[الباب الأول] [في ذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)]
مخ ۱۳
$ رسول الله (صلى الله عليه وآله) / البشارة بنبوته [قال عفكلان الحميري] (1) لعبد الرحمن بن عوف: ألا أبرك (2) ببشارة نبي خير لك من التجارة؟ أنبئك بالمعجبة وأبشرك بالمرغبة، إن الله قد بعث في الشهر الأول من قومك نبيا ارتضاه صفيا، أنزل عليه كتابا جعل له ثوابا، ينهى عن الأصنام ويدعو إلى الاسلام، أخف الوقعة وعجل الرجعة.
وكتب إلى النبي (صلى الله عليه وآله):
اشهد بالله رب موسى * إنك أرسلت بالبطاح فكن شفيعي إلى مليك * يدعو البرايا إلى الفلاح فلما دخل على النبي (صلى الله عليه وآله) قال: أحملت إلي وديعة أم أرسلك إلي مرسل برسالة فهاتها (3) وبشر أوس بن حارثة بن ثعلبة به قبل مبعثه بثلاث مائة عام وأوصى أهله باتباعه في حديث طويل وهو القائل:
إذا بعث المبعوث من آل غالب * بمكة فيما بين زمزم والحجر هنالك فاشروا (4) نصره ببلادكم * بني عامر إن السعادة في النصر (5)
مخ ۱۵
وفيه يقول النبي (صلى الله عليه وآله): رحم الله أوسا أنه مات في الحنيفية، وحث على نصرنا في الجاهلية (1).
وقيل: إن عامر بن الطفيل كان من جملة العشرة الذين أوفدهم النعمان بن المنذر على كسرى، فتكلم كل واحد منهم بكلام، إلى أن قام عامر بن الطفيل فقال:
كثر فنون المنطق، وليس القول أعمى من حندس الظلماء، وإنما العجز في الفعال والعجز في النجدة، والسؤدد مطاوعة القدرة، ما أعلمك بقدرنا وأبصرك بفضلنا، وبالحرا إن أدالت الأيام وثابت الأحلام أن تحدث أمور لها أعلام.
قال: وما تلك الأحلام والأيام؟ قال: تجتمع الأحياء من ربيعة ومضر على أمر يذكر.
قال كسرى: وما الأمر الذي يذكر؟ قال: ما لي علم بأكثر ما خبرت به محمد.
قال كسرى: متى تكهنت يا ابن الطفيل؟
قال: لست بكاهن ولكني بالرمح طاعن.
قال له كسرى: فإن أتاك آت من ناحية عينك العوراء ما أنت صانع؟
قال: ما هيبتي في قفاي بدون هيبتي في وجهي، وما أذهب عيني عيث (2) ولكن مطاعنة العيث (3).
قيل: كانت تبع الأول من الخمسة الذين ملكوا الدنيا بأسرها، فسار في الآفاق، وكان يختار من كل بلدة عشرة أنفس من حكمائهم، فلما وصل إلى مكة كان معه أربعة آلاف رجل من العلماء، فلم يعظمه أهل مكة فغضب عليهم وقال لوزيره " عمياريسا " في ذلك. فقال الوزير: إنهم جاهلون ويعجبون بهذا البيت. فعزم الملك في نفسه بأن يخربها ويقتل أهلها فأخذه الله بالصدام، وفتح من عينيه وأذنيه وأنفه وفمه ماء منتنا عجزت الأطباء عنه، وقالوا: هذا أمر سماوي وتفرقوا عنه.
مخ ۱۶
فلما أمسى جاء عالم من العلماء إلى وزيره وأسر إليه إن صدق الملك بنيته عافيته. فاستأذن الوزير له فلما خلا به قال له: هل نويت في هذا البيت أمرا؟.
قال: كذا وكذا.
قال العالم: تب من ذلك ولك خير الدنيا والآخرة.
قال: قد تبت مما كنت قد نويت فعوفي في الحال، فآمن بالله وبإبراهيم الخليل (عليه السلام) وخلع على الكعبة سبعة أثواب. وهو أول من كسا الكعبة.
وخرج إلى يثرب، ويثرب هي أرض فيها عين ماء، فاعتزل من بين أربعة الف (1) عالم أربعمائة عالم على أنهم يسكنون فيها، وجاؤوا إلى باب الملك وقالوا:
إنا خرجنا من بلداننا وطفنا مع الملك زمانا وجئنا إلى هذا المكان ونريد المقام فيه إلى أن نموت فيه.
فقال الوزير: ما الحكمة في ذلك؟
قالوا: اعلم أيها الوزير أن شرف هذا البيت بشرف محمد صاحب القرآن والقبلة واللواء والمنبر، مولده بمكة وهجرته إلى هاهنا، وإنا على رجاء أن ندركه أو يدركه أولادنا.
