قوله جواز الإعراض عليهم حجته. وقوعها بهم. أخبر أن دليل جواز الأعراض البشرية على الرسل عليهم الصلاة والسلام مشاهدة وقوعها بهم فقد شوهد مرضهم وجوعهم وإذاية الخلق لهم ولكن حد ذلك منهم البدن الظاهر أما قلوبهم باعتبار مافيها من المعارف والأنوار التي لايعرف قدرها إلا الله مولانا جل وعز الذي من عليهم بها فلا يخل المرض ونحوه بقلامة ظفر منها ويكدر شيئًا من صفوها ولايوجب لهم ضجرًا ولاانحرافًا ولاضعفًا لقواهم الباطنة أصلا كما ذلك موجود في حق غيرهم عليهم الصلاة والسلام وكذاالجوع والنوم لايستولي على شيء من قلوبهم ولهذا تنام أعينهم ولاتنام قلوبهم وجواز الأعراض مبتدأ ومضاف إليه وعلمهم يتعلق بجواز وحجته مبتدأ ثان ووقوعها خبر الثاني وبهم يتعلق به والثاني وخبره خبر الأول وضمير حجته للجواز وهو الرابط لجملة الخبر بالمبتدأ وضمير وقوعها للأعراض، قوله تسل حكمته أشار إلى أن حكمة وقوع هذه الأعراض بهم عليهم الصلاة والسلام التسلي عن الدنيا أي التصبر ووجود الراحة عليها واللذات لفقدها والتنبه لخسة قدرها عند الله تعالى بما يراه العاقل من مقاساة هؤلاء السادات الكرام خيرة الله تعالى من خلقه لشدائدها وإعراضهم عنها وعن زخرفها الذي غر كثيرًا من الحمقى إعراضهم العقلاء عن الجيف والنجاسات ولهذا قال (الدنيا جيفة قذرة) ولم يأخذوا عليهم الصلاة والسلام إلا شبه زاد المسافر المستعجل ولهذا قال (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل) وقال (لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ماسقى الكافر منها جرعة ماء) فإذا نظر العاقل في أحوال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام باعتبار زينة الدنيا وزخارفها علم علم اليقين أنها لاقدر لها عند الله تعالى فأعرض عنها بقلبه بالكلية وشد إزاره لعبادة مولانا جل وعلا وصبر هذه اللحظة من العمر وماأربح صفقة هذا الموفق إذ بذل شيئًا يسيرًا لاقيمة له ليسارته وخسته فأخذ شيئًا كثيرًا لاقيمة له لكثرته وعظيم رفعته وتزايد نعمه كل لحظة أبد الآباد،
1 / 70