وأما وجه تقديم الرحمن على الرحيم ، فقيل : لما كان الملتفت اليه بالقصد الاول في مقام العظمة والكبرياء ، جلائل النعم وعظائمها دون دقائقها ، قدم الرحمن واردف بالرحيم كالتتمة ، تنبيها على ان الكل منه ، وان عنايته شاملة لذرات الوجود ، كيلا يتوهم أن محقرات الامور لا تليق بذاته ، فيحتشم عنه من سؤالها.
ففيه اشارة الى ان العاقل ينبغي له ان يرجع في حوائجه كلها اليه وينزلها به ، جليلة كانت او حقيرة ، ولا يأنف من رفع المحقرات اليه ، فانه غاية التوكل عليه.
يا موسى سلني كل ما تحتاج اليه حتى علف شاتك وملح عجينك.
* مالك يوم الدين .
لما وصف الله سبحانه نفسه بالرحمن الرحيم الدالين على كمال لطفه واحسانه وجوده وامتنانه على العباد في الاخرة والاولى ، اوجب ذلك غرورا ، وغلب به الرجاء على الخوف ، بل صار رجاء بحتا ، فكان موضع طغيان ومحل عصيان.
فعقب ذلك بما يدل على غاية قدرته ، وكمال سطوته في يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والامر يؤمئذ لله ، دفعا لذلك الغرور ، وحسما لمادة الشرور.
فهذه الاضافة والتخصيص للتهويل والتخويف ، وبذلك يصير الرجاء معادلا للخوف ، بحيث لا يرجح احدهما على الاخر.
فهذا في الحقيقة اشارة الى اسباب الخوف والرجاء ، فالرحمن الرحيم ينشأ منهما الرجاء ، ومالك وملك يوم الدين يورثان الخوف لمكان الجزاء.
مخ ۴۶