فلما سمع الملك ذلك تفكر أن يقيم معهم سنة رجاء أن يدرك محمدا (صلى الله عليه وآله)، وأمر أن يبنى أربعمائة دار لكل واحد دارا، وزوج كل واحد منهم جارية معتقة، وأعطى كل واحد منهم مالا جزيلا.
ويروى أن تبعا قال للأوس والخزرج: كونوا هاهنا إلى أن يخرج هذا النبي أما أنا لو أدركته لخدمته ولخرجت معه (2).
وروي أنه قال:
قالوا بمكة بيت مال داثر (3) * وكنوزه من لؤلؤ وزبرجد
مخ ۱۷
بادرت أمرا حال ربي دونه * والله يدفع عن خراب المسجد فتركت فيها من رجالي عصبة * نجبا ذوي حسب ورب محمد. (1) وقال أيضا:
شهدت على أحمد أنه * رسول من الله باري النسم فلو مد عمري إلى عمره * لكنت وزيرا له وابن عم وكنت عذابا على المشركين * أسقيهم كأس حتف وغم وكتب كتابا إلى النبي (صلى الله عليه وآله) يذكر فيه إيمانه وإسلامه وأنه من أمته فليجعله تحت شفاعته، وعنوان الكتاب: إلى محمد بن عبد الله خاتم النبيين ورسول رب العالمين من تبع الأول، ودفع الكتاب إلى العالم الذي نصح له.
ثم خرج منها وسار حتى مات بغلسان بلد من بلاد الهند، وكان بين موته ومولد النبي (عليه السلام) ألف سنة.
ثم إن النبي (عليه السلام) لما بعث وآمن به أكثر أهل المدينة أنفذوا الكتاب إليه على يد أبي ليلى، فوجد النبي (عليه السلام) في قبيلة بني سليم، فعرفه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: أنت أبو ليلى.
قال: نعم.
قال: ومعك كتاب تبع الأول؟ فتحير الرجل.
فقال: هات الكتاب.
فأخرجه ودفعه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فدفعه النبي (عليه السلام) إلى علي (عليه السلام)، فقرأه عليه، فلما سمع النبي (عليه السلام) كلام تبع قال: مرحبا بالأخ الصالح - ثلاث مرات - وأمر أبا ليلى بالرجوع إلى المدينة (2).
وروى محمد بن إسحاق: إن زيد بن عمرو بن نفيل ضرب في الأرض يطلب الدين الحنيف، فقال له راهب بالشام: إنك لتسأل عن دين ذهب من كان يعرفه،
مخ ۱۸
ولكنك قد أظلك خروج نبي يأتي ملة إبراهيم (عليه السلام) الحنيفية وهذا زمانه.
فخرج سريعا حتى إذا كان بأرض لخم عدوا عليه فقتلوه. قال النبي (عليه السلام):
زيد بن عمرو يبعث أمة وحده.
وقد رثاه ورقة بن نوفل:
رشدت وأنعمت ابن عمرو وإنما * تجنبت تنورا من الله حاميا بدينك ربا ليس رب كمثله * وتركك أوثان الطواغي كما هيا وقد تدرك الانسان رحمة ربه * ولو كان تحت الأرض ستين واديا (1) وقال محمد الفتال (2): إنه كان عند تربة النبي (عليه السلام) جماعة فسأل أمير المؤمنين علي (عليه السلام) سلمان عن مبدأ أمره.
فقال: كنت من أبناء الدهاقين بشيراز عزيزا على والدي، فبينا أنا سائر مع أبي في عيد لهم إذا أنا بصومعة وإذا فيها رجل ينادي أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن عيسى روح الله وأن محمدا حبيب الله. قال: فرصف (3) حب محمد في لحمي ودمي.
فلما انصرفت إلى منزلي إذا أنا بكتاب معلق من السقف. فسألت أمي عنه فقالت: لا تقربه فإنه يقتلك أبوك.
فلما جن الليل أخذت الكتاب فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم هذا عهد من الله إلى آدم أنه خالق من صلبه نبيا يقال له محمد يأمر بمكارم الأخلاق، وينهى عن عبادة الأوثان، يا روزبه أنت وصي عيسى فآمن واترك المجوسية.
قال: فصعقت صعقة شديدة، فأخذني أبي وأمي وجعلاني في بئر عميقة وقالا:
مخ ۱۹
إن رجعت وإلا قتلناك، وضيقوا علي الأكل والشرب.
فلما طال أمري دعوت الله بحق محمد ووصيه أن يريحني مما أنا فيه. فأتاني آت عليه ثياب بيض فقال: قم يا روزبه، فأخذ بيدي وأتى بي الصومعة.
فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن عيسى روح الله، وأن محمدا حبيب الله.
فقال الديراني: يا روزبه اصعد، فصعدت إليه فخدمته حولين.
فقال: إني ميت أوصيك براهب أنطاكية فاقرأه مني السلام وادفع إليه هذا اللوح، وناولني لوحا.
