الدر المنضود في معرفة صيغ النيات والإيقاعات والعقود تأليف زين الدين علي بن علي بن محمد بن طي الفقعاني (855 ه ق) تحقيق وتعليق محمد بركت منشورات مكتبة مدرسة إمام العصر (عج) العلمية بشيراز PageV0MP001
الكتاب: الدر المنضود في صيغ النيات والإيقاعات والعقود.
المؤلف: زين الدين أبو القاسم علي بن علي بن محمد بن طي العاملي الفقعاني.
تحقيق: محمد بركت.
التنضيد والإخراج: السيد علي الحسيني.
الناشر: مكتبة مدرسة إمام العصر (عج) العلمية - شيراز.
الطبعة: الأولى / 1418 ه. ق.
المطبعة: مطبعة أمير - قم عدد النسخ: 2000 نسخة.
السعر: PageV0MP002
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أنطق ألسنتنا بحمده، وألهم قلوبنا شكر رفده، وأطلق جوارحنا للقيام بورده، والصلاة على محمد نبيه وعبده وآله وعترته وجنده صلاة دائمة بدوام مجده، والسلام على مولانا الحجة بن الحسن العسكري - عجل الله تعالى فرجه - واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين.
أما بعد، فإن علم الفقه لا يخفى شرفه وسموه لعموم حاجة المكلفين إليه، وإقبال الخلائق عليه، وقد صنف علماء الأصحاب - أعلى الله مقامهم - فيه الكثير مستخرجا من معدنه المتصل بأصحاب آية التطهير، قصدا لعظيم الثواب في الآجل وجسيم الثناء في العاجل، ولما كانت أدلة الاستدلال الأحكام في علم الفقه متنوعة والموضوعات فيه مختلفة، كانت التصانيف في هذا العلم بأساليب متعددة، فمنها: ما جاء بأسلوب أجوبة المسائل، ومنها ما جمعت فيه القواعد الفقهية، وبعضها الآخر تضمن تفسير آيات الأحكام، وغير ذلك... PageV0MP003
وقد تجد في بين تلك المصنفات كتب صنفت لمعرفة صيغ النيات والإيقاعات والعقود، وهي كثيرة نذكر جملة منها:
1 - الفخرية في معرفة النية، لفخر المحققين محمد بن الحسن بن المطهر الحلي (المتوفى سنة 771).
2 - اللمعة الجلية في معرفة النية، لجمال الدين أبي العباس أحمد بن محمد بن فهد الحلي (المتوفى سنة 841).
3 - رسالة في نيات الحج، لجمال الدين أحمد بن فهد الحلي.
4 - رسالة في نيات العبادات، لجمال الدين أحمد بن فهد الحلي.
5 - جواهر الكلمات، لمفلح بن حسن بن راشد الصيمري (القرن التاسع).
6 - النبذة العقودية في صيغ النكاحية، لمفلح بن حسن بن راشد الصميري.
7 - الإيقاظات في العقود والإيقاعات، لنصير الدين حسين بن مفلح بن حسن بن راشد الصميري (المتوفى سنة 933).
8 - جواهر الكلمات، لعطاء الله بن مسيح الدين الرستمداري (القرن العاشر).
9 - صيغ العقود والإيقاعات، لنور الدين علي بن حسين بن عبد العالي، المحقق الكركي (المتوفى سنة 940) 10 - رسالة في النية، لإبراهيم بن سليمان القطيفي (القرن العاشر) 11 - صيغ العقود والإيقاعات، لعلي بن أحمد بن هلال بن المنشار العاملي (القرن العاشر). PageV0MP004
12 - رسالة في النية، لزين الدين بن علي بن أحمد العاملي، الشهيد الثاني (الشهيد سنة 965).
13 - صيغ العقود، للشهيد الثاني.
14 - نيات الحج والعمرة، للشهيد الثاني.
15 - رسالة في النية، للسيد حسين بن حسن الحسيني الكركي (المتوفى سنة 1001).
16 - رسالة النيات وصيغ العقود والإيقاعات، للسيد حسين بن حسن الحسيني الكركي.
17 - صيغ النكاح، لمحمد علي بن محمد باقر البهبهاني (المتوفى سنة 1216).
18 - صيغ العقود والإيقاعات، لمحمد جعفر بن سيف الدين الشريعتمدار الأسترآبادي (المتوفى سنة 1263).
19 - صيغ النكاح، له أيضا.
20 - صيغ العقود والإيقاعات، للسيد عبد الفتاح بن علي الحسيني المراغي.
21 - الدر المنضود، لعبد الله بن محمد حسن المامقاني (المتوفى سنة 1351).
22 - رسالة في صيغ العقود، لمحمد باقر بن محمد تقي المجلسي (المتوفى سنة 1110).
وهذا الكتاب الذي بين يديك هو من هذا الصنف، حيث تعرض مؤلفه لبيان صيغ النيات والعقود والإيقاعات. وسنتعرض بإيجاز إلى ترجمة المؤلف وسبب التحقيق والنسخ المعتمدة في التحقيق. PageV0MP005
المؤلف (1):
هو الشيخ زين الدين أبو القاسم علي بن علي بن جمال الدين محمد بن طي العاملي الفقعاني (2)، من أجلاء فقهاء بلاده، والمعاصر لجمال الدين أبي العباس أحمد بن محمد بن فهد الحلي، يروي عن شمس الدين محمد بن عبد الله العريضي، ويروي عنه شمس الدين محمد بن محمد بن داود المؤذن الجزيني، ويروي عنه - أيضا - ولده محمد بن علي بن علي بن محمد بن طي.
قال صاحب الرياض:
" الفاضل العالم الفقيه المجتهد الشاعر، المعروف ب: ابن طي، ويعرف ب: أبي القاسم ابن طي أيضا، وهو صاحب كتاب مسائل ابن طي، والمعاصر لابن فهد الحلي، وصاحب الأقوال المعروفة في الفقه " (3).
