الدر النقي في شرح ألفاظ الخرقي
تأليف
جمال الدين أبي المحاسن يوسف بن حسن بن عبد الهادي الحنبلي الدمشقي الصالحي
المعروف بـ «ابن المبرد» المتوفى سنة ٩٠٩ هـ
إعداد الدكتور
رضوان مختار بن غربية
1 / 1
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
1 / 2
الدُّرُ النَّقيُّ فى شَرْحِ أَلفَاظِ الخِرقي
1 / 3
جَمِيع الْحُقُوق مَحْفُوظَة
الطَّبْعَةُ الأولى
١٤١١ هـ - ١٩٩١ م
نَالَ صَاحب هَذَا الْبَحْث دَرَجَة الدكتوراة فِي الْفِقْه وَالْأُصُول من كُلية الشَّرِيعَة والدراسات الإسلامية، جَامِعَة أم الْقرى، مَكَّة المكرمة
دار المجتمع للنشر والتوزيع
ص. ب: ٤٠٨٤٥ - جدة: ٢١٥١١ - ت الإدارة: ٦٨٩١٤١٧ - المكتبة: ٦٨٩٤٤٦١
جدة - ميدان الجامعة - فاكسميل: ٦٨٩٤١٤٤ (٠٢)
فرع الخبر: ص. ب: ٢٣٢١ - الخبر: ٣١٩٥٢ - ت: ٨٩٤١١٣٦
1 / 4
الإِهداء
إلى اللّذين غرسا في نفسي حبّ العلم الشرعي، وبذلا لي كلّ ما يملكان، تعبًا لأسترح، ونصبًا لأسعد، وكانا لي المدرسة الأولى الّتي ترعرعت تحتَ أجنحتها.
والدي العزيز الّذي ما فتيء يدعو لي بالتوفيق والسّداد، أمدّه الله بالعمر المديد في طاعته.
والوالدة الحنونة تغمدها الله برحمته، وأنزل عليها سحائب الرّضوان، واسكنها فسيح جناته ..
"ابنكم"
رضوان
1 / 5
مقدمة التحقيق
الحمد لله الذي فتق لسان العرب بأفصح لسان، وأبلغ بيان، وبه أنزل سبحانه القرآن واصطفى رسوله محمدًا ﷺ من خيار بني عدنان.
وأشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سلك نهجه إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن الدراسات الفقهية تشكّل من تراثنا الإسلامي الضخم جانبًا مهمًا وبالغ الأثر والخطر في حياة الفرد والمجتمع حيث إنها تهيمن على أفعال المكلفين في إطار منهاج يبيّن ما يتحتّم عليهم من دقيق وجليل وما يندب في حقهم ويباح ويقرر لهم طرائق السلوك في العبادات والمعاملات، والجنايات والأقضية ونظام الأصة حيث إن كل لبنة من لبنات حياة المسلم تقوم على أساس معرفة الفقه والإلمام به والاطلاع على تفاصيله والعمل بأحكامه، فبهذا العِلم في الجملة تتفتق أسباب السعادة البشرية باعتبار ما يتضمنه من جلب المصالح ودرء المفاسد، وتوجيه مسار حياة الفرد والمجتمع إلى الاتجاه السليم والطريق المستقيم الذي يجمع خير الدنيا ونعيم الآخرة.
وانطلاقًا من هذه المفاهيم سعى جهابذة الفقهاء من الصحابة والتابعين والأئمة المتقدمين والمتأخرين إلى نشر هذا التراث الثري، وشمروا عن ساعد الجد في تمحيصه وتنظيمه، فكثرت على إثر ذلك الدراسات المختلفة المتنوعة التي تناولت جميع جوانب هذا الفن الهام رغبة في بيان معانيه وتوضيح غامضه وتفصيل أحكامه كي يكون غضًا في تناوله سهلًا في تطبيقه حرصًا على سعادة هذه الأمة في المعاش والمعاد.