فلما فرغت من دفنه أتيت راهب أنطاكية وقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأن عيسى روح الله وأن محمدا حبيب الله.
فقال: يا روزبه اصعد فصعدت إليه فخدمته حولين، فقال: إني ميت أوصيك براهب إسكندرية فاقرأه مني السلام وادفع إليه هذا اللوح.
فلما فرغت منه أتيت الصومعة قائلا: أشهد أن لا إله إلا الله وأن عيسى روح الله وأن محمدا حبيب الله.
فقال: يا روزبه اصعد فصعدت فخدمته حولين، فقال: اني ميت.
فقلت له: على من تخلفني؟
فقال: لا أعرف أحدا يقول بمقالتي في الدنيا وأن ولادة محمد قد حانت، فإذا أتيته فاقرأه مني السلام وادفع إليه هذا اللوح .
فلما فرغت من دفنه صحبت قوما لما أرادوا أن يأكلوا شدوا شاة فقتلوها بالضرب، فقالوا: كل.
فقلت: إني غلام ديراني وأن الديرانيين لا يأكلون اللحم.
ثم أتوني بالخمر، فقلت مثل ذلك، فضربوني وكادوا يقتلونني، فأقررت لواحد منهم بالعبودية، فأخرجني وباعني بثلاثمائة درهم من يهودي. فسألني عن قصتي فأخبرته وقلت: ليس لي ذنب سوى حبي محمدا ووصيه. فقال اليهودي: واني
مخ ۲۰
لأبغضك (1) ولكن أبغض محمدا. ثم أخرجني إلى باب داره وإذا رمل كثير فقال:
والله لئن أصبحت ولم تنقل هذا الرمل كله من هذا الموضع لأقتلنك.
قال: فجعلت أحمل طول ليلي، فلما جهدني (2) التعب سألت الله تعالى الراحة منه. فبعث الله ريحا فقلعت ذلك الرمل إلى ذلك المكان.
فلما أصبح نظر إلى الرمل فقال: أنت ساحر قد خفت منك. فباعني من امرأة سليمية لها حائط، فقالت لي: افعل بهذا الحائط ما شئت.
فكنت فيه إذا أنا بسبعة رهط تظلهم غمامة، فلما دخلوا كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين وأبو ذر والمقداد وعقيل وحمزة وزيد فأوردتهم طبقا من رطب فقلت: هذه صدقة.
فقال النبي (عليه السلام): كلوا، وأمسك رسول الله وأمير المؤمنين وحمزة وعقيل.
ووضعت طبقا آخر وقلت: هذه هدية. فمد يده وقال: بسم الله كلوا.
فقلت: في نفسي: بدت ثلاث علامات، وكنت أدور خلفه إذ التفت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال: يا روزبه تطلب خاتم النبوة، وكشف عن كتفيه وإذا بخاتم النبوة معجوم بين كتفيه عليه شعرات، فسقطت على قدميه اقبلهما.
فقال لي: [يا روزبه ائت] هذه المرأة وقل لها: يقول لك محمد بن عبد الله تبيعينا هذا الغلام؟
فلما أخبرتها قالت: قل له لا أبيعكه إلا بأربعمائة نخلة، مائتي نخلة صفراء، ومائتي نخلة حمراء.
فأخبرته بذلك فقال (صلى الله عليه وآله): ما أهون ما سألت. قم يا علي فاجمع هذا النوى كله. فأخذه بيده فغرسه ثم قال له: إسقه، فسقاه، فلما بلغ آخره خرج النخل ولحق بعضه بعضا، فقال لها: خذي شيك وادفعي إلينا شينا.
فخرجت وقالت: والله لا أبيعكه إلا بأربعمائة نخلة كلها صفراء.
مخ ۲۱
فهبط جبرئيل (عليه السلام) فمسح بجناحه على النخيل فصار كله أصفر.
فنظرت وقالت: والله نخلة من هذه أحب إلي من محمد ومنك.
فقلت لها: والله وإن يوما مع محمد أحب إلي منك ومن كل شئ أنت فيه.
فأعتقني رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسماني سلمان (1).
وقال نصر بن المنتصر في ذلك:
من غرس النخل فجاءت يانعا * مرضية ليومها من النوى * * * $ رسول الله (صلى الله عليه وآله) / نسبه فصل في ذكر نسبه (صلى الله عليه وآله) محمد بن عبد الله وهو الذي تصور أبوه عبد المطلب أن ذبح الولد أفضل قربة، لما علم من حال إسماعيل (عليه السلام)، فنذر أنه متى رزق عشرة ذكورا أن ينحر أحدهم للكعبة شكرا لربه عز وجل.
فلما وجدهم عشرة قال لهم: يا بني ما تقولون في نذري؟
فقالوا: الأمر إليك ونحن بين يديك.
