Duroos of Sheikh Muhammad Isma'il Al-Muqaddim
دروس الشيخ محمد إسماعيل المقدم
ژانرونه
آية الكرسي من أعظم ما يحصن العبد من الشيطان الرجيم
ومن فضائل هذه الآية الكريمة: أنها تحرز الإنسان وتحفظه من الشيطان الرجيم.
فالشيطان يسعى إلى الإضرار بالعباد، والله ﷿ -وهو الرءوف بالعباد- شرع لهم أمورًا تقيهم من شر الشيطان وتبعده عنهم.
فمن تلك الأمور التي يتقى بها شر الشيطان: قراءة آية الكرسي، فقد أخبر رسول الله ﷺ أن قراءة آية الكرسي تبعد الشيطان عن قارئها وتحفظه من شره.
من ذلك ما رواه الإمام البخاري عن أبي هريرة ﵁ قال: (وكلني رسول الله ﷺ بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آت، فجعل يحثوا من الطعام، فأخذته وقلت: والله لأرفعنك إلى رسول الله ﷺ يعني: لأذهبن بك وأشكوك إلى رسول الله ﷺ، يقال: رفعه إلى الحاكم، يعني: أحضره للشكوى، (قال: إني محتاج، وعليّ عيال، ولي حاجة شديدة)، يحتمل هنا أنه يعني: عليّ نفقة عيال، أو أن (علي عيال) بمعنى: لي عيال، قال: (فخليت عنه، فأصبحت، فقال النبي ﵌، يا أبا هريرة! ما فعل أسيرك البارحة؟).
أي: بادره النبي ﷺ بالسؤال عن شيء لم يخبره به أبو هريرة، وإنما ذلك وحي من الله.
قال: (قلت: يا رسول الله! شكا حاجة شديدة وعيالًا، فرحمته فخليت سبيله، قال: أما إنه قد كذبك وسيعود)، أي: أنه كان كاذبًا في هذا الكلام، وسيعود مرة ثانية إلى هذا الفعل، قال: (فعرفت أنه سيعود؛ لقول رسول الله ﷺ: إنه سيعود، فرصدته -أي: راقبته- فجعل يحثوا من الطعام، فأخذته، فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله ﷺ، قال: دعني؛ فإني محتاج وعلي عيال، لا أعود.
فرحمته فخليت سبيله، فأصبحت، فقال لي رسول الله ﷺ: يا أبا هريرة! ما فعل أسيرك البارحة؟ قلت: يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالًا، فرحمته فخليت سبيله، قال: أما إنه قد كذبك وسيعود، فرصدته الثالثة، فجعل يحثوا من الطعام، فأخذته، فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله ﷺ، وهذا آخر ثلاث مرات، إنك تزعم لا تعود ثم تعود، قال: دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها، قلت: ما هن؟ قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي: ﴿اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ حتى تختم الآية، فإنك لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربنك شيطان حتى تصبح).
قوله: (فإنك لن يزال عليك من الله حافظ) يعني: حافظ من عند الله، أو من جهة أمر الله ﵎، وقوله: (ولا يقربنك شيطان حتى تصبح) هذا ضمان للحفظ من الشيطان.
قال أبو هريرة: (فخليت سبيله، فأصبحت، فقال لي رسول الله ﷺ: ما فعل أسيرك البارحة؟ قلت يا رسول الله: زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها، فخليت سبيله، قال ما هي؟ قلت: قال لي: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية: ﴿اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾، وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح).
وكان الصحابة رضي عنهم أحرص ما يكونون على الخير، فلم يكن أبو هريرة ليفوّت مثل هذه الفرصة التي أغراه فيها هذا الجني بأن يعلمه كلمات ينفعه الله بها.
وكانوا أحرص شيء على الخير، (فقال النبي ﷺ: أما إنه قد صدقك وهو كذوب، تعلم من تخاطب مذ ثلاث ليالٍ يا أبا هريرة؟ قال: لا، قال: ذاك شيطان).
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى تعليقًا على هذا الحديث: ولهذا إذا قرأها الإنسان عند الأحوال الشيطانية بصدق أبطلتها.
أي: إذا قرأتها في وضع من الأوضاع الشيطانية بصدق فإنها تبطل هذه الأحوال الشيطانية، مثل من يدخل النار بأحوال شيطانية، وبعض الناس الذين يزعمون أنهم يلقون أنفسهم في النار، ويكون في الأمر نوع من الأحوال الشيطانية، فإذا كان هناك شخص موجود وقرأ آية الكرسي فإن هذا يبطل، أو يحضر سماع المكاء والتصدية، فتتنزل عليه الشياطين وتتكلم على لسانه كلامًا لا يُعلم، وكذلك في مثل هذا الموضع إذا قرأ الإنسان آية الكرسي فإنه يبطل الأحوال الشيطانية، ولذلك فإن القوم الذي ينشغلون بهذه الأحوال الشيطانية، يخافون جدًا من أن يوجد أحد الحضور يذكر الله أو يقرأ آية الكرسي، ولا شك أن في هذا الحديث فضل عظيم لآية الكرسي.
