل نظاما ما. كما أن قراءة باحث ما لا تشكل إلزاما لباحث آخر، وليس بإمكان قارئ أن يتحدث باسم قارئ آخر. ومن جهة أخرى يظل البحث الفردي على مستوى كل باحث في حالة من الصيرورة؛ إذ إن لكل باحث تاريخه الخاص، وليس ثمة وصفة جاهزة للتعامل مع النص.»
46
ما هو المعنى إذا داخل النص؟ يقول بارت: «إننا لا نبحث عن مدلولات نعتبرها نافذة، أي مدلولات معجمية، ومعان حسب المفهوم الشائع للكلمة ... إن المعنى ليس مدلولا تاما، كما قد يكون في المعجم، إنه نظام من الترابط المتبادل، نظام من الاقتباس اللانهائي.»
ناپیژندل شوی مخ