وقال أيضا:
" ثم إني قد رأيت في مجموعة بأردبيل بخط الشيخ محمد بن علي بن الحسن الجباعي العاملي - وكان تلك المجموعة بخطوط الأفاضل - إن هذا الشيخ أبا القاسم كان فاضلا عالما متفننا صاحب أدب وبحث وحسن خلق، ومات رحمه الله سنة خمس وخمسين وثمانمائة - انتهى.
PageV0MP006
وفي موضع آخر منها بخطه أيضا هكذا:
الشيخ الإمام العالم الفاضل أبو القاسم علي بن علي بن محمد بن طي أدام الله ظلال جلاله وحرس عين الكمال عن ساحة عين كماله بمحمد خير الخلق وآله، يمدح كتاب المهذب للشيخ الإمام العالم العامل الفاضل الفاصل بين الحق والباطل جمال الدين ابن فهد رحمه الله ويرثيه أيضا - انتهى.
ثم ذكر خمسة عشر بيتا من أشعاره في مدح ذلك الكتاب ومرثية ابن فهد، ثم كتب فيها بخطه أو بخط غيره من الأفاضل أنه توفي ابن طي قائل هذه الأشعار المذكورة يوم الثلاثاء سابع جمادى الأولى سنة خمس وخمسين وثمانمائة - انتهى.
وقد رأيت بعض الفوائد والمسائل المنقولة عن أبي القاسم بن طي المذكور وهو يدل على فضله وتدربه في علم الفقه " (1).
وصاحب مجالس المؤمنين (2) عده من تلاميذ ابن فهد الحلي وذكر قصيدة منه في رثاء ابن فهد، ويتشوق فيها إلى رؤية ابن فهد ومصاحبته، وذلك قبل تلمذه عليه وقبل رؤيته، وتبعه نامه دانشوران (3) وأعيان الشيعة (4)، ويمكن أن تكون هذه القصيدة هي التي رآها صاحب الرياض.
القصيدة:
معاقرة الأوطان ذل وباطل * ولا سيما إن قارنتها الغوايل فلا تسكنن دار الهوان ولا تكن * إلى العجز ميالا فما ساد مائل فما العز إلا حيث أنت موقر * وما الفضل إلا حيثما أنت فاضل وما الأهل إلا من رأى لك مثل ما * تراه وإلا فالمودة عاطل إذا كنت لا تنفي عن النفس ضيمها * فأنت لعمري القاصر المتطاول إذا ما رضيت الذل في غير منزل * فأنت الذي عن ذروة العز نازل
PageV0MP007
يعز على ذي الفضل أن يستفزه * إلى حيث مدفوا لدنية جاهل يرد عليه القول والقول قوله * وينكر منه فضله المتكامل أرى زمنا ما كان في الكون مثله * ولا حدثت عنه القرون الأوائل ألا إن هذا الدهر لم يسم عنده * من الناس إلا جافل العقل ذاهل أخي شد سرج العزم من فوق سابح * يفوق الصبا عدوا على الشد كامل وخل بلادا من وراك لمن ترى * بسفك الدما في أشهر الصوم كافل وعرج على أرض العراق ميمما * إلى بلد فيها الهدى والأفاضل أنخ بنواحي بابل بعراصها * وحي بها من للأفاضل فاضل فتى طال طول الطائلين بطوله * على الحلة الفيحاء منه تحايل جمال الورى رب الفوائد كاشف * الغوامض مما لم تطقه الأوائل تفهد حتى قصر الليث دونه * فما هو فرد في الفرائد كامل همام إذا ما اهتز للبحث واقف * مآربه فيما يروم المسائل ترى حوله الطلاب ما بين مورد * لطائف أبحاث وآخر سائل وسله إذا ما جئته دعواته * لذي وله عزت عليه الرسايل (1) وكتب المؤلف القواعد والفوائد للشهيد عن نسخة الأصل، ثم قرأه على شيخه حسن بن يوسف بن أحمد، الشهير ب: ابن العشرة، فكتب شيخه إنهاء له تاريخه 18 ذي الحجة سنة 840.
قال في الضياء اللامع:
" ويوجد في النجف بخط صاحب الترجمة نسخة " القواعد والفوائد " للشهيد، كتبها عن نسخة الأصل المسودة بخط المؤلف وفرغ من كتابتها عند طلوع الفجر
PageV0MP008
يوم السبت 21 ج 2 - 835، ثم قابله مع نسخة خط جمال الدين أحمد ابن النجار تغمده الله برحمته في مجالس آخرها عشية الأحد 19 شعبان 835، وذكر أنه كتب على نسخته جميع ما كان في نسخة ابن النجار من الفوائد والتصحيحات والفتاوى حتى أنه كتب صورة الإنهاء الذي كان في آخر نسخة ابن النجار بخط شمس الدين محمد العريضي، وكتب في الهامش: أنه عرض أيضا نسخته ثانيا على نسخة خط ولد المصنف رضي الدين أبي طالب محمد، ثم قرأه على شيخه فكتب شيخه في ذيل اسم الكاتب: [أنهاه أيده الله تعالى بعنايته ووفقه للخير وملازمته ورقاه في درجات السعادة وبلغه منازل السيادة بحق محمد وآله السادة قراءة وبحثا وتحقيقا وتدقيقا فأفاد أزيد مما استفاد، أكمل الله مطالبه وبلغه في الدارين مآربه ونفع به المؤمنين وكثر أمثاله في العالمين وذلك في نوب متعددة آخرها نهار 18 ذي الحجة... سنة 840... وكتب أضعف عباد الله... حسن بن يوسف بن أحمد حامدا مصليا مستغفرا] " (1).
واحتمل صاحب الرياض أن يكون صاحب الترجمة من أسباط محمد بن علي بن محمد بن طي، الذي ينقل السيد ابن طاوس في كتاب زوائد الفوائد عن خطه بعض الأخبار (2).