قال: فلينطلق كل واحد منكم إلى قدحه وليكتب عليه اسمه. ففعلوا وأتوه بالقداح، فأخذها وقال:
عاهدته والآن أوفي عهده * إذ كان مولاي فكنت عبده نذرت نذرا لا أحب رده * ولا أحب أن أعيش بعده فقدمهم ثم تعلق بأستار الكعبة ونادى: اللهم رب البلد الحرام، والركن والمقام، ورب المشاعر العظام، والملائكة الكرام، اللهم أنت خلقت الخلق لطاعتك
مخ ۲۲
وأمرتهم بعبادتك، لا حاجة منك إليهم، في كلام له.
ثم أمر بضرب القداح وقال: اللهم إليك أسلمتهم، ولك أعطيتهم، فخذ من اخترت منهم فإني راض بما حكمت، وهب لي أصغرهم سنا فإنه أضعفهم ركنا.
ثم أنشأ يقول:
يا رب لا تخرج عليه قدحي * واجعل له واقية من ذبحي فخرج السهم على عبد الله. فأخذ عبد المطلب الشفرة وأتى عبد الله حتى أضجعه في الكعبة وقال:
هذا بني قد أريد نحره * والله لا يقدر شئ قدره فإن يؤخره يقبل عذره ثم هم بذبحه، فأمسك أبو طالب يده وقال:
كلا ورب البيت ذي الأنصاب * ما ذبح عبد الله بالتلعاب (1) ثم قال: اللهم اجعلني فديته وهب لي ذبحته، وقال :
خذها إليك هدية يا خالقي * روحي وأنت مليك هذا الخافق وعاونه أخواله من بني مخزوم، وقال بعضهم:
يا عجبا من فعل عبد المطلب * وذبحه ابنا كتمثال الذهب فأشاروا عليه بكاهنة بني سعد، فخرج في ثمانمائة رجل وهو يقول:
تعاورني هم فضقت به ذرعا * ولم أستطع مما تجللني دفعا نذرت ونذر المرء دين ملازم * وما للفتى مما قضى ربه منعا وعاهدته عشرا فلما تكملوا * أقرب منهم واحدا ماله رجعا فأكملهم عشرا فلما هممت أن * أفئ بذاك النذر ثار له جمعا يصدونني عن أمر ربي وأنني * سأرضيه مشكورا ليكسبني نفعا فلما دخلوا عليها قال:
يا رب اني فاعل لما ترد * إن شئت ألهمت الصواب والرشد
مخ ۲۳
فقالت: كم دية الرجل عندكم؟
قالوا: عشرة من الإبل.
قالت: فاضربوا على الغلام وعلى الإبل القداح، فإن خرج القدح على الإبل فانحروها، وإن خرج عليه فزيدوا في الإبل عشرة عشرة حتى يرضى ربكم.
فكانوا يضربون القداح على عبد الله وعلى عشرة فيخرج السهم على عبد الله، إلى أن جعلها مائة وضرب فخرج القدح على الإبل، فكبر عبد المطلب وكبرت قريش ووقع عبد المطلب مغشيا عليه، وتواثبت بنو مخزوم فحملوه على أكتافهم، فلما أفاق من غشيته قالوا: قد قبل منك فداء ولدك.
فبينا هم كذا وإذا بهاتف من داخل البيت وهو يقول: قبل الفداء، ونفد (1) القضاء، وآن ظهور محمد المصطفى.
فقال عبد المطلب: القداح تخطئ وتصيب حتى أضرب ثلاثا. فلما ضربها خرج على الإبل، فارتجز يقول:
دعوت ربي مخلصا وجهرا * يا رب لا ينحر بني نحرا فنحرها كلها، فجرت السنة في الدية بمائة من الإبل (2).
ولهذا كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: " أنا ابن الذبيحين ولا فخر " (3) يعني عبد الله وإسماعيل (عليهما السلام).
وكانت امرأة يقال لها فاطمة بنت مرة قد قرأت الكتب، فمر بها عبد الله بن عبد المطلب فقالت له: أنت الذي فداك أبوك بمائة من الإبل؟ قال: نعم فقالت: هل لك أن تقع علي مرة وأعطيك من الإبل مائة؟ فنظر إليها وأنشأ يقول :
أما الحرام فالممات دونه * والحل لا حل فأستبينه فكيف بالأمر الذي تبغينه
مخ ۲۴
ومضى مع أبيه فزوجه أبوه آمنة، فظل عندها يوما وليلة فحملت بالنبي (صلى الله عليه وآله)، ثم انصرف عبد الله ومر بها فلم ير بها حرصا على ما قالت أولا، فقال لها عند ذلك مختبرا: هل لك فيما قلت لي فقلت لا؟
قالت: قد كان ذاك مرة فاليوم لا. فذهبت كلمتاهما مثلا.
