Duroos of Sheikh Khalid Al-Mosleh
دروس للشيخ خالد المصلح
ژانرونه
من فوائد العلم العصمة من الشرك
أيها الإخوة الكرام! إن من فوائد تعلم العلم الشرعي أنه يعصم العبد من الوقوع في أعظم الظلم، وهو الشرك، قال الله ﷾: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ﴾ [آل عمران:١٨]، فاستشهد الله ﷾ العلماء دون غيرهم من الناس، على أعظم مشهود وهو: أنه لا إله إلا هو سبحانه وبحمده، وأنه المتفرد بالألوهية، واستشهاد الله بالعلماء فيه بيان لفضلهم، وتزكية لهم؛ لأنه لا يمكن أن تقبل شهادة أحد ما لم يكن عدلًا، فاستشهد الله ﷾ العلماء على أعظم مشهود وهو التوحيد، فكان في ذلك تعديلًا لهم؛ لأن الله لا يستشهد من خلقه إلا العدول، قال الله ﷾ -في بيان ما كان عليه أهل الجاهلية لما فقدوا العلم-: ﴿لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا﴾ [نوح:٢٣]، فهذه وصية بعض الجهال من المشركين لأتباعهم ولمن يسمع نصحهم، لكن متى كان هذا؟ كان هذا لما انتفى العلم، وارتفع أثره، ولم يبق له في الناس وجود، فعند ذلك عبد هؤلاء الأصنام من دون الله ﷿.
فالعلم يعصم الإنسان من الشرك، روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس ﵄ في بيان معنى هذه الآية، قال: (كان هؤلاء رجالًا صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا على مجالسهم أنصابًا وسموها بهم، فنصبوا الأنصاب ليتذكروا عبادة هؤلاء، وسموها بأسمائهم لينشطهم هذا على شدة السعي في الخير والعمل به، ففعلوا ولم تعبد -أي: لم تعبد فترة من الزمن- حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم عبدت)، ومن هذا نفهم أن نسيان العلم سبب لكل شر، بل هو سبب لأعظم الشرور وهو الشرك بالله ﷾.
أيها الإخوة! قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (خير القرون قرني -وفي رواية: خير الناس قرني- ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)، وإن المتأمل الناظر في هذا الترتيب للفضل يعلم أن هذا الترتيب للفضل إنما هو بالنظر إلى ما عند القرن الأول من العلم والإيمان، فلما كان القرن الأول سابقًا في العلم والإيمان كان متقدمًا على غيره من القرون، وهكذا القرن الذي بعده، وهكذا الذي بعده، ولا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه؛ وذلك بسبب نقص العلم، فإنه كل ما تقدم الزمن، وكلما مضى الدهر؛ كلما قل العلم في الناس، ولا يقل برفع العلم فـ (إن الله لا يرفع العلم ولا ينتزعه انتزاعًا من صدور الناس، إنما ينتزعه بموت العلماء).
4 / 12