قال في أعيان الشيعة:
وفي زاد المعاد للمجلسي نقلا عن كتاب زوائد الفوائد للسيد علي بن طاووس في أعمال ربيع الأول أنه أورد حديثا في اتخاذ يوم التاسع منه يوم عيد وساق الحديث بطوله إلى أن قال في آخره: قال صاحب زوائد الفوائد: كتبت هذا الحديث من خط علي بن محمد بن طي (رحمه الله). والظاهر أنه صاحب الترجمة نسب إلى جده كما يقع كثيرا، وفي ذلك دلالة على أنه معروف وبالفضل موصوف " (3).
PageV0MP009
ولده:
للمؤلف ولد عالم فاضل فقيه اسمه محمد.
قال قي الضياء اللامع ص 128:
محمد بن أبي القاسم علي بن علي بن محمد بن طي الفقعاني العاملي. تلمذ على والده الشهير بابن الطي صاحب المسائل المعروفة ب (مسائل ابن طي)، قرأ عليه (النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر) للفاضل المقداد، بعد ما كتبه صاحب الترجمة بخطه وفرغ من الكتابة عند غروب الشمس يوم الثلاثاء 9 صفر 854 فكتب عليه والده بخطه ما صورته: [أنهاه الولد العزيز محمد وفقه الله لكل خير، قراءة وبحثا وشرحا في مجالس آخرها سلخ جمادى الآخرة سنة 854 أحسن الله عاقبته. كتب العبد الفقير إلى الله علي بن علي بن محمد بن طي غفر الله له ولوالديه وللمؤمنين. آمين] وكتب صاحب الترجمة بعد ذكر تاريخ فراغه واسمه ونسبه، رباعيا ولعله لنفسه وهو:
يا ناظرا في الكتاب بعدي * وجانيا من ثمار جهدي لي افتقار إلى دعاء * تهديه لي في ظلام لحدي والنسخة في مكتبة الخوانساري ".
ولهذا الولد تعليقات على الدر المنضود، موجودة بخطه على نسخة مكتبة العلامة الطباطبائي، وكتب إنهاء لكاتب النسخة المذكورة، هذا نصه:
أنهاه - أيده الله تعالى وأبقاه ومن جميع المكاره وقاه ولصنوف الخير لقاه - قراءة وبحثا وضبطا وشرحا واستشراحا، وسأل في أثناء قراءته عما أشكل عليه فأبنت له ذلك بحسب الجهد والطاقة مع قصور باعي في الصناعة وقلة البضاعة، فأخذ ذلك واعيا أعانه الله على العمل به، وذلك في عدة مجالس آخرها يوم الخميس ثاني شهر شوال المبارك من شهور سنة ثلاث وستين وثمانمائة. وكتب العبد الفقير إلى الله تعالى، محمد بن علي بن علي بن محمد بن طي، ولد مؤلفه، عامله الله بلطفه وجعل يومه خيرا له من أمسه، وبصره بعيوب نفسه، وغفر له ذنبه قبل حلول رمسه، بمحمد وآله الطاهرين والحمد لله وحده وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم. PageV0MP010
مصنفاته:
1 - إعلام الوارد.
ذكره المصنف في الدر المنضود ص 22، ومن تعليقة ولده يظهر أن الكتاب كان عنده.
2 - الحاشية على القواعد والفوائد (1).
قال صاحب الرياض:
" وأنا - أيضا - قد رأيت مجموعة بخطه [أي: ابن طي] الشريف، وكان من جملتها القواعد الشهيدية وله عليها فوائد وتعليقات، وكان تاريخها سنة سبع وأربعين وثمانمائة، فلاحظ " (2).
3 - الدر المنضود.
هو هذا الكتاب الذي بين يديك، ذكره كل أصحاب التراجم باسم الصيغ والعقود، ويستنتج من ذلك أن أحدا من أهل التراجم لم ير هذا المؤلف، لأن المصنف قد صرح باسم الكتاب في مقدمته، إذ لو كانوا قد وجدوه لأشاروا إلى اسمه أو تعريفه.
قال صاحب الرياض:
" ومن مؤلفاته، رسالة في العقود والإيقاعات، وهي توجد عند المولى ذو الفقار، ويوجد عنده خطه الشريف أيضا " (3).
4 - المسائل الفقهية = مسائل ابن طي.
هذا الكتاب هو من أشهر وأعرف مؤلفات المصنف.
PageV0MP011
قال صاحب الذريعة:
" هي مسائل فقهية على ترتيب كتب الفقه، صنفها سنة 824، جمع فيها مسائل وفوائد من نفسه، ومسائل أخرى من فتاوى جماعة من العلماء، كالسيد عميد الدين ابن أخت العلامة والشيخ فخر الدين ولد العلامة، ومن مسائل الشهيد المعروف بمسائل ابن مكي ومن مسائل السيد بدر الدين الحسن بن أيوب الشهير ب: ابن نجم الدين الأطراوي العاملي تلميذ السيد عميد الدين الأعرجي ويعرف بمسائل ابن نجم، وينقل فتاوى ابن حسام مشافهة والظاهر أنه جعفر بن حسام العيناثي، وغيرها من الفتاوى والمؤلفات، رأيته في خزانة سيدنا الحسن صدر الدين من عصر المؤلف تاريخها ثلاثة وخمسين وثمانمائة، وقد سماه " المسائل المفيدة بالألفاظ الحميدة لذي الألباب والبصائر السديدة " كما في آخره. أوله: [ الحمد لله المتفرد بالقدم والدوام المنزه عن مشابهة الأعراض والأجسام... فإني مستمد من الله المعونة على جمع كتاب المسائل كل مسألة في كتابها المختص به وأضيف إليها من غيرها مسائل آخر من مسائل الشيخين الإمامين المرحومين ابن مكي وابن نجم الدين... مرتبة على كتب ومقاصد ونبدأ بالأهم فالأهم، كتاب الطهارة وفيه مسائل. مسألة لو مس السن أو الظفر المتصل بالميت لا غسل عليه].