ثم قالت: أي شئ صنعت بعدي؟
قال: زوجني أبي آمنة فبت عندها.
فقالت: لله ما زهرية سلبت ثوبيك ما سلبت وما تدري.
ثم قالت: رأيت في وجهك نور النبوة فأردت أن يكون في، وأبى الله أن يضعه إلا حيث يحب. ثم قالت:
بني هاشم قد غادرت من أخيكم * أمينة إذ للباه يعتلجان كما غادر المصباح بعد خبوه * فتائل قد ميثت له بدخان وما كل ما يحوي الفتى من نصيبه * بحرص ولا ما فاته بتواني ويقال أنه مر بها وبين عينيه غرة مثل غرة الفرس.
وكان عند الأحبار جبة صوف بيضاء قد غمست في دم يحيى بن زكريا، وكانوا قد قرؤوا في كتبهم: إذا رأيتم هذه الجبة تقطر دما فأعلموا أنه قد ولد أبو السفاك الهتاك.
فلما رأوا ذلك من الجبة اغتموا، واجتمع خلق منهم على أن يقتلوا عبد الله، فوجدوا الفرصة منه لكون عبد المطلب في الصيد، فقصدوه فأدركه وهب بن عبد مناف الزهري، فحان منه نظرة، فنظر إلى رجال نزلوا من السماء فكشفوهم عنه، فزوج ابنته من عبد الله، قال: فماتت من نساء قريش مائتا امرأة غيرة.
ويقال: إن عبد الله كان في جبينه نور يتلألأ، فلما قرب حمل محمد (صلى الله عليه وآله) لم يطق أحد رؤيته، وما مر بشجر ولا حجر إلا سجد له وسلم عليه، فنقل الله منه نوره يوم عرفة وقت العصر وكان يوم الجمعة إلى آمنة (1).
مخ ۲۵
وكانت أم آمنة: برة بنت عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار (1).
وعبد الله وآمنة ماتا مسلمين، والدليل على ذلك ما ورد في الأخبار المروية عن الثقات.
فمن ذلك: ما رواه الثعلبي والواحدي وابن بطة، عن عطاء وعكرمة، عن ابن عباس في قوله تعالى: * (وتقلبك في الساجدين) * (2). يعني ندبرك من أصلاب الموحدين من موحد إلى موحد حتى أخرجك في هذه الأمة، وما زال رسول الله (صلى الله عليه وآله)، يتقلب في أصلاب الأنبياء والصالحين حتى ولدته أمه (3).
وعن علي (عليه السلام): ان النبي (صلى الله عليه وآله) قال: خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمي، ولم يصبني من سفاح الجاهلية شئ (4).
وقال متكلم: لقد من الله عليه بالآباء الطاهرين الساجدين. ولو عنى سجدة الأصنام لما من عليه، لأن المنة على الكفر قبيح.
وفي مسلم: قال بريدة: انتهى النبي (صلى الله عليه وآله) إلى رسم قبر، فجلس وجلس الناس حوله، فجعل يحرك رأسه كالمخاطب ثم بكى.
فقيل: ما يبكيك يا رسول الله؟
قال هذا قبر آمنة بنت وهب، استأذنت ربي في زيارة قبرها فأذن لي، فزوروا القبور يذكركم الموت (5).
ولو لم تكن مؤمنة لما جاز له زيارتها، ولا أذن له، لقوله: * (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره) * (6) الآية.
[قال] أبو عبد الله (عليه السلام): نزل جبرئيل (عليه السلام) على النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: " يا محمد
مخ ۲۶
إن الله جل جلاله يقرؤك السلام ويقول: إني قد حرمت النار على صلب أنزلك، وبطن حملك، وحجر كفلك " (1) يعني عبد الله وآمنة وأبا طالب وفاطمة بنت أسد.
وقال الحسن البصري في قوله: * (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين) * (2): أي ما كان ذلك يا محمد إلا بأمر مني، فلما أمره أن يقول:
* (وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا) * (3) علمنا أن الله أمره.
وعبد الله أنفذه أبوه عبد المطلب يمتار له تمرا من يثرب فتوفي بها.
وعبد الله بن عبد المطلب:
وكان لعبد المطلب عشرة أسماء: عمرو، وشيبة الحمد، وسيد البطحاء، وساقي الحجيج، وساقي الغيث، وغيث الورى في العام الجدب، وأبو السادة العشرة، وحافر زمزم ، وعبد المطلب.
وسمي " عبد المطلب " لأن أباه هاشما كان شخص في تجارة إلى الشام فترك طريق المدينة فتزوج سلمى ابنة عمرو فولدت شيبة، ومات هاشم بالشام، فمكث شيبة سبع سنين فرآه حارثي في غلمان يتناضلون وهو إذا خنقه الأمر يقول:
أنا ابن هاشم، فحكى الحارثي للمطلب ذلك، فذهب المطلب وأردفه خلفه ودخل مكة وهو مردفه، فقيل إنه عبد المطلب، فصار بذلك لقبا له.
