لكن يفهم منه منع التقليد في جنس ما عمل به، وهو مناقض لما جزمنا به أولا(1)، إلا أن يحمل على غير المختار، ولا يمنع منه دعوى الإجماع لما تقدم من عدم تسليمه، وحمل المنع على بقاء أثر يؤدي إلى الجمع بين ما لا يقول به كل من الإمامين المقلدين؛ إذ السؤال وعدم التزام مذهب شامل للعمل ثابتا بخلاف ما عمل أولا، وهذا إذا لم يلتزم مذهبا معينا، فلو التزم مذهبا معينا كالإمام أبي حنيفة أو الشافعي، فهل يلزم الاستمرار عليه، فلا يقلد غيره في مسألة من المسائل.
فقيل: يلزم، كما يلزمه الاستمرار في حكم حادثة معينة قلد فيه؛ ولأنه اعتقد أن مذهبه حق، فيجب عليه العمل بموجب اعتقاده.
وقيل: لا يلزم، وهو الأصح؛ لأن التزامه غير ملزم؛ إذ لا واجب إلا ما أوجبه الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام، ولم يوجب على أحد أن يتمذهب بمذهب رجل من الأئمة، فيقلده في كل ما يأتي، ويذر دون غيره، والتزامه ليس بنذر حتى يجب الوفاء به.
وقيل: الملتزم كمن لم يلتزم إن عمل بحكم المقلد المجتهد، لا يرجع عنه: أي عن ذلك الحكم، وفي غيره: أي غير ذلك الحكم له تقليد غيره من المجتهدين، وهذا القول في الحقيقة تفصيل للقول الثاني(2)، وهو الغالب على الظن لعدم ما يوجبه(3): أي لزوم اتباع من التزم تقليده شرعا: أي إيجابا شرعيا، إذ لا يجب على المقلد إلا اتباع أهل العلم؛ لقوله تعالى: ((فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون))(4).
مخ ۱۷