ونسخة عند الشيخ مشكور بالنجف، وصرح بأكثر خصوصيات هذه المسائل في (الرياض) ويظهر منه في ترجمة ابن نجم الأطراوي أنه يسمى أيضا ب (المسائل التعيين للصواب لذوي الفطنة والتمكين) وأنه رأى نسخة منه كتابتها 824 بخط أحمد بن حسين بن حمزة بن أحمد الطريحاني " (1).
قال في تكملة أمل الآمل:
" أقول: عندي كتاب (المسائل) وأظنه نسخة الأصل، قال في أوله: أما بعد فإني أستمد من أهل المعونة وتيسير المؤنة على جمع مسائل كتاب المسائل كل مسألة في كتابها المختص به، وأضيف إليها من غيرها مسائل أخرى هي مسائل الشيخين الإمامين المرحومين ابن مكي وابن نجم الدين.
أقول: يريد بكتاب المسائل ما جمعه علي بن مظاهر من مسائل أستاده فخر الدين
PageV0MP012
ويعرف ب (المسائل المظاهرية) وعندي منه نسخة قديمة.
وقال ابن طي في آخر كتابه: تمت المسائل المفيدة والألفاظ الحميدة لذوي الألباب والبصائر السديدة من مسائل السيد الأمجد والفريد الأوحد من جده المصطفى محمد بن نجم الدين والشهيد المرحوم، فرحمة الله عليهما وعلى من دعا لهما وللكاتب والمؤمنين والمؤمنات، وافق الفراغ من نساجتها ضحوة نهار الجمعة سادس عشر ذي الحجة من شهور سنة أربع وعشرين وثمانمائة، والحمد لله رب العالمين " (1).
سبب التحقيق:
لدى حضور المحقق الفقيد السيد عبد العزيز الطباطبائي - رحمه الله - إلى شيراز في شهر ربيع الأول عام 1414 (ه. ق) للتحقيق والاستفادة من المخطوطات الموجودة في هذه المدينة، وبالأخص مخطوطات مكتبة مدرسة إمام العصر (عج) العلمية، ومكتبة العلامة الطباطبائي، وعند رؤيته لنسخة كتاب الدر المنضود الخطية في مكتبة العلامة الطباطبائي، سره أن يقتني صورة من تلك النسخة، فأمرني بتهيأتها له.
وبينما كنت منشغلا بإعداد دليل الكتب المخطوطة الموجودة في مكتبة مدرسة إمام العصر (عج) العلمية، عثرت على نسخة أخرى من هذا الكتاب، فعرضت النسخة الجديدة عليه في سفرته التالية عام 1415 (ه. ق) كما طلبت منه - رحمه الله - أن يعرف لي كتابا أحققه بنفسي، فأجاب متفضلا:
إني عرضت كتاب الدر المنضود، على عدة من المحققين، ولم أحصل على نتيجة إلى الآن، والظاهر أن توفيق تحقيقه سيكون من نصيبك.
وقد كان كما قال، وبدأت بتحقيق الكتاب.
PageV0MP013
النسخ المعتمدة في التحقيق:
اعتمدنا في تحقيق هذا الكتاب على أربعة نسخ خطية موجودة، هي:
1 - نسخة مكتبة العلامة الطباطبائي في مدينة شيراز، المرقمة 152، كتبها محمد بن محمد بن حسن بن ربيعة في نهار الأحد 25 رمضان 862، عليها إنهاء من ولد المصنف للكاتب، وأيضا عليها حواشي من ولد المصنف بخطه، تقع هذه النسخة في 92 ورقة بأبعاد 17. 5 × 13. 5 سم، والورقة ما قبل الآخرة مبتورة، رمزنا لها ب: (ع).
2 - نسخة مكتبة كلية الإلهيات بجامعة مشهد، المرقمة 192، كتبها نور الله - الشهير ب: خواجة بيك - بن المحمود الساوجي في 4 ربيع الأول 975، تقع هذه النسخة في 107 ورقة. رمزنا لها ب: (ت).
3 - نسخة مكتبة الآستانة الرضوية المقدسة، المرقمة 6496، كتبها محمد المطلق الإصفهاني ابن علي بن محمود في 15 ربيع الثاني 965، حيث تقع هذه النسخة في 126 ورقة بأبعاد 17 × 13 سم، رمزنا لها ب: (ق).
4 - نسخة مكتبة مدرسة إمام العصر (عج) العلمية في مدينة شيراز، ضمن المجموعة المرقمة 340، كتبها شكر الله بن حسين بن محمد بن علي الأسترآبادي في 12 محرم 977، تقع هذه النسخة في 65 ورقة بأبعاد 5. 25 × 18. 5 سم، وهذه النسخة كتبت من نسخة مكتبة كلية الإلهيات، ورمزنا لها ب: (م). PageV0MP014
طريقتنا في التحقيق:
1 - جعلنا نسخة (ع) أصلا وأثبتنا موارد اختلاف النسخ عليها.
2 - أوردنا حواشي ولد المصنف ورمزنا لها ب: (ابن المؤلف).
3 - أثبتنا ما تيسر لنا من المصادر.
شكر وتقدير:
وفي الختام أقدم شكري الجزيل لحضرة الأستاذ العلامة سماحة آية الله الشيخ مجد الدين المحلاتي لمساعدته في طبع هذا الكتاب، وكذلك شكري الجزيل من أساتيذي السيد حسين الحسيني الزرباطي والشيخ محمد علي الجعفري لمساعدتهم إياي في إنجاز هذا التحقيق، وأيضا نشكر الحاج أمير الكريمي لمساهمته في طبع الكتاب.