وإنما سمي " شيبة الحمد " لأنه كان في رأسه شيبة حين ولد.
وكان له عشرة بنين وهم: الحارث، والزبير، وحجل وهو الغيداق، وضرار وهو نوفل والمقوم، وأبو لهب وهو عبد العزى، وعبد الله، وأبو طالب، وحمزة، والعباس. وكانوا من أمهات شتى إلا عبد الله وأبو طالب والزبير فإنهم كانوا أولاد أم، وأمهم فاطمة بنت عمرو بن عابد.
وأعقب منهم البنين خمسة: عبد الله أعقب محمدا سيد البشر (صلى الله عليه وآله)، وأبو طالب أعقب [طالبا] (4) جعفرا وعقيلا وعليا وهو سيد الوصيين، وعباس أعقب عبد الله
مخ ۲۷
وقثم والفضل وعبيد الله، والحارث أعقب عبيدة، وأبو لهب أعقب عتبة ومعتبا وعتيقا.
وأعقب عبد المطلب ست بنات: عاتكة، أميمة، البيضاء وهي أم حكيم، برة، صفية وهي أم الزبير، أروى ويقال وريدة.
وأسلم من أعمام النبي (عليه السلام): أبو طالب، وحمزة، والعباس. ومن عماته صفية، وأروى، وعاتكة. وآخر من مات من أعمامه: العباس، ومن عماته: صفية.
وكانت لعبد المطلب خمس من السنن أجراها الله في الاسلام: حرم نساء الآباء على الأبناء، وسن الدية في القتل مائة من الإبل، وكان يطوف بالبيت سبعة أشواط، ووجد كنزا فأخرج منه الخمس.
وسمي حافر زمزم حين حفرها وجعلها سقاية الحاج.
وكان أول من تحنث بحراء، والتحنث: التأله، وكان يدخل فيه إذا أهل هلال شهر رمضان إلى آخر الشهر.
وهو الذي خرج إلى أبرهة بن الصباح ملك الحبشة لما قصد لهدم البيت، وتسرعت الحبشة فأغاروا عليها وأخذوا سرحا لعبد المطلب بن هاشم، فجاء عبد المطلب إلى الملك فاستأذن عليه فأذن له وهو في قبة ديباج على سرير له ، فسلم عليه، فرد أبرهة السلام وجعل ينظر في وجهه، فراقه حسنه وجماله وهيأته فقال له: هل كان في آبائك مثل هذا النور الذي أراه لك والجمال؟ قال: نعم أيها الملك، كل آبائي كان لهم هذا الجمال والنور والبهاء.
فقال له أبرهة: لقد فقتم الملوك فخرا وشرفا، ويحق لك أن تكون سيد قومك.
ثم أجلسه معه على سريره وقال لسائس فيله الأعظم - وكان فيلا أبيض عظيم الخلق، له نابان مرصعان بأنواع الدرر والجواهر، وكان الملك يباهي به ملوك الأرض -: آتيني به.
فجاء به سائسه وقد زين بكل زينة حسنة، فحين قابل وجه عبد المطلب سجد له ولم يكن يسجد لملكه، وأطلق الله لسانه بالعربية فسلم على عبد المطلب (1).
مخ ۲۸
وفي خبر: وقال بلسان فصيح: يا نور خير البرية، ويا صاحب البيت والسقاية، ويا جد سيد المرسلين (1).
وذكر ابن بابويه في الجزء الرابع من كتاب النبوة ان الفيل نادى بلسان... (2) على النور الذي في ظهرك يا عبد المطلب، معك العز والشرف، ولن تذل ولن تغلب أبدا. فلما رأى الملك ذلك ارتاع له وظنه سحرا، ثم قال: ردوا الفيل إلى مكانه.
ثم قال لعبد المطلب: فيم جئت فقد بلغني سخاؤك وكرمك وفضلك ورأيت من هيبتك وجمالك وجلالك ما يقتضي أن أنظر في حاجتك فسلني ما شئت.
وهو يرى أنه يسأله في الرجوع عن مكة.
فقال له عبد المطلب: إن أصحابك عدوا على سرح لي فذهبوا به فمرهم برده علي.
قال: فتغيظ الحبشي من ذلك وقال لعبد المطلب: لقد سقطت من عيني، جئتني تسألني في سرحك وأنا قد جئت لهدم شرفك وشرف قومك ومكرمتكم التي تتميزون بها من كل جيل، وهو البيت الذي يحجج إليه من كل صقع في الأرض، فتركت مسألتي في ذلك وسألتني في سرحك!
فقال له عبد المطلب: لست برب البيت الذي قصدت لهدمه، وأنا رب سرحي الذي أخذه أصحابك فجئت أسألك فيما أنا ربه، وللبيت رب هو أمنع له من الخلق كلهم وأولى به منهم.
