لما فرغ من تعداد الصفات الواجبة والمستحيلة والجائزة في حقه تعالى أخذ يذكر براهينها ودلائلها ليخرج المكلف بمعرفتها عن ربقة التقليد المختلف في إيمان صاحبه فأخبر أن لوجوده تعالى دليلًا قاطعًا أي لكل شبهة وهو افتقار كل محدث بفتح الدال اسم مفعول إلى صانع أي محدث بكسرها وافتقار كل حادث إلى محدث منهم من قال إنه أمر ضروري لايفتقر إلى دليل حتى قال الإمام الفخر في المعالم إن العلم بذلك مركوز في فطرة طباع الصبيان فإنك إذا لطمت وجه الصبي من حيث لايراك وقلت إنه حصلت هذه اللطمة من غير فاعل البتة لايصدقك بل في فطرة البهائم فإن الحمار إذا أحس بصوت الخشبة فزع لأنه تقرر في فطرته أن حصول صوت الخشبة بدون الخشبة محال وعلى كونه ضروريًا لو اكتفى الناظم بالبيت الأول لكفى ومنهم من قال أن العلم بذلك نظري وهو الصحيح إلا أنه يحصل بنظر قريب ولأجل قربه ظن بعضهم أن ذلك العلم ضروري وإلى بيان النظر أشار الناظم بقوله لوحدثت إلى قوله وذامحال ومعنى ذلك أن الحادث إذا حدث في الوقت المعين فالعقل لايمنع استمرار عدمه ولايمنع صحة تقدمه على الوقت الذي وجد فيه بأوقات أوتأخره عنه بساعات فاختصاصه بالوجود بدلًا عن العدم المجوز عليه وبكونه في ذلك الوقت لاقبله ولابعده يفتقر قطعًا إلى محدث يخصصه بماذكر بدلًا عن مقابله ولو حدث لنفسه لاجتمع التساوي والرجحان وإجتماعهما محال لأنهما متنافيان وبيانه أن العالم يصح وجوده ويصح عدمه على السواء كمامر فلو حدث بنفسه ولم يفتقر إلى محدث لزم أن يكون وجوده الذي فرض مساواته لعدمه راجحًا بلا سبب على عدمه الذي فرض أيضًا مساواته لوجوده وهو محال فتعين أن يكون المرجح لوجوده على عدمه ولكون وجوده في الوقت دون وقت آخر غيره هو الفاعل المختار جل وعلا وهذامعنى قولهم لزم أن يكون أحد الأمرين المتساويين مساويًا لذاته راجحًا وهومحال ضرورة هذاإن قلنا الوجود والعدم بالنسبة إلى الممكن متساويات وهو المختار
أما إن قلنا إن العدم أولى به من الوجود لقبوله إياه بلا سبب فهو أصل في كل حادث فأظهر في الاحتياج إلى الصانع لئلا يلزم ترجيح الوجود المرجوح على العدم الراجح بلا مرجح فقد ظهر استحالة المخصوص دون سائر الأمكنة وفي تخصيصه بالزمان المخصوص دون سائر الأزمنة وفي تخصيصه بالمقدار المخصوص دون سائر المقادير وفي تخصيصه بالصفة المخصوصة دون سائر الصفات فهذه الأشياء كلها متساوية فاختصاصها وترجيحها على مقابلها يدل على أن المرجح غيرها وهو الله تعالى.
1 / 49