لقد حاول نيتشه الخروج من تلك الثنائية من خلال إعلانه موت الإله، والنتيجة أن المركز ذاته قد تلاشى، أما نتائج ذلك فهي جد عظيمة، وربما استطاع نيتشه أن يعبر عن ذلك أفضل تعبير في القسم 125 من كتابه العلم المرح
Die fröhliche Wissenschaft (1882م) عندما صور الأمر على شكل حدث كالتالي: يدخل رجل مجنون إلى ساحة السوق بحثا عن الإله، ويسخر منه كل أولئك الذين لا يؤمنون بوجود إله. «أين هو الإله؟ يبكي ... سوف أخبرك، لقد قتلناه، أنا وأنت، كل منا قاتله.» ويستمر في تأكيده على الآثار الكارثية لهذه الفاجعة: «لقد محونا الأفق كله»، «لقد حررنا هذه الأرض من شمسها»، «لقد أرسلناها باستمرار إلى القاع ... وإلى الوراء ... إلى الجنب وإلى الأمام، في كل الاتجاهات ... ألا زال هناك أي شروق أو غروب؟» لقد أصبح عالمنا أكثر برودة، ونحن أناس «قتلة كل القتلة»، تركنا دون أية طريقة لتطهير أنفسنا. وعندما ينهي الرجل المجنون حكمته، تحدق فيه الجماهير وتتملكهم الدهشة، يصرح قائلا: «لقد جئت مبكرا ... لم يحن وقتي بعد ... هذا الفعل لا يزال بعيدا عنهم أكثر ما تبعد أقاصي النجوم، ومع ذلك فإنكم قد فعلتموه بأيديكم.»
6
ما قام به نيتشه هنا هو أنه قتل الإله من أجل إحياء العالم «لقد فصلنا حقيقة هذا العالم عن فكرة أن الإله قد خلقه»، ونتيجة ذلك انفتاح العالم على الإنسان، لكن هذا الانفتاح ما زال يفتقد البوصلة الموجهة له، بحسب نيتشه؛ لأنه يحتاج إلى نسق قيمي جديد يحل محل النسق القديم المؤسس على فكرة الإله. وقد حاول نيتشه عبر مؤلفاته اكتشاف هذا النسق الجديد من أجل ترسيخه، وهو نسق يستمد معاييره من عالم الحياة لا من عالم مفارق.
هل ثمة علاقة بين ما قام به نيتشه في مجال الميتافيزيقا وبين ما قام به بارت في مجال النص؟
لم يفصل نيتشه بين حضور الميتافيزيقا ومقولاتها وبين اللغة المستعملة؛ فقد وجد نيتشه أن هناك قوى تقف وراء عملية إنتاج المعاني، هذه القوى تهدف إلى الإخضاع والسيطرة. وما تفعله الميتافيزيقا هو اختزال تلك القوى، وحصر المعنى في الألفاظ اللغوية التي تحد المعنى وتختزله في إطار معين؛ لهذا فقد رأى نيتشه أن اللغة هي معقل الميتافيزيقا. ففي اللغة فقط تجد مفاهيم الوجود والجوهر والهوية إمكانية دوامها وخلودها. إن الميتافيزيقا تنظر إلى الألفاظ اللغوية كوعاء يحفظ للمعاني أزليتها ويبقي على تطابقها؛ فبدلا من أن ترى في العلامة مكانا للاختلاف والتعدد والتأويل، ترى فيها على العكس من ذلك مناسبة لحضور المعنى. من هنا تصبح اللغة ذاتها فعل سلطة، صادرا عمن بيده الهيمنة.
7
وقد سعى نيتشه من وراء التاريخ الذي يقيمه للميتافيزيقا، إلى التوصل إلى منظومة القيم التي حكمت هذا التاريخ، والبنية التي وضعت المعاني وأطلقت الأسماء وأولت العالم ولونته. من هنا تصبح استراتيجية التسمية استراتيجية هيمنة وتسلط.
في الواقع لم يفعل بارت سوى استكمال ما قام به نيتشه ودعا إليه، فموت المؤلف هو ذاته موت الآلهة، والنتائج التي ترتبت على أطروحة بارت في مجال النقد الأدبي ونظرية التلقي الجمالي تتشابه مع تلك النتائج التي ترتبت على أطروحة نيتشه في مجال الميتافيزيقا ونظرية الوجود. أما النسق القيمي الذي حاول نيتشه التأسيس له وإحلاله محل النسق القيمي القديم، فهو ما قام به بارت من خلال التأسيس لقواعد جديدة للتعامل مع النص الأدبي محل القواعد التي كان معمولا بها من قبل في حقل النقد الأدبي، وقد كتب بارت في العام 1968م ما يلي: «نعرف الآن أن النص ليس مجرد مجموعة من الكلمات التي تحرر معنى «لاهوتيا» وحيدا (إله - رسالة - نبي). بل هو حيز متعدد الأبعاد تمتزج فيه وتتصادم تنويعات من الكتابة، ليس منها ما كتب في الأصل.»
8
ناپیژندل شوی مخ