ومن ذلك ما رواه الإمامان أحمد والترمذي عن أبي أيوب الأنصاري ﵁: (أنه كانت له سهوة فيها تمر)، والسهوة: هي الطاق في الحائط، يوضع فيها الشيء، وقيل: المخدع بين البيتين، وقيل: شيء يشبه الرف، وقيل: بيت صغير كالخزانة الصغيرة، وكل هذه الأشياء يُطلق عليه: سهوة، ولفظ الحديث يحتملها كلها، وإن كان بعض الطرق تُرجح أن المراد بالسهوة هنا: التعريف الأول، وهو الطاق في الحائط يوضع فيها الشيء.
عن أبي أيوب الأنصاري ﵁: (أنه كانت له سهوة فيها تمر، فكان تجيء الغول فتأخذ منه)، والغول: مفرد الغيلان، وهي جنس من جن الشياطين، (فشكا ذلك إلى النبي ﷺ، فقال: اذهب، إذا رأيتها فقل: باسم الله، أجيبي رسول الله ﷺ، قال: فأخذها، فَحَلَفَتْ ألا تعود، فأرسلتها، فجئت إلى النبي ﷺ، فقال: ما فعل أسيرك؟ قلت: حلفت ألا تعود، قال: كذبت، وهي معاودة للكذب، فأخذتها مرة أخرى، فحلفت ألا تعود، فأرسلتها، فجئت إلى النبي ﷺ، فقال: ما فعل أسيرك؟ قلت: حلفت ألا تعود، فقال: كذبت وهي معاودة للكذب، فأخذتها، فقلت: ما أنا بتاركك حتى أذهب بك إلى النبي صلى عليه وسلم، فقالت: إني ذاكرة لك شيئًا: آية الكرسي، اقرأها في بيتك، فلا يقربك شيطان ولا غيره) أي: لا يقربك شيء يضرك، سواء كان شيطانًا أو غيره، (فجئت إلى النبي ﵌، فقال: ما فعل أسيرك؟ فأخبرته بما قالت، قال: صدقت وهي كذوب)، قال الترمذي: حديث حسن غريب، وأقرّه الحافظ المنذري، وصححه الألباني رحمهم الله تعالى.
وروى النسائي وابن حبان والطبراني والحاكم والبغوي عن أبي بن كعب ﵁: (أنه كان له جرين تمر)، وجرين التمر: هو موضع يجفف فيه التمر، (فكان يجده ينقص، فحرسه ليلة، فإذا هو بمثل الغلام المحتلم، فسلم عليه، فرد ﵇، فقال: أجني أم أنسي؟ فقال: بل جني، فقال: أرني يدك، فأراه، فإذا يد كلب وشعر كلب، فقال: هكذا خلق الجن؟ فقال: لقد عَلِمَتْ الجن أنه ليس فيهم رجل أشدّ مني، قال: ما جاء بك؟ قال: أنبئنا أنك تحب الصدقة، فجئنا نُصيب من طعامك، قال: ما يجيرنا منكم؟ قال: تقرأ آية الكرسي من سورة البقرة: ﴿اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾؟ -يعني: أتحفظها؟ - قال: نعم، قال: إذا قرأتها غدوة أُجِرْتَ منّا حتى تمسي، وإذا قرأتها حين تمسي أُجِرْتَ منّا حتى تصبح).
قوله: (غدوة) يعني: في الغدو، وهو الصباح.
قال أُبي: (فغدوت إلى رسول الله ﷺ، فأخبرته بذلك، فقال ﵌: صدق الخبيث).
فالشاهد: أن هذا من فضائل آية الكرسي.
وهذا الحديث قال فيه الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده قوي، وقد ترجم الإمام ابن حبان هذا الحديث بقوله: ذكر الاحتراز من الشياطين -نعوذ بالله منهم- بقراءة آية الكرسي.
إذًا: من وظائف آية الكرسي أنها تقال في أذكار الصباح والمساء، وعندما يأوي المسلم إلى فراشه لينام، فإنه إذا قرأ آية الكرسي، فإنه يصير معه حافظ من الله تعالى ولا يقربه شيطان حتى يصبح.
وأيضًا: قراءة آية الكرسي في البيت تبعد الشيطان وغيره مما يضر الناس عن ذلك البيت.
وكذلك قراءة آية الكرسي غُدوة -أي: في الصباح- تجير قارئها من الجن حتى المساء، وقراءتها مساء تجير قارئها منهم حتى الصباح.
3 / 5