[بسم الله الرحمن الرحيم] (111)
[وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم
الدرة المضية في الأخلاق المرضية
للعلامة أحمد بن أحمد بن أبي العناياتي بن مكية رحمه الله تعالى، قال] (112)
أحمده حمد معترف بالتقصير، عن توافي شكر نعمه السحاحة، خافض جناحه عن نعم عجز عن شكرها من قبلي بلغاء الأدب وفصاحه، واعترف الكل بأن ليس لهم في هذا الأدب سباحة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تريش (113) جناح قائلها، وتضمن نجاحه.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الأكمل الأجمل الأكرم الأعظم في الخلق والخلق والسماحة، والسحاحة (114)، المليح الفصيح، الجامع بجوامع كلمه بين الوجازة والوضاحة. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، الذين أعز الله بهم الإسلام، وكانوا صفاحه (115) ورماحه، ما أرخى الظلام غدائره (116)، وكشف الفجر عن وجهه صباحه وسلم، وبعد؛
فقد برز مرسوم سلطان الغرام، إلى ترجمان اللسان، أن يملي على الأقلام، مقاتل الفرسان، من قواتل الأجفان، فبادرت بامتثال هذا الأمر، بالسعي على الرؤوس، [وأديت] (117) ما نقلته من صدور الرؤوس، إلى سطور الطروس.
مخ ۳۵
وقال لسان حالها في انقطاعها، واغترابها، ولبسها السواد على فراق أترابها ونحولها، وقد جاوز الحد في بريها وأذن (118) باندراسها (119)، وركوبها مفارق المهارق (120)، في خدمة باريها على شق رأسها:
(شعر لسان حال القلم) (121): ... (البحر الكامل)
قصوا علي حديث من قتل الهوى ... إن التأسي روح كل حزين
ولئن كتمت مشقتي فقد درى ... بمصارع العشاق العذري والمجنون
مخ ۳۶
فأمليت من مصارع العشاق، بين القلوب والمقل، ما إذا سمعه جنان الجنان، قال مكره أخوك لا بطل، فلم أدر أشرعت من إلفاتها غصون القدود، أو عواسل (ق 85/أ) الأسل، أو مدت من نوناتها حواجب الحبائب، أو تسي بني تعل، أو فرغت لامات اللامات، أو قامات تعانقت للقبل، أو السينات ثغور جعل التشديد بحراستها مرامي أو سينات الثغور الحامي بردها فتور الأجفان عن اطفاء أوامي (122)، فيا له من معرك تبذل فيه النفوس، وتثير فيه فتن الأحداق على العشاق حرب البسوس (123)، على أني لم أكن من أجلادها هذا الجلاد، ولا من لذاذة هذا اللذاذ، وإن كنت قد أخذ الحب مجامعي، وفتح السهاد جفوني، وسد عن العذل مسامعي، وأرعد بلاعجه (124) ضلوعي، وأجرى سيل مدامعي، وغادرني بين شموس الوجوه ألوح كالهباء، فها أنا بعليل جسمي صحيح، وصحيح وجدي صحيح عليل، فاطلبوني من الصبا ففيها كما شاء النحول مقامي، وأمسيت بين ضلوعي في احتراق اشتياقها ظوامي، وعيون بغوادي (125) دموعها على الدوام دوامي، وبعد؛ فقد قال الشيخ الإمام الفاضل الشيخ أحمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن مكية الشهير بالعناياتي غفر الله له ذنوبه، وستر عيوبه، ولمن دعا له، ولجميع المسلمين: يقول في التذكرة الحمدونية (126) عشر عشرات في أخلاق شتى في غاية النفع لمن طالعها أو تخلق بها وحفظها إلا أنها نثر، والنثر يصعب حفظه، فأشار بعض الإخوان من أهل الكمال أن أرجزها في أبيات وجيزة مختصرة ليسهل تعانيها، ويعذب معاينها، فامتثلت أمره بالطاعة، وبذلت فيها جهد الاستطاعة، وسميتها بالدرة المضية في الأخلاق المرضية. الله أسأل أن تكون خالصة لوجهه الكريم فهو بالنيات عليم، وهو حسبي، ونعم الوكيل. وهذه الأرجوزة:
(البحر الرجز)
حمدا لمن علمنا بالقلم ... وأظهر الفضل (127) لنا كالعلم
(ق 85/ب) وميز الإنسان بالبيان ... مشرفا بالقلب واللسان
فالقلب حلاه من الإيمان ... تحلية اللسان بالقرآن
فهو خليفة من الرحمن ... على جميع عالم الكيان
وبعد حمدا لله والصلاة ... على حياة أعين الحياة
نخبة عدنان النبي أحمدا ... أشكر راجي ربه وأحمدا
وآله وصحبه الأخيار (128) ... المصطفين السادة الأبرار
مخ ۳۷
ما نقلت مهارق (129) الشطور ... إلى (130) الطروس أنجم الصدور قال الفقير للغني أحمد ... نجل أبي العناية المسدد