فقال الملك: ردوا عليه سرحه.
وانصرف عبد المطلب إلى مكة، واتبعه الملك بالفيل الأعظم مع الجيش لهدم البيت، فكانوا إذا حملوه على دخول الحرم أناخ وإذا تركوه رجع مهرولا.
فقال عبد المطلب: ادعوا إلي ابني: فجئ بالعباس، فقال: ليس هذا أريد، ادعو إلي ابني. فجئ بأبي طالب، فقال: ليس هذا أريد، ادعو إلي ابني. فجئ بعبد الله أبي النبي (صلى الله عليه وآله)، فلما أقبل إليه قال له: اذهب يا بني حتى تصعد أبا قبيس ثم
مخ ۲۹
اضرب ببصرك ناحية البحر فانظر أي شئ يجئ من هناك وخبرني به.
قال: فصعد عبد الله أبا قبيس فما لبث أن جاء طير أبابيل مثل السيل والليل فسقط على أبي قبيس، ثم صار إلى البيت وطاف به سبعا، ثم صار إلى الصفا والمروة فطاف بهما سبعا. فجاء عبد الله إلى أبيه فأخبره الخبر.
فقال له: انظر يا بني ما يكون من أمرها بعد فأخبرني به.
فنظرها فإذا هي قد أخذت نحو عسكر الحبشة، فأخبر عبد المطلب بذلك، فخرج عبد المطلب وهو يقول: يا أهل مكة اخرجوا إلى العسكر فخذوا غنائمكم.
قال: فأتوا العسكر وهم أمثال الخشب النخرة وليس من الطير إلا ومعه ثلاثة أحجار في منقاره ويديه يقتل بكل حصاة منها واحدا من القوم. فلما أتوا على جميعهم انصرفوا. فلم ير قبل ذلك ولا بعده.
فلما هلك القوم بأجمعهم جاء عبد المطلب إلى البيت فتعلق بأستاره وقال:
يا حابس الفيل بذي المغمس * حبسته كأنه مكوكس (1) في محلس يزهق فيه الأنفس.
وانصرف وهو يقول: في فرار قريش وجزعهم من الحبشة:
طارت قريش إذا رأت خميسا * فظلت فردا لا أرى أنيسا ولا أحس منهم حسيسا * إلا أخا لي ماجدا نفيسا مسودا في أهله رئيسا (2) فكانوا بين هالك مكانه، أو مات في الطريق عطشا، وسلط الله على جيشه من العرب الجدري والحصبة، وهلك الأشرم وابنه النجاشي وكان على مقدمته، وأفلت نفيل بن الحبيب الخثعمي وكان قائد الفيل، وأفلت أخنس الفهمي وكان دليل الحبشة.
مخ ۳۰
وورث الله قريشا أموالهم وما معهم. وسمى الناس قريشا أهل الله وسمتهم العرب الحمى الممنوع، وقالوا: قاتل الله عنهم أقيالهم وخولهم أموالهم.
وهو الذي سار إلى سيف بن ذي يزن وبشره بالنبي (صلى الله عليه وآله). قال ابن عباس رضي الله عنهما: لما ظفر سيف بن ذي يزن بالحبشة وذلك بعد مولد النبي (عليه السلام) بسنتين أتته وفود العرب وأشرافها وشعراؤها تهنئه وتمدحه وتذكر ما كان من بلائه وطلبه بثار قومه. فأتى وفد قريش وفيهم عبد المطلب بن هاشم وأمية بن عبد شمس وأسد بن عبد العزى وعبد الله بن جذعان فقدموا عليه وهو في قصر له يقال له غمدان، وله يقول أبو الصلت:
لن يدرك الثأر أمثال بن ذي يزن * في لجة البحر للأعداء أحوالا أتى هرقلا وقد شالت نعامته * فلم تجد عنده القول الذي قالا ثم انثنى نحو كسرى بعد تاسعة * من السنين لقد أبعدت إيغالا حتى أتى بفتى الأحرار يقدمهم * إنك لعمري لقد أسرعت إرقالا من مثل كسرى وبهرام الجنود له * ومثل وهرز يوم [الجيش إذ صالا] (1) لله درهم من عصبة خرجوا * ما أن رأينا لهم في الناس أمثالا صيدا جحاجحة بيضا خضارمة * أسدا تربت في الغابات أشبالا أرسلت أسدا على سود الكلاب فقد * غادرت جمعهم في الأرض أفلالا فأشرب هنيئا عليك التاج مرتفعا * في رأس غمدان دارا منك محلالا ثم أطل بالمسك إذ شالت نعامتهم * وأسبل اليوم في برديك أسبالا تلك المكارم لا قعبان من لبن شيبا * بماء فعادا بعد أبوالا (2) فطلبوا الإذن عليه فأذن لهم، فدخلوا فوجدوه متضمخا بالعبير، وعليه بردان أخضران قد اتزر بأحدهما وارتدى بالآخر، وسيفه بين يديه والملوك عن يمينه وشماله، وأبناء الملوك والمقاول. فدنا عبد المطلب واستأذنه في الكلام، قال له: قل.
