19 (1)
على المستوى المنهجي، فليس الفرق بين النص والأثر الأدبي ماديا (حسب الغلاف، الطبعة، عدد الصفحات، التاريخ ...) ففي الأثر القديم تستقر نصوص، كما أنه ليست كل الإنتاجات المعاصرة نصوصا؛ فالاختلاف بينهما راجع أساسا إلى كون الأثر قطعة من مادة (يشغل فضاء فيزيائيا في المكتبة)، أما النص فهو حقل منهجي تعمل عليه اللغة. (2)
على مستوى الأجناس، فالاختلاف بين النص والأثر لا يدخل ضمن تراتب هرمي (أدب جيد، أدب رديء، أدب شعبي ...) ففي الأدب الشعبي تكمن نصوص (وهو ما حاول بارت إظهاره عبر مسرح بريخت الشعبي)، كما لا يدخل هذا الاختلاف ضمن تقسيم للأجناس (شعر، رواية، نقد)، فما يحدد النص خلافا للأثر الأدبي هو الخلخلة؛ خلخلة الآراء الشائعة والمتداولة، خلخلة اللغة ذاتها والأسلوب المتعارف عليه في الكتابة. (3)
على مستوى الدليل، فالأثر الأدبي ينحصر في مدلول واضح أو خفي، يستدعي التعامل معه إما على المستوى الاصطلاحي أو التأويلي. أما النص فمجاله الدال. وهو يحيل على فكرة اللعب ليجعل النص غير خاضع على الإطلاق إلى أي منطق تفسيري محدد. (4)
على مستوى التعدد، فالأثر أحادي أما النص فتعددي. ولذلك تحاول المؤسسات السلطوية ترسيخ الأول والدفاع عنه ودحض الثاني وتغييبه لأنه يهددها في كيانها، ويخلق التعددية على مستوى الفكر. من هنا لا يمكن إخضاع النص إلى تفسير أو تأويل وإنما فقط يتم التعامل معه بغية تفجيره، وهو ما يضمن خلوده؛ لأنه لا يفرض معنى وحيدا على قراء مختلفين، بل يوحي بمعان مختلفة للقارئ الواحد. (5)
على مستوى القراءة، فالأثر من حيث بنيته اللغوية الواضحة يمكن التعامل معه بالمناهج التقليدية (ومنها التحليل النفسي والاجتماعي)، أما النص فيستدعي مقاربة مختلفة تحرره من سلطة المؤلف وهيمنة التقاليد المتوارثة في الكتابة النقدية. (1-4) سلطة المؤلف وهيمنة السياق
كانت المناهج النقدية في مراحلها الأولى منصبة في الأساس على عنصر الفنان، لما له من أهمية قصوى في تفسير العمل الفني؛ فالسبب الرئيس لوجود العمل الفني هو صانعه؛ أي الفنان. لذلك كان إيضاح العمل من خلال شخصية الكاتب وحياته من أقدم مناهج الدراسة الأدبية وأكثرها رسوخا. وهكذا شكل قطب المؤلف نقطة تقاطع مجموعة من الدراسات النقدية المتمثلة في المناهج التاريخية والنفسية والاجتماعية، والمنبثقة أساسا من روح الفلسفة الوضعية والفرويدية والماركسية. يقول أندريه جرين
A. Green : «هل من الممكن أن نعزل الإنسان عن إبداعه؟ فمن أي قوى يقتات هذا الإبداع إن لم يكن من تلك التي تعمل عند المبدع؟»
20
فقد اعتبر جورج لوكاش
ناپیژندل شوی مخ