محمد بركت جمادي الأول 1418 (ه. ق) مكتبة مدرسة إمام العصر (عج) العلمية شيراز PageV0MP015
صورة الصحفة الأولى من نسخة (ع)
مخ ۱۶
صورة الصفحة الأخيرة من نسخة (ع)
مخ ۱۷
صورة خط المحقق الفقيد السيد عبد العزيز الطباطبائي (ره) في الدفتر التذكاري لمكتبة مدرسة إمام العصر (عج) العلمية - شيراز
مخ ۱۸
سلسلة مخطوطات مكتبة مدرسة إمام العصر (عج) العلمية (1) الدر المنضود في معرفة صيغ النيات والإيقاعات والعقود تأليف زين الدين أبو القاسم علي بن علي بن محمد بن طي الفقعاني (855 ه. ق) منشورات مكتبة مدرسة إمام العصر (عج) العلمية بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين (1) الحمد لله الذي هدانا بلطفه إلى سبيل الصواب، وجعل النية والعمل الصالح سبيلا إلى تحصيل الثواب، وألهمنا مصالح الدين والدنيا ليتم نظام النوع في المبدأ والمآب، وصلى الله على محمد سيد رسله، المفضل على جميع أولي الألباب، الناطق بالحكمة والصادع (2) بالصواب، وعلى آله المخصوصين بالطهارة (3) في الذوات والأنساب، وأصحابه المقتفين أمره ونهيه، صلاة تتعاقب عليهم تعاقب الآنات والأحقاب (4).
مخ ۱
وبعد (1): فإن دلالة العقل والنقل متطابقة (2) على شرف العلوم الشرعية، وتحصيل مقاصدها وحقائقها متوقف على القصد والنية.
فأشار إلي من إشارته لازبة (3)، وطاعته علي واجبة، أن أجمع له رسالة في علم الشريعة، متضمنة لأحكام النيات وصيغها (4)، وصيغ العقود والإيقاعات، وكل عبادة (5) تحتاج إليها في الشرعيات.
فأجبت إشارته العالية، وامتثلت أوامره الماضية، وكتبت هذه الرسالة، تقربا إلى الله الكريم، ورغبة في ثوابه الجسيم، وتوكلت في ذلك على الواحد الديان، فبه المستعان، وعليه التكلان، وسميتها:
الدر المنضود في معرفة صيغ النيات، والإيقاعات، والعقود (6).
ورتبتها على عدة كتب:
مخ ۲
كتاب الطهارة وهي لغة: النزاهة والنظافة.
وشرعا: استعمال طهور مشروط بالنية (1)، وتصدق (2) على غير ذلك مجازا.
وأقسامها ثلاثة: وضوء، وغسل، وتيمم.
[القسم] الأول: الوضوء، وهو: واجب وندب.
وأسبابه: البول، والغائط، والريح من المعتاد، والنوم الغالب للحاستين، ومزيل العقل، والاستحاضة القليلة.
فالواجب بحسب غايته، وهي: الصلاة، والطواف، ومس خط المصحف.
ولا يجب لنفسه قطعا، وقد يجب بنذر، أو عهد، أو يمين.
فلو خلا المكلف من أسباب الوجوب، نوى الندب.
وتجب الصلاة والطواف بالأصل، أو النذر وشبهه، أو التحمل.
مخ ۳
و [يجب] المس برؤية غلط في المصحف - إذا توقف الإصلاح على المس - ولا يختص المس بباطن الكف، بل يحرم بجميع أجزاء البدن، فلو مس بظاهر الكف أو الزند أو اللسان أو الوجه - غير متطهر -، أثم.
ويجب على الولي منع الصبي من مس الكتابة، على الأقوى، وقيل: لا، لكونه غير مخاطب.
وأفعاله:
NoteV00P004N01 - النية: المشتملة على جنس الفعل، وفصوله كالوجوب أو الندب، وخواصه كالرفع والاستباحة والقربة، مستدامة الحكم إلى الفراغ (1).
NoteV00P004N02 - وغسل الوجه من القصاص إلى المحادر طولا، وعرضا ما اشتملت عليه الإبهام والوسطى.
NoteV00P004N03 - وغسل اليدين من المرفقين إلى رؤوس الأصابع، بادئا بالمرفقين.
NoteV00P004N04 - ومسح الرأس.
NoteV00P004N05 - ومسح الرجلين من رؤوس الأصابع إلى أصل الساق.
NoteV00P004N06 - والترتيب.
NoteV00P004N07 - والموالاة.
ونيته: أتوضأ لاستباحة الصلاة، لوجوبه، قربة إلى الله.
ويجوز للمختار - وهو غير السلس، والمبطون، والمستحاضة - إبدال الاستباحة بالرفع، وضمهما معا، وصفته: أتوضأ لرفع الحدث، لوجوبه، قربة إلى الله، أو: أتوضأ لرفع الحدث واستباحة الصلاة، لوجوبه، قربة إلى الله.
مخ ۴
ويجوز أن ينوي استباحة كل مشروط بالطهارة - كمس خط المصحف والطواف - إذا أراد فعل ذلك، ولو لم يرده احتمل الجواز، لأن الشارع جعله غاية (1)، ويحتمل العدم، لأن نية فعل غير مقصود الفعل كالعابث به.
والأول اختيار فخر المحققين (2)، فإنه قال في فتاويه: " لو نوى استباحة الطواف وهو ببغداد، جاز "، وهو جيد، وإن كان الثاني أحوط.
وكذا يجوز أن ينوي استباحة صلاة معينة، ما لم ينف غيرها، ولو نفى غيرها، بطل على الأقوى، لتلاعبه حينئذ بالطهارة، إلا في موضع لا يستبيح للمتوضئ (3) بالوضوء إلا صلاة واحدة - كالسلس، والمبطون، والمستحاضة - فإن النية تجزئ، لأنه نوى الواقع في التكليف.
ونية الوضوء المنذور: أتوضأ لوجوبه بالنذر، قربة إلى الله.
وله ضم (4) الرفع أو الاستباحة أيضا، قاله ابن فهد (رحمه الله) (5).
وقال الشهيد (رحمه الله): " ينصرف النذر إلى الوضوء الرافع، فلا بد من ضم الرفع أو الاستباحة " (6)، وهو أولى.
ويتفرع على القولين: ما لو عين الوضوء بوقت، فاتفق فيه متطهرا.
مخ ۵
فعلى الأول: يجب التجديد لأنه طاعة في نفسه، إذ وضوء على وضوء نور على نور (1).