مخ ۳۱
فقال: إن الله تعالى أيها الملك أحلك محلا رفيعا صعبا منيعا باذخا شامخا وأنبتك منبتا طابت أرومته، وقرت جرثومته، ونبل أصله، وبسق فرعه في أكرم معدن وأطيب موطن، فأنت أبيت اللعن رأس العرب، وربيعها الذي به تخصب، وملكها الذي إليه ينقاد، وعمودها الذي عليه العماد، ومعقلها الذي تلجأ إليه العباد، سلفك خير سلف، وأنت لنا بعدهم خير خلف، ولم يهلك من أنت خلفه، ولم يخمل منهم سلفه، نحن - أيها الملك - أهل حرم الله وسدنة بيته، أشخصنا إليك الذي أبهجنا من كشفك الكرب الذي فدحنا، فنحن وفد التهنئة لا وفد المرزية.
قال: ومن أنت أيها المتكلم؟
قال: أنا عبد المطلب بن هاشم.
قال: ابن أختنا.
قال: نعم. فأدناه وقربه. ثم أقبل عليه وعلى القوم فقال: مرحبا وأهلا، وناقة ورحلا، ومستناخا سهيلا، وملكا سبحلا (1)، يعطى عطاء جزلا - وكان أول من تكلم بها - قد سمع الملك مقالتكم، وعرف قرابتكم، وقبل وسيلتكم، لكم الكرامة ما أقمتم، والحبا إذا ظعنتم.
ثم استنهضوا إلى دار الضيافة والوفود، وأجرى عليهم الأنزال (2)، فأقاموا ببابه شهرا لا يصلون إليه ولا يأذن لهم بالانصراف.
ثم انتبه لهم انتباهة فدعا بعبد المطلب من بينهم فأخلاه وأدناه مجلسه وقال:
يا عبد المطلب إني مفض إليك من سر علمي أمرا فليكن عندك مصونا مطويا حتى يأذن الله فيه، فإن الله بالغ أمره.
فقال عبد المطلب: مثلك أيها الملك من سر وبر فما هو فداك أهل الوبر زمرا بعد زمر؟
مخ ۳۲
قال: إذا ولد بتهامة غلام، بين كتفيه شامة، كانت له الإمامة ولكم الدعامة إلى يوم القيامة.
فقال: أيها الملك قد أتيت بخبر ما أتى بمثله أحد، ولولا هيبة الملك وإجلاله لسألته من ساري ما أزداد به سرورا.
قال: هذا حينه الذي يولد فيه أوقد ولد، اسمه أحمد، يموت أبوه وأمه ويكفله جده وعمه، قد ولد سرارا والله باعثه جهارا، وجاعل له منا أنصارا، يعز بهم أولياءه، ويذل بهم أعداءه، ويفتح بهم كرائم الأرض، ويضرب بهم الناس عن عرض، يخمد الأديان، ويكسر الأوثان، ويعبد الرحمان، قوله حكم وفصل، وأمره حزم وعدل، يأمر بالمعروف ويفعله، وينهى عن المنكر ويبطله.
فقال عبد المطلب: أيها الملك دام ملكك وعلا كعبك فهل الملك ساري بإفصاح، فقد أوضح بعض الإيضاح.
فقال ابن ذي يزن: والبيت ذي الحجب، والعلامات على النصب، إنك يا عبد المطلب جده غير كذب.
فخر عبد المطلب ساجدا.
قال ابن ذي يزن: ارفع رأسك ثلج صدرك، وعلا أمرك، فهل أحسست شيئا مما ذكرت لك؟
قال عبد المطلب: أيها الملك كان لي ابن كنت له محبا، وعليه حذرا مشفقا، فزوجته كريمة من كرائم قومه يقال لها آمنة بنت وهب بن عبد مناف، فجاءت بغلام بين كتفيه شامة، وفيه كلما ذكرت من علامة، مات أبوه وأمه، فكفلته أنا وعمه.
قال ابن ذي يزن: إن الذي قلته لك كما قلت فاحفظ ابنك واحذر عليه من اليهود، فإنهم له أعداء، ولن يجعل الله لهم عليه سبيلا، واطو ما ذكرت لك دون هؤلاء الرهط الذين معك فإني لست آمنهم أن يدخلهم النفاسة من أن يكون لك الرئاسة، فيبغون لك الغوائل، وينصبون لك الحبائل، وهم فاعلون أو أبناؤهم، ولولا أني أعلم أن الموت مدركي قبل مبعثه لسرت بخيلي ورجلي حتى أصير
مخ ۳۳