1 / 7
ومن ضمن هذه الدراسات "القواعد الففهية" و"الضوابط" و"النظريات" و"الفروق" و"الأشباه والنظائر" وغيرها. التي بحثها فقهاء هذه الأمة قديمًا وحديثًا. (١)
كما حظي من جانب آخر علم "الغريب في الفقه الإسلامي" بالاهتمام الكبير من فقهاء المذاهب الذين نحوا منحى البحث اللغوي والاصطلاحي في ألفاظ الفقه. ذلك لما يوليه هذا العلم من العناية الفائقة باللغة العربية من حيث مدلولات ألفاظها وحسن استعمال صيغها، كما لا يخفى ما له من دور فعّال في نضج الفكر الفقهي السليم النابع عن الممارسة الجدية لمدلولات اللغة ومعانيها، وكانت هذه الحقيقة جليّة لدى فقهائنا الأولين من السلف، وعلى رأسهم الإمام الشافعي ﵀ الذي انكبّ -ما يقرب من العشرين سنة- على دراسة علم العربية في معاقلها الأولى، ولما سئل في ذلك قال: "ما أردت بهذا إلاّ الاستعانة على الفقه" (٢) وتأكيدًا لهذا ما قاله ابن السيد البَطَلْيُوسي (المتوفى ٥٢١ هـ) "إن الطريقة الفقهية مفتقرة إلى علم الأدب، مؤسسة على أصول كلام العرب، وإن مثلها ومثله قول أبي الأسود الدؤلى:
فإلا تكنها أو تكنه فإنه ... أخوها غذته أمه بلبانها" (٣)
كما لا يخفى علينا ونحن طلاب علم ما لهذه المصطلحات الفقهية من مكانة علمية بارزة، ورتبة سنية في سلم الفقهيات، إذ بها تتضح الملابسات وتتميّز المتشابهات، ويزول الغموض عن كبريات المسائل فتنحل بذلك قضايا، وتتجلّى حقائق في حياة الفرد والمجتمع -كما يمكن أن نضيف في سجل الأهمية لهذه المصطلحات ما قاله أحد الكتاب المحدثين "إن تاريخ العلوم تاريخ لمصطلحاتها، وإنه لا حياة لعلم بدونها، وعلمية الاصطلاح في العلوم كعلمية الاسم على المولود في إيضاح المقصود وتحديد المفهوم.
_________
(١) ينظر في هذا ما كتبه الأخ الفاضل: علي الندوي في كتابه "القواعد الفقهية" رسالة ماجستير في الفقه من جامعة أم القرى بمكة الكرمة.
(٢) انظر: (مقدمة غرر المقالة في شرح غرب الرسالة للمحقق: ص ٦٠).
(٣) انظر: (الإنصاف في التنبيه على الأسباب التي أوجبت الاختلاف: ص ٢٢).
1 / 8
وقد علم أن مصطلحات كل علم توجد معه أو بعده بالضرورة، ويسعى العلماء حين وجود الشيء إلى تسميته فتتم على أساس من العلاقة بين اللغة والاصطلاح - فالمصطلحات إذًا ضرورة علمية ووسيلة هامة من وسائل التعليم ونقل المعلومات وقد أصبحت لضرورتها تمثّل جزءًا مهمًا في المناهج العلمية ... (١) ".
فتحت ظل المصطلحات تجمع أفكار المتعلمين على دلالات واضحة، كما ينسج على منوالها ملتقى للعلماء في تناقل أفكارهم ومداركهم، إضافة إلى أنه على أساسها يمَوم التأليف والإنتاج، ثم التدوين.
فالمصطلح إذًا عملة نافقة ذات القيمة في سوق العلم والتعليم. فبواسطتها تعتدل العلوم وتأخذ مكانتها في الأهمية، وبفقدانها تنكسر وتتبعثر.
كما أن هناك حقيقة أخرى غفل عنها الكثير ممن بحثوا في هذا الفن واهتموا بنشر تراثه، أحببت الإشارة إليها وتجليتها فإنها ذات أهمية بالغة، لا يعيها إلاّ من جمع بين العلم والعمل، وقرن بين الفقه والفكر، وعاش للإسلام والمسلمين وهي أن تمسك الأمة بمصطلحاتها والتزامها بمواضعاتها - التي حدّدها لها - علماؤها وفقهاؤها دليل على استقلالها وعنوان لعزّتها وتثبيت لكرامتها وشخصيتها، وأداة بنّاءة في لم شملها لوحدتها، فهي بذلك تقاوم الانحلال والتفكك، والتحدي الوافد عليها في هذا المجال من هجنة في اللسان، وإقراف في المعان، ومنابذة لشريعة الإسلام.
إلا أن الأمة الإسلامية في واقعنا المعاصر غلب عليها الانطواء تحت لواء الأجنبي بالتبعية الماسخة، منصهرة في قالبه وعاداته وتعاليمه، ومن أسوأ تلك التبعيات ما وقعت فيه من إهدار لمصطلحاتها الشرعية، واستبدالها بمصطلحات دخيلة منبوذة لغة وشرعًا وحسًا ومعنى.