وعلى الثاني: لا يجب لعدم إفادته، ولا يجب الحدث لعدم وجوب تحصيل شرط الواجب المشروط، وحينئذ، يسقط الوضوء، لأن وجوبه مشروط بالحدث.
والتجديد أحوط، لبراءة الذمة معه يقينا.
فائدتان:
[الأولى]: إذا عين النذر بوقت، تعين ووجب فعل الوضوء فيه، ولو فاته بتفريط، فإن كان غير متكرر، كفر عن النذر وقضى، على الأقوى (2)، وإن (3) أطلق، فوقته مدة العمر، وتتضيق بظن الوفاة، فحينئذ لو أخر، أثم.
ولا يتحقق وجوب الكفارة، والحال هذه ما دام حيا.
نعم، لو مات وجبت في ماله، ولو ظن عدم الوفاة فحصلت، أحتمل الكفارة لظهور فساد ظنه، والعدم لجواز التأخير شرعا، وهو جيد.
الثانية: في وجه وجوب النية وفي بيان حقيقتها.
أما الأول - وهو وجه الوجوب -: فدليله العقل والنقل.
أما العقل: فلأن الأفعال الصادرة من الفاعل تحتمل وجوها كثيرة، لا يختص أحدها إلا بالنية، كضربة اليتيم، فإنها إن صدرت على وجه التأديب لمستحقه (4)، كانت حسنة، وإن وقعت على سبيل الظلم، كانت قبيحة.
مخ ۶
أما النقل: فلقوله تعالى: وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين (1)، والإخلاص إنما يتحقق بالنية.
وقول النبي (صلى الله عليه وآله): إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى (2).
وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) في الحديث القدسي (3): من عمل لي عملا أشرك فيه غيري، تركته لشريكه (4).
وهي معتبرة في كل عبادة، إلا النظر المعرف لوجوب معرفة الله تعالى، وإرادة الطاعة.
وأما الثاني - وهو بيان الحقيقة -: فاعلم، أن النية هي: إرادة إيجاد الفعل على الوجه المأمور به شرعا، كذا ذكره الفاضل في القواعد (5)، وهو تعريف لمطلق النية، فالإرادة جنس والباقي كالفصل، ويخرج بإيجاد الفعل الترك، فإنه لا يحتاج إلى نية، وقوله: " على الوجه، إلى آخره "، يخرج به الإرادة اللغوية، ويدخل فيه اشتراط التقرب، وهو فعل العبادة خالصة لله وحده.
فلو نوى الرياء بطلت قطعا، وكذا لو ضمه، على الأصح.
ولو ضم التبرد، أو التسخن، أو التنظيف، أو التحسين، فقولان، والأقوى البطلان في الجميع لعدم الإخلاص، وكذا لو قصد تحصيل الثواب أو دفع العقاب، وكذا لو فعله حياء (6).
مخ ۷
أما لو فعل العبادة حبا لله، ومهابة له (1)، أو موافقة لأمره، أجزأت.
نعم، لو جعل الثواب والعقاب، أو الحياء (2)، باعثا على فعل العبادة لم يضر قطعا، لأن الكتاب والسنة قاطعان بذلك لمن تأملهما.
ولو ضم نية الوجوب والندب بطل، لتنافي الوجهين، على الأقوى.
واعلم أن في قول الفاضل (رحمه الله) " إرادة " إشارة إلى فائدة، هي: أن الشارع لم يضع للنية لفظا معينا يجب اتباعه بخصوصه، بل ما اشتمل (3) على المعنى المقصود - وهو جمع الهمة، وبعث النفس، وتوجهها وميلها إلى ما فيه ثواب - تلفظ بذلك أم لا (4)، وكل ما يذكر في كتب العلماء، فإنما (5) هو على سبيل التعليم.
واعلم أن ما قدمناه (6) من صفة النية، فإنما هي للمختار، كما عرفت.
أما السلس، والمبطون، والمستحاضة، فالمشهور في عبارة العلماء تعين نية الاستباحة، ولا يجوز نية رفع الحدث، لاستمراره.
وفي رسالة الشهيد (رحمه الله): جوز ضم الرفع إلى الاستباحة، فكأنه جعله ضميمة غير منافية (7).
مخ ۸
وفي قواعده (1) جوز نية الرفع منفردة، لأن المراد من نية رفع الحدث شرعا، رفع المانع - وهو متحقق في الجميع - وإلا لم يجز الدخول في الصلاة به - مثلا - بل لا يصح رفع الواقع، لأنه محال، وهذا المذهب قوي في النظر، بل على هذا يجوز نية رفع الحدث في التيمم، لحصول رفع المانع به (2)، وقد أشار إليه الشهيد في شرح رسالته، فليتأمل ثمة.
والندب بحسب غايته أيضا، وهو كثير، والمهم منه: الوضوء لندب الصلاة والطواف، وقراءة القرآن، ودخول المساجد (3)، وحمل المصحف، وصلاة الجنازة، وتكفين الميت، وزيارة القبور، ونوم الجنب، وجماع المحتلم، وجماع الحامل مطلقا (4)، والسعي في الحاجة، وذكر الحائض، والتجديد، والكون على طهارة.
واعلم، أن استحباب الوضوء في الصلاة المندوبة لا يخرجه عن الشرطية (5)، فلا يجوز فعلها بدونه، بل معناه: إن أراد الصلاة، تطهر ندبا، وإلا تركها لعدم شرعية الصلاة بغير طهارة، مطلقا، بخلاف البواقي، فإن الطهارة فيها للفضيلة خاصة، فيصح فعلها بدونها، نعم هي مع الطهارة أفضل، بمعنى كثرة ثوابها على ثواب فاقدها.
مخ ۹
ثم الفعل إن كان يشترط (1) فيه رفع الحدث أو الاستباحة - كالصلاة المندوبة - نوى ذلك.
وصفته: أتوضأ لاستباحة الصلاة، أو: لرفع الحدث، لندبه، قربة إلى الله. ويجوز ضمهما (2).
وإن كان لا يشترط (3) فيه ذلك، كفى في نيته ذكر السبب.