عبد بني مكية (131) الكرام ... السادة الأجلة العظام
أولي الفتاوي وأولى الفتوة ... والمروة الوافرة المروة (132)
لا برحت واكفة (133) الغمام ... عليهم منهلة (134) السلام
أهدي لكم معاشر الأحباب ... هدية من (135) حلل الآداب
أحرزتها عاطلة من خدرها ... منثورة خافضة من قدرها
فحين أفرغت عليها نظمي ... جاءت تتيه في رياض الرقم
ولاح من سحب الخفاء بدرها ... وانشق عن ليل الحجاب فجرها
حافظها من العيون يحفظ ... يعرف في المحل كيف يلفظ
أخلاقها موزونة محررة ... إذا ضربت (136) عشرة في عشرة
فها (137) أنا أبدأ بالعشر التي ... في حفظها عين الكمال حلت (138)
أعلم بأن للكمال عشرة ... على سوى أهل الكمال عسره
(ق 86/أ) عراقة الأصل وحسن العقل ... وصحة الدين ولطف (139) البذل
مخ ۳۸
والمال والحياء والتواضع ... والرفق في العطاء (140) والتشاجع لعشرة الكمال وهي حاتمه
وحفظك القرآن فهي خاتمه
وعشرة تزري بأهل الفخر ... تجر بالخفض رفيع الذكر
الحسب الردي والنذالة ... والخلق الدني والرذالة
وقلة العقل وسوء الفعل ... الكذب والجبن وقبح النجل
ورأس هذه العشرة الفجور ... إياكها فكلها فجور (141)
وعشرة تجلب (142) ود الناس ... فلا تكن لحفظها (143) بالناسي
العفو والإغضا ولطف الحلم ... والأخذ بالحزم وترك الذم
والبشر في القضاء للحقوق ... والحسن في اللقاء للصديق
وعفة النفس وكتم السر ... وتركك الغيبة رأس العشر
وعشرة يمحق فيها الشكر ... وتجلب (144) البعضا بئس العشر
المن بالمن وسوء الخلق ... والبخل بالعفو وسوء (145) النطق
والمسك عند حاجة ضرورة ... وقلة الإنصاف في العشيرة
والبذل للجاهل (146) علما موهبة ... والحقد والبغض فتنكيه (147) الهبه
وعشرة فاسدة المروءة ... قاطعة متصل الآخرة
مخ ۳۹
فكثرة العتاب والجفاء ... وقلة الحفاظ والوفاء (148) وحدة وقبح لفظ يردي ... ولا مواساة وخلف الوعد
والحمية الزائدة التكلف ... والعنت الزائد في التصلف
(ق 85/ب) وعشرة تورثك المحبة ... خذها على عرضك كالمكبة
الصدق والرقة في الكلام ... واللين والكثرة في السلام
وعودك المريض والهدية ... وأوف وأنجز وعدك العطية
والأجر في اتباعك الجنازة ... وخدمة الرفاق في المفازة
وعشرة تلبس ثوب العز ... حائزها (149) من الردى في حرز
حضورك الصلاة في الجماعة ... والصمت والعفة والقناعة
ترك النبيذ، ولزوم المنزل ... والاقتصاد واجتناب الأرذل
وترك ما تسأله أساسها ... واحذر من (150) الدين فذاك رأسها
وعشرة تسمو بها سموا ... وتعتلي على الورى علوا
حب المساكين وترك السرقة ... إسعافك الناس (151) وبذل (152) الصدقه
وطاعة الله وحمل العزم ... وقلة المشي وترك الشتم
مخ ۴۰
ولا تعاند من إذا قال فعل ... وأد ما اتمنت فيه بالعجل تعرف في البر التقي الأكرم
وعشرة تورث حسن الكرم
خف المؤونات على (153) الإخوان ... وبذلك المعروف للأقران
وترك ما لا تستطيع حمله ... وحمل ما أطقت أن تقله
وقلة الخوض بما لا يعني ... والصبر عند النائبات أعني
وابق من تهوى على مراده ... واعرض عن المكروه في (154) وداده
وقلة الأيمان رأس الدين ... واشهد إذا شهدت عن يقين
وعشرة تورث حمد العاقبة ... لكل ذهن بالصلاح ثاقبه
(ق 85/ب) ... حسن الجوار، صحة المحبه ... سلامة الصدر وحفظ الصحبه
وحسنك الظن بكل ما ترى ... ولا تكن مماريا مكاثرا (155)
وجانب الأحمق في المشاره ... وبن على العدو في المحا (وره) (156)
وكن على الدهر شديد الباس ... ثم تخلى عن جميع الناس
وهاكها نصيحة (157) مذكرة ... نظمتها من نثر لفظ التذكرة
هدية أرجو بها الدعاء ... ممن يحب (158) الفضل والثناء
مخ ۴۱
والحمد لله على ما ألهما ... من فضل ما أدبنا وعلما على النبي الهاشمي أحمدا
ثم صلاة الله تترى أبدا
وآله وصحبه وحزبه ... وما لئين قلبهم بحبه
ما غاصت الفهوم في الآداب (159) ... وأهدت الدر إلى الطلاب (160)
مخ ۴۲