وهذا الابتلاء تمّ به الإجهاز على اللغة ومعانيها وفي مقدمتها
_________
(١) انظر: (فقه النوازل لبكر بن عبد الله أبو زيد: ١/ ١٤٨).
1 / 9
مصطلحاتها الشرعية فاستبعدت أسماء الشريعة المطهرة الواردة في التنزيل وسنة النبي ﵊، وما ورد على لسان الصحابة فمن بعدهم من أساطين علماء هذه الأمة عبر القرون.
واستبدل بكل هذا لغة القانون المصنوع، وهي لغة كما يعلم أولو العلم أقرب إلى اللغو لما يتخلّلها من قصور وعجمة وسماجة.
وكان نتيجة هذا العدوان المحكم أن أصبحت مصطلحات الشريعة في ديارها غريبة غربة الإسلام عن الواقع فاستحكم بذلك الانفصام بين المسلم وتراثه الأثيل.
وفي بيان هذا يقول الأستاذ الكبير أبو الأعلى المودودي ﵀ تحت عنوان "غرابة المصطلحات": "المشكلة الأولى جاءت من جهة اللغة وبيان ذلك أن الناس عامة في هذا الزمان قليلًا ما يتفطنون لما ورد في القرآن وفي كتب الحديث والفقه من المصطلحات عن الأحكام والمبادئ الدستورية ... ففي القرآن الكريم كثير من الكلمات نقرؤها كل يوم ولكن لا نكاد نعرف أنها من المصطلحات الدستورية كالسلطان، والملك، والحكم، والأمر، والولاية. فلا يدرك مغزى هذه الكلمات الدستوري الصحيح إلّا القليل من الناس، ومن ثم نرى كثيرًا من الرجال المثقفين يقضون عجبًا ويسألوننا في حيرة إذا ذكرنا لهم الأحكام الدستورية في القرآن أو في القرآن آية تتعلق بالدستور؟ والواقع أنه لا داعي إلى العجب لحيرة مثل هؤلاء الأفراد، فإن القرآن ما نزلت فيه سورة سميت بالدستور ولا نزلت فيه آية بمصطلحات القرن العشرين". (١)
هذا جانب من جوانب المصطلحات الشرعية المهدورة. وأما العدوان على بقية جوانبها الأخرى، خاصة في الاقتصاد والأموال وفي القضاء والإثبات والجنايات، وعلى المواضعات اللغوية، وفي أسماء العلوم والفنون الأخرى، وسائر أنواع الصناعات والتجارات والعلاقات الخاصة والعامة ... فتضيق
_________
(١) انظر: (كتابه تدوين الدستور الإسلامي: ص ٩ - ١٠).
1 / 10
عليها دائرة الحصر والعد على من أراد ذلك.
وتعقيبًا فإن نبذ الأسماء الشرعية ومصطلحاتها، واستبدالها بمواضعات قاصرة لا تسنتند إلى علم أثيل ولا تلجأ إلى ركن سديد، لخطر عظيم وخذل أثيم لأمة القرآن التي شرّفها الله تعالى بحمله والتزام أحكامه واتباع سننه الأقوم.
وأخيرًا، هذه نتف علمية من تاريخنا الزاخر، ومن واقعنا المر ذكرتها تبيانًا لأهمية فن المصطلحات وأحقيته بالدراسة والبحث وخصوصًا فيما يتعلق بالفقه وأحكامه. فإن على غذائه تقوم حياة الفرد والمجتمع، وعلى سننه الأقوم تسعد البشرية معاشًا ومعادًا.
ومن هنا جاء اختياري -وأنا أبحث عن موضوع للدراسة أتقدم به لنيل درجة الدكتوراه في الفقه والأصول من جامعة أم القرى- على كتاب يبحث في علم المصطلحات الفقهية، فوقع بصري لأول وهلة وذلك بتوجيه من المشرف على الرسالة، على كتاب للعلاّمة الحنبلي يوسف بن حسن بن عبد الهادي (ت ٩٠٩ هـ) والمسمى بـ "الدرّ النّقي في شرح ألفاظ الخرقي" وبعد جهد في تصفح كتب الفهارس والمعاجم وسؤال أهل العلم، والمختصين بفن التحقيق تأكد لي أن الكتاب ما زال في حيّز المخطوطات، لم تتناوله يد التحقيق بعد، فسارعت عندئذ في جمع نُسَخِه الخطيّة المنثورة في مكتبات العالم، فلم أعثر إلَّا على نسخة وحيدة فقط بخط مصنفها رحمه الله تعالى، وما استغربت ذلك ولا استبعدته بعد ما علمت أن غالب مصنفاته بقيت محفوظة بخط يده إلى يومنا هذا لم تتناولها يد الاستنساخ.