وصفته: أتوضأ لدخول المسجد، لندبه، قربة إلى الله، أتوضأ لتلاوة القرآن، لندبه، قربة إلى الله، وكذا البواقي.
ولا بد من تعينه كما ذكرنا، ولا يكفي الإطلاق - وهو أتوضأ لندبه، قربة إلى الله - لعدم ذكر الخصوصية، وإذا عين فعلا، لم يكف عن غيره.
ولو نوى رفع الحدث، كفى عن الكل، وقيل: لا بد في المندوب من الرفع حيث يمكن، ومع تعذره ينصرف إلى الصورة وتعيين سببه.
ومحل النية: عند غسل يديه المستحب للوضوء، ثم عند المضمضة (4)، ثم عند الاستنشاق، ثم خلالهما، ثم عند أول جزء من أعلا الوجه مقارنة له، وتتضيق حينئذ ويستديم حكمها إلى الفراغ.
وفي تقييد غسل يديه " بالمستحب للوضوء " فائدة، هي: أنه لو كان الغسل واجبا، كإزالة النجاسة، أو حراما، كقصور الماء عنه، أو مكروها
مخ ۱۰
كخوف عوزه، أو مباحا خاصة، كالغسل من غير الإناء، أو مستحبا لغير الوضوء، كالأكل والاستنجاء، لم يجز تقديم النية حينئذ.
والنية عند هذه الأفعال، كالواجب المخير، فينوي الوجوب في أي محل فعلها (1)، وكذا حكم نية الأغسال أجمع.
[القسم] الثاني: الغسل، وهو واجب وندب.
والواجب: إما بأصل الشرع وهو ستة:
غسل الجنابة، والحيض، والاستحاضة، والنفاس، وغسل الميت، ومسه بعد برده قبل غسله.
أو لا بأصل الشرع، فبالنذر، أو العهد، أو اليمين.
والقسم الأول - أعني الواجب بأصل الشرع -:
منه، ما يجب لنفسه قطعا، وهو غسل الميت، قاله فخر المحققين (2)، ولقائل أن يقول: إنه (3) لغيره من الأفعال المشروطة به، وإن كانت واجبة على غير محل الغسل.
ومنه، ما هو واجب لغيره قطعا، وهو الأغسال الباقية ما عدا غسل الجنابة.
ومنه، ما هو واجب لنفسه، على خلاف، وهو غسل الجنابة، فإن الفاضل حكم في تحريره (4) بوجوبه لنفسه، والشهيد جزم في كتبه (5) بوجوبه لغيره،
مخ ۱۱
ولكل حجج ليس هذا موضع ذكرها، والمشهور الأظهر الثاني.
وتظهر الفائدة فيما لو فعله المكلف خاليا عن فعل مشروط بالطهارة، فعلى الأول ينوي الوجوب، وعلى الثاني ينوي الندب.
وكلما هو واجب لغيره، لا يجب إلا بوجوب فعل مشروط به، وهو:
الصلاة (1)، والطواف، ومس خط المصحف، واللبث في المساجد، والاجتياز في المسجدين، وقراءة العزيمة، والصوم في (2) غير مس الميت، لأن حدثه لا يمنع من الصوم على الأصح، وإنما يمنع حدثه ما يمنع الحدث الأصغر، وهو: الصلاة، والطواف، ومس خط المصحف.
وإذا خلت الذمة من هذه الأسباب، نوى بالغسل الندب، ويباح له المشروط به عند حصوله إذا نوى الاستباحة أو الرفع.
ومحل النية - هنا - كما تقدم، إلا أنها لا تختص بالوجه، بل تجوز المقارنة بجميع الرأس حتى الرقبة، على الأصح.
وواجبه:
NoteV00P012N01 - النية - لما تقدم - (4. 3).
NoteV00P012N02 - ثم غسل الرأس.
NoteV00P012N03 - ثم ميامنه.
NoteV00P012N04 - ثم مياسره، مرتبا، كما ذكر.
مخ ۱۲
ولا يجب الترتيب بين أجزاء العضو نفسه، فيغسل الجانب - مثلا - كيف شاء، ولا يشترط الموالاة في الغسل، إلا غسل المستحاضة (1)، والسلس، والمبطون، إذا كان الحدث مستمرا، أو خشي فجأته في أثنائه.
ويسقط فرض الوضوء مع غسل الميت، ولا يسقط ندبه، ومع غسل الجنابة مطلقا (2)، ويجب مع البواقي، ويتخير المغتسل بين تقديمه وتأخيره، وفي جواز فعله في الأثناء قولان، قوى الشهيد العدم، لأنه لم يتعبد بمثله.
ولا يشترط الموالاة بينه وبين الغسل، إلا في الاستحاضة المستمرة، ولا عدم تخلل الحدث إن أخره، أما لو قدمه ثم أحدث، أعاده.
ولو اجتمع على المكلف غسلان فصاعدا، أجزأ كل منهما عن الآخر، إلا الاستحاضة المستمرة، فإن غيرها لا يجزي عنها، ولا تجزي هي عن غيرها أيضا، لكن إذا نوى خصوصية تستتبع الوضوء - كالحيض - وجب الوضوء، فلا تحصل الاستباحة بدونهما، ومتى أحدث في أثناء الغسل بطل مطلقا، وقيل: يتم ويتوضأ مطلقا، وقيل: يعيد غسل الجنابة ويتم ما عداه ويتوضأ.
وصفة النية: أغتسل لرفع حدث الجنابة، أو: لرفع الحدث، أو: لاستباحة الصلاة، أو: لرفع الحدث واستباحة الصلاة، لوجوبه، قربة إلى الله.
وإن كان غير مشغول الذمة بمشروط به، أبدل الوجوب بالندب.
وكذا القول في الحيض والنفاس، إلا أنه إن عين الحدث، نوى رفع حدث الحيض أو النفاس.
