203

دروس الشيخ عمر الأشقر

دروس الشيخ عمر الأشقر

ژانرونه

حفظ الله للمؤمنين
استعرضوا ما شئتم من سيرة المهتدين والصالحين الذين ذكرهم الله ﵎ في كتابه، فستجدون أن الله يحفظ الفرد والأسرة والجماعة بحفظها أمانة الله ﵎.
وقد حدثنا الرسول ﷺ عن الثلاثة الذين دخلوا الغار، وجاء السيل فانحدرت بسببه صخرة فأغلقت باب الغار، فكيف نجاهم الله ﵎؟ نجاهم؛ لأن كل واحد منهم سأل الله بعمل حفظ الله ﵎ فيه: فأحدهم: حفظ المال الكثير ورده إلى صاحبه، والآخر: أتته فرصة للزنا سهلة ميسرة، ولكنه خاف الله ﵎، والثالث: كان يبر والديه، فكل واحد منهم كان يذكر حالة حفظ فيها أمانة الله ﷿ فيتوسل إلى الله بها، فتنفرج عنهم الصخرة قليلًا، حتى إذا ما أتم الثالث دعوته انزاحت الصخرة عن الغار فخرجوا يمشون، لقد قبروا وهم أحياء، ولا يعلم بهم أحد، أو يعرف مكانهم أحد، إلا رب العزة ﷾.
وبمَ أنجى الله نوحًا؟ وكيف أنجاه؟ لقد أهلك الله الظالمين الذين رفضوا أمانة الله ورسالته، ورفضوا أن يحفظوا الله ﵎ في أمانته، وأصروا أن يعيشوا كما يشتهون وكما يحبون، فدمرهم الله، ونجى نوحًا والذين آمنوا معه، كما قال سبحانه: ﴿وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ﴾ [القمر:١٣].
ولو تأملنا كيف نجى الله ﵎ موسى ﵇ والمؤمنين؟ وكيف أهلك الكافرين؟ وعندما رمي ذو النون في البحر فالتقمه الحوت قال الله عنه: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ﴾ [الأنبياء:٨٧] أي: في بطن الحوت، فاجتمعت عليه ظلمة الحوت ثم ظلمة قعر البحر، ومع هذا ينادي رب العزة ﵎ من أعماق البحار قائلًا: ﴿لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء:٨٧] فقال الله: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنبياء:٨٨]، وليست هذه خصوصية لذي النون ﵇ وإنما هذا يتحقق لكل مؤمن، كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾ [الحج:٣٨].
هذه هي سنة الله ﵎ في المؤمنين الذين يستقيمون على طاعته سبحانه، والذين يحفظون حدوده، ويحكمون بأمانته ﵎ في خلقه.
فقول النبي ﷺ: (احفظ الله يحفظك)، كقول الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق:٣].
إن سنة الله ﵎ في عباده أن الإيمان يحدث خيرًا في نفس الإنسان، وفي واقعة، ويحدث خيرًا له بعد أن يبعثه الله ﵎ عند أن يجمع الأولين والآخرين.

22 / 4