والكتاب مهم في بابه، مفيد في مادته العلمية، غني بالمصطلحات التي استعملها الفقهاء في كتبهم، وإذا كان حنبلي المصدر، والانتساب باعتبار أنه اهتم بلغات الخرقي فقط فهو مورد سيال لأرباب الفقه عامة ينهلون منه ويستزيدون من مادته اللغوية والاصطلاحية في تدعيم اجتهاداتهم وآرائهم الفقهية، شأنه في ذلك شأن كتب المواضعات في الفقه الإسلامي فهو بحق
1 / 11
معلمة (١) لغوية فقهية دلّت على فضل ابن عبد الهادي وسعة باعه في اللغة وقوة
تحقيقه وهضمه للمسائل الفقهية. وسوف يظهر هذا جليًا عند دراستنا للكتاب وبيان أهميته في موضوعه.
وأخيرًا، أقدم هذا العمل المتواضع، ومعترفًا بما يكون فيه من عيب وقصور، غير أني بذلت وسعي وطاقتي ابتغاء إخراجه في أحسن صورة ممكنة، فإن وفقت إلى ذلك فهو من فضل الله علي ومعونته، وإن كان غير ذلك فعذري أنه جهد مقل لم يدخر وسعًا ولا جهدًا ولا مكنة ...
والله أسأل ألا يحرمني الثواب وأن يجعله في صحيفة أعمالي يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
_________
(١) معلمة: هذا هو اللفظ الصحيح الذي كان ينبغي أن يعبر به بدل "موسوعة" الذي اصطلح عليه في القرن الثالث عشر إثر خطأ وقع على لسان أحد الأعجميين ذكر ذلك في قصة لطيفة سجلتها مجلة "لواء الإسلام: ٢٦/ ١١٥٨ "تحت عنوان "الأدب والعلوم" ومما جاء فيه ما نصه "لطاش كبرى زاده كتاب باسم: "موضوعات العلوم" ولما كانت إحدى مكتبات القسطنطينية تدوّن فهرسًا لمحتوياتها أملى أحد موظفيها اسم هذا الكتاب على أحد موظفي المكتبة بلفظ "موضوعات" العلوم، فسمع الموظف وهو أعجمي "الضاد" سينًا، فكتب اسم الكتاب "موسوعات العلوم" وسمع الشيح إبراهيم اليازجي صاحب "مجلة الضياء" باسم هذا الكتاب وموضوعه فخيّل إليه أن كلمة "موسوعات" تؤدي معنى "دائرة معارف" فأعلن ذلك في مجلته، وأخذ به أحمد زكي باشا وغيره فشاعت كلمة موسوعة وموسوعات لهذا النوع من الكتب، وهي تسمية مبنية على الخطأ كما رأيت، وكان العلامة أحمد تيمور باشا والكرملي، وغيرهما يرون تسمية دائرة المعارف باسم: معلمة، لأنه أصح وأرشق، وأدل على المراد منه ... "
1 / 12
نبذة عن مصادر ترجمة الجمال بن عبد الهادي ﵀:
إن المصادر التي ترجمت للعلّامة يوسف بن عبد الهادي على قلَّتها وندرتها. - اذا ما قورنت بمصادر ترجمة من سبقه من أعلام هذه الأمة، قد حفظت لنا آثاره وأخباره بما يكفي للباحث المتخصص أن يقدم دراسة شاملة وواعية عن حياته العلمية والعملية بالإضافة إلى ما خلفه من أثر علمي نافع حفظته الأجيال لنا عبر السنين، حيث إنه مستودع حافل لدراسة أفكاره جملة وتفصيلًا وخصوصًا أن غالب هذه المصنفات سجّلت وبقيت مسجلة بخط يده.
