نستطيع أن نستنبط من هذا الفهم الدريدي، بتطبيقه على الأعمال الفنية من حيث شروط إنتاجها واستقبالها، أن الحداثة كانت تنحو نحو البحث عن الأصول والقواعد كمحاولة للتغلب على اعتباطية العلامة وعدم استقرار معناها. فسعي العمل الفني الحداثي للوصول إلى الجوهر هو سعي لتحقيق خصائص وقيم فنية مشروعة بذاتها، ولا تحتاج لتبرير من خارجها. قيم من شأنها أن تتخطى تأثير علاقات الاختلاف والإرجاء التي كشف عنها دريدا داخل النظام اللغوي، ومن ثم تستطيع الوصول إلى «المدلول المتعالي» لتحقق حضور
المعنى. يقول بودريار معبرا عن هذا المعنى: «اعتمد النقد الفني في نشأته على فرضية وجود علامات مشبعة بالمعاني والصور، تمتلك منطقا باطنيا لا واعيا إلى جانب منطقها المعروف القائم على التمييز عن طريق الاختلاف. ويكمن وراء هذا المنطق الثنائي ما يمكن أن نسميه بالحلم الأنثربولوجي؛ أي حلم الإنسان بوجود مملكة مثالية تحيا فيها الأشياء والأعمال الفنية في استقلال تام عن عمليات التبادل والاستخدام. وبعيدا عن ضرورة إيجاد معادلات محسوسة لها.»
125
الفصل الرابع
نماذج من فلاسفة ما بعد الحداثة (رولان بارت - ميشال فوكو - جيل دولوز - جان بودريار)
(1) رولان بارت: من البنيوية إلى ما بعدها (1-1) مقدمة
كانت المفاهيم التي ظهرت في حقلي النقد الفني والأدبي، خلال النصف الثاني من القرن العشرين، على صلة وثيقة بالمفاهيم الفلسفية التي ظهرت خلال هذا القرن، والتي نتجت عن التغيرات العديدة التي لحقت البنى المعرفية التي سادت إبان العصر الحديث. وكان من نتائج تلك الصلة ذلك التداخل المعرفي الذي حدث بين العديد من الحقول المعرفية؛ الفلسفة وعلمي الاجتماع والنفس ومجالي النقد الفني والأدبي. والواقع أن هذا الأمر قد أدى إلى صعوبة في تصنيف مفكري النصف الثاني من القرن العشرين وفقا للحقول المعرفية التي ينتمون إليها؛ فتحت أي حقل معرفي يمكن إدراج كل من رولان بارت، وميشال فوكو
M. Foucault (1926-1984م)، وجورج باتاي
G. Bataille (1897-1962م)، وجاك دريدا
J. Derrida (1930-2004م)، وجاك لاكان
ناپیژندل شوی مخ