ولك أن تقول: هذا لا ينافي القولين الأولين «١»؛ لأن المغفرة فيه بمعنى الرحمة المخصوصة المراد بها تعظيمه، والثناء عليه وتشريفه، والتنويه بعليّ قدره وشرفه بين ملائكته، مع مزيد الإفضال عليه من سوابغ إنعامه بما يليق بعظيم كماله.
فاتضح أنه لا مخالفة في الحقيقة بين هذه الأقوال الثلاثة، وأن مالها ومرجعها إلى ما ذكرته، فتدبره «٢» .
ثم رأيت في كلام ابن عطية ما يومىء إليه؛ فإنه قال: (صلوات الله على عبيده.. رحمته وبركته وتشريفه إياهم في الدنيا والآخرة، ونشره الثناء الجميل عليهم؛ أي: فهي تشمل ذلك كله، لكن الذي لنبينا ﷺ منه هو أكمله وأعلاه وأشرفه وأتمه) .
ومن ثمّ قال بعضهم: (صلاة الله تعالى على خلقه خاصة وعامة، فهي على أنبيائه الثناء والتعظيم، وعلى غيرهم الرحمة، فهي التي وسعت كل شيء) اهـ ويؤيد ذلك قول الغزالي وغيره: (إن لفظ الصلاة موضوع للقدر المشترك، وهو الاعتناء بالمصلّى عليه) «٣» .
وأما صلاة الملائكة عليه ﷺ:
فقيل: هي الدعاء، ورواه البخاري عن أبي العالية، وغيره عن الربيع بن أنس والضحاك، وجرى عليه ابن الأعرابي وابن عطية وغيرهما.
- وقال ابن عباس ﵄: الدعاء بالبركة، علّقه عنه البخاري «٤» .
_________
(١) أي: مجيء الصلاة بمعنى الثناء، وبمعنى الرحمة.
(٢) الذي اعتمده المؤلف رحمه الله تعالى في «التحفة» (١/ ٢٧): أنها من الله الرحمة المقرونة بالتعظيم.
(٣) المستصفى من علم الأصول (٢/ ١٤٣) .
(٤) صحيح البخاري (كتاب التفسير)، باب (قوله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ ...) .
1 / 44