وإذا حاولنا البحث عن أقدم مَن ترجم لأبي المحاسن فإننا نجد المؤرخ الناقد شمس الدين السخاوي (ت ٩٠٢ هـ) على رأس القائمة، فقد ساق لنا في كتابه الضوء اللامع أخبار الشيخ في بضعة أسطر فقط، وذلك راجع -لاشك- إلى بعد المنازل بينهما فأخباره عنده كانت قليلة. ثم جاء تلميذ -صاحب الترجمة- شمس الدين بن طولون الصالحي (ت ٩٥٣ هـ) الذي أفاض في ترجمة شيخه في كتبه "متعة الأذهان" و"سكردان الأخبار" كما خصه بترجمة وافية بمؤلف خاص سماه "الهادي إلى ترجمة ابن عبد الهادي" وهو ضخم كما وصفه البعض وكل هذه المؤلفات باستثناء الضوء اللامع لا تزال في عالم المخطوطات.
كما نعت الشيخ، بـ "الحافظ" نجم الدين الغيطي (ت ٩٨٤ هـ) في "مشيخته" وهو مخطوط، أشار إلى ذلك عبد الحي الكتاني في "فهرسه: ٢/ ١١٤١".
1 / 13
ثم جاء نجم الدين الغزي (ت ١٥٦١ هـ) في كتابه "الكواكب السائرة" فأشاد بالشيخ الجمال ضمن ترجمة موجزة نافعة مفيدة.
أما ابن العماد الحنبلي (ت ١٠٨٩ هـ) فقد ترجم له في "الشذرات" بنبذة جديرة بالذكر ثم فاجأنا الكمال ابن الغزي (ت ١٢٥٧ هـ) في كتابه "النعت الأكمل" بأخبار مطولة عن العلاّمة ابن عبد الهادي، عدد فيها مناقبه وأشاد بعِلْمه، كما عَرَّج على معظم مؤلفاته البارزة، فهي أوسع ترجمة بعد الذي ذكر سابقًا عن تلميذه ابن طولون.
ثم بعد هؤلاء جاء ابن حُمَيد النجدي (ت ١٢٩٥ هـ) الذي حصر أخبار الشيخ في ورقتين ذكر فيها بعض المناقب والمزايا التي قلَّ أن تجدها عند غيره، وذلك قي كتابه المخطوط الشهير "السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة".
كما سجل ابن بدران الحنبلي في كتابه "المدخل لمذهب أحمد بن حنبل" ترجمة لطيفة لأبي المحاسن وذلك عند ذكر كتابه المشهور "مغني ذوي الأفهام".
ثم جاء بعد ذلك محمد جميل الشطي (ت ١٣٧٩ هـ) الذي ترجم لابن عبد الهادي في كتابه "مختصر طبقات الحنابلة" وعبد الحي الكتاني في كتابه المشهور "فهرس الفهارس"، ومحمد كرد علي في "خطط الشام" كما أفاد وأجاد الأستاذ صلاح محمد الخيمي مدير دار الكتب الظاهرية عندما خصّ العلاّمة يوسف بن عبد الهادي بترجمة واسعة ذكر فيها أهم ما يقال في حياة الجمال، مع عرض مفصّل لمؤلفاته وإنتاجه العلمي، وكان ذلك في "مجلة معهد المخطوطات العربية الصادرة بالكويت رمضان ١٤٠٢ هـ - وصفر ١٤٠٣ هـ المجلد السادس والعشرون الجزء الثاني".
كما لا ينسى ما قدم به الأستاذ محمد أسعد طلس لكتاب "ثمار المقاصد في ذكر المساجد" للمصنف ﵀، فهو زبدة ما قيل في حق هذه الشخصية قديمًا، ولهذا لا نكون مبالغين عندما نقول ما من دراسة باحث معاصر حول
1 / 14
الجمال بن عبد الهادي إلا وهي عيال على ما كتبه الأستاذ طلس حوله فجزاه الله خيرًا.
هذه أبرز مصادر ترجمة ابن عبد الهادي ﵀.
ناهيك عما ذكر في "تاريخ الأدب العربي وذيله لبروكلمان" و"معجم المؤلفين لكحالة" و"الأعلام للزركلي" و"هدية العارفين للبغدادي" وما كتبه يوسف العش في "فهرس مخطوطات الظاهرية"، ومحمد كرد علي في "مجلة المجمع العلمي العربي" وما سجله الدكتور عبد الرحمن العثيمين في مقدمته لكتاب "الجوهر المنضد" لمصنفه يوسف بن عبد الهادي ﵀.
