أن قول الناظم لما قدر دليل الوحدانية بجميع وجوهها كماظهر من القسم الخامس أن لاتأثير لقدرتنا الحادثة في فعل من الأفعال قال في شرح الصغرى إثر ذكره برهان الوحدانية وبهذا تعرف أن لاأثر لقدرتنا في شيء من أفعالنا الاختيارية كحركاتنا وسكناتنا وقيامنا وقعودنا ومشينا ونحوها بل جميع ذلك مخلوق لمولانا جل وعز بلا واسطة وقدرتنا أيضًا مثل ذلك عرض مخلوق لمولانا جل وعز يقارن تلك الأفعال ويتعلق بها من غير تأثير لها في شيء من ذلك أصلًا وإنما أجرى الله تعالى العادة أن يخلق عند تلك القدرة لابها ماشاء من الأفعال وجعل سبحانه بمحض اختياره وجود تلك القدرة فينا مقترنةً بتلك الأفعال شرطًا في التكليف وهذا الاقتران والتعلق لهذه القدرة الحادثة بتلك الأفعال من غير تأثير لها أصلًا هو المسمى في الاصطلاح وفي الشرع بالكسب والاكتساب وبحسبه تضاف الأفعال للعبد كقوله تعالى ﴿لها ماكسبت وعليهامااكتسبت﴾ أما الاختراع والايجاد فهو من خواص مولانا جل وعز لايشاركه فيه شيء سواه ﵎ ويسمى العبد عند خلق الله تعالى فيه القدرة المقارنة للفعل مختارًا وعندما يخلق الله فيه الفعل مجردًا عن تلك القدرة الحادثة مجبورًا ومضطرًا كالمرتعش مثلًا وعلامة مقارنة القدرة الحادثة لمايوجد في محلها تيسره بحسب العادة فعلًا وتركًا وعلامة الجبر عدم تلك القدرة وعدم التيسر وإدراك الفرق بين هاتين الحالتين ضروري لكل عاقل كما أن الشرع جاء بإثبات الحالتين وتفضل بإسقاط التكليف في الحالة الثانية وهي حالة الجبر دون الأولى قال تعالى ﴿لايكلف الله نفسًاإلا وسعها﴾ بحسب العادة وأما بحسب العقل وما في نفس الأمر فليس في وسعها أي طاقتها اختراع شيء ماوبهذا تعرف بطلان مذهب الجبرية القائلين باستواء الأفعال كلها وأنه لاقدرة تقارن شيئًا منهاعمومًا ولاشك في أنهم في هذه المقالة مبتدعة بل يكذبهم الشرع والعقل وبطلان مذهب القدرية مجوس هذه الأمة القائلين بتأثيرتلك القدرة الحادثة في الأفعال على حسب إرادة العبد ولاشك أنهم مبتدعة أشركوا مع الله تعالى غيره فتحقق مذهب أهل السنة بين هذين المذهبين الفاسدين فهو وقد خرج من بين فرث ودم لبنًا خالصًا سائغًا للشاربين وكما أن هذه القدرة الحادثة لاأثر لهاأصلًا في شيء من الأفعال كذلك لاأثر للنار في شيء من الإحتراق أو الطبخ أو التسخين أوغير ذلك لابطبعها ولابقوة وضعت فيها بل الله تعالى أجرى العادة اختيارًا منه جل وعز بإيجاد تلك الأمور عندها لابها وقس على هذا مايوجد مع القطع للسكين والألم عند الجرح والشبع عند الطعام والري عند الشرب والنبات عند الماء والضوء عند الشمس والسراج ونحوهما والظل عند الجدار
1 / 55