مخ ۱۳
وأما المستحاضة، فإن غسلها يجامع الحدث، فلتعتبر الدم، فإن غمس القطنة وسال، وجب ثلاثة أغسال: غسل للصبح، وغسل للظهرين، وغسل للعشائين، وتتوضأ لكل صلاة، وإن غمسها ولم يسل فغسل واحد للصبح مع الوضوء لكل صلاة (1)، وإن لم تغمسها، فالوضوء لكل صلاة خاصة، والاعتبار بقلة الدم وكثرته في أوقات الصلوات، فلو سبقت القلة، ثم طرأت الكثرة، انتقل الحكم، فلو كانت الكثرة بعد صلاة الصبح، اغتسلت للظهرين.
وهل يتوقف صحة الصوم على هذا الغسل؟ الأقرب نعم، للحكم على المستحاضة بوجوب الأغسال، وجعلها شرطا، ويحتمل العدم، لسبق انعقاد الصوم، ولا فرق في الصوم بين كثرته قبل فعل الظهرين، أو بعد فعلهما، أما بالنسبة إلى الظهرين، فلا يجب الغسل لهما وإن كثر بعدهما.
وتجب المبادرة بعد فعل الغسل والوضوء إلى الصلاة، إلا بما يتعلق بها، فلو أخرت وحصل حدث إعادتهما (2)، فحينئذ، يزيد على النواقض تراخي صلاة المستحاضة عن الغسل والوضوء.
ولا يصح الغسل، إلا بعد دخول وقت الصلاة، إلا أن تكون صائمة، أو متنفلة، فتقدمه على الفجر وجوبا، ويجزي له (3) وللصلاة.
ومحل التقديم بعد نصف الليل لا قبله.
ولو تركت الغسل، بطلت الصلاة والصوم، فيجب القضاء دون الكفارة، وكذا الحائض والنفساء، بخلاف الجنب، فإنه يقضي ويكفر.
مخ ۱۴
وحكم دائم الحدث - كالسلس - حكمها في عدم جواز تأخير الصلاة عن الوضوء، إلا شروطها وسننها (1) كالأذان.
ولو كان لكل منهما وقت يظن خلو الحدث فيه عن قدر الصلاة، وجب توخيه.
وصفة النية: أغتسل غسل الاستحاضة، لاستباحة الصوم، أو: لاستباحة الصلاة، لوجوبه، قربة إلى الله.
ونية الوضوء كما تقدم.
وفي جواز نية الرفع أو ضمه إلى الاستباحة، كلام سبق.
تذنيب:
علم من صفة النية، أنه لا يشترط تعيين الحدث، فلو عينه، فإن كان هو الواقع، فلا بحث، وإن كان الواقع غيره، فإن كان التعيين غلطا، صح، وإلا فلا، ولو عينه ونفى غيره، بطل، لاشتراك الخصوصية.
وكيفية الغسل ما تقدم.
ويجوز الارتماس في جميع الأغسال، ومعناه: مقارنة آخر جزء من النية بجميع البدن، وقيل: تكفي مقارنته بأي جزء اتفق، بشرط (2) اتباع الباقي، والأول اختيار الشهيد (3) (رحمه الله) والثاني مفهوم كلام الفاضل في القواعد (4)، وصرح به في بعض كتبه (5)، وهو اختيار ابن فهد في كتبه (6).
مخ ۱۵
ويجب تغسيل الميت المسلم أو من بحكمه، وهو الطفل لأربعة أشهر فصاعدا.
والقطعة ذات العظم، والصدر، والقلب، والرأس، وبعض كل منها، وجملة الميت خالية عنها كالميت في الأحكام، إلا الحنوط إذا فقد محله.
ويغسل المخالف - إلا الناصبي، والغالي، والمجسم بالحقيقة، والخارجي - كمعتقده، ويجوز بمذهب أهل الحق على كراهية.
والغاسل المسلم، لا الصبي - وإن كان مميزا - على تفصيل (1) ليس هذا موضع ذكره.
وصفة النية: أغسل هذا الميت، لوجوبه، قربة إلى الله، أو: أغسل هذا الميت، بماء السدر والكافور والقراح، لوجوبه، قربة إلى الله.
ومحلها: ابتداء غسل الرأس مقارنة، ولا يحتاج إلى ضم رفع، ولا استباحة، ولو نواهما أو أحدهما، لم يضر.
وتجزي نية واحدة للغسلات الثلاث، ولو فرق لكل غسلة نية (2)، أو جمع بين غسلتين (3) في نية، فالأقوى الإجزاء - أيضا - لتعدد الغسلات حسا (4)، ويحتمل عدمه، لأنه غسل واحد - فلا يجزي تفريقه - كغسل الجنابة، وكذا حكم تيممه.
مخ ۱۶
وإذا كان الغاسل هو الصاب، نوى هو، ولو اشترك جماعة في غسلة، نووا (1) أجمع، ولو كان الصاب غير الغاسل فنوى الصاب وحده، أجزأ، لأنه الغاسل حقيقة، ولو نوى الآخر، فالأقرب الإجزاء أيضا، لأن الصاب كالآلة.
ويشترط فيه إباحة المكان، كغيره من الأغسال والوضوءات.
وكيفية الوضوء ما تقدم.
ونيته: أوضئ هذا الميت، لندبه، قربة إلى الله.
ويتخير في تقديمه وتأخيره كغيره.
ويجب مسمى السدر في الغسلة الأولى، والكافور في الثانية، والقراح البحت (2) في الثالثة.
ثم يحنط بعد غسله، بوضع كافور على مساجده السبعة، أقله مسماه، وأعلاه ثلاثة عشر درهما وثلث درهم (3)، ونيته عند ابتداء الشروع فيه.
وصفتها: أحنط هذا الميت، لوجوبه، قربة إلى الله.
وتكفينه (4): بمئزر، وقميص، وإزار، ويزاد الرجل عمامة، وخامسة لشد فخذيه، وحبرة أو لفافة بدلها إن فقدت، والمرأة لفافة لثدييها، ونمطا (5)، وتبدل بالعمامة قناعا.
ونية التكفين: أكفن هذا الميت، لوجوبه، قربة إلى الله.
مخ ۱۷