1 / 15
أولًا: القسم الدراسي
1 / 17
الباب الأول
للمؤلف: يوسف بن عبد الهادي ﵀ (ت ٩٠٩ هـ)
المعروف بـ "ابن المبرد"
1 / 19
الفصل الأول
في نسبه ومولده، وطلبه للعلم، مع بيان عقيدته ومنزلته العلمية، وثناء العلماء عليه
أ - في نسب يوسف بن عبد الهادي ﵀: (*): -
هو العلّامة، يوسف بن حسن (١) بن أحمد بن حسن بن أحمد بن
_________
(*) انظر ترجمته في: (الضوء اللامع للسخاوي: ١٠/ ٣٠٨، الكواكب السائرة للغزي: ١/ ٣١٦، الشذرات لابن العماد: ٨/ ٤٣، النعت الأكمل لابن الغزي ص ٦٧، السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة لابن حميد: ص ٣١٩ - ٣٢٠، المدخل لابن بدران: ص ٢١٧، ٢٢٤، مختصر طبقات الحنابلة للشطي: ص ٧٤، فهرس الفهارس للكتاني: ٢/ ١١٤١، الأعلام للزركلي: ٩/ ٢٩٩، خطط الشام لمحمد كرد علي: ٨/ ١٧، هدية العارفين للبغدادي: ٢/ ٥٦٠ - ٥٦٢، تاريخ الأدب العربي لبروكلمان: ٢/ ١٠٧ - ١٠٨، وذيله: ٢/ ١٣٠، ٩٤٧، مقدمة ثمار المقاصد في ذكر المساجد كتبها أسعد طلس: ص ١١ - ٤٩، يوسف بن عبد الهادي حياته وآثاره المخطوطة والمطبوعة لصلاح الدين الخيمي مستلة من مجلة معهد المخطوطات العربية، المجلد "السادس والعشرون" الجزء الثاني ١٤٠٢ هـ- ١٩٨٢ م، معجم المؤلفين لكحالة: ١٣/ ٢٨٩، مجلة المجمع العلمي العربي محمد كرد علي: ١٩/ ٢٦٧، مجلة معهد المخطوطات لصلاح الدين المنجد: ٢/ ١٣٣ - ١٣٤، مقدمة القلائد الجوهرية لابن طولون، كتبها محققه محمد أحمد دهمان: ١/ ١٤ - ١٥، مقدمة الجوهر المنضد في طبقات متأخري أصحاب أحمد، كتبها الدكتور عبد الرحمن العثيمين: ص ١٢ - ٣٩، فهرس المؤلفين بالظاهرية محمد كرد علي).
(١) حسن بدون "الألف واللام" كذا قيده بنفسه عندما ترجم لأبيه في كتابه "الجوهر المنضد: ص ٢٩ - وقد درج بعضهم على اضافة (أل).
1 / 21
عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة، وينتهي
نسب ابن قدامة إلى سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ﵄ (١).
وهذه شجرة نسب توضح أسرة ابن عبد الهادي مع بيان الوفيات لأعلامها، زيادة في العلم والمعرفة.
عبد الحميد (ت ٦٥٨) - محمد (ت ٦٥٨)
محمد - عبد الهادي (ت ٦٨٢) - أحمد (ت ٧٠٠)
عبد الله - عبد الرحمن - عبد الحميد - أحمد - محمد - محمد - أبو بكر
ت (٧٠٧) (ت ٧٤٩) (ت ٧٠٧) (ت ٧٥٢) (ت ٧٤٦) (ت ٦٩٩)
محمد
(ت ٧٦٩) عبد الله - أحمد
عائشة - فاطمة - دنيا
(ت ٨١٦) (ت ٨٠٣) أبو بكر
محمد شمس الدين - عبدالرحمن - إبراهيم - الحسن
(ت ٧٤٤) (ت ٧٨٩) (ت ٨٠٠)
عمر (ت ٨٠٣) - أحمد (ت ٨٥٦)
أحمد (ت ٨٦١) - حسن (ت ٨٨٠)
أحمد (ت ٨٩٥) - يوسف (ابن المبرد) أبو المحاسن
(ت ٩٠٩)
_________
(١) لم أعثر على ترجمة كاملة لنسبه إلا في: (النعت الأكمل لابن الغزي: ص ٦٧، تحقيق: محمد مطيع الحافظ، ونزار أباظة، دار الفكر).
1 / 22
عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة المقدسي الجماعيلي، وهو ابن عم أبي عُمَر محمد، وموفق الدين بن قدامة.
لقبه: -
جمال الدين أبو المحاسن، فهو ابن القاضي بدر الدين أبي عبد الله بن المسند شهاب الدين أبي العباس القرشي العدوي المقدسي الأصل، الدمشقي الصالحي، المعروف بـ "ابن المبرد" - بفتح "الميم" وسكون "الباء" الموحدة - كذا ضبطه ابن الغزي، (١) وحكاه عنه تلميذه ابن طولون، قال في "سكردان الأخبار له": "ابن المبرد" بفتح الميم وسكون الباء الموحدة، كذا أملاني هذا النسب من لفظه وأنشدني:
من يطلب التعريف عني قد هدى ... فاسمي يوسف وابن نجل المبرد
وأبي يعرف باسم سبط المصطفى ... والجد جدي وقد حذاه بأحمد (٢)
وضبطه صاحب "فهرس الفهارس" - بكسر "الميم" وسكون "الباء". (٣)
و"المبرد" لقب عرف به جده "أحمد" لقبه به عمه. قيل: لقوته، وقيل: لخشونة يده.
ب - ما قيل في مولده ﵀:
تعددت أقوال من ترجم ليوسف بن عبد الهادي في تحديد تاريخ ولادته حب "الضوء اللامع" (٤) يذكر أن ولادته كانت في سنة بضع وأربعين.
وأما ابن الغزي في "النعت الأكمل" (٥) فقد حددها بسنة (٨٤١ هـ)،
_________
(١) انظر: (النعت الأكمل: ص ٦٧).
(٢) انظر: (السحب الوابلة: ص ٣١٩).
(٣) انظر: (الكتاني - فهرس الفهارس: ٢/ ١١٤١ - تحقيق: إحسان عباس - دار الغرب الإسلامي - بيروت).
(٤) الضوء اللامع للسخاوي: ١٠/ ٣٠٨، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت، لبنان).
(٥) انظر: (النعت الأكمل: ص ٦٧).
1 / 23
وبه قال الشطي في "مختصره" (١).
وأما صاحب "الشذرات" فقد ذكر أن الولادة كانت في دمشق في غرة محرم سنة (٨٤٠ هـ)، (٢) وهذا ما جزم به الغزي، (٣) وقاله ابن الملا في "متعة الأذهان"، (٤) وكذا نقل جار الله بن فهد عن النعيمي في "تاريخه العنوان". (٥) وبه أيضًا جزم تلميذه ابن طولون الدمشقي قال: "مولده بالسهم الأعلى بصالحية دمشق سلخ سنة (٨٤٠ هـ) "، (٦) وإلى هؤلاء انضم صاحب "فهرس الفهارس"، "والأعلام" (٧) ولعل هذا الأخير الذي يمكن ترجيحه، وهو أقرب إلى الصواب. والله أعلم.
جـ - طلبه للعلم:
عندما نتحدث عن بداية طلب يوسف بن عبد الهادي للعلم -والأسباب التي أخذت بيده وجعلت منه عالمًا مرموقًا يحتذى به في هذه الدرجة- يجب علينا أن نعرف رأس الأمر في هذا الشأن، وهو نبوغه وترعرعه في بيت عريق في الفضل والعلوم الشرعية والدين. ألا وهو بيت "آل عبد الهادي" الذي تخرج من مدرسته رجال أفذاذ في العلم والأخلاق والورع، ونساء فضليات حملوا العلم، وساهموا في نشوه وتبليغه.
ومن أبرز وأشهر هؤلاء الرجال والنساء:
_________
(١) انظر: (مختصر طبقات الحنابلة: ص ٧٤، مطبعة الترقي، دمشق).
(٢) انظر: (الشذرات لابن العماد: ٨/ ٤٣، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت).
(٣) انظر: (الكواكب السائرة: ١/ ٣١٦، تحقيق: جبرائيل سليمان جبور، دار الفكر، بيروت).
(٤) (متعة الأذهان والتمتع بالأقران: ص ١٠٨).
(٥) (السحب الوابلة: ص ٣١٩).
(٦) قاله محقق كتاب "الجوهر المنضد" في مقدمته: ص ١٣.
(٧) انظر: (فهرس الفهارس: ٢/ ١١٤١، الأعلام: ٩/ ٢٩٩، الطبعة